الآيات 20-34

أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُّنِيرٍ ﴿20﴾ وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ ﴿21﴾ وَمَن يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ﴿22﴾ وَمَن كَفَرَ فَلَا يَحْزُنكَ كُفْرُهُ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ فَنُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ﴿23﴾ نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلًا ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلَى عَذَابٍ غَلِيظٍ ﴿24﴾ وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ﴿25﴾ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ ﴿26﴾ وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴿27﴾ مَّا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ ﴿28﴾ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى وَأَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ﴿29﴾ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ يُّ الْكَبِيرُ ﴿30﴾ أَلَمْ تَرَ أَنَّ كَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللَّهِ لِيُرِيَكُم مِّنْ آيَاتِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ ﴿31﴾ وَإِذَا غَشِيَهُم مَّوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ ﴿32﴾ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَّا يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ ﴿33﴾ إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ﴿34﴾

بيان:

رجوع إلى ما قبل القصة من آيات الوحدانية ونفي الشريك وأدلتها المنتهية إلى قوله: ﴿هذا خلق الله فأروني ما ذا خلق الذين من دونه بل الظالمون في ضلال مبين﴾.

قوله تعالى: ﴿ألم تروا أن الله سخر لكم ما في السماوات وما في الأرض وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة﴾ رجوع إلى ما قبل قصة لقمان وهو الدليل على أن الخطاب للمشركين وإن كان ذيل الآية يشعر بعموم الخطاب.

وعليه فصدر الآية من تتمة كلام النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ويتصل بقوله: ﴿هذا خلق الله فأروني ما ذا خلق الذين من دونه﴾ ولا التفات في قوله: ﴿ألم تروا﴾.

وعلى تقدير كونه من كلامه تعالى ففي قوله: ﴿ألم تروا﴾ التفات من سياق الغيبة الذي في قوله: ﴿بل الظالمون في ضلال مبين﴾ إلى الخطاب، والالتفات في مثل هذه الموارد يكون لاشتداد وجد المتكلم وتأكد غيظه من جهل المخاطبين وتماديهم في غيهم بحيث لا ينفعهم دلالة ولا ينجح فيهم إشارة فيواجهون بذكر ما هو بمرأى منهم ومسمع لعلهم يتنبهوا عن نومتهم وينتزعوا عن غفلتهم.

وكيف كان فالمراد بتسخير السماوات والأرض للإنسان وهم يرون ذلك ما نشاهده من ارتباط أجزاء الكون بعضها ببعض في نظام عام يدبر أمر العالم عامة والإنسان خاصة لكونه أشرف أجزاء هذا العالم المحسوس بما فيه من الشعور والإرادة فقد سخر الله الكون لأجله.

والتسخير قهر الفاعل في فعله بحيث يفعله على ما يستدعيه القاهر ويريده كتسخير الكاتب القلم للكتابة وكما يسخر المولى عبده والمخدوم خادمه في أن يفعل باختياره وإرادته ما يختاره ويريده المولى والمخدوم والأسباب الكونية كائنة ما كانت تفعل بسببيتها الخاصة ما يريده الله من نظام يدبر به العالم الإنساني.

ومما مر يظهر أن اللام في ﴿لكم﴾ للتعليل الغائي والمعنى لأجلكم والمسخر بالكسر هو الله تعالى دون الإنسان، وربما احتمل كون اللام للملك والمسخر بالكسر هو الإنسان بمشية من الله تعالى كما يشاهد من تقدم الإنسان بمرور الزمان في تسخير أجزاء الكون واستخدامه لها في سبيل مقاصده لكن لا يلائمه تصدير الكلام بقوله: ﴿ألم تروا﴾.

وقوله: ﴿وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة﴾ الإسباغ الإتمام والإيساع أي أتم وأوسع عليكم نعمه، والنعم جمع نعمة وهو في الأصل بناء النوع وغلب عليه استعماله في ما يلائم الإنسان فيستلذ منه، والمراد بالنعم الظاهرة والباطنة بناء على كون الخطاب للمشركين النعم الظاهرة للحس كالسمع والبصر وسائر الجوارح والصحة والعافية والطيبات من الرزق والنعم الغائبة عن الحس كالشعور والإرادة والعقل.

وبناء على عموم الخطاب لجميع الناس الظاهرة من النعم هي ما ظهر للحس كما تقدم وكالدين الذي به ينتظم أمور دنياهم وآخرتهم والباطنة منها كما تقدم وكالمقامات المعنوية التي تنال بإخلاص العمل.

