الآيات 26 - 27

قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴿26﴾ تُولِجُ اللَّيْلَ فِي الْنَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الَمَيَّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَن تَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴿27﴾

فضل الآية:

روى جعفر بن محمد (عليهما السلام) عن أبيه عن آبائه عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) أنه قال لما أراد الله أن ينزل فاتحة الكتاب وآية الكرسي وشهد الله و﴿قل اللهم مالك الملك﴾ إلى قوله ﴿بغير حساب﴾ تعلقن بالعرش وليس بينهن وبين الله حجاب وقلن يا رب تهبطنا إلى دار الذنوب وإلى من يعصيك ونحن معلقات بالطهور وبالعرش فقال وعزتي وجلالي ما من عبد قرأكن في دبر كل صلاة مكتوبة إلا أسكنته حظيرة القدس على ما كان فيه وإلا نظرت إليه بعيني المكنونة في كل يوم سبعين نظرة وإلا قضيت له في كل يوم سبعين حاجة أدناها

المغفرة وإلا أعذته من كل عدو ونصرته عليه ولا يمنعه دخول الجنة إلا أن يموت وقال معاذ بن جبل احتبست عن رسول الله يوما لم أصل معه الجمعة فقال يا معاذ ما يمنعك عن صلاة الجمعة قلت يا رسول الله كان ليوحنا اليهودي علي أوقية من تبر وكان على بابي يرصدني فأشفقت أن يحبسني دونك قال أ تحب يا معاذ أن يقضي الله دينك قلت نعم يا رسول الله قال ﴿قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء﴾ إلى قوله ﴿بغير حساب﴾ يا رحمان الدنيا ورحيمهما تعطي منهما ما تشاء وتمنع منهما ما تشاء اقض عني ديني فإن كان عليك ملء الأرض ذهبا لأداه الله عنك.

القراءة:

قرأ نافع وحمزة والكسائي وحفص ويعقوب ﴿الميت﴾ بالتشديد والباقون بالتخفيف.

الحجة:

قال المبرد لا خلاف بين علماء البصرة أنهما سواء وأنشد لابن رعلاء الغساني:

ليس من مات فاستراح بميت

إنما الميت ميت الأحياء

إنما الميت من يعيش كئيبا

كاسفا باله قليل الرجاء فجمع بين اللغتين وما مات وما لم يمت في هذا الباب يستويان في الاستعمال وقال بعضهم الميت بالتشديد الذي لم يمت بعد وبالتخفيف الذي قد مات والصحيح الأول أ لا ترى أنه قل ما جاء:

ومنهل فيه الغراب ميت

سقيت منه القوم واستقيت فهذا قد مات.

اللغة:

النزع قلع الشيء عن الشيء يقال نزع فلان إلى أخواله أي نزع إليهم بالشبه فصار واحدا منهم بشبهه لهم والنزاع الحنين إلى الشيء والنزوع عن الشيء الترك له الإيلاج الإدخال يقال أولجه فولج ولوجا وولجا ولجة والوليجة بطانة الرجل لأنه يطلعه على دخلة أمره والتولج كناس الظبي لأنه يدخله والولج والولجة شيء يكون بين يدي فناء القوم.

الإعراب:

اللهم بمعنى يا الله والميم المشددة عند سيبويه والخليل عوض عن يا لأن يا لا يوجد مع الميم في كلامهم فعلم أن الميم في آخر الكلمة بمنزلة يا في أولها والضمة التي في أولها ضمة الاسم المنادى المفرد والميم مفتوحة لسكونها وسكون الميم التي قبلها وقال الفراء أصله يا الله أم بخير فألقيت الهمزة وطرحت حركتها على ما قبلها ومثله هلم إنما أصله هل أم واعترض على قول الخليل بأن الميم إنما تزاد مخففة في مثل فم وابنم وبأنها اجتمعت مع يا في قول الشاعر:

وما عليك أن تقولي كلما

سبحت أو صليت يا اللهما

اردد علينا شيخنا مسلما وقال علي بن عيسى هذا ليس بشيء لأن الميم هاهنا عوض من حرفين فشددت كما قيل قمتن وضربتن لما كانت النون عوضا من حرفين في قمتموا أو ضربتموا فأما قمن وذهبن فالنون هناك عوض عن حرف واحد وأما البيت فإنما جاز ذلك فيه لضرورة الشعر وأما هلم فإن الأصل فيه أن حرف التنبيه وهي ها دخلت على لم عند الخليل وقوله ﴿مالك الملك﴾ أكثر النحويين على أنه منصوب بأنه منادى مضاف قال الزجاج ويحتمل أن يكون صفة من اللهم لأن اللهم بمنزلة يا الله فيكون مثل قولك يا زيد ذا الجمة ﴿تؤتي الملك﴾ فعل وفاعل ومفعول في موضع النصب على الحال والعامل فيه حرف النداء وذو الحال اللهم أو مالك و﴿من تشاء﴾ مفعول ثان والتقدير تؤتي الملك من تشاء أن تؤتيه وتنزع الملك ممن تشاء أن تنزعه منه وكذا الباء في ﴿بيدك الخير﴾ مبتدأ وخبر في موضع الحال أيضا والعامل فيه تؤتي وتنزع وتعز وتذل وذو الحال الضمير المستكن فيها.

