الآية- 28

لاَّ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُوْنِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللّهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللّهِ الْمَصِيرُ ﴿28﴾

القراءة:

قرأ يعقوب وسهل تقية وهو قراءة الحسن ومجاهد والباقون ﴿تقاة﴾ وأمال الكسائي تقاة وقرأ نافع وحمزة بين التفخيم والإمالة والباقون بالتفخيم.

الحجة:

الأجود في تقاة التفخيم من أجل الحرف المستعلي وهو القاف وإنما جازت الإمالة لتؤذن أن الألف منقلبة من الياء وتقاة وزنها فعلة نحو تؤدة وتخمة فهما جميعا مصدرا اتقى تقية وتقاة واتقاء وتقوى وأصله وقاء إلا أن الواو المضمومة أبدلت تاء استثقالا لها فإنهم يفرون من ضمة الواو إلى الهمزة وإلى التاء فأما التاء فلقربها من الواو مع أنها من حروف الزيادات وأما الهمزة فلأنها نظيرتها في الطرف الآخر من مخارج الحروف مع حسن زيادتها أولا والتقية الإظهار باللسان خلاف ما ينطوي عليه القلب للخوف على النفس.

الإعراب:

معنى من ابتداء الغاية من قوله ﴿من دون المؤمنين﴾ على تقدير لا تجعلوا ابتداء الولاية مكانا دون المؤمنين لأن مكان المؤمن الأعلى ومكان الكافر الأدنى كما تقول زيد دونك ولست تريد أن زيدا في موضع مستفل أو أنه في موضع مرتفع لكن جعلت الشرف بمنزلة الارتفاع والخسة كالاستفال وقوله ﴿فليس من الله في شيء﴾ من في ﴿من الله﴾ يتعلق بمحذوف وهو حال والعامل فيه ما يتعلق به في وتقديره فليس في شيء من الله فمن الله في موضع الصفة لشيء فلما تقدمه انتصب على الحال وقوله ﴿أن تتقوا﴾ في محل الجر بباء محذوف أو في محل النصب بحذف الباء على ما مر أمثاله.

المعنى:

لما بين سبحانه أنه مالك الدنيا والآخرة والقادر على الإعزاز والإذلال نهى المؤمنين عن موالاة من لا إعزاز عندهم ولا إذلال من أعدائه ليكون الرغبة فيما عنده وعند أوليائه المؤمنين دون أعدائه الكافرين فقال ﴿لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء﴾ أي لا ينبغي للمؤمنين أن يتخذوا الكافرين أولياء لنفوسهم وأن يستعينوا بهم ويلتجئوا إليهم ويظهروا المحبة لهم كما قال في عدة مواضع من القرآن نحو قوله ﴿لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله﴾ الآية وقوله ﴿لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء ولا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء﴾ وقوله ﴿من دون المؤمنين﴾ معناه يجب أن يكون الموالاة مع المؤمنين وهذا نهي عن موالاة الكفار ومعاونتهم على المؤمنين وقيل نهي عن ملاطفة الكفار عن ابن عباس والأولياء جمع الولي وهو الذي يلي أمر من ارتضى فعله بالمعونة والنصرة ويجري على وجهين (أحدهما) المعين بالنصرة (والآخر) المعان فقوله تعالى ﴿الله ولي الذين آمنوا﴾ معناه معينهم بنصرته ويقال المؤمن ولي الله أي معان بنصرته وقوله ﴿ومن يفعل ذلك﴾ معناه من اتخذ الكافرين أولياء من دون المؤمنين ﴿فليس من الله في شيء﴾ أي ليس هو من أولياء الله والله بريء منه وقيل ليس هو من ولاية الله تعالى في شيء وقيل ليس من دين الله في شيء ثم استثنى فقال ﴿إلا أن تتقوا منهم تقاة﴾ والمعنى إلا أن يكون الكفار غالبين والمؤمنون مغلوبين فيخافهم المؤمن إن لم يظهر موافقتهم ولم يحسن العشرة معهم فعند ذلك يجوز له إظهار مودتهم بلسانه ومداراتهم تقية منه ودفعا عن نفسه من غير أن يعتقد ذلك وفي هذه الآية دلالة على أن التقية جائزة في الدين عند الخوف على النفس وقال أصحابنا إنها جائزة في الأحوال كلها عند الضرورة وربما وجبت فيها لضرب من اللطف والاستصلاح وليس تجوز من الأفعال في قتل المؤمن ولأن يعلم أو يغلب على الظن أنه استفساد في الدين قال المفيد أنها قد تجب أحيانا وتكون فرضا ويجوز أحيانا من غير وجوب وتكون في وقت أفضل من تركها وقد يكون تركها أفضل وإن كان فاعلها معذورا ومعفوا عنه متفضلا عليه بترك اللوم عليها وقال الشيخ أبو جعفر الطوسي (قده) ظاهر الروايات تدل على أنها واجبة عند الخوف على النفس وقد روي رخصة في جواز الإفصاح بالحق عنده وروى الحسن أن مسيلمة الكذاب أخذ رجلين من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) فقال لأحدهما أ تشهد أن محمدا رسول الله قال نعم قال أ فتشهد أني رسول الله فقال نعم ثم دعا بالآخر فقال أ تشهد أن محمدا رسول الله قال نعم ثم قال أ فتشهد أني رسول الله فقال إني أصم قالها ثلاثا كل ذلك يجيبه بمثل الأول فضرب عنقه فبلغ ذلك رسول الله فقال أما ذلك المقتول فمضى على صدقه ويقينه وأخذ بفضله فهنيئا له وأما الآخر فقبل رخصة الله فلا تبعة عليه فعلى هذا تكون التقية رخصة والإفصاح بالحق فضيلة وقوله ﴿ويحذركم الله نفسه﴾ يعني إياه فوضع نفسه مكان إياه ومعناه ويحذركم الله عقابه على اتخاذ الكافرين أولياء من دون المؤمنين وعلى سائر المعاصي وذكر ﴿نفسه﴾ لتحقيق الإضافة كما يقال احذر الأسد أي صولته وافتراسه دون عينه ﴿وإلى الله المصير﴾ معناه وإلى جزاء الله المرجع وقيل إلى حكمه.