وقوله: ﴿ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير﴾ رجوع الخطاب إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) على ما كان في السياق السابق، والمجادلة المخاصمة النظرية بطريق المغالبة، والمقابلة بين العلم والهدى والكتاب تلوح بأن المراد بالعلم ما هو مكتسب من حجة عقلية، وبالهدى ما يفيضه الله بالوحي أو الإلهام، وبالكتاب الكتاب السماوي المنتهي إليه تعالى بالوحي النبوي ولذلك وصفه بالمنير فهذه طرق ثلاث من العلم لا رابع لها.

فمعنى قوله: يجادل في الله بغير كذا وكذا أنه يجادل في وحدانيته تعالى في الربوبية والألوهية بغير حجة يصح الركون إليها بل عن تقليد.

قوله تعالى: ﴿وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما وجدنا عليه آباءنا﴾ إلخ، ضمائر الجمع راجعة إلى ﴿من﴾ باعتبار المعنى كما أن ضمير الإفراد في الآية السابقة راجع إليه باعتبار اللفظ.

وقوله: ﴿وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله﴾ في التعبير بما أنزل الله من غير أن يقال: اتبعوا الكتاب أو القرآن إشارة إلى كون الدعوة دعوة ذات حجة لا تحكم فيها لأن نزول الكتاب مؤيد بحجة النبوة فكأنه قيل: وإذا دعوا إلى دين التوحيد الذي يدل عليه الكتاب المقطوع بنزوله من عند الله سبحانه، وبعبارة أخرى إذا ألقى إليهم القول مع الحجة قابلوه بالتحكم من غير حجة فقالوا نتبع ما وجدنا عليه آباءنا.

وقوله: ﴿أولو كان الشيطان يدعوهم إلى عذاب السعير﴾ أي أ يتبعون آباءهم ولو كان الشيطان يدعوهم بهذا الاتباع إلى عذاب السعير؟ فالاستفهام للإنكار ولو وصلية معطوفة على محذوف مثلها والتقدير أيتبعونهم لو لم يدعهم الشيطان ولو دعاهم.

ومحصل الكلام: أن الاتباع إنما يحسن إذا كانوا على الحق وأما لو كانوا على الباطل وكان اتباعا يدعوهم به إلى الشقاء وعذاب السعير وهو كذلك فإنه اتباع في عبادة غير الله ولا معبود غيره.

قوله تعالى: ﴿ومن يسلم وجهه إلى الله وهو محسن فقد استمسك بالعروة الوثقى وإلى الله عاقبة الأمور﴾ استئناف ويحتمل أن يكون حالا من مفعول ﴿يدعوهم﴾ وفي معنى الجملة الحالية ضمير عائد إليهم، والمعنى: أو لو كان الشيطان يدعوهم إلى كذا والحال أن من أسلم وجهه إلى الله كذا فقد نجا وأفلح والحال أن عاقبة الأمور ترجع إلى الله فيجب أن يكون هو المعبود.

وإسلام الوجه إلى الله تسليمه له وهو إقبال الإنسان بكليته عليه بالعبادة وإعراضه عمن سواه.

والإحسان الإتيان بالأعمال الصالحة عن إيقان بالآخرة كما فسره به في أول السورة ﴿هدى ورحمة للمحسنين الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم بالآخرة هم يوقنون﴾ والعروة الوثقى المستمسك الذي لا انفصام له.

والمعنى: ومن وحد الله وعمل صالحا مع اليقين بالمعاد فهو ناج غير هالك البتة في عاقبة أمره لأنها إلى الله وهو الذي يعده بالنجاة والفلاح.

ومن هنا يظهر أن قوله: ﴿وإلى الله عاقبة الأمور﴾ في مقام التعليل لقوله: ﴿فقد استمسك بالعروة الوثقى﴾ بما أنه استعارة تمثيلية عن النجاة والفلاح.

قوله تعالى: ﴿ومن كفر فلا يحزنك كفره - إلى قوله - إلى عذاب غليظ﴾ تسلية للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وتطييب لنفسه أن لا يغلبه الحزن وهم بالآخرة راجعون إليه تعالى فينبؤهم بما عملوا أي يظهر لهم حقيقة أعمالهم وتبعاتها وهي النار.

