الآيات 1-9

يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴿1﴾ قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ وَاللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ يمُ الْحَكِيمُ ﴿2﴾ وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَن بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ يمُ الْخَبِيرُ ﴿3﴾ إِن تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ ﴿4﴾ عَسَى رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِّنكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُّؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا ﴿5﴾ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ﴿6﴾ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ﴿7﴾ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴿8﴾ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ﴿9﴾

بيان:

تبدأ السورة بالإشارة إلى ما جرى بين النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وبين بعض أزواجه من قصة التحريم فيعاتب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بتحريمه ما أحل الله له ابتغاء لمرضاة بعض أزواجه ومرجعه إلى عتاب تلك البعض والانتصار له (صلى الله عليه وآله وسلم) كما يدل عليه سياق الآيات.

ثم تخاطب المؤمنين أن يقوا أنفسهم من عذاب الله النار التي وقودها الناس والحجارة وليسوا يجزون إلا بأعمالهم ولا مخلص منها إلا للنبي والذين آمنوا معه ثم تخاطب النبي بجهاد الكفار والمنافقين.

وتختتم السورة بضربه تعالى مثلا من النساء للكفار ومثلا منهن للمؤمنين.

وظهور السياق في كون السورة مدنية لا ريب فيه.

قوله تعالى: ﴿يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضاة أزواجك والله غفور رحيم﴾ خطاب مشوب بعتاب لتحريمه (صلى الله عليه وآله وسلم) لنفسه بعض ما أحل الله له، ولم يصرح تعالى به ولم يبين أنه ما هو؟ وما ذا كان؟ غير أن قوله: ﴿تبتغي مرضاة أزواجك﴾ يومىء أنه كان عملا من الأعمال المحللة التي يقترفها النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لا ترتضيه أزواجه فضيقن عليه وآذينه حتى أرضاهن بالحلف على أن يتركه ولا يأتي به بعد.

فقوله: ﴿يا أيها النبي﴾ علق الخطاب والنداء بوصف النبي دون الرسول لاختصاصه به في نفسه دون غيره حتى يلائم وصف الرسالة.

وقوله: ﴿لم تحرم ما أحل الله لك﴾ المراد بالتحريم التسبب إلى الحرمة بالحلف على ما تدل عليه الآية التالية فإن ظاهر قوله: ﴿قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم﴾ إلخ، إنه (صلى الله عليه وآله وسلم) حلف على ذلك ومن شأن اليمين أن يوجب عروض الوجوب إن كان الحلف على الفعل والحرمة إن كان الحلف على الترك، وإذ كان (صلى الله عليه وآله وسلم) حلف على ترك ما أحل الله له فقد حرم ما أحل الله له بالحلف.

وليس المراد بالتحريم تشريعه (صلى الله عليه وآله وسلم) على نفسه الحرمة فيما شرع الله له فيه الحلية فليس له ذلك.

وقوله: ﴿تبتغي مرضاة أزواجك﴾ أي تطلب بالتحريم رضاهن بدل من تحرم إلخ، أو حال من فاعله، والجملة قرينة على أن العتاب بالحقيقة متوجه إليهن، ويؤيده قوله خطابا لهما: ﴿إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما﴾ إلخ، مع قوله فيه: ﴿والله غفور رحيم﴾.

قوله تعالى: ﴿قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم والله مولاكم وهو العليم الحكيم﴾ قال الراغب: كل موضع ورد فرض الله عليه ففي الإيجاب الذي أدخله الله فيه، وما ورد من فرض الله له فهو في أن لا يحظره على نفسه نحو ﴿ما كان على النبي من حرج فيما فرض الله له﴾ وقوله: ﴿قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم﴿.

والتحلة أصلها تحللة على وزن تذكرة وتكرمة مصدر كالتحليل، قال الراغب: وقوله عز وجل: ﴿قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم﴾ أي بين ما تحل به عقدة أيمانكم من الكفارة.

فالمعنى: قد قدر الله لكم - كأنه قدره نصيبا لهم حيث لم يمنعهم عن حل عقدة اليمين - تحليل أيمانكم بالكفارة والله وليكم الذي يتولى تدبير أموركم بالتشريع والهداية وهو العليم الحكيم.

وفي الآية دلالة على أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كان قد حلف على الترك، وأمر له بتحلة يمينه.

