الآيات 1-20

لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ ﴿1﴾ وَأَنتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ ﴿2﴾ وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ ﴿3﴾ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي كَبَدٍ ﴿4﴾ أَيَحْسَبُ أَن لَّن يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ ﴿5﴾ يَقُولُ أَهْلَكْتُ مَالًا لُّبَدًا ﴿6﴾ أَيَحْسَبُ أَن لَّمْ يَرَهُ أَحَدٌ ﴿7﴾ أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ ﴿8﴾ وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ ﴿9﴾ وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ ﴿10﴾ فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ ﴿11﴾ وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ ﴿12﴾ فَكُّ رَقَبَةٍ ﴿13﴾ أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ ﴿14﴾ يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ ﴿15﴾ أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ ﴿16﴾ ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ ﴿17﴾ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ ﴿18﴾ وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا هُمْ أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ ﴿19﴾ عَلَيْهِمْ نَارٌ مُّؤْصَدَةٌ ﴿20﴾

بيان:

تذكر السورة أن خلقة الإنسان مبنية على التعب والمشقة فلا تجد شأنا من شئون الحياة إلا مقرونا بمرارة الكد والتعب من حين يلج في جثمانه الروح إلى أن يموت فلا راحة له عارية من التعب والمشقة ولا سعادة له خالصة من الشقاء والمشأمة إلا في الدار الآخرة عند الله.

فليتحمل ثقل التكاليف الإلهية بالصبر على الطاعة وعن المعصية وليجد في نشر الرحمة على المبتلين بنوائب الدهر كاليتم والفقر والمرض وأضرابها حتى يكون من أصحاب الميمنة وإلا فآخرته كأولاه وهو من أصحاب المشأمة عليهم نار مؤصدة.

وسياق آيات السورة، يشبه السياق المكي فيؤيد به كون السورة مكية وقد ادعى بعضهم عليه الإجماع، وقيل: السورة مدنية والسياق لا يساعد عليه، وقيل: مدنية إلا أربع آيات من أولها وسيأتي في البحث الروائي التالي إن شاء الله تعالى.

قوله تعالى: ﴿لا أقسم بهذا البلد﴾ ذكروا أن المراد بهذا البلد مكة وتؤيده مكية سياق السورة وقوله: ﴿ووالد وما ولد﴾ خاصة بناء على كون المراد بوالد هو إبراهيم (عليه السلام) على ما سيجيء.

قوله تعالى: ﴿وأنت حل بهذا البلد﴾ حال من هذا البلد، ووضع الظاهر موضع الضمير في قوله: ﴿بهذا البلد﴾ للدلالة على عظم شأنه والاعتناء بأمره وهو البلد الحرام، والحل مصدر كالحلول بمعنى الإقامة والاستقرار في مكان والمصدر بمعنى الفاعل.

والمعنى أقسم بهذا البلد والحال أنك حال به مقيم فيه وفي ذلك تنبيه على تشرف مكة بحلوله (صلى الله عليه وآله وسلم) فيها وكونها مولده ومقامه.

وقيل: الجملة معترضة بين القسم والمقسم به والمراد بالحل المستحل الذي لا حرمة له قال في الكشاف،: واعترض بين القسم والمقسم عليه بقوله: ﴿وأنت حل بهذا البلد﴾ يعني ومن المكابدة أن مثلك على عظم حرمتك يستحل بهذا البلد الحرام كما يستحل الصيد في غير الحرم - عن شرحبيل - يحرمون أن يقتلوا بها صيدا ويعضدوا بها شجرة ويستحلون إخراجك وقتلك، وفيه تثبيت من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وبعث على احتمال ما كان يكابد من أهل مكة وتعجيب من حالهم في عداوته انتهى.

ثم قال: أو سلي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بالقسم ببلده أن الإنسان لا يخلو من مقاساة الشدائد واعترض بأن وعده فتح مكة تتميما للتسلية والتنفيس عنه فقال: ﴿وأنت حل بهذا البلد﴾ يعني وأنت حل به في المستقبل تصنع فيه ما تريد من القتل والأسر إلى آخر ما قال، ومحصله تفسير الحل بمعنى المحل ضد المحرم، والمعنى وسنحل لك يوم فتح مكة حينا فنقاتل وتقتل فيه من شئت.

