الآية- 55

إِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ ﴿55﴾

الإعراب:

العامل في ﴿إذ﴾ قوله ﴿ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين﴾ إذ قال ويحتمل أن يكون تقديره ذاك إذ قال الله وتمثيله ذاك واقع إذ قال الله ثم حذفت واقع وهو العامل في إذ وأقيمت إذ مقامه و﴿عيسى﴾ في موضع الضم لأنه منادي مفرد لكن لا يتبين فيه الإعراب لأنه منقوص وهو لا ينصرف لاجتماع العجمة والتعريف.

المعنى:

لما بين سبحانه ما هم به قوم عيسى من المكر به وقتله عقبه بما أنعم عليه من لطف التدبير وحسن التقدير فقال ﴿إذ قال الله يا عيسى إني متوفيك﴾ وقيل في معناه أقوال (أحدها) أن المراد به إني قابضك برفعك من الأرض إلى السماء من غير وفاة بموت عن الحسن وكعب وابن جريج وابن زيد والكلبي وغيرهم وعلى هذا القول يكون للمتوفي تأويلان (أحدهما) إني رافعك إلى وافيا لم ينالوا منك شيئا من قولهم توفيت كذا واستوفيته أي أخذته تاما (والآخر) إني متسلمك من قولهم توفيت منه كذا أي تسلمته (وثانيها) إني متوفيك وفاة نوم ورافعك إلى في النوم عن الربيع قال رفعه نائما ويدل عليه قوله ﴿و هو الذي يتوفاكم بالليل﴾ أي يميتكم لأن النوم أخو الموت وقال الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها الآية (وثالثها) إني متوفيك وفاة نوم عن ابن عباس ووهب قالا أماته الله ثلاث ساعات فأما النحويون فيقولون هو على التقديم والتأخير أي إني رافعك ومتوفيك لأن الواو لا توجب الترتيب بدلالة قوله فكيف كان عذابي ونذر والنذر قبل العذاب بدلالة قوله ﴿وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا﴾ وهذا مروي عن الضحاك ويدل عليه ما روي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) أنه قال إن عيسى بن مريم لم يمت وأنه راجع إليكم قبل يوم القيامة وقد صح عنه (صلى الله عليه وآله وسلّم) أنه قال كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم وإمامكم منكم رواه البخاري ومسلم في الصحيح فعلى هذا يكون تقديره إني قابضك بالموت بعد نزولك من السماء وقوله ﴿ورافعك إلي﴾ فيه قولان (أحدهما) إني رافعك إلى سمائي وسمي رفعه إلى السماء رفعا إليه تفخيما لأمر السماء يعني رافعك لموضع لا يكون عليك إلا أمري (والآخر) أن معناه رافعك إلى كرامتي كما قال حكاية عن إبراهيم (عليه السلام) إني ذاهب إلى ربي سيهدين أي إلى حيث أمرني ربي سمي ذهابه إلى الشام ذهابا إلى ربه وقوله ﴿ومطهرك من الذين كفروا﴾ وفيه قولان (أحدهما) مطهرك بإخراجك من بينهم وإنجائك منهم فإنهم أرجاس جعل مقامه فيما بينهم كملاقاة النجاسة من حيث كان يحتاج إلى مجاورتهم ومجاراتهم (والآخر) أن تطهيره منعه من كفر يفعلونه بالقتل الذي كانوا هموا به لأن ذلك رجس طهره الله منه عن الجبائي وقوله ﴿وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة﴾ معناه وجعل الذين آمنوا بك فوق الذين كذبوا عليك وكذبوك في العز والغلبة والظفر والنصرة وقيل في البرهان والحجة والمعني به النصارى قال ابن زيد ولهذا لا ترى اليهود حيث كانوا إلا أذل من النصارى ولهذا أزال الملك عنهم وإن كان ثابتا في النصارى على بلاد الروم وغيرها فهم أعز منهم وفوقهم إلى يوم القيامة وقال الجبائي فيه دلالة على أنه لا يكون لليهود مملكة إلى يوم القيامة كما للروم وقيل المعني به أمة محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) وإنما سماهم تبعا وإن كانت لهم شريعة على حدة لأنه وجد فيهم التبعية صورة ومعنى أما صورة فإنه يقال فلان يتبع فلانا إذا جاء بعده وأما معنى فلأن نبينا (صلى الله عليه وآله وسلّم) كان مصدقا بعيسى وبكتابه ويقال لمن يصدق غيره أنه يتبعه على أن شريعة نبينا وسائر الأنبياء متحدة في أبواب التوحيد فعلى هذا هو متبع له إذ كان معتقدا اعتقاده وقائلا بقوله وهذا القول أوجه لأن فيه ترغيبا في الإسلام ودلالة على أن أمة محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) يكونون ظاهرين إلى يوم القيامة ولأن من دعاه إلها لا يكون في الحقيقة تابعا له ﴿ثم إلي مرجعكم﴾ أي مصيركم ﴿فأحكم بينكم﴾ فأقضي بينكم ﴿فيما كنتم فيه تختلفون﴾ من أمر عيسى.