الآيات 33 - 34

إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ ﴿33﴾ ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴿34﴾

اللغة:

الاصطفاء الاختيار والاجتباء نظائر وهو افتعل من الصفوة وهذا من أحسن البيان الذي يمثل به المعلوم بالمرئي وذلك أن الصافي هو النقي من شائب الكدر فيما يشاهد فمثل الله تعالى خلوص هؤلاء القوم من الفساد بخلوص الصافي من شائب الأدناس وقد بينا معنى الآل فيما مضى عند قوله ﴿وإذ نجيناكم من آل فرعون﴾ الآية ومعنى الذرية وأصله عند قوله ﴿من ذريتي﴾.

الإعراب:

يحتمل نصب ذرية على وجهين (أحدهما) أن يكون حالا والعامل فيها اصطفى (والثاني) أن يكون على البدل من مفعول اصطفى.

المعنى:

﴿إن الله اصطفى﴾ أي اختار واجتبى ﴿آدم ونوحا﴾ لنبوته ﴿وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين﴾ أي على عالمي زمانهم بأن جعل الأنبياء منهم وقيل اختار دينهم كقوله ﴿واسئل القرية﴾ عن الفراء وقيل اختارهم بالتفضيل على غيرهم بالنبوة وغيرها من الأمور الجليلة التي رتبها الله لهم في ذلك من مصالح الخلق وقيل اختار آدم بأن خلقه من غير واسطة وأسكنه جنته وأسجد له ملائكته وأرسله إلى الملائكة والإنس واختار نوحا بالنبوة وطول العمر وإجابة دعائه وغرق قومه ونجاته في السفينة واختار إبراهيم بالخلة وتبريد النار وإهلاك نمرود وقوله ﴿وآل إبراهيم وآل عمران﴾ قيل أراد به نفس إبراهيم ونفس عمران كقوله ﴿وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون﴾ يعني موسى وهارون وقيل آل إبراهيم أولاده إسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وفيهم داود وسليمان ويونس وزكريا ويحيى وعيسى وفيهم نبينا لأنه من ولد إسماعيل وقيل آل إبراهيم هم المؤمنون المتمسكون بدينه وهو دين الإسلام عن ابن عباس والحسن وأما آل عمران فقيل هم من آل إبراهيم أيضا كما قال ﴿ذرية بعضها من بعض﴾ فهم موسى وهارون ابنا عمران وهو عمران بن يصهر بن قاهث بن لاوي بن يعقوب وقيل يعني بآل عمران مريم وعيسى وهو عمران بن الهشم بن أمون من ولد سليمان بن داود وهو أبو مريم لأن آل الرجل أهل البيت الذي ينتسب إليه عن الحسن ووهب وفي قراءة أهل البيت وآل محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) على العالمين وقالوا أيضا أن آل إبراهيم هم آل محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) الذين هم أهله ويجب أن يكون الذين اصطفاهم الله تعالى مطهرين معصومين منزهين عن القبائح لأنه تعالى لا يختار ولا يصطفي إلا من كان كذلك ويكون ظاهره مثل باطنه في الطهارة والعصمة فعلى هذا يختص الاصطفاء بمن كان معصوما من آل إبراهيم وآل عمران سواء كان نبيا أو إماما ويقال الاصطفاء على وجهين (أحدهما) أنه اصطفاه لنفسه أي جعله خالصا له يختص به (والثاني) أنه اصطفاه على غيره أي اختصه بالتفضيل على غيره وعلى هذا الوجه معنى الآية فإن قيل كيف اختصهم الله بالتفضيل قبل العمل فالجواب أنه إذا كان المعلوم أن صلاح المكلفين لا يتم إلا بهم فلا بد من تقديم البشارة بهم والإخبار بما يكون من حسن شمائلهم وأفعالهم والتشويق إليهم كما يكون من جلالة أقدارهم وزكاء خلالهم ليكون ذلك داعيا للناس إلى القبول منهم والانقياد لهم وفي هذه الآية دلالة على تفضيل الأنبياء على الملائكة عليهم أجمعين الصلاة والسلام لأن العالمين يعم الملائكة وغيرهم من المخلوقين وقد فضلهم سبحانه واختارهم على الكل وقوله ﴿ذرية﴾ أي أولادا وأعقابا بعضها من بعض قيل معناه في التناصر في الدين وهو الإسلام أي دين بعضها من دين بعض كما قال المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض أي في التناصر والتعاضد على الضلال وهو قول الحسن وقتادة وقيل بعضها من بعض في التناسل والتوالد فإنهم ذرية آدم ثم ذرية نوح ثم ذرية إبراهيم وهو المروي عن أبي عبد الله (عليه السلام) لأنه قال الذين اصطفاهم الله بعضهم من نسل بعض واختاره أبو علي الجبائي ﴿و الله سميع عليم﴾ فيه قولان (أحدهما) أن معناه سميع لما تقوله الذرية عليم بما يضمرونه فلذلك فضلهم على غيرهم لما في معلومه من استقامتهم في أقوالهم وأفعالهم (والثاني) أن معناه سميع لما تقوله امرأة عمران من النذر عليم بما تضمره ونبه بذلك على استحسان ذلك منها.

النظم:

وجه اتصال هذه الآية بما قبلها أنه لما وقعت المنازعة في إبراهيم وعيسى واختلف أقوال النصارى واليهود فيهما بين تعالى أن من أطاع الرسول قال فيهما ما يقوله هو وقيل أنه لما أمر بطاعة نبيه (صلى الله عليه وآله وسلّم) وأبى ذلك المشركون بين تعالى أنه كما اصطفاه لرسالته اصطفى من قبله من الأنبياء فلا وجه لإنكارهم رسالته.