قوله تعالى: ﴿ووالد وما ولد﴾ لزوم نوع من التناسب والارتباط بين القسم والمقسم عليه يستدعي أن يكون المراد بوالد وما ولد من بينه وبين البلد المقسم به نسبة ظاهرة وينطبق على إبراهيم وولده إسماعيل (عليه السلام) وهما السببان الأصليان لبناء بلدة مكة والبانيان للبيت الحرام قال تعالى: ﴿وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل﴾ البقرة: 127 وإبراهيم (عليه السلام) هو الذي سأل الله أن يجعل مكة بلدا آمنا قال تعالى: ﴿وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا البلد آمنا﴾ إبراهيم: 35.

وتنكير ﴿والد﴾ للتعظيم والتفخيم، والتعبير بقوله ﴿وما ولد﴾ دون أن يقال: ومن ولد، للدلالة على التعجيب من أمره مدحا كما في قوله: ﴿والله أعلم بما وضعت﴾ آل عمران: 36.

والمعنى وأقسم بوالد عظيم الشأن هو إبراهيم وما ولد من ولد عجيب أمره مبارك أثره وهو إسماعيل ابنه وهما البانيان لهذا البلد فمفاد الآيات الثلاث الإقسام بمكة المشرفة وبالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) الذي هو حل فيها وبإبراهيم وإسماعيل اللذين بنياها.

وقيل: المراد بالوالد إبراهيم وبما ولد جميع أولاده من العرب.

وفيه أن من البعيد أن يقارن الله سبحانه بين النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وإبراهيم (عليه السلام) وبين أمثال أبي لهب وأبي جهل وغيرهم من أئمة الكفر فيقسم بهم جميعا في سياق، وقد تبرأ إبراهيم (عليه السلام) ممن لم يتبعه من بنيه على التوحيد إذ قال فيما حكاه الله: ﴿واجنبني وبني أن نعبد الأصنام رب إنهن أضللن كثيرا من الناس فمن تبعني فإنه مني ومن عصاني فإنك غفور رحيم﴾ إبراهيم: 36.

فعلى من يفسر ما ولد بأولاد إبراهيم أن يخصهم بالمسلمين من ذريته كما في دعاء إبراهيم وإسماعيل عند بنائهما الكعبة على ما حكاه الله: ﴿ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك وأرنا مناسكنا وتب علينا﴾ البقرة: 128.

وقيل: المراد بوالد وما ولد، آدم (عليه السلام) وذريته جميعا بتقريب أن المقسم عليه بهذه الأقسام خلق الإنسان في كبد وقد سن الله في خلق هذا النوع وإبقاء وجوده سنة الولادة فقد أقسم في هذه الآيات بمحصول هذه السنة وهو الوالد وما ولد على أن الإنسان في كد وتعب بحسب نوع خلقته من حين يحيى إلى حين يموت.

وهذا الوجه في نفسه لا بأس به لكن يبقى عليه بيان المناسبة بين بلدة مكة وبين والد وكل مولود في الجمع بينهما في الأقسام.

وقيل: المراد بهما آدم والصالحون من ذريته، وكان الوجه فيه تنزيهه تعالى من أن يقسم بأعدائه الطغاة والمفسدين من الكفار والفساق.

و قيل: المراد بهما كل والد وكل مولود وقيل: من يلد ومن لا يلد منهم بأخذ ﴿ما﴾ في ﴿ما ولد﴾ نافية لا موصولة.

وقيل: المراد بوالد هو النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وبما ولد أمته لأنه بمنزلة الأب لأمته وهي وجوه بعيدة.

قوله تعالى: ﴿لقد خلقنا الإنسان في كبد﴾ الكبد الكد والتعب، والجملة جواب القسم فاشتمال الكبد على خلق الإنسان وإحاطة الكد والتعب به في جميع شئون حياته مما لا يخفى على ذي لب فليس يقصد نعمة من نعم الدنيا إلا خالصة في طيبها محضة في هنائها ولا ينال شيئا منها إلا مشوبة بما ينغص العيش مقرونة بمقاساة ومكابدة مضافا إلى ما يصيبه من نوائب الدهر ويفاجئه من طوارق الحدثان.