وقوله: ﴿نمتعهم قليلا ثم نضطرهم إلى عذاب غليظ﴾ كشف عن حقيقة حالهم ببيان آخر فإن البيان السابق ﴿إلينا مرجعهم فننبئهم بما عملوا﴾ ربما أوهم أنهم ما داموا متنعمين في الدنيا خارجون من قدرة الله ثم إذا ماتوا أو بعثوا دخلوا فيما خرجوا منه فانتقم منهم بالعذاب جيء بهذا البيان للدلالة على أنهم غير خارجين من التدبير قط وإنما يمتعهم في الدنيا قليلا ثم يضطرهم إلى عذاب غليظ فهم مغلوبون مقهورون على كل حال وأمرهم إلى الله دائما لن يعجزوا الله في حال التنعم ولا غيرها.

قوله تعالى: ﴿ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله قل الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون﴾ إشارة إلى أنهم مفطورون على التوحيد معترفون به من حيث لا يشعرون، فإنهم إن سئلوا عمن خلق السماوات والأرض اعترفوا بأنه الله عز اسمه وإذا كان الخالق هو هو فالمدبر لها هو هو لأن التدبير لا ينفك عن الخلق، وإذا كان مدبر الأمر والمنعم الذي يبسط ويقبض ويرجى ويخاف هو فالمعبود هو هو وحده لا شريك له فقد اعترفوا بالوحدة من حيث لا يعلمون.

ولذلك أمره (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يحمد الله على اعترافهم من حيث لا يشعرون فقال: ﴿قل الحمد لله﴾ ثم أشار إلى أن كون أكثرهم لا يعلمون معنى اعترافهم أن الله هو الخالق وما يستلزمه فقال: ﴿بل أكثرهم لا يعلمون﴾ نعم قليل منهم يعلمون ذلك ولكنهم لا يطاوعون الحق بل يجحدونه وقد أيقنوا به كما قال تعالى: ﴿وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم﴾ النمل: 14.

قوله تعالى: ﴿لله ما في السماوات والأرض إن الله هو الغني الحميد﴾ لما كان اعترافهم بأن الخالق هو الله سبحانه إنما يثبت التوحد بالربوبية والألوهية إذا كان التدبير والتصرف إليه تعالى وكان نفس الخلق كافيا في استلزامه اكتفى به في تمام الحجة واستحمد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) واستجهل القوم لغفلتهم.

ثم احتج عليه ثانيا من طريق انحصار الملك الحقيقي فيه تعالى لكونه غنيا محمودا مطلقا وتقريره أنه تعالى مبدىء كل خلق ومعطي كل كمال فهو واجد لكل ما يحتاج إليه الأشياء فهو غني على الإطلاق إذ لو لم يكن غنيا من جهة من الجهات لم يكن مبدئا له معطيا لكماله هذا خلف، وإذا كان غنيا على الإطلاق كان له ما في السماوات والأرض فهو المالك لكل شيء على الإطلاق فله أن يتصرف فيها كيف شاء فكل تدبير وتصرف يقع في العالم فهو له إذ لو كان شيء من التدبير لغيره لا له كان مالكه ذلك الغير دونه وإذا كان التدبير والتصرف له تعالى فهو رب العالمين والإله الذي يعبد ويشكر إنعامه وإحسانه.

وهذا هو الذي يشير إليه قوله: ﴿لله ما في السماوات والأرض إن الله هو الغني﴾ فقوله: ﴿لله ما في﴾ إلخ، حجة على وحدانيته وقوله: ﴿إن الله هو الغني﴾ تعليل للملك.

وأما قوله: ﴿الحميد﴾ أي المحمود في أفعاله فهو مبدأ آخر للحجة وذلك أن الحمد هو الثناء على الجميل الاختياري وكل جميل في العالم فهو له سبحانه فإليه يعود الثناء فيه فهو حميد على الإطلاق ولو كان شيء من هذا التدبير المتقن الجميل من غيره تعالى من غير انتساب إليه لكان الحمد والثناء لغيره تعالى لا له فلا يكون حميدا على الإطلاق وبالنسبة إلى كل شيء وقد فرض أنه حميد على الإطلاق هذا خلف.

قوله تعالى: ﴿ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله﴾ إلخ، ﴿من شجرة﴾ بيان للموصول والشجرة واحد الشجر وتفيد في المقام - وهي في سياق ﴿لو﴾ الاستغراق أي كل شجرة في الأرض، والمراد بالبحر مطلق البحر، وقوله: ﴿يمده من بعده سبعة أبحر﴾ أي يعينه بالانضياف إليه سبعة أمثاله والظاهر أن المراد بالسبعة التكثير دون خصوص هذا العدد والكلمة هي اللفظ الدال على معنى، وقد أطلق في كلامه تعالى على الوجود المفاض بأمره تعالى، وقد قال: ﴿إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون﴾ يس: 82، وقد أطلق على المسيح (عليه السلام) الكلمة في قوله: ﴿وكلمته ألقاها إلى مريم﴾ النساء: 171.

