الآيات 1-2

يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ ﴿1﴾ يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ ﴿2﴾

بيان:

السورة تخاطب المشركين بأصول الدين إنذارا وتخويفا كما كانوا يخاطبون في السور النازلة قبل الهجرة في سياق يشهد بأن لهم بعد شوكة وقوة، وتخاطب المؤمنين بمثل الصلاة ومسائل الحج وعمل الخير والإذن في القتال والجهاد في سياق يشهد بأن لهم مجتمعا حديث العهد بالانعقاد قائما على ساق لا يخلو من عدة وعدة وشوكة.

ويتعين بذلك أن السورة مدنية نزلت بالمدينة ما بين هجرة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وغزوة بدر وغرضها بيان أصول الدين بيانا تفصيليا ينتفع بها المشرك والموحد وفروعها بيانا إجماليا ينتفع بها الموحدون من المؤمنين إذ لم يكن تفاصيل الأحكام الفرعية مشرعة يومئذ إلا مثل الصلاة والحج كما في السورة.

ولكون دعوة المشركين إلى الأصول من طريق الإنذار وكذا ندب المؤمنين إلى إجمال الفروع بلسان الأمر بالتقوى بسط الكلام في وصف يوم القيامة وافتتح السورة بالزلزلة التي هي من أشراطها وبها خراب الأرض واندكاك الجبال.

قوله تعالى: ﴿يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم﴾ الزلزلة والزلزال شدة الحركة على الحال الهائلة وكأنه مأخوذ بالاشتقاق الكبير من زل بمعنى زلق فكرر للمبالغة والإشارة إلى تكرر الزلة، وهو شائع في نظائره مثل ذب وذبذب ودم ودمدم وكب وكبكب ودك ودكدك ورف ورفرف وغيرها.

الخطاب يشمل الناس جميعا من مؤمن وكافر وذكر وأنثى وحاضر وغائب وموجود بالفعل ومن سيوجد منهم، وذلك بجعل بعضهم من الحاضرين وصلة إلى خطاب الكل لاتحاد الجميع بالنوع.

وهو أمر الناس أن يتقوا ربهم فيتقيه الكافر بالإيمان والمؤمن بالتجنب عن مخالفة أوامره ونواهيه في الفروع، وقد علل الأمر بعظم زلزلة الساعة فهو دعوة من طريق الإنذار.

وإضافة الزلزلة إلى الساعة لكونها من أشراطها وأماراتها، وقيل: المراد بزلزلة الساعة شدتها وهولها، ولا يخلو من بعد من جهة اللفظ.

قوله تعالى: ﴿يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت﴾ الذهول الذهاب عن الشيء مع دهشة، والحمل بالفتح الثقل المحمول في الباطن كالولد في البطن وبالكسر الثقل المحمول في الظاهر كحمل بعير قاله الراغب.

وقال في مجمع البيان،: الحمل بفتح الحاء ما كان في بطن أو على رأس شجرة، والحمل بكسر الحاء ما كان على ظهر أو على رأس.

قال في الكشاف، إن قيل: لم قيل: ﴿مرضعة﴾ دون مرضع؟ قلت: المرضعة التي هي في حال الإرضاع ملقمة ثديها الصبي، والمرضع التي شأنها أن ترضع وإن لم تباشر الإرضاع في حال وصفها به فقيل: مرضعة ليدل على أن ذلك الهول إذا فوجئت به هذه وقد ألقمت الرضيع ثديها نزعته عن فيه لما يلحقها من الدهشة.

وقال: فإن قلت: لم قيل أولا: ترون ثم قيل: ترى على الإفراد؟ قلت: لأن الرؤية أولا علقت بالزلزلة فجعل الناس جميعا رائين لها، وهي معلقة أخيرا بكون الناس على حال السكر فلا بد أن يجعل كل واحد منهم رائيا لسائرهم.

وقوله: ﴿وترى الناس سكارى وما هم بسكارى﴾ نفى السكر بعد إثباته للدلالة على أن سكرهم وهو ذهاب العقول وسقوطها في مهبط الدهشة والبهت ليس معلولا للخمر بل شدة عذاب الله هي التي أوقعتها فيما وقعت وقد قال تعالى: ﴿إن أخذه أليم شديد﴾ هود: 102.

وظاهر الآية أن هذه الزلزلة قبل النفخة الأولى التي يخبر تعالى عنها بقوله: ﴿ونفخ في الصور فصعق من في السماوات والأرض إلا من شاء الله ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون﴾ الزمر: 68 وذلك لأن الآية تفرض الناس في حال عادية تفاجئهم فيها زلزلة الساعة فتنقلب حالهم من مشاهدتها إلى ما وصف، وهذا قبل النفخة التي تموت بها الأحياء قطعا.

وقيل: إنها تمثيل شدة العذاب أي لو كان هناك راء يراها لكانت الحال هي الحال، ووقوع الآية في مقام الإنذار والتخويف لا يناسبه تلك المناسبة إذ الإنذار بعذاب لا يعلم به لا وجه له.

بحث روائي:

في الدر المنثور، أخرج سعيد بن منصور وأحمد وعبد بن حميد والترمذي وصححه والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن حاتم والحاكم وصححه وابن مردويه من طرق عن الحسن وغيره عن عمران بن حصين قال: لما نزلت ﴿يا أيها الناس اتقوا ربكم - إن زلزلة الساعة شيء عظيم﴾ إلى قوله: ﴿ولكن عذاب الله شديد﴾ أنزلت عليه هذه وهو في سفر فقال: أتدرون أي يوم ذلك؟ قالوا: الله ورسوله أعلم قال: ذلك يوم يقول الله لآدم: ابعث بعث النار.

قال: يا رب وما بعث النار؟ قال: من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين إلى النار وواحدا إلى الجنة.

فأنشأ المسلمون يبكون فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): قاربوا وسددوا فإنها لم تكن نبوة قط إلا كان بين يديها جاهلية فتؤخذ العدة من الجاهلية فإن تمت وإلا أكملت من المنافقين، وما مثلكم إلا كمثل الرقمة في ذراع الدابة أو كالشامة في جنب البعير.

ثم قال: إني لأرجو أن تكونوا ربع أهل الجنة فكبروا ثم قال: إني لأرجو أن تكونوا ثلث أهل الجنة فكبروا، ثم قال: إني لأرجو أن تكونوا نصف أهل الجنة فكبروا.

قال: فلا أدري قال: الثلثين، أم لا؟.

أقول: وهي مروية بطرق أخرى كثيرا عن عمران وابن عباس وأبي سعيد الخدري وأبي موسى وأنس مع اختلاف في المتون وأعدلها ما أوردناه.

وفي تفسير القمي، في قوله تعالى: ﴿وترى الناس سكارى﴾ قال: يعني ذاهبة عقولهم من الحزن والفزع متحيرين.