قوله تعالى: ﴿أيحسب أن لن يقدر عليه أحد﴾ بمنزلة النتيجة لحجة الآية السابقة تقريرها أن الإنسان لما كانت خلقته مبنية على كبد مظروفة له لا ينال قط شيئا مما يريد إلا دون ما يريد أو غير ما يريد فهو محاط في خلقه مغلوب في إرادته مقهور فيما قدر له من الأمر والذي يغلبه في إرادته ويقهره على التلبس بما قدر له وهو الله سبحانه يقدر عليه من كل جهة فله أن يتصرف فيه بما شاء ويأخذه إذا أراد.

فليس للإنسان أن يحسب أن لن يقدر عليه أحد فيدعوه ذلك إلى أن يعلو على الله ويستكبر عن عبادته أو يعطيه في بعض ما أمر به كالإنفاق في سبيله فيستكثره ويمتن به على الله أو يمكر به تعالى بعد ما عمله رياء وسمعة عملا لوجه الكريم فيقول: أهلكت مالا لبدا.

قوله تعالى: ﴿يقول أهلكت مالا لبدا﴾ اللبد الكثير، سياق الآية وما يتلوها من الآيات إلى آخر السورة مشعر بأنه كان هناك بعض من أظهر الإسلام أو مال إليه فقد أنفق بعض ماله وامتن به مستكثرا له بقوله: ﴿أهلكت مالا لبدا﴾ فنزلت الآيات ورد الله عليه بأن الفوز بميمنة الحياة لا يتم إلا باقتحام عقبة الإنفاق في سبيل الله والدخول في زمرة الذين آمنوا وتواصوا بالصبر والمرحمة، ويتأيد به ما سيأتي في البحث الروائي إن شاء الله تعالى.

قوله تعالى: ﴿أيحسب أن لم يره أحد﴾ إنكار لما هو لازم قول الإنسان ﴿أهلكت مالا لبدا﴾ على طريق التكنية ومحصل المعنى أن لازم إخبار الإنسان بإهلاكه مالا لبدا أنه يحسب أنا في غفلة وجهل بما أنفق وقد أخطأ في ذلك فالله سبحانه بصير بما أنفق لكن هذا المقدار لا يكفي في الفوز بميمنة الحياة بل لا بد له من أن يتحمل ما هو أزيد من ذلك من مشاق العبودية فيقتحم العقبة ويكون مع المؤمنين في جميع ما هم فيه.

قوله تعالى: ﴿ألم نجعل له عينين ولسانا وشفتين وهديناه النجدين﴾ النجد الطريق المرتفع، والمراد بالنجدين طريق الخير وطريق الشر وسميا النجدين لما في سلوك كل منهما من الجهد والكدح، وفسرا بثديي الأم وهو بعيد.

وقوله: ﴿ألم نجعل له عينين﴾ أي جهزناه في بدنه بما يبصر به فيحصل له العلم بالمرئيات على سعة نطاقها، وقوله: ﴿ولسانا وشفتين﴾ أي أ ولم نجعل له لسانا وشفتين يستعين بها على التكلم والدلالة على ما في ضميره من العلم ويهتدي بذلك غيره على العلم بالأمور الغائبة عن البصر.

وقوله: ﴿وهديناه النجدين﴾ أي علمناه طريق الخير وطريق الشر بإلهام منا فهو يعرف الخير ويميزه من الشر فالآية في معنى قوله تعالى: ﴿ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها﴾ الشمس: 8.

وفي الآيات الثلاث حجة على قوله: ﴿أيحسب أن لم يره أحد﴾ أي على أنه تعالى يرى أعمال عباده ويعلم ما في ضمائرهم من وجوه الأعمال ويميز الخير من الشر والحسنة من السيئة.