قوله تعالى: ﴿وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثا فلما نبأت به وأظهره الله عليه عرف بعضه وأعرض عن بعض فلما نبأها به قالت من أنبأك هذا قال نبأني العليم الخبير﴾ السر هو الحديث الذي تكتمه في نفسك وتخفيه، والإسرار إفضاؤك الحديث إلى غيرك مع إيصائك بإخفائه، وضمير ﴿نبأت﴾ لبعض أزواجه، وضمير ﴿به﴾ للحديث الذي أسره النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إليها، وضمير ﴿أظهره﴾ للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وضمير ﴿عليه﴾ لإنبائها به غيرها وإفشائها السر، وضمير ﴿عرف﴾ وأعرض للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وضمير ﴿بعضه﴾ للحديث، والإشارة بقوله: ﴿هذا﴾ لإنبائها غيره وإفشائها السر.

ومحصل المعنى: وإذ أفضى النبي إلى بعض أزواجه - وهي حفصة بنت عمر بن الخطاب - حديثا وأوصاها بكتمانه فلما أخبرت به غيرها وأفشت السر خلافا لما أوصاها به، وأعلم الله النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنها نبأت به غيرها وأفشت السر عرف وأعلم بعضه وأعرض عن بعض آخر، فلما خبرها النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بالحديث قالت للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم): من أنبأك وأخبرك أني نبأت به غيري وأفشيت السر؟ قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): نبأني وخبرني العليم الخبير وهو الله العليم بالسر والعلانية الخبير بالسرائر.

قوله تعالى: ﴿إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما وإن تظاهرا عليه فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهير﴾ أي إن تتوبا إلى الله فقد تحقق منكما ما يستوجب عليكما التوبة وإن تظاهرا عليه فإن الله هو مولاه، إلخ.

وقد اتفق النقل على أنهما عائشة وحفصة زوجا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).

والصغو الميل والمراد به الميل إلى الباطل والخروج عن الاستقامة وقد كان ما كان منهما من إيذائه والتظاهر عليه (صلى الله عليه وآله وسلم) من الكبائر وقد قال تعالى: ﴿إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعد لهم عذابا مهينا﴾ الأحزاب: 57، وقال: ﴿والذين يؤذون رسول الله لهم عذاب أليم﴾ التوبة: 61.

والتعبير بقلوبكما وإرادة معنى التثنية من الجمع كثير النظير في الاستعمال.

وقوله: ﴿وإن تظاهرا عليه فإن الله هو مولاه﴾ إلخ، التظاهر التعاون، وأصل ﴿وإن تظاهرا﴾ وإن تتظاهرا، وضمير الفصل في قوله: ﴿فإن الله هو مولاه﴾ للدلالة على أن لله سبحانه عناية خاصة به (صلى الله عليه وآله وسلم) ينصره ويتولى أمره من غير واسطة من خلقه، والمولى الولي الذي يتولى أمره وينصره على من يريده بسوء.

و﴿جبريل﴾ عطف على لفظ الجلالة، و﴿صالح المؤمنين﴾ عطف كجبريل، والمراد بصالح المؤمنين على ما قيل الصلحاء من المؤمنين فصالح المؤمنين واحد أريد به الجمع كقولك: لا يفعل هذا الصالح من الناس تريد به الجنس كقولك لا يفعله من صلح منه ومثله قولك: كنت في السامر والحاضر.

وفيه قياس المضاف إلى الجمع إلى مدخول اللام فظاهر صالح المؤمنين غير ظاهر ﴿الصالح من المؤمنين﴾.

ووردت الرواية من طرق أهل السنة عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ومن طرق الشيعة عن أئمة أهل البيت (عليهم السلام) أن المراد بصالح المؤمنين علي عليه أفضل السلام، وستوافيك إن شاء الله.

وفي المراد منه أقوال أخر أغمضنا عنها لعدم دليل عليها.

وقوله: ﴿والملائكة بعد ذلك ظهير﴾ إفراد الخبر للدلالة على أنهم متفقون في نصره متحدون صفا واحدا، وفي جعلهم بعد ذلك أي بعد ولاية الله وجبريل وصالح المؤمنين تعظيم وتفخيم.

ولحن الآيات في إظهار النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) على من يؤذيه ويريده بسوء وتشديد العتاب على من يتظاهر عليه عجيب، وقد خوطب فيها النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أولا وعوتب على تحريمه ما أحل الله له وأشير عليه بتحلة يمينه وهو إظهار وتأييد وانتصار له وإن كان في صورة العتاب.