فالمعنى: ولو جعل أشجار الأرض أقلاما وأخذ البحر وأضيف إليه سبعة أمثاله وجعل المجموع مدادا فكتب كلمات الله - بتبديلها ألفاظا دالة عليها - بتلك الأقلام من ذلك المداد لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات الله لكونها غير متناهية.

ومن هنا يظهر أن في الكلام إيجازا بالحذف وأن قوله: ﴿إن الله عزيز حكيم﴾ في مقام التعليل، والمعنى: لأنه تعالى عزيز لا يعزه ولا يقهره شيء فهذه الكتابة لا ينفد بها ما هو من عنده حكيم لا يفوض التدبير إلى غيره.

والآية متصلة بما قبلها من حيث دلالته على كون تدبير الخلق له سبحانه لا لغيره فسيقت هذه الآية للدلالة على سعة تدبيره وكثرة أوامره التكوينية في الخلق والتدبير إلى حيث ينفد البحر الممدود بسبعة أمثاله لو جعل مدادا وكتبت به أشجار الأرض المجعولة أقلاما قبل أن ينفد أوامره وكلماته.

قوله تعالى: ﴿ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة إن الله سميع بصير﴾ سوق للكلام إلى إمكان الحشر وخاصة من جهة استبعادهم المعاد لكثرة عدد الموتى واختلاطهم بالأرض من غير تميز بعضهم من بعض.

فقال تعالى: ﴿ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة﴾ في الإمكان والتأتي فإنه تعالى لا يشغله شأن عن شأن ولا يعجزه كثرة ولا يتفاوت بالنسبة إليه الواحد والجمع، وذكر الخلق مع البعث للدلالة على عدم الفرق بين البدء والعود من حيث السهولة والصعوبة بل لا يتصف فعله بالسهولة والصعوبة.

ويشهد لما ذكر إضافة الخلق والبعث إلى ضمير الجمع المخاطب والمراد به الناس ثم تنظيره بالنفس الواحدة، والمعنى: ليس خلقكم معاشر الناس على كثرتكم ولا بعثكم إلا كخلق نفس واحدة وبعثها فأنتم على كثرتكم والنفس الواحدة سواء لأنه لو أشكل عليه بعث الجميع على كثرتهم والبعث لجزاء الأعمال فإنما يشكل من جهة الجهل بمختلف أعمالكم على كثرتها واختلاط بعضها ببعض لكنه ليس يجهل شيئا منها لأنه سميع لأقوالكم بصير بأعمالكم وبعبارة أخرى عليم بأعمالكم من طريق المشاهدة.

وبما مر يندفع الاعتراض على الآية بأن المناسب لتعليل كون خلق الكثير وبعثهم كنفس واحدة أن يعلل بمثل قولنا: إن الله على كل شيء قدير أو قوي عزيز أو ما يشبه ذلك لا بمثل السميع البصير الذي لا ارتباط له بالخلق والبعث.

وذلك أن الإشكال الذي تعرضت الآية لدفعه هو أن البعث لجزاء الأعمال وهي على كثرتها واندماج بعضها في بعض كيف تتميز حتى تجزى عليها فالإشكال متوجه إلى ما ذكره قبل ثلاث آيات بقوله: ﴿فننبئهم بما عملوا﴾ وقد أجيب بأنه كيف يخفى عليه شيء من الأقوال والأعمال وهو سميع بصير لا يشذ عن مشاهدته قول ولا فعل.

وقد كان ذيل قوله السابق: ﴿فننبئهم بما عملوا﴾ بقوله: ﴿إن الله عليم بذات الصدور﴾ وهو مبني على أن الجزاء على حسب ما يحمله القلب من الحسنة والسيئة كما يشير إليه قوله: ﴿وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله﴾ البقرة: 284، وجواب عن هذا الإشكال لو وجه إلى ما تحمله القلوب على كثرته فيجاب عنه أن الله عليم بذات الصدور ولو وجه إلى نفس الأعمال الخارجية من الأقوال والأفعال فالجواب عنه بما في هذه الآية التي نحن فيها: ﴿إن الله سميع بصير﴾ فالإشكال والجواب بوجه نظير ما وقع في قوله تعالى: ﴿قال فما بال القرون الأولى قال علمها عند ربي في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى﴾ طه: 52، فافهم.