محصلها أن الله سبحانه هو الذي يعرف المرئيات للإنسان بوسيلة عينيه وكيف يتصور أن يعرفه أمرا وهو لا يعرفه؟ وهو الذي يدل الإنسان على ما في الضمير بواسطة الكلام وهل يعقل أن يكشف له عما هو في حجاب عنه؟ وهو الذي يعلم الإنسان ويميز له الخير والشر بالإلهام وهل يمكن معه أن يكون هو نفسه لا يعلم به ولا يميزه؟ فهو تعالى يرى ما عمله الإنسان ويعلم ما ينويه بعمله ويميز كونه خيرا أو شرا وحسنة أو سيئة.

قوله تعالى: ﴿فلا اقتحم العقبة﴾ الاقتحام الدخول بسرعة وضغط وشدة، والعقبة الطريق الصعب الوعر الذي فيه صعود من الجبل، واقتحام العقبة إشارة إلى الإنفاق الذي يشق على منفقه كما سيصرح به.

وقيل: الجملة دعاء على الإنسان القائل: أهلكت مالا لبدا، وليس بشيء.

قوله تعالى: ﴿وما أدراك ما العقبة﴾ تفخيم لشأنها كما مر في نظائره.

قوله تعالى: ﴿فك رقبة﴾ أي عتقها وتحريرها أو التقدير هي أي العقبة فك رقبة فالمراد بالعقبة نفس الفك الذي هو العمل واقتحامه الإتيان به، والإتيان بالعمل نفس العمل.

وبه يظهر فساد قول بعضهم إن فك رقبة اقتحام للعقبة لا نفس العقبة فهناك مضاف محذوف يعود إليه الضمير والتقدير وما أدراك ما اقتحام العقبة هو - أي الاقتحام - فك رقبة.

وما ذكر في بيان العقبة من فك الرقبة والإطعام في يوم ذي مسغبة من مصاديق نشر الرحمة خص بالذكر لمكان الأهمية، وقدم فك الرقبة وابتدىء به لكمال عناية الدين بفك الرقاب.

قوله تعالى: ﴿أو إطعام في يوم ذي مسغبة يتيما ذا مقربة أو مسكينا ذا متربة﴾ المسغبة المجاعة، والمقربة القرابة بالنسب، والمتربة من التراب ومعناها الالتصاق بالتراب من شدة الفقر، والمعنى أو إطعام في يوم المجاعة يتيما من ذي القربى أو مسكينا شديد الفقر.

قوله تعالى: ﴿ثم كان من الذين آمنوا وتواصوا بالصبر وتواصوا بالمرحمة﴾ المرحمة مصدر ميمي من الرحمة، والتواصي بالصبر وصية بعضهم بعضا بالصبر على طاعة الله والتواصي بالمرحمة وصية بعضهم بعضا بالرحمة على ذوي الفقر والفاقة والمسكنة.

والجملة أعني قوله: ﴿ثم كان﴾ إلخ معطوفة على قول: ﴿اقتحم﴾ والتقدير فلا اقتحم العقبة ولا كان من الذين آمنوا إلخ وقيل فيها غير ذلك مما لا جدوى فيه.

قوله تعالى: ﴿أولئك أصحاب الميمنة﴾ بمعنى اليمن مقابل الشؤم، والإشارة بأولئك إلى ما يدل عليه السياق السابق أي الذين اقتحموا العقبة وكانوا من الذين آمنوا وتواصوا بالصبر والمرحمة أصحاب اليمن لا يرون مما قدموه من الإيمان وعملهم الصالح إلا أمرا مباركا جميلا مرضيا.

وقيل: المراد بالميمنة جهة اليمين وأصحاب الميمنة هم الذين يؤتون كتابهم بيمينهم، ومقابلة الميمنة بالمشأمة لا تلائمه.

قوله تعالى: ﴿والذين كفروا بآياتنا هم أصحاب المشأمة﴾ الآيات الآفاقية والأنفسية آيات وأدلة عليه تعالى تدل على توحده في الربوبية والألوهية وسائر ما يتفرع عليه وردها كفر بها والكفر بها كفر بالله وكذا القرآن الكريم وآياته، وكذا ما نزل وبلغ من طريق الرسالة.

والظاهر أن المراد بالآيات مطلقها، والمشأمة خلاف الميمنة.

قوله تعالى: ﴿عليهم نار مؤصدة﴾ أي مطبقة.

