سورة التوبة

س - لماذا لم تبدأ السورة بالبسملة كما في بقية السور؟

ج - روي عن الإمام علي (عليه السلام) أنه لم ينزل ﴿بسم الله الرحمن الرحيم﴾ على رأس سورة براءة، لأنّ بسم الله للأمان والرحمة، ونزلت براءة لرفع الأمان بالسيف(1).

﴿بَرَاءةٌ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ الْمُشْرِكِين﴾ (1).

س - ما هو المبّرر لنقض العهد، خاصة مع تأكيد الإسلام على حفظ المعايير الأخلاقية؟

ج - العهد اتفاق بين الطرفين، يرتبط اعتباره بكلا الطرفين، وإنهاء العهد من جانب المسلمين بمقتضى هذه الآيات شمل طائفتين فقط بل تابعاً لرغبة الطرفين، وهم الذين لم يلتزموا ببنود العهد، والذين كان أمانهم وعهدهم غير محدّد بفترة محدّدة، حيث امتنع النبي من تجديد ذلك الأمان وأُعطيت لهم فسحة مدّّة أربعة أشهر ينتقلون فيها ويعودون إلى مأمنهم، كي لا يكون رفع عهدهم غدراً بهم، وكان دأب القبائل والمجتمعات آنذاك على اغتنام الفرص للكيد والغدر بالآخرين، فمن الطبيعي أن يكون موقف المشركين تجاه الإسلام والمسلمين كذلك، خاصة انّ المسلمين قد تنكروا لآلهتهم ودينهم، نظراً لهذه المشاعر والمواقف العدائية المتربصة أصبح وجود المشركين وتردادهم على بلاد المسلمين يشكّل ثغرة أَمنيّة ومحذوراً لا يمكن التغاضي عنه، كما أشار إلى ذلك قوله تعالى فيما بعد ﴿كَيْفَ وَإِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لاَ يَرْقُبُواْ فِيكُمْ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً يُرْضُونَكُم بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ﴾(2) وأكدّه سلوك القبائل العربية وغدرهم المتكرر بالنبي وأصحابه.

أمّا الطائفة الثالثة، وهم الذين التزموا ببنود عهدهم وكان عهدهم ممتدّاً لفترة محدّدة فلم ينقض عهدهم، كما أوضح ذلك قوله تعالى: ﴿إِلاَّ الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُواْ عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّواْ إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ﴾(3).

﴿وَأَذَانٌ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ أَنَّ اللّهَ بَرِيءٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ...﴾ (3).

س - ما هو الهدف من تكرار البراءة؟

ج - هذا ليس مجرد براءة، وإنما هو أذان وإعلام عام لتلك البراءة في موسم الحج حيث يجتمع الحجيج من كلّ البقاع، ليصل ذلك إلى الجميع ولا يبقى لأحدٍ عذر، وقد أمر النبي الإمام علياً (عليه السلام) بإبلاغ ذلك بدلاً من أبي بكر الذي كان قد كلّفه من قبل، وفي الحديث عن الإمام محمد الباقر (عليه السلام) قال: خطب علي (عليه السلام) الناس، واخترط سيفه فقال: لا يطوفنّ بالبيت عريان ولا يحجّنّ البيت مشرك، ومن كانت له مُدّة فهو إلى مُدته، ومن لم يكن له مدّة فمدّته أربعة أشهر...(4).

﴿فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ...﴾ (5).

س - ما هي الأشهر الحرم المذكورة هنا؟

ج - الظاهر أن المقصود الأشهر الأربعة التي تلت البراءة المذكورة أو اعلانَها، وهي الفترة التي حرم قتال مشركي مكة آنذاك. وليس المقصود الأشهر الحرم المعروفة في السنة وهي رجب وذو القعدة وذو الحجة ومحرّم، لأنها غير متعاقبة، والنداء كان في ذي الحجة.

﴿اشْتَرَوْاْ بِآيَاتِ اللّهِ ثَمَنًا قَلِيلاً فَصَدُّواْ عَن سَبِيلِهِ إِنَّهُمْ سَاء مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ﴾ (9).

س - هؤلاء كانوا يصرّحون بكفرهم بالإسلام