و قد أجابوا عن الاعتراض بأجوبة أخرى غير تامة من أراد الوقوف عليها فليراجع المطولات.

قوله تعالى: ﴿ألم تر أن الله يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل وسخر الشمس والقمر كل يجري إلى أجل مسمى﴾ إلخ، استشهاد لما تقدم في الآية السابقة من علمه بالأعمال بأن التدبير الجاري في نظام الليل والنهار حيث يزيد هذا وينقض ذاك وبالعكس بحسب الفصول المختلفة وبقاع الأرض المتفرقة في نظم ثابت جار على اختلافه، وكذا التدبير الجاري في الشمس والقمر على اختلاف طلوعهما وغروبهما واختلاف جريانهما ومسيرهما بحسب الحس وكل منهما يجري لأجل مسمى ولا اختلاف ولا تشوش في النظام الدقيق الذي لهما فهذا كله مما يمتنع من غير علم وخبرة من مدبرها.

فالمراد بإيلاج الليل في النهار أخذ الليل في الطول وإشغاله بعض ساعات النهار من قبل وبإيلاج النهار في الليل عكس ذلك، والمراد بجريان الشمس والقمر المسخرين إلى أجل مسمى انتهاء كل وضع من أوضاعهما إلى وقت محدود مقدر ثم عودهما إلى بدء فمن شاهد هذا النظام الدقيق الجاري وأمعن فيه لم يشك في أن مدبره إنما يدبره عن علم لا يخالطه جهل وليس ذلك عن صدفة واتفاق.

وقوله: ﴿وأن الله بما تعملون خبير﴾ عطف على موضع ﴿أن الله يولج﴾ والتقدير ألم تر أن الله بما تعملون خبير وذلك لأن من شاهد نظام الليل والنهار والشمس والقمر لم يكد يغفل عن كون صانعه عليما بجلائل أعماله ودقائقها، كذا قيل.

وفيه أن استنتاج العلم بالأعمال من العلم بالنظام الجاري في الليل والنهار والشمس والقمر وإن صح في نفسه فهو علم حدسي لا مصحح لتسميتها رؤية وهو ظاهر.

ولعل المراد من مشاهدة خبرته تعالى بالأعمال أن الإنسان لو أمعن في النظام الجاري في أعمال نفسه بما أنها صادرة عن العالم الإنساني موزعة من جهة إلى الأعمال الصادرة عن القوى الظاهرة من سمع وبصر وشم وذوق ولمس والصادرة عن القوى الباطنة المدركة أو الفعالة أو من جهة إلى بعض القوى والأدوات أو كلها ومن جهة إلى جاذبة ودافعة ومن جهة إلى سني العمر من طفولية ورهاق وشباب وشيب إلى غير ذلك.

ثم في ارتباط بعضها ببعض واستخدام بعضها لبعض واهتداء النفس إلى وضع كل في موضعه الذي يليق به وحركته بهذه القافلة من القوى والأعمال نحو غايتها من الكمال وسعادتها في المال وتورطها في ورطات عالم المادة وموطن الزينة والفتنة فمن ناج أو هالك.

فإذا أمعن في هذا النظام المحير للأحلام لم يرتب أنه تقدير قدره ربه ونظام نظمه صانعه العليم القدير ومشاهدة هذا النظام العلمي العجيب مشاهدة أنه بما يعملون خبير، والله العالم.

قوله تعالى: ﴿ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه الباطل وأن الله هو العلي الكبير﴾ لما ذكر سبحانه أن منه بدء كل شيء فيستند إليه في وجوده وتدبير أمره وأن إليه عود كل شيء من غير فرق بين الواحد والكثير وأنه ليس إلى من يدعون من دونه خلق ولا أمر جمع الجميع تحت بيان واحد جامع فقال مشيرا إلى ما تقدم: ﴿ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه الباطل﴾ إلخ.

توضيحه أن الحق هو الثابت من جهة ثبوته والباطل يقابل الحق فهو اللاثابت من جهة عدم ثبوته، وقوله: ﴿إن الله هو الحق﴾ بما فيه من ضمير الفصل وتعريف الخبر باللام يفيد القصر أعني حصر المبتدأ في الخبر.

فقوله: ﴿بأن الله هو الحق﴾ قصر له تعالى في الثبوت، أي هو ثابت لا يشوب ثبوته بطلان وبعبارة أخرى هو ثابت من جميع الجهات وبعبارة ثالثة هو موجود على كل تقدير فوجوده مطلق غير مقيد بقيد ولا مشروط بشرط فوجوده ضروري وعدمه ممتنع وغيره من الموجودات الممكنة موجود على تقدير وهو تقدير وجود سببه وهو الوجود المقيد الذي يوجد بغيره من غير ضرورة في ذاته.