بحث روائي:

في المجمع، في قوله: ﴿وأنت حل بهذا البلد﴾ قيل: معناه وأنت محل بهذا البلد وهو ضد المحرم، والمراد أنت حلال لك قتل من رأيت من الكفار، وذلك حين أمر بالقتال يوم فتح مكة فأحلها الله له حتى قاتل وقتل، وقد قال (صلى الله عليه وآله وسلم): لم يحل لأحد قبلي ولا يحل لأحد بعدي ولم يحل لي إلا ساعة من نهار.

عن ابن عباس ومجاهد وعطاء.

وفيه، في الآية وقيل: لا أقسم بهذا البلد وأنت حلال منتهك الحرمة مستباح العرض لا تحترم فلا تبقى للبلد حرمة حيث هتكت: عن أبي مسلم وهو المروي عن أبي عبد الله (عليه السلام).

قال: كانت قريش تعظم البلد وتستحل محمدا فيه فقال: ﴿لا أقسم بهذا البلد وأنت حل بهذا البلد﴾ يريد أنهم استحلوك فيه وكذبوه وشتموك، وكانوا لا يأخذ الرجل منهم فيه قاتل أبيه ويتقلدون لحاء شجر الحرم فيأمنون بتقلدهم إياه فاستحلوا من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ما لم يستحلوه من غيره فعاب الله ذلك عليهم.

وفيه، في قوله تعالى: ﴿ووالد وما ولد﴾ قيل: آدم وما ولد من الأنبياء والأوصياء وأتباعهم.

عن أبي عبد الله (عليه السلام).

أقول: والمعاني السابقة مروية من طرق أهل السنة في أحاديث موقوفة، وروى القمي في تفسيره الأخيرتين بالإرسال والإضمار.

وفي تفسير القمي، ﴿يقول أهلكت مالا لبدا﴾ قال: اللبد المجتمع وفي المجمع،: في الآية قيل: هو الحارث بن نوفل بن عبد مناف وذلك أنه أذنب ذنبا فاستفتى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فأمره أن يكفر فقال: لقد ذهب مالي في الكفارات والنفقات منذ دخلت في دين محمد:، عن مقاتل.

وفي المجمع، أنه قيل لأمير المؤمنين (عليه السلام): إن أناسا يقولون في قوله: ﴿وهديناه النجدين﴾ أنهما الثديان فقال: لا، هما الخير والشر.

وفي أصول الكافي، بإسناده عن حمزة بن محمد عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سألته عن قول الله تعالى: ﴿وهديناه النجدين﴾ قال: نجد الخير والشر.

أقول: وروي في الدر المنثور، هذا المعنى بطرق عن علي (عليه السلام) وأنس وأبي أمامة وغيرهم عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ورواه القمي في تفسيره، مرسلا مضمرا.

وفي الكافي، بإسناده عن جعفر بن خلاد قال: كان أبو الحسن الرضا (عليه السلام) إذا أكل أتي بصحفة فتوضع قرب مائدته فيعمد إلى أطيب الطعام مما يؤتى به فيأخذ من كل شيء شيئا فيضع في تلك الصحفة ثم يأمر بها للمساكين ثم يتلو هذه الآية ﴿فلا اقتحم العقبة﴿.

ثم يقول: علم الله عز وجل أنه ليس كل إنسان يقدر على عتق رقبة فجعل لهم السبيل إلى الجنة.

وفي المجمع، وروي مرفوعا عن البراء بن عازب قال: جاء أعرابي إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: يا رسول الله علمني عملا يدخلني الجنة قال: إن كنت أقصرت الخطبة لقد أعرضت المسألة، أعتق النسمة وفك الرقبة، فقال أ وليسا واحدا؟ قال: لا، عتق الرقبة أن يتفرد بعتقها وفك الرقبة أن يعين في ثمنها، والفيء على ذي الرحم الظالم.

فإن لم يكن ذلك فأطعم الجائع واسق الظمآن وأمر بالمعروف وأنه عن المنكر فإن لم تطق ذلك فكف لسانك إلا من خير.

وفي تفسير القمي، في قوله تعالى: ﴿أو مسكينا ذا متربة﴾ قال: لا يقيه من التراب شيء.