الآيات 39-45

فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ ﴿39﴾ وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ السُّجُودِ ﴿40﴾ وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ ﴿41﴾ يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ ﴿42﴾ إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَإِلَيْنَا الْمَصِيرُ ﴿43﴾ يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِرَاعًا ذَلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنَا يَسِيرٌ ﴿44﴾ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ ﴿45﴾

بيان:

خاتمة السورة يأمر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فيها أن يصبر على ما يقولون مما يرمونه بنحو السحر والجنون والشعر، وما يتعنتون به باستهزاء المعاد والرجوع إلى الله تعالى فيأمره (صلى الله عليه وآله وسلم) بالصبر وأن يعبد ربه بتسبيحه وأن يتوقع البعث بانتظار الصيحة، وأن يذكر بالقرآن من يخاف الله بالغيب.

قوله تعالى: ﴿فاصبر على ما يقولون وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب﴾ تفريع على جميع ما تقدم من إنكار المشركين للبعث، ومن تفصيل القول في البعث والحجة عليه، ومن وعيد المنكرين له المكذبين للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وتهديدهم بمثل ما جرى على المكذبين من الأمم الماضية.

وقوله: ﴿وسبح بحمد ربك﴾ إلخ، أمر بتنزيهه تعالى عما يقولون مصاحبا للحمد ومحصله إثبات جميل الفعل له ونفي كل نقص وشين عنه تعالى، والتسبيح قبل طلوع الشمس يقبل الانطباق على صلاة الصبح، والتسبيح قبل الغروب يقبل الانطباق على صلاة العصر أو عليها وعلى صلاة الظهر.

قوله تعالى: ﴿ومن الليل فسبحه وأدبار السجود﴾ أي ومن الليل فسبحه فيه، ويقبل الانطباق على صلاتي المغرب والعشاء.

وقوله: ﴿وأدبار السجود﴾ الأدبار جمع دبر وهو ما ينتهي إليه الشيء وبعده، وكان المراد بأدبار السجود بعد الصلوات فإن السجود آخر الركعة من الصلاة فينطبق على التعقيب بعد الصلوات، وقيل: المراد به النوافل بعد الفرائض، وقيل: المراد به الركعتان أو الركعات بعد المغرب وقيل: ركعة الوتر في آخر الليل.

قوله تعالى: ﴿واستمع يوم يناد المناد من مكان قريب﴾ فسروا الاستماع بمعان مختلفة والأقرب أن يكون مضمنا معنى الانتظار و﴿يوم يناد المناد﴾ مفعوله والمعنى: وانتظر يوما ينادي فيه المنادي ملقيا سمعك لاستماع ندائه، والمراد بنداء المنادي نفخ صاحب الصور في الصور على ما تفيده الآية التالية.

وكون النداء من مكان قريب لإحاطته بهم فيقع في سمعهم على نسبة سواء لا تختلف بالقرب والبعد فإنما هو نداء البعث وكلمة الحياة.

قوله تعالى: ﴿يوم يسمعون الصيحة بالحق ذلك يوم الخروج﴾ بيان ليوم ينادي المنادي، وكون الصيحة بالحق لأنها مقضية قضاء محتوما كما مر في قوله: ﴿وجاءت سكرة الموت بالحق﴾ الآية.

وقوله: ﴿ذلك يوم الخروج﴾ أي يوم الخروج من القبور كما قال تعالى: ﴿يوم يخرجون من الأجداث سراعا﴾ المعارج: 43.

قوله تعالى: ﴿إنا نحن نحيي ونميت وإلينا المصير﴾ المراد بالإحياء إفاضة الحياة على الأجساد الميتة في الدنيا، وبالإماتة الإماتة في الدنيا وهي النقل إلى عالم القبر، وبقوله: ﴿وإلينا المصير﴾ الإحياء بالبعث في الآخرة على ما يفيده السياق.

قوله تعالى: ﴿يوم تشقق الأرض عنهم سراعا ذلك حشر علينا يسير﴾ أصل ﴿تشقق﴾ تتشقق أي تتصدع عنهم فيخرجون منها مسارعين إلى الداعي.

وقوله: ﴿ذلك حشر علينا يسير﴾ أي ما ذكرنا من خروجهم من القبور المنشقة عنهم سراعا جمع لهم علينا يسير.

قوله تعالى: ﴿نحن أعلم بما يقولون وما أنت عليهم بجبار فذكر بالقرآن من يخاف وعيد﴾ في مقام التعليل لقوله: ﴿فاصبر على ما يقولون﴾ الآية، والجبار المتسلط الذي يجبر الناس على ما يريد.

والمعنى: فاصبر على ما يقولون وسبح بحمد ربك وانتظر البعث فنحن أعلم بما يقولون سنجزيهم بما عملوا ولست أنت بمتسلط جبار عليهم حتى تجبرهم على ما تدعوهم إليه من الإيمان بالله واليوم الآخر وإذا كانت حالهم هذه الحال فذكر بالقرآن من يخاف وعيدي.

بحث روائي:

في الدر المنثور، أخرج الطبراني في الأوسط، وابن عساكر عن جرير بن عبد الله عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): في قوله: ﴿وسبح بحمد ربك - قبل طلوع الشمس وقبل الغروب﴾ قبل طلوع الشمس صلاة الصبح، وقبل الغروب صلاة العصر.

وفي المجمع، روي عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه سئل عن قوله: ﴿وسبح بحمد ربك - قبل طلوع الشمس وقبل الغروب﴾ فقال: تقول حين تصبح وحين تمسي عشر مرات: لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير.

أقول: هو مأخوذ من إطلاق التسبيح في الآية وإن كان خصوص مورده صلاتي الصبح والعصر فلا منافاة.

وفي الكافي، بإسناده عن حريز عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قلت: ﴿وأدبار السجود﴾ قال: ركعات بعد المغرب.

أقول: ورواه القمي في تفسيره، بإسناده عن ابن أبي نصر عن الرضا (عليه السلام) ولفظه قال: أربع ركعات بعد المغرب.

وفي الدر المنثور، أخرج مسدد في مسنده، وابن المنذر وابن مردويه عن علي بن أبي طالب قال: سألت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عن أدبار النجوم والسجود فقال: أدبار السجود الركعتان بعد المغرب، وأدبار النجوم الركعتان قبل الغداة:.

أقول: وروي مثله عن ابن عباس وعمر عنه (صلى الله عليه وآله وسلم)، وأسنده في مجمع البيان، إلى الحسن بن علي (عليهما السلام) أيضا عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم).

وفي تفسير القمي، في قوله تعالى: ﴿فذكر بالقرآن من يخاف وعيد﴾ قال: ذكر يا محمد ما وعدناه من العذاب.