وإذا كان حقية الشيء هو ثبوته فهو تعالى حق بذاته وغيره إنما يحق ويتحقق به.

وإذا تأملت هذا المعنى حق تأمله وجدت أولا: أن الأشياء بأجمعها تستند في وجودها إليه تعالى وأيضا تستند في النظام الجاري فيها عامة وفي النظامات الجزئية الجارية في كل نوع من أنواعها وكل فرد من أفرادها إليه تعالى.

وثانيا: أن الكمالات الوجودية التي هي صفات الوجود كالعلم والقدرة والحياة والسمع والبصر والوحدة والخلق والملك والغنى والحمد والخبرة - مما عد في الآيات السابقة أو لم يعد - صفات قائمة به تعالى على حسب ما يليق بساحة كبريائه وعز قدسه لأنها صفات وجودية والوجود قائم به تعالى فهي إما عين ذاته كالعلم والقدرة وإما صفات خارجة عن ذاته منتزعة عن فعله كالخلق والرزق والرحمة.

وثالثا: أن قبول الشريك في ذاته أو في تدبيره وكل ما يحمل معنى الفقد والنقص مسلوب عنه تعالى وهذه هي الصفات السلبية كنفي الشريك ونفي التعدد ونفي الجسم والمكان والزمان والجهل والعجز والبطلان والزوال إلى غيرها.

فإن إطلاق وجوده وعدم تقيده بقيد ينفي عنه كل معنى عدمي أي إثبات الوجود مطلقا فإن مرجع نفي النفي إلى الإثبات.

ولعل قوله: ﴿وأن الله هو العلي الكبير﴾ يفيد ثبوت الصفات له بكلتا مرحلتيها بناء على أن اسم ﴿العلي﴾ يفيد معنى تنزهه عن ما لا يليق بساحته فهو مجمع الصفات السلبية والكبير يفيد سعته لكل كمال وجودي فهو مجمع الصفات الثبوتية.

وأن صدر الآية برهان على ذيلها وذيلها برهان على استجماعه تعالى الصفات الثبوتية والسلبية جميعا على ما تقدم تقريره فهو الذات المستجمع لجميع صفات الكمال فهو الله عز اسمه.

وقوله: ﴿وأن ما يدعون من دونه الباطل﴾ يجري فيه ما جرى في قوله: ﴿ذلك بأن الله هو الحق﴾ فالذي يدعونه من الآلهة ليس لهم من الحقيقة شيء ولا إليهم من الخلق والتدبير شيء لأن الشريك في الألوهية والربوبية باطلا لا حق فيه وإذ كان باطلا على كل تقدير فلا يستند إليه خلق ولا تدبير مطلقا.

والحق والعلي والكبير ثلاثة من الأسماء الحسنى وقد تحقق مما تقدم أن الحق في معنى الواجب الوجود وأن العلي من الصفات السلبية والكبير من الصفات الثبوتية قريب المعنى من قولنا: المستجمع لصفات الكمال.

قوله تعالى: ﴿ألم تر أن الفلك تجري في البحر بنعمة الله ليريكم من آياته﴾ إلخ، الباء في ﴿بنعمة الله﴾ للسببية وذكر النعمة كالتوطئة لآخر الآية وفيه تلويح إلى وجوب شكره على نعمته لأن شكر المنعم واجب.

والمعنى: ألم تر أن الفلك تجري وتسير في البحر بسبب نعمة الله وهي أسباب جريانها من الريح ورطوبة الماء وغير ذلك.

واحتمل بعضهم أن الباء للتعدية أو المعية والمراد بالنعمة ما تحمله السفن من الطعام وسائر أمتعة الحياة.

وقد تمم الآية بقوله: ﴿إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور﴾ والصبار الشكور أي كثير الصبر عند الضراء وكثير الشكر عند النعماء كناية عن المؤمن على ما قيل.

قوله تعالى: ﴿وإذا غشيهم موج كالظلل دعوا الله مخلصين له الدين﴾ إلخ، قال الراغب: الظلة سحابة تظل وأكثر ما يقال فيما يستوخم ويكره، قال: ﴿كأنه ظلة﴾ ﴿عذاب يوم الظلة﴾.