ثم التفت من خطابه إلى خطاب المؤمنين في قوله: ﴿وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه﴾ يشير إلى القصة وقد أبهمها إبهاما وقد كان أيد النبي وأظهره قبل الإشارة إلى القصة وإفشائها مختوما عليها، وفيه مزيد إظهاره.

ثم التفت من خطاب المؤمنين إلى خطابهما وقرر أن قلوبهما قد صغت بما فعلتا ولم يأمرهما أن تتوبا من ذنبهما بل بين لهما أنهما واقعتان بين أمرين إما أن تتوبا وإما أن تظاهرا على من الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك أجمع ثم أظهر الرجاء إن طلقهن أن يرزقه الله نساء خيرا منهن.

ثم أمر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يجاهد الكفار والمنافقين ويغلظ عليهم.

وانتهى الكلام إلى ضربه تعالى مثلين مثلا للذين كفروا ومثلا للذين آمنوا.

وقد أدار تعالى الكلام في السورة بعد التعرض لحالهما بقوله: ﴿إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما وإن تظاهرا عليه﴾ إلخ، بين التعرض لحال المؤمنين والتعرض لحال الكفار فقال: ﴿يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم﴾ إلخ، و﴿يا أيها الذين كفروا لا تعتذروا﴾ إلخ، وقال: ﴿يا أيها الذين آمنوا توبوا﴾ إلخ، و﴿يا أيها النبي جاهد﴾ إلخ، وقال: ﴿ضرب الله مثلا للذين كفروا﴾ ، ﴿وضرب الله مثلا للذين آمنوا﴾.

قوله تعالى: ﴿عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن﴾ إلى آخر الآية استغناء إلهي فإنهن وإن كن مشرفات بشرف زوجية النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لكن الكرامة عند الله بالتقوى كما قال تعالى: ﴿فإن الله أعد للمحسنات منكن أجرا عظيما﴾ الأحزاب: 29، انظر إلى مكان ﴿منكن﴾ وقال: ﴿يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين وكان ذلك على الله يسيرا ومن يقنت منكن لله ورسوله وتعمل صالحا نؤتها أجرها مرتين وأعتدنا لها رزقا كريما﴾ الأحزاب: 31.

ولذا ساق الاستغناء بترجي إبداله إن طلقهن أزواجا خيرا منهن، وعلق الخبر بما ذكر لأزواجه الجديدة من صفات الكرامة وهي أن يكن مسلمات مؤمنات قانتات تائبات عابدات سائحات - أي صائمات - ثيبات وأبكارا.

فمن تزوج بها النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وكانت متصفة بمجموع هذه الصفات كانت خيرا منهن وليس إلا لأجل اختصاص منها بالقنوت والتوبة أو القنوت فقط مع مشاركتها لهن في باقي الصفات، والقنوت هو لزوم الطاعة مع الخضوع.

ويتأيد هذا المعنى بما في مثل مريم الآتي في آخر السورة من ذكر القنوت ﴿وكانت من القانتين﴾ فالقنوت هو الذي يفقدنه وهو لزومهن طاعة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) التي فيها طاعة الله واتقاؤهن أن يعصين النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ويؤذينه.

وبما مر يظهر فساد قول من قال إن وجه خيرية أزواجه اللاحقة من أزواجه السابقة إن طلقهن، هو تزوج النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بهن وانفصال الأزواج السابقة وزوجيته (صلى الله عليه وآله وسلم) شرف لا يقدر قدره.

وذلك أنه لو كان ملاك ما ذكر في الآية من الخير هو الزوجية كان كل من تزوج (صلى الله عليه وآله وسلم) من النساء أفضل وأشرف منهن إن طلقهن وإن لم تتلبس بشيء مما ذكر من صفات الكرامة فلم يكن مورد لعد ما عد من الصفات.

قال في الكشاف: فإن قلت: لم أخليت الصفات كلها عن العاطف ووسط بين الثيبات والأبكار؟ قلت: لأنهما صفتان متنافيتان لا يجتمعن فيهما اجتماعهن في سائر الصفات.

قوله تعالى: ﴿يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة﴾ إلخ، ﴿قوا﴾ أمر من الوقاية بمعنى حفظ الشيء مما يؤذيه ويضره، والوقود بفتح الواو اسم لما توقد به النار من حطب ونحوه.

