الآيات 45 - 46

إِذْ قَالَتِ الْمَلآئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ ﴿45﴾ وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَمِنَ الصَّالِحِينَ ﴿46﴾

القراءة:

ذكرنا القراءة في ﴿يبشرك﴾ والقول فيه.

اللغة:

المسيح فعيل بمعنى مفعول وأصله أنه مسح من الأقذار وطهر والمسيح أيضا الذي أحد شقي وجهه ممسوح لا عين له ولا حاجب ولذلك سمي الدجال به وقيل المسيح عيسى بفتح الميم والتخفيف وهو الصديق والمسيح بكسر الميم وتشديد السين نحو الشرير الدجال عن إبراهيم النخعي وأنكره غيره قال الشاعر:

إذ المسيح يقتل المسيحا والوجيه الكريم على من يسأله فلا يرده لكرم وجهه عنده خلاف من يبذل وجهه للمسألة فيرد يقال وجه الرجل يوجه وجاهة وله وجاهة عند الناس وجاه أي منزلة رفيعة والكهل ما بين الشاب والشيخ ومنه اكتهل النبت إذا طال وقوي والمرأة كهلة قال الشاعر:

ولا أعود بعدها كريا

أمارس الكهلة والصبيا ومنه الكاهل ما فوق الظهر إلى ما يلي العنق وقيل الكهولة بلوغ أربع وثلاثين سنة.

الإعراب:

وجيها منصوب على الحال المعنى يبشرك الله بهذا الولد وجيها ويكلم في موضع النصب أيضا على الحال عطفا على وجيها وجائز أن يعطف بلفظ يفعل على فاعل لمضارعة يفعل فاعلا قال الشاعر:

بات يغشيها بعضب باتر

يقصد في أسوقها وجائر أي قاصد أسوقها وجائر وكهلا حال من يكلم.

المعنى:

﴿إذ قالت الملائكة﴾ قال ابن عباس يريد جبرائيل ﴿يا مريم إن الله يبشرك﴾ يخبرك بما يسرك ﴿بكلمة منه﴾ فيه قولان أحدهما أنه المسيح سماه كلمة عن ابن عباس وقتادة وجماعة من المفسرين وإنما سمي بذلك لأنه كان بكلمة من الله من غير والد وهو قوله كن فيكون يدل عليه قوله إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه الآية وقيل سمي بذلك لأن الله بشر به في الكتب السالفة كما يقال الذي يخبرنا بالأمر إذا خرج موافقا لأمره قد جاء كلامي فمما جاء من البشارة به في التوراة أتانا الله من سيناء وأشرق من ساعير واستعلن من جبال فاران وساعير هو الموضع الذي بعث منه المسيح وقيل لأن الله يهدي به كما يهدي بكلمته والقول الثاني أن الكلمة بمعنى البشارة كأنه قال ببشارة منه ولد ﴿اسمه المسيح﴾ فالأول أقوى ويؤيده قوله إنما المسيح عيسى بن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه وإنما ذكر الضمير في اسمه وهو عائد إلى الكلمة لأنه واقع على مذكر فذهب إلى المعنى واختلف في أنه لم سمي بالمسيح فقيل لأنه مسح بالبركة واليمن عن الحسن وقتادة وسعيد وقيل لأنه مسح بالتطهير من الذنوب وقيل لأنه مسح بدهن زيت بورك فيه وكانت الأنبياء تمسح به عن الجبائي وقيل لأنه مسحه جبرائيل بجناحه وقت ولادته ليكون عوذة من الشيطان وقيل لأنه كان يمسح رأس اليتامى لله وقيل لأنه كان يمسح عين الأعمى فيبصر عن الكلبي وقيل لأنه كان لا يمسح ذا عاهة بيده إلا برأ عن ابن عباس في رواية عطا والضحاك وقال أبو عبيدة هو بالسريانية مشيحا فعربته العرب ﴿عيسى بن مريم﴾ نسبة إلى أمه ردا على النصارى قولهم إنه ابن الله ﴿وجيها﴾ ذا جاه وقدر وشرف ﴿في الدنيا والآخرة ومن المقربين﴾ إلى ثواب الله وكرامته ﴿ويكلم الناس في المهد﴾ أي صغيرا والمهد الموضع الذي يمهد لنوم الصبي ويعني بكلامه في المهد قوله إني عبد الله آتاني الكتاب الآية ووجه كلامه في المهد أنه تبرئة لأمه مما قذفت به وجلالة له بالمعجزة التي ظهرت فيه ﴿وكهلا﴾ أي ويكلمهم كهلا بالوحي الذي يأتيه من الله أعلمها الله تعالى أنه يبقى إلى حال الكهولة وفي ذلك إعجاز لكون المخبر على وفق الخبر وقيل إن المراد به الرد على النصارى بما كان فيه من التقلب في الأحوال لأن ذلك مناف لصفة الإله ﴿ومن الصالحين﴾ أي ومن النبيين مثل إبراهيم وموسى وقيل إن المراد بالآية ويكلمهم في المهد دعاء إلى الله وكهلا بعد نزوله من السماء ليقتل الدجال وذلك لأنه رفع إلى السماء وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة وذلك قبل الكهولة عن زيد بن أسلم وفي ظهور المعجزة في المهد قولان (أحدهما) أنها كانت مقرونة بنبوة المسيح لأنه تعالى أكمل عقله في تلك الحال وجعله نبيا وأوحى إليه بما تكلم به عن الجبائي وقيل كان ذلك على التأسيس والإرهاص لنبوته عن ابن الإخشيد ويجوز عندنا الوجهان ويجوز أيضا أن يكون معجزة لمريم تدل على طهارتها وبراءة ساحتها إذ لا مانع من ذلك وقد دلت الأدلة الواضحة على جوازه وإنما جحدت النصارى كلام المسيح في المهد مع كونه آية ومعجزة لأن في ذلك إبطالا لمذهبهم لأنه قال إني عبد الله وهذا ينافي قولهم أنه ابن الله فاستمروا على تكذيب من أخبر أنه شاهده كذلك.