والمعنى: وإذا غشيهم وأحاط بهم في البحر موج كقطع السحاب انقطعوا إلى الله ودعوه للنجاة حال كونهم مخلصين له الدين أي وفي ذلك دليل على أن فطرتهم على التوحيد.

وقوله: ﴿فلما نجاهم إلى البر فمنهم مقتصد﴾ المقتصد سالك القصد أي الطريق المستقيم والمراد به التوحيد الذي دلتهم عليه فطرتهم إذ ذلك، وفي التعبير بمن التبعيضية استقلال عدتهم أي فلما نجا الله سبحانه هؤلاء الداعين بالإخلاص إلى البر فقليل منهم المقتصدون.

وقوله: ﴿وما يجحد بآياتنا إلا كل ختار كفور﴾ الختار مبالغة من الختر وهو شدة الغدر وفي السياق دليل على الاستكثار والمعنى ظاهر.

قوله تعالى: ﴿يا أيها الناس اتقوا ربكم﴾ لما ساق الحجج والمواعظ الشافية الوافية جمعهم في خاتمتها في خطاب عام يدعوهم إلى التقوى وينذرهم بيوم القيامة الذي لا يغني فيه مغن إلا الإيمان والتقوى.

قال الراغب: الجزاء الغنى والكفاية، وقال: يقال: غررت فلانا أصبت غرته ونلت منه ما أريد والغرة غفلة في اليقظة والغرار غفلة مع غفوة، إلى أن قال: فالغرور كل ما يغر الإنسان من مال وجاه وشهوة وشيطان وقد فسر بالشيطان إذ هو أخبث الغارين وبالدنيا لما قيل: الدنيا تغر وتضر وتمر.

فمعنى الآية: ﴿يا أيها الناس اتقوا ربكم﴾ وهو الله سبحانه ﴿واخشوا يوما﴾ وهو يوم القيامة ﴿لا يجزى﴾ لا يغني ﴿والد عن ولده ولا مولود هو جاز﴾ مغن كاف ﴿عن والده﴾ شيئا ﴿إن وعد الله﴾ بالبعث ﴿حق﴾ ثابت لا يخلف ﴿فلا تغرنكم الحياة الدنيا﴾ بزينتها الغارة ﴿ولا يغرنكم بالله الغرور﴾ أي جنس ما يغر الإنسان من شئون الحياة الدنيا أو خصوص الشيطان.

قوله تعالى: ﴿إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ما ذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت إن الله عليم خبير﴾ الغيث المطر ومعنى جمل الآية ظاهر.

وقد عد سبحانه أمورا ثلاثة مما تعلق به علمه وهي العلم بالساعة وهو مما استأثر الله علمه لنفسه لا يعلمه إلا هو ويدل على القصر قوله: ﴿إن الله عنده علم الساعة﴾ وتنزيل الغيث وعلم ما في الأرحام ويختصان به تعالى إلا أن يعلمه غيره.

وعد أمرين آخرين يجهل بهما الإنسان وبذلك يجهل كل ما سيجري عليه من الحوادث وهو قوله: ﴿وما تدري نفس ما ذا تكسب غدا﴾ وقوله: ﴿وما تدري نفس بأي أرض تموت﴾.

وكان المراد تذكرة أن الله يعلم كل ما دق وجل حتى مثل الساعة التي لا يتيسر علمها للخلق وأنتم تجهلون أهم ما يهمكم من العلم فالله يعلم وأنتم لا تعلمون فإياكم أن تشركوا به وتتمردوا عن أمره وتعرضوا عن دعوته فتهلكوا بجهلكم.

بحث روائي:

في كمال الدين، بإسناده إلى حماد بن أبي زياد قال: سألت سيدي موسى بن جعفر (عليه السلام) عن قول الله عز وجل: ﴿وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة﴾ فقال: النعمة الظاهرة الإمام الظاهر، والباطنة الإمام الغائب.

أقول: هو من الجري والآية أعم مدلولا.

وفي تفسير القمي، بإسناده عن جابر قال: قال رجل عند أبي جعفر (عليه السلام): ﴿وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة﴾ قال: أما النعمة الظاهرة فالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وما جاء به من معرفة الله عز وجل وتوحيده وأما النعمة الباطنة فولايتنا أهل البيت وعقد مودتنا.

أقول: هو كسابقه.

وفي المجمع، في قوله تعالى: ﴿وأسبغ عليكم﴾ الآية، وفي رواية الضحاك عن ابن عباس قال: سألت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عنه فقال: يا ابن عباس أما ما ظهر فالإسلام وما سوى الله من خلقك وما أفاض عليك من الرزق وأما ما بطن فستر مساوي عملك ولم يفضحك به، يا ابن عباس إن الله تعالى يقول: ثلاثة جعلتهن للمؤمن ولم يكن له: صلاة المؤمنين عليه من بعد انقطاع عمله، وجعلت له ثلث ماله أكفر به عنه خطاياه، والثالث سترت مساوي عمله ولم أفضحه بشيء منه ولو أبديتها عليه لنبذه أهله فمن سواهم.

أقول: روى ما يقرب منه في الدر المنثور، بطرق عن ابن عباس، والحديث كسابقيه من الجري.

وفي التوحيد، بإسناده عن عمر بن أذينة عن أبي جعفر (عليه السلام): في حديث: وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): كل مولود يولد على الفطرة يعني على المعرفة بأن الله خالقه فذلك قوله عز وجل: ﴿ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله﴾.

وفي تفسير القمي، في قوله تعالى: ﴿ألم تر أن الفلك تجري في البحر بنعمة الله﴾ قال: السفن تجري في البحر بقدرة الله.

وفيه، في قوله: ﴿إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور﴾ قال: الذي يصبر على الفقر والفاقة ويشكر الله عز وجل على جميع أحواله.

وفي المجمع، في الآية وفي الحديث: الإيمان نصفان: نصف صبر ونصف شكر.

أقول: وهو مأخوذ من الآية فقد مر أنه كناية عن المؤمن.

وفي تفسير القمي، في قوله تعالى: ﴿إلا كل ختار كفور﴾ قال: الختار الخداع وفي قوله: ﴿إن وعد الله حق﴾ قال: ذلك القيامة.

وفي إرشاد المفيد، من كلام أمير المؤمنين (عليه السلام) لرجل سمعه يذم الدنيا من غير معرفة بما يجب أن يقول في معناها: الدنيا دار صدق لمن صدقها، ودار عافية لمن فهم عنها، ودار غنى لمن تزود منها، مسجد أنبياء الله ومهبط وحيه، ومصلى ملائكته ومتجر أوليائه، اكتسبوا فيها الرحمة، وربحوا فيها الجنة فمن ذا يذمها؟ وقد آذنت ببينها، ونادت بفراقها، ونعت نفسها، فشوقت بسرورها إلى السرور، وحذرت ببلائها البلاء تخويفا وتحذيرا وترغيبا وترهيبا.

فيا أيها الذام للدنيا والمغتر بتغريرها متى غرتك؟ أبمصارع آبائك في البلى أم بمصارع أمهاتك تحت الثرى؟ كم عللت بكفيك ومرضت بيديك تبتغي لهم الشفاء واستوصفت لهم الأطباء، وتلتمس لهم الدواء، لم تنفعهم بطلبك ولم تشفعهم بشفاعتك مثلت بهم الدنيا مصرعك ومضجعك حيث لا ينفعك بكاؤك ولا تغني عنك أحباؤك.

وفي الخصال، عن أبي أسامة عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال: أ لا أخبركم بخمسة لم يطلع الله عليها أحدا من خلقه؟ قال: قلت: بلى قال: ﴿إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث - ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ما ذا تكسب غدا - وما تدري نفس بأي أرض تموت إن الله عليم خبير﴾.

أقول: هناك روايات كثيرة جدا عن النبي والأئمة (عليهم السلام) تخبر عن مستقبل حالهم وعن زمان موتهم ومكانه وهي تقيد هذه الرواية وما في معناها من الروايات بالتعليم الإلهي لكن بعض الروايات يأبى التقييد ولا يعبأ بأمرها.

وفي الدر المنثور، أخرج ابن المنذر عن عكرمة: أن رجلا يقال له الوراث من بني مازن بن حفصة بن قيس غيلان جاء إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: يا محمد، متى تقوم الساعة؟ وقد أجدبت بلادنا فمتى تخصب؟ وقد تركت امرأتي حبلى فمتى تلد؟ وقد علمت ما كسبت اليوم فما ذا أكسب غدا؟ وقد علمت بأي أرض ولدت فبأي أرض أموت؟ فنزلت هذه الآية.

أقول: الحديث لا يخلو من شيء لعدم انطباق الآية على فقرات السؤال.

وفيه، أخرج ابن مردويه عن علي بن أبي طالب قال: لم يعم على نبيكم (صلى الله عليه وآله وسلم) إلا الخمس من سرائر الغيب هذه الآية في آخر لقمان إلى آخر السورة.