سورة ابرهيم

﴿الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الآخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا أُوْلَئِكَ فِي ضَلاَلٍ بَعِيدٍ﴾ (3).

س - كيف يذمّهم على حبّ الحياة الدنيا والناس جميعاً يحبّونها؟

ج - إنّ ذمّهم باعتبار تفضيلهم الحياة الدنيا على الآخرة، لأنّ الاستحباب هو حبّ الشيء والتعرّض له، فهؤلاء أفرطوا في حبّهم وتعرّضهم للدنيا حتى فضّلوها على الآخرة، فالفعل هنا مضَّمن معنى التفضيل، ولذلك تعدّى بـ ﴿على﴾.

س - ما معنى أن يكون الضلاّل بعيداً؟

ج - الضلال عدول عن الحق وانحراف عنه، فهؤلاء كان انحرافهم عن الحق كثيراً، فعبّر عنه بالضلال البعيد.

﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ...﴾ (4).

س - ألا يترتّب على ذلك أن يكون النبي محمد مبعوثاًً للعرب فحسب؟

ج - إن وحدة اللغة بين الرسول وقومه لا تعني حصر رسالته بهم، بل يكفي أن يكون قومه قاعدة للإيمان بالرسالة، وتكون الانطلاقة بعدها إلى الأمم الأخرى، بينما إذا لم يكن الرسول بلسان قومه فلا يكونون القاعدة لرسالته.

﴿جَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَرَدُّواْ أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ وَقَالُواْ إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِّمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ﴾ (9).

س - ما معنى ردّ الأيدي في أفواههم؟

ج - إنه كناية عن رفضهم ومواجهتهم لرسالات الأنبياء، إما باعتبار أن الغاضب يضع أصبعه في فمه بسبب الغضب كما قال تعالى: ﴿عَضُّواْ عَلَيْكُمُ الأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ﴾(1). أو باعتبار أن من يريد إسكات شخص يضع يده على فمه.

س - الكفر هو الإنكار والرفض فكيف يقول: ﴿وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ﴾ والشاك متردد وليس منكراًً؟

ج - لا يشترط في الكفر الجزم بالإنكار، بل يكفي البناء العملي على رفض الرسالة مع الشك فيها، بل حتى مع العلم بصحتها، ولذلك يعتبر الجاحد كافراً رغم أنّه في قرارة نفسه مؤمن بصحتها.

﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُم مِّنْ أَرْضِنَآأَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ﴾ (95).

س - ألا يعني قولهم: ﴿أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا﴾ أنّ الرسل كانوا على دين قومهم؟

ج - كلاّ، بل حيث أنّ الرسل يبدؤون برسالتهم ودعوة قومهم في فترة معيّنة من حياتهم، فتخيّل أولئك أن الرسل قبل هذه الفترة كانوا على دينهم.

﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ * وَمَثلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ الأَرْضِ مَا لَهَا مِن قَرَارٍ﴾ (24- 26).

س - ما معنى أن يكون للكلمة الطيبة أصل ثابت وفرع ممتد؟

ج - حيث ان الكلمة الطيبة تعبّر عن الحقيقة الراسخة التي لا تتغير ﴿أصلها ثابت﴾ وتجيها الشبات والأباطيل، وتنتفع منها الأجيال المتعاقبة، فهي ممتدة بامتداد الحياة كالشجرة الممتدة الشاهقة ولا يقتصر ثمرها على قوم أو فئة خاصة، بينما الكلمة الخبيثة التعاليم والمبادئ الهدامة والمنحرفة التي ليس لها جذور ولا ثمر.

﴿قُل لِّعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُواْ يُقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَيُنفِقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خِلاَلٌ﴾ (31).

س - بما أن قوله: ﴿يُقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَيُنفِقُواْ﴾ مقول القول، فكان يفترض رفع الفعلين بإثبات النون فيهما لا جزمهما بحذفها؟

ج - كلاّ، يمكن أن لا يكونا ضمن مقول القول، وإنما هما جواب فعل الأمر (قل) ولذلك جاءا مجزومين، ومقول القول حذف لدلالة الجواب عليه، والمعنى قل لعبادي الذين آمنوا: يقيمون الصلاة وينفقون مما رزقناهم يقيموا الصلاة وينفقوا مما رزقناهم. أي إذا قلت لهم ذلك يقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فحُذف مقول القول اعتماداً على قرينة جواب الأمر، باعتبار أن مقول القول نفس مضمون الجواب.

﴿وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ﴾ (34).

س - كيف ينسجم قوله: ﴿وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ﴾ مع ما نلاحظه من عدم استجابة كثير من الأدعية؟

ج - الآية بصدد بيان وفرة نعم الله تعالى على الجنس البشري وأنه تعالى وفّر له ما يحتاجه ويطلبه ويطمح إليه ضمن نظام الأسباب، حيث جعل الخيرات في هذه الحياة الدنيا، منح القدرة والموهبة للإنسان، لاستثمارها. وليست الآية ناظرة إلى كل فرد من الناس، إذ قد لا يستجيب الله تعالى لبعض الناس تبعاً لمصالح ومقتضيات أو موانع معيّنة.

﴿... أَوَلَمْ تَكُونُواْ أَقْسَمْتُم مِّن قَبْلُ مَا لَكُم مِّن زَوَالٍ﴾ (44).

س - كيف يقسمون في الدنيا على عدم الزوال مع أن كلّ إنسان يعلم بأنه يموت ولا يخلد فيها؟

ج - من معاني الزوال الاستحالة والحركة، فهم أقسموا على عدم تحوّلهم من الدنيا إلى الآخرة.


1- تفسير العياشي : 2/ 135.