النزول:

قيل لما فتح رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) مكة ووعد أمته ملك فارس والروم قال المنافقون واليهود هيهات من أين لمحمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) ملك فارس والروم أ لم يكفه المدينة ومكة حتى طمع في الروم وفارس ونزلت هذه الآية عن ابن عباس وأنس بن مالك وقيل أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) خط الخندق عام الأحزاب وقطع لكل عشرة أربعين ذراعا فاحتج المهاجرون والأنصار في سلمان الفارسي وكان رجلا قويا فقال المهاجرون سلمان منا وقال الأنصار سلمان منا فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) سلمان منا أهل البيت قال عمرو بن عوف كنت أنا وسلمان وحذيفة ونعمان بن مقرن المزني وستة من الأنصار في أربعين ذراعا فحفرنا حتى إذا كنا بجب ذي ناب أخرج الله من بطن الخندق صخرة مروة كسرت حديدنا وشقت علينا فقلنا يا سلمان أرق إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) وأخبره خبر هذه الصخرة فأما أن نعدل عنها فإن المعدل قريب وأما أن يأمرنا فيه بأمره فإنا لا نحب أن نجاوز خطه قال فرقي سلمان إلى رسول الله وهو ضارب عليه قبة تركية فقال يا رسول الله خرجت صخرة بيضاء مروة من بطن الخندق فكسرت حديدنا وشقت علينا حتى ما يحتك فيها قليل ولا كثير فمرنا فيها بأمرك فإنا لا نحب أن نجاوز خطك قال فهبط رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) مع سلمان الخندق والتسعة على شفة الخندق فأخذ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) المعول من يد سلمان فضربها به ضربة صدعها وبرق منها برق أضاء ما بين لابتيها حتى كان لكان مصباحا في جوف بيت مظلم فكبر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) تكبيرة فتح وكبر المسلمون ثم ضربها رسول الله الثانية فكسرها وبرق منها برق أضاء ما بين لابتيها حتى لكان مصباحا في جوف بيت مظلم فكبر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) تكبيرة فتح وكبر المسلمون ثم ضربها رسول الله الثالثة فكسرها فبرق منها برق أضاء بها ما بين لابتيها حتى لكان مصباحا في جوف بيت مظلم فكبر رسول الله تكبير فتح وكبر المسلمون وأخذ بيد سلمان ورقي فقال سلمان بأبي أنت وأمي يا رسول الله لقد رأيت شيئا ما رأيت منك قط فالتفت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) إلى القوم وقال رأيتم ما يقول سلمان قالوا نعم يا رسول الله قال ضربت ضربتي الأولى فبرق الذي رأيتم أضاءت لي منها قصور الحيرة ومدائن كسرى كأنها أنياب الكلاب فأخبرني جبرائيل أن أمتي ظاهرة عليها ثم ضربت ضربتي الثانية فبرق الذي رأيتم أضاءت لي منها قصور الحمر من أرض الروم كأنها أنياب الكلاب وأخبرني جبرائيل أن أمتي ظاهرة عليها ثم ضربت ضربتي الثالثة فبرق الذي رأيتم أضاءت لي منها قصور صنعاء كأنها أنياب الكلاب وأخبرني جبرائيل أن أمتي ظاهرة عليها فأبشروا فاستبشر المسلمون وقالوا الحمد لله موعد صدق وعدنا النصر بعد الحصر فقال المنافقون أ لا تعجبون يمنيكم وبعدكم الباطل ويخبركم أنه يبصر من يثرب قصور الحيرة ومدائن كسرى وأنها تفتح لكم وأنتم إنما تحفرون الخندق من الفرق ولا تستطيعون أن تبرزوا فنزل القرآن وإذ يقول المنافقون الذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا وأنزل الله في هذه القصة ﴿قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك﴾ الآية رواه الثعلبي بإسناده عن عمرو بن عوف.

