الآية- 44

ذَلِكَ مِنْ أَنبَاء الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيكَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُون أَقْلاَمَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ ﴿44﴾

اللغة:

الأنباء الأخبار الواحد نبأ والإيحاء هو إلقاء المعنى إلى الغير على وجه يخفى والإيحاء الإرسال إلى الأنبياء تقول أوحى الله إليه أي أرسل إليه ملكا والإيحاء الإلهام ومنه قوله تعالى وأوحى ربك إلى النحل وقوله بأن ربك أوحى لها معناه ألقى إليها معنى ما أراد منها قال العجاج:

أوحى لها القرار فاستقرت

وشدها بالراسيات الثبت والإيحاء الإيماء قال:

فأوحت إلينا والأنامل رسلها ومنه قوله تعالى فأوحى إليهم أن سبحوا بكرة وعشيا أي أشار إليهم والوحي الكتابة قال رؤبة:

لقدر كان وحاه الواحي وقال:

في سور من ربنا موحية

والقلم الذي يكتب به والقلم الذي يجال بين القوم كل إنسان وقلمه وهو القدح والقلم قص الظفر ومقالم الرمح كعوبه وأصله قطع طرف الشيء.

الإعراب:

قال أبو علي إذ في قوله ﴿إذ يلقون﴾ متعلق بكنت وإذ في قوله إذ قالت الملائكة بعد يختصمون متعلق بيختصمون ويجوز أيضا أن يكون متعلقا بكنت كأنه قال وما كنت لديهم إذ قالت الملائكة وهذا إنما يجوز عندي إذا قدرت إذ الثانية بدلا من الأولى فإن لم تقدره هذا التقدير لم يجز وإنما يجوز البدل في هذا إذا كان وقت اختصامهم وقت قول الملائكة ليكون البدل المبدل منه في المعنى.

المعنى:

﴿ذلك﴾ إشارة إلى ما تقدم ذكره من حديث مريم وزكريا ويحيى ﴿من أنباء الغيب﴾ أي من أخبار ما غاب عنك وعن قومك ﴿نوحيه إليك﴾ أي نلقيه عليك معجزة وتذكيرا وتبصرة وموعظة وعبرة ووجه الإعجاز فيه أن ما غاب عن الإنسان يمكن أن يحصل علمه بدراسة الكتب أو التعلم أو الوحي والنبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) لم يشاهد هذه القصص ولا قرأها من الكتب ولا تعلمها إذ كان نشوءه بين أهل مكة ولم يكونوا أهل كتاب فوضح الله أن أوحى إليه بها وفي ذلك صحة نبوته ﴿وما كنت﴾ يا محمد ﴿لديهم﴾ عندهم ﴿إذ يلقون أقلامهم﴾ التي كانوا يكتبون بها التوراة في الماء على ما تقدم ذكره قبل وقيل أقلامهم أقداحهم للاقتراع جعلوا عليها علامات يعرفون بها من يكفل مريم على جهة القرعة ﴿أيهم يكفل مريم﴾ وفيه حذف أي لينظروا أيهم تظهر قرعته ليكفل مريم وهذا تعجيب من الله نبيه (صلى الله عليه وآله وسلّم) من شدة حرصهم على كفالة مريم والقيام بأمرها عن قتادة وقيل هو تعجيب من تدافعهم لكفالتها لشدة الأزمة التي لحقتهم حتى وفق لها خير الكفلاء لها زكريا ﴿وما كنت لديهم إذ يختصمون﴾ فيه دلالة على أنهم قد بلغوا في التشاح عليها إلى حد الخصومة وفي وقت التشاح قولان (أحدهما) حين ولادتها وحمل أمها إياها إلى الكنيسة تشاحوا في الذي يحضنها ويكفل تربيتها وهذا قول الأكثر وقال بعضهم كان ذلك وقت كبرها وعجز زكريا عن تربيتها وفي هذه الآية دلالة على أن للقرعة مدخلا في تميز الحقوق وقد قال الصادق (عليه السلام) ما تقارع قوم ففوضوا أمورهم إلى الله تعالى إلا خرج سهم المحق وقال أي قضية أعدل من القرعة إذا فوض الأمر إلى الله تعالى يقول فساهم فكان من المدحضين وقال الباقر أول من سوهم عليه مريم ابنة عمران ثم تلا ﴿وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم﴾ الآية والسهام ستة ثم استهموا في يونس ثم كان عبد المطلب ولد له تسعة بنين فنذر في العاشر إن يرزقه الله غلاما أن يذبحه فلما ولد له عبد الله لم يقدر أن يذبحه ورسول الله في صلبه فجاء بعشرة من الإبل فساهم عليها وعلى عبد الله فخرجت السهام على عبد الله فزاد عشرا فلم تزل السهام تخرج على عبد الله ويزيد عشرا فلما أن أخرجت مائة خرجت السهام على الإبل فقال عبد المطلب ما أنصفت ربي فأعاد السهام ثلاثا فخرجت على الإبل فقال الآن علمت أن ربي قد رضي بها فنحرها.