والمراد بالنار نار جهنم وكون الناس المعذبين فيها وقودا لها معناه اشتعال الناس فيها بأنفسهم كما في قوله تعالى: ﴿ثم في النار يسجرون﴾ المؤمنون: 72.

فيناسب تجسم الأعمال كما هو ظاهر الآية التالية ﴿يا أيها الذين كفروا﴾ إلخ، وفسرت الحجارة بالأصنام.

وقوله: ﴿عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون﴾ أي وكل عليها لإجراء أنواع العذاب على أهلها ملائكة غلاظ شداد.

والغلاظ جمع غليظ ضد الرقيق والأنسب للمقام كون المراد بالغلظة خشونة العمل كما في قوله الآتي: ﴿جاهد الكفار والمنافقين وأغلظ عليهم﴾ الآية: 9 من السورة، والشداد جمع شديد بمعنى القوي في عزمه وفعله.

وقوله: ﴿لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون﴾ كالمفسر لقوله: ﴿غلاظ شداد﴾ أي هم ملتزمون بما أمرهم الله من أنواع العذاب لا يعصونه بالمخالفة والرد ويفعلون ما يؤمرون به على ما أمروا به من غير أن يفوت منهم فائت أو ينقص منه شيء لضعف فيهم أو فتور فهم غلاظ شداد.

وبهذا يظهر أن قوله: ﴿لا يعصون الله ما أمرهم﴾ ناظر إلى التزامهم بالتكليف، وقوله: ﴿ويفعلون﴾ إلخ، ناظر إلى العمل على طبقه فلا تكرار كما قيل.

قال في التفسير الكبير، في ذيل الآية: وفيه إشارة إلى أن الملائكة مكلفون في الآخرة بما أمرهم الله تعالى به وبما ينهاهم عنه، والعصيان منهم مخالفة للأمر والنهي.

وفيه أن الآية وغيرها مما تصف الملائكة بمحض الطاعة من غير معصية مطلقة تشمل الدنيا والآخرة فلا وجه لتخصيص تكليفهم بالآخرة.

ثم إن تكليفهم غير سنخ التكليف المعهود في المجتمع الإنساني بمعنى تعليق المكلف - بالكسر - إرادته بفعل المكلف - بالفتح - تعليقا اعتباريا يستتبع الثواب والعقاب في ظرف الاختيار وإمكان الطاعة والمعصية بل هم خلق من خلق الله لهم ذوات طاهرة نورية لا يريدون إلا ما أراد الله ولا يفعلون إلا ما يؤمرون، قال تعالى: ﴿بل عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون﴾ الأنبياء: 27 ولذلك لا جزاء لهم على أعمالهم من ثواب أو عقاب فهم مكلفون بتكليف تكويني غير تشريعي مختلف باختلاف درجاتهم، قال تعالى: ﴿وما منا إلا له مقام معلوم﴾ الصافات: 164، وقال عنهم: ﴿وما نتنزل إلا بأمر ربك له ما بين أيدينا وما خلفنا﴾ مريم: 64.

والآية الكريمة بعد الآيات السابقة كالتعميم بعد التخصيص فإنه تعالى لما أدب نساء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ببيان ما لإيذائهم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من الأثر السيىء عمم الخطاب فخاطب المؤمنين عامة أن يؤدبوا أنفسهم وأهليهم ويقوهم من النار التي وقودها نفس الداخلين فيها أي إن أعمالهم السيئة تلزمهم وتعود نارا تعذبهم ولا مخلص لهم منها ولا مناص عنها.

قوله تعالى: ﴿يا أيها الذين كفروا لا تعتذروا اليوم إنما تجزون ما كنتم تعملون﴾ خطاب عام للكفار بعد ما جوزوا بالنار فإنهم يعتذرون عن كفرهم ومعاصيهم فيخاطبون أن لا تعتذروا اليوم - وهو يوم الجزاء إنما تجزون نفس ما كنتم تعملون أي إن العذاب الذي تعذبون بها هو عملكم السيىء الذي عملتموه وقد برز لكم اليوم حقيقته وإذ عملتموه فقد لزمكم أنكم عملتموه والواقع لا يتغير وما حق عليكم من كلمة العذاب لا يعود باطلا فهذا ظاهر الخطاب.

وقيل: المعنى: لا تعتذروا - اليوم - بعد دخول النار فإن الاعتذار توبة والتوبة غير مقبولة بعد دخول النار إنما تجزون ما لزم في مقابل عملكم من الجزاء في الحكمة.