المعنى:

لما ذكر سبحانه مكائد أهل الكتاب علم رسوله محاجتهم وكيف يجيبهم إذا سألوا وأجابوا فقال ﴿قل﴾ يا محمد ﴿اللهم﴾ يا الله ﴿مالك الملك﴾ مالك كل ملك وملك فكل مالك دونك هالك وكل ملك دونك يهلك وقيل مالك العباد وما ملكوا عن الزجاج وقيل مالك أمر الدنيا والآخرة وقيل مالك النبوة عن مجاهد وسعيد بن جبير ﴿تؤتي الملك من تشاء﴾ تعطي الملك من تشاء وفيه محذوف أي من تشاء أن تؤتيه ﴿وتنزع الملك ممن تشاء﴾ أن تنزعه منه كما تقول خذ ما شئت ودع ما شئت ومعناه وتقطع الملك عمن تشاء أن تقطعه عنه على ما توجبه الحكمة وتقتضيه المصلحة واختلف في معناه فقيل تؤتي الملك وأسباب الدنيا محمدا وأصحابه وأمته وتنزعه عن صناديد قريش ومن الروم وفارس فلا تقوم الساعة حتى يفتحها أهل الإسلام عن الكلبي وقيل تؤتي النبوة والإمامة من تشاء من عبادك وتوليه التصرف في خلقك وبلادك وتنزع الملك على هذا الوجه من الجبارين بقهرهم وإزالة أيديهم فإن الكافر والفاسق وإن غلب أو ملك فليس ذلك بملك يؤتيه الله لقوله تعالى ﴿لا ينال عهدي الظالمين﴾ وكيف يكون ذلك من إيتاء الله وقد أمر بقصر يده عنه وإزالة ملكه ﴿وتعز من تشاء﴾ بالإيمان والطاعة ﴿وتذل من تشاء﴾ بالكفر والمعاصي وقيل تعز المؤمن بتعظيمه والثناء عليه وتذل الكافر بالجزية والسبي وقيل تعز محمدا وأصحابه وتذل أبا جهل وإضرابه من المقتولين يوم بدر في القليب وقيل تعز من تشاء من أوليائك بأنواع العزة في الدنيا والدين وتذل من تشاء من أعدائك في الدنيا والآخرة لأن الله تعالى لا يذل أولياءه وإن أفقرهم وابتلاهم فإن ذلك ليس على سبيل الإذلال بل ليكرمهم بذلك في الآخرة يعزهم ويجلهم غاية الإعزاز والإجلال ﴿بيدك الخير﴾ اللام للجنس أي الخير كله في الدنيا والآخرة من قبلك وإنما قال ﴿بيدك الخير﴾ وإن كان بيده كل شيء من الخير والشر لأن الآية تضمنت إيجاب الرغبة إليه فلا يحسن في هذه الحالة إلا ذكر الخير لأن الترغيب لا يكون إلا في الخير وهذا كما يقال أمر فلان بيد فلان ﴿إنك على كل شيء قدير﴾ أي قادر على جميع الأشياء لا يعجزك شيء تقدر على إيجاد المعدوم وإفناء الموجود وإعادة ما كان موجودا ﴿تولج الليل في النهار وتولج النهار في الليل﴾ قيل في معناه قولان (أحدهما) أن معناه ينقص من الليل فيجعل ذلك النقصان زيادة في النهار وينقص من النهار فيجعل ذلك النقصان زيادة في الليل على قدر طول النهار وقصره عن ابن عباس والحسن ومجاهد وعامة المفسرين (والآخر) معناه يدخل أحدهما في الآخرة بإتيانه بدلا منه في مكانه عن أبي علي الجبائي ﴿وتخرج الحي من الميت﴾ أي من النطفة وهي ميتة بدليل قوله ﴿وكنتم أمواتا فأحياكم﴾ ﴿وتخرج الميت من الحي﴾ أي النطفة من الحي وكذلك الدجاجة من البيضة والبيضة من الدجاجة عن ابن عباس وابن مسعود ومجاهد وقتادة والسدي وقيل أن معناه تخرج المؤمن من الكافر والكافر من المؤمن عن الحسن وروي ذلك عن أبي جعفر (عليه السلام) وأبي عبد الله (عليه السلام) ﴿وترزق من تشاء بغير حساب﴾ معناه بغير تقتير كما يقال فلان ينفق بغير حساب لأن من عادة المقتر أن لا ينفق إلا بحساب ذكره الزجاج وقيل معناه بغير مخافة نقصان لما عنده فإنه لا نهاية لمقدوراته فما يؤخذ منها لا ينقصها ولا هو على حساب جزء من كذا كما يعطي الواحد منا العشرة من المائة والمائة من الألف وقيل أن المراد بمن يشاء أن يرزقه ، أهل الجنة لأنه يرزقهم رزقا لا يتناوله الحساب ولا العد ولا الإحصاء من حيث أنه لا نهاية له ويطابقه قوله فأولئك يدخلون الجنة يرزقون فيها بغير حساب.