وفي اتباع الآيات السابقة بما في هذه الآية من خطاب القهر تهديد ضمني وإشعار بأن معصية الله ورسوله ربما أدى إلى الكفر.

قوله تعالى: ﴿يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا عسى ربكم أن يكفر عنكم سيئاتكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار﴾ إلخ، النصح تحري فعل أو قول فيه صلاح صاحبه، ويأتي بمعنى الإخلاص نحو نصحت له الود أي أخلصته - على ما ذكره الراغب - فالتوبة النصوح ما يصرف صاحبه عن العود إلى المعصية أو ما يخلص العبد للرجوع عن الذنب فلا يرجع إلى ما تاب منه.

لما أمر المؤمنين بوقاية أنفسهم وأهليهم من النار أمرهم جميعا ثانيا بالتوبة وفرع عليه رجاء أن يستر الله سيئاتهم ويدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار.

وقوله: ﴿يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا معه﴾ قال الراغب: يقال: خزي الرجل يخزى من باب علم يعلم إذا لحقه انكسار إما من نفسه وإما من غيره فالذي يلحقه من نفسه وهو الحياء المفرط مصدره الخزاية، والذي يلحقه من غيره ويعد ضربا من الاستخفاف مصدره الخزي والإخزاء من الخزاية والخزي جميعا قال: وعلى نحو ما قلنا في خزي ذل وهان فإن ذلك متى كان من الإنسان نفسه يقال له الهون - بفتح الهاء - والذل ويكون محمودا، ومتى كان من غيره يقال له: الهون - بضم الهاء - والهوان والذل ويكون مذموما.

فقوله: ﴿يوم﴾ ظرف لما تقدمه، والمعنى: توبوا إلى الله عسى أن يكفر عنكم سيئاتكم ويدخلكم الجنة في يوم لا يخزي ولا يكسر الله النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بجعلهم محرومين من الكرامة وخلفه ما وعدهم من الوعد الجميل.

وفي قوله: ﴿النبي والذين آمنوا معه﴾ اعتبار المعية في الإيمان في الدنيا ولازمه ملازمتهم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وطاعتهم له من غير مخالفة ومشاقة.

ومن المحتمل أن يكون قوله: ﴿الذين آمنوا﴾ مبتدأ خبره ﴿معه﴾ وقوله: ﴿نورهم يسعى﴾ إلخ، خبرا ثانيا، وقوله: ﴿يقولون﴾ إلخ، خبرا ثالثا فيفيد أنهم لا يفارقون النبي ولا يفارقهم يوم القيامة، وهذا وجه جيد لازمه كون عدم الخزي خاصا بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وسعي النور وسؤال إتمامه خاصا بالذين معه من المؤمنين وتؤيده آية الحديد الآتية.

ومن الممكن أن يكون ﴿معه﴾ متعلقا بقوله: ﴿آمنوا﴾ وقوله: ﴿نورهم يسعى﴾ إلخ، خبرا أولا وثانيا للموصول.

وقوله: ﴿يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم﴾ تقدم بعض الكلام في معناه في قوله تعالى: ﴿يوم ترى المؤمنين والمؤمنات يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم﴾ الحديد: 12، ولا يبعد أن يكون ما بين أيديهم من النور نور الإيمان وما بأيمانهم نور العمل.

وقوله: ﴿يقولون ربنا أتمم لنا نورنا واغفر لنا إنك على كل شيء قدير﴾ يفيد السياق أن المغفرة المسئولة سبب لتمام النور أو هو ملازم لتمام النور فيفيد أن في نورهم نقصا والنور نور الإيمان والعمل فلهم نقائص بحسب درجات الإيمان أو آثار السيئات التي خلت محالها في صحائفهم من العبودية في العمل فيسألون ربهم أن يتم لهم نورهم ويغفر لهم، وإليه الإشارة بقوله تعالى: ﴿والذين آمنوا بالله ورسله أولئك هم الصديقون والشهداء عند ربهم لهم أجرهم ونورهم﴾ الحديد: 19.

قوله تعالى: ﴿يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم ومأواهم جهنم وبئس المصير﴾ المراد بالجهاد بذل الجهد في إصلاح الأمر من جهتهم ودفع شرهم ففي الكفار ببيان الحق وتبليغه فإن آمنوا وإلا فالحرب وفي المنافقين باستمالتهم وتأليف قلوبهم حتى تطمئن قلوبهم إلى الإيمان وإلا فلم يقاتل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) منافقا قط.

وقيل: المراد اشدد عليهم في إقامة الحدود لأن أكثر من يصيب الحد في ذلك الزمان المنافقون.

وهما كما ترى.

بحث روائي:

في تفسير القمي، بإسناده عن ابن سيار عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قوله: ﴿يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك - تبتغي مرضات أزواجك﴾ قال: اطلعت عائشة وحفصة على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو مع مارية فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): والله لا أقربها فأمر الله أن يكفر بها عن يمينه.

وفي الكافي، بإسناده عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: سألته عن رجل قال لامرأته: أنت علي حرام فقال: لو كان لي عليه سلطان لأوجعت رأسه وقلت: الله أحلها لك فما حرمها عليك؟ أنه لم يزد على أن كذب فزعم أن ما أحل الله له حرام ولا يدخل عليه طلاق ولا كفارة.

فقلت: قول الله عز وجل: ﴿يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك﴾ فجعل فيه كفارة؟ فقال: إنما حرم عليه جاريته مارية القبطية وحلف أن لا يقربها، وإنما جعل على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) الكفارة في الحلف ولم يجعل عليه في التحريم.

وفي الدر المنثور، أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه بسند صحيح عن ابن عباس قال: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يشرب من شراب عند سودة من العسل فدخل على عائشة فقالت: إني أجد منك ريحا، فدخل على حفصة فقالت: إني أجد منك ريحا فقال: أراه من شراب شربته عند سودة والله لا أشربه، فأنزل الله: ﴿يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك﴾ الآية.

أقول: والحديث مروي بطرق متشتتة وألفاظ مختلفة، وفي انطباقها على الآيات - وهي ذات سياق واحد - خفاء.

وفيه، أخرج ابن سعد وابن مردويه عن ابن عباس قال: كانت عائشة وحفصة متحابتين فذهبت حفصة إلى بيت أبيها تحدث عنده فأرسل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى جاريته فظلت معه في بيت حفصة وكان اليوم الذي يأتي فيه عائشة فوجدتهما في بيتها فجعلت تنتظر خروجها وغارت غيرة شديدة فأخرج النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) جاريته ودخلت حفصة فقالت: قد رأيت من كان عندك والله لقد سوأتني، فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): والله لأرضينك وإني مسر إليك سرا فاحفظيه، قالت: ما هو؟ قال: إني أشهدك أن سريتي هذه علي حرام رضا لك.

فانطلقت حفصة إلى عائشة فأسرت إليها أن أبشري أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قد حرم عليه فتاته فلما أخبرت بسر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أظهر الله النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عليه فأنزل الله: ﴿يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك﴾.

أقول: انطباق ما في الحديث على الآيات وخاصة قوله: ﴿عرف بعضه وأعرض عن بعض﴾ فيه خفاء.

وفيه، أخرج الطبراني وابن مردويه عن ابن عباس في قوله: ﴿وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثا﴾ قال: دخلت حفصة على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في بيتها وهو يطأ مارية، فقال لها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): لا تخبري عائشة حتى أبشرك بشارة فإن أباك يلي الأمر بعد أبي بكر إذا أنا مت.

فذهبت حفصة فأخبرت عائشة فقالت عائشة للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم): من أنبأك هذا؟ قال: نبأني العليم الخبير، فقالت عائشة: لا أنظر إليك حتى تحرم مارية فحرمها فأنزل الله ﴿يا أيها النبي لم تحرم﴿.

أقول: والآثار في هذا الباب كثيرة على اختلاف فيها، وفي أكثرها أنه (صلى الله عليه وآله وسلم) حرم مارية على نفسه لقول حفصة لا لقول عائشة، وأن التي قالت للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم): ﴿من أنبأك هذا﴾ هي حفصة تريد من أخبرك أني أفشيت السر دون عائشة.

وهي مع ذلك لا تزيل إبهام قوله تعالى: ﴿عرف بعضه وأعرض عن بعض﴿.

نعم فيما رواه ابن مردويه عن علي قال: ما استقصى كريم قط لأن الله يقول: ﴿عرف بعضه وأعرض عن بعض﴾، وروي عن أبي حاتم عن مجاهد، وابن مردويه عن ابن عباس: أن الذي عرف أمر مارية والذي أعرض عنه قوله: إن أباك وأباها يليان الناس بعدي مخافة أن يفشو.

ويتوجه عليه أنه ما وجه الكرم في أن يعرف (صلى الله عليه وآله وسلم) ما قاله من تحريم مارية ويعرض عما أخبرها من ولايتهما مع أن العكس أولى وأقرب.

وقد روي بعده طرق عن عمر بن الخطاب سبب نزول الآيات ولم يذكر ذلك ففي عدة من جوامع الحديث منها البخاري ومسلم والترمذي عن ابن عباس قال: لم أزل حريصا أن أسأل عمر عن المرأتين من أزواج النبي اللتين قال الله: ﴿أن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما﴾ حتى حج عمر وحججت معه فلما كان ببعض الطريق عدل عمر وعدلت معه بالإداوة فتبرز ثم أتى فصببت على يديه فتوضأ.

فقلت: يا أمير المؤمنين من المرأتان من أزواج النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) اللتان قال الله: ﴿أن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما﴾ فقال: واعجبا لك يا ابن عباس هما عائشة وحفصة ثم أنشأ يحدثني.

فقال: كنا معشر قريش نغلب النساء فلما قدمنا المدينة وجدنا قوما تغلبهم نساؤهم فطفق نساؤنا يتعلمن من نسائهم فغضبت على امرأتي يوما فإذا هي تراجعني فأنكرت أن تراجعني فقالت: ما تنكر من ذلك؟ فو الله إن أزواج النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ليراجعنه وتهجره إحداهن اليوم إلى الليل.

قلت: قد خابت من فعلت ذلك منهن وخسرت.

قال: وكان منزلي بالعوالي وكان لي جار من الأنصار كنا نتناوب النزول إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فينزل يوما فيأتيني بخبر الوحي وغيره وأنزل يوما فآتيه بمثل ذلك.

قال: وكنا نحدث أن غسان تنعل الخيل لتغزونا فجاء يوما فضرب على الباب فخرجت إليه فقال: حدث أمر عظيم.

فقلت: أجاءت غسان؟ قال: أعظم من ذلك طلق رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) نساءه.

قلت في نفسي: قد خابت حفصة وخسرت قد كنت أرى ذلك كائنا فلما صلينا الصبح شددت علي ثيابي ثم انطلقت حتى دخلت على حفصة فإذا هي تبكي فقلت: أطلقكن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)؟ قالت: لا أدري هو ذا معتزل في المشربة فانطلقت فأتيت غلاما أسود فقلت: استأذن لعمر فدخل ثم خرج إلي فقال: قد ذكرتك له فلم يقل شيئا فانطلقت إلى المسجد فإذا حول المسجد نفر يبكون فجلست إليهم.

ثم غلبني ما أجد فانطلقت فأتيت الغلام فقلت: استأذن لعمر فدخل ثم خرج فقال: قد ذكرتك له فلم يقل شيئا فوليت منطلقا فإذا الغلام يدعوني فقال: ادخل فقد أذن لك فدخلت فإذا النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) متكىء على حصير قد رأيت أثره في جنبه فقلت: يا رسول الله أ طلقت نساءك؟ قال: لا.

قلت: الله أكبر لو رأيتنا يا رسول الله وكنا معشر قريش نغلب النساء، فلما قدمنا المدينة وجدنا قوما تغلبهم نساؤهم فطفق نساؤنا يتعلمن من نسائهم فغضبت يوما على امرأتي فإذا هي تراجعني فأنكرت ذلك فقالت: ما تنكر؟ فو الله إن أزواج النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ليراجعنه وتهجره إحداهن اليوم إلى الليل فقلت: قد خاب من فعل ذلك منهن، فدخلت على حفصة فقلت: أتراجع إحداكن رسول الله وتهجره اليوم إلى الليل؟ قالت: نعم.

فقلت: قد خابت من فعلت ذلك منكن وخسرت أ تأمن إحداكن أن يغضب الله عليها لغضب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فإذا هي قد هلكت فتبسم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).

فقلت لحفصة: لا تراجعي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ولا تسأليه شيئا وسليني ما بدا لك ولا يغرنك إن كانت جارتك أوسم منك وأحب إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فتبسم أخرى.

فقلت: يا رسول الله أستأنس قال: نعم.

فرفعت رأسي فما رأيت في البيت إلا أهبة ثلاثة فقلت: يا رسول الله ادع الله أن يوسع على أمتك فقد وسع على فارس والروم وهم لا يعبدون الله فاستوى جالسا وقال: أوفي شك أنت يا ابن الخطاب؟ أولئك قوم قد عجلت لهم طيباتهم في الحياة الدنيا، وكان قد أقسم أن لا يدخل على أزواجه شهرا فعاتبه الله في ذلك وجعل له كفارة اليمين.

أقول: وهذا المعنى مروي عنه مفصلا ومختصرا بطرق مختلفة، والرواية - كما ترى - لا تذكر ما أسره النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى بعض أزواجه؟ وما هو بعض النبإ الذي عرفه وما هو الذي أعرض عنه وله شأن من الشأن.

وهي مع ذلك ظاهرة في أن المراد بالتحريم في الآية تحريم عامة أزواجه وذلك لا ينطبق عليها وفيها قوله تعالى: ﴿لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضات أزواجك﴾ مضافا إلى أنه لا تبين به وجه التخصيص في قوله: ﴿إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما وإن تظاهرا عليه﴾ إلخ.

وفي تفسير القمي، بإسناده عن أبي بصير قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: ﴿إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما - وإن تظاهرا عليه فإن الله هو مولاه - وجبريل وصالح المؤمنين﴾ قال: صالح المؤمنين علي (عليه السلام).

وفي الدر المنثور، أخرج ابن مردويه عن أسماء بنت عميس: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: ﴿وصالح المؤمنين﴾ قال: علي بن أبي طالب.

أقول: ذكر صاحب البرهان بعد إيراد رواية أبي بصير السابقة أن محمد بن العباس أورد في هذا المعنى اثنين وخمسين حديثا من طرق الخاصة والعامة ثم أورد نبذة منها.

وفي الكافي، بإسناده عن عبد الأعلى مولى آل سام عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: لما نزلت هذه الآية ﴿يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا﴾ جلس رجل من المؤمنين يبكي وقال: أنا عجزت عن نفسي وكلفت أهلي.

فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): حسبك أن تأمرهم بما تأمر به نفسك، وتنهاهم عما تنهى عنه نفسك.

وفيه، بإسناده عن سماعة عن أبي بصير في قوله: ﴿قوا أنفسكم وأهليكم نارا﴾ قلت: كيف أقيهم؟ قال: تأمرهم بما أمر الله وتنهاهم عما نهى الله فإن أطاعوك كنت قد وقيتهم وإن عصوك كنت قد قضيت ما عليك.

أقول: ورواه بطريق آخر عن ذرعة عن أبي بصير عنه (عليه السلام).

وفي الدر المنثور، أخرج عبد الرزاق والفاريابي وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والحاكم وصححه والبيهقي في المدخل عن علي بن أبي طالب: في قوله: ﴿قوا أنفسكم وأهليكم نارا﴾ قال: علموا أنفسكم وأهليكم الخير وأدبوهم.

وفيه، أخرج ابن مردويه عن زيد بن أسلم قال: تلا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) هذه الآية ﴿قوا أنفسكم وأهليكم نارا﴾ فقالوا: يا رسول الله كيف نقي أهلنا نارا؟ قال: تأمرونهم بما يحبه الله وتنهونهم عما يكره الله.

وفي الكافي، بإسناده عن أبي الصباح الكناني قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله عز وجل: ﴿يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا﴾ قال: يتوب العبد من الذنب ثم لا يعود فيه.

قال محمد بن الفضيل: سألت عنها أبا الحسن (عليه السلام) فقال: يتوب من الذنب ثم لا يعود فيه، الحديث.

وفي الدر المنثور، أخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال: قال معاذ بن جبل: يا رسول الله ما التوبة النصوح؟ قال: أن يندم العبد على الذنب الذي أصاب فيعتذر إلى الله ثم لا يعود إليه كما لا يعود اللبن إلى الضرع.

أقول: والروايات في هذا المعنى كثيرة من الفريقين.

وفي الكافي، بإسناده عن صالح بن سهل الهمداني قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): في قوله: ﴿يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم﴾ أئمة المؤمنين يوم القيامة يسعى بين أيدي المؤمنين وبأيمانهم حتى ينزلوهم منازل أهل الجنة.

وفي تفسير القمي، في رواية أبي الجارود عن أبي جعفر (عليه السلام) في الآية: من كان له نور يومئذ نجا، وكل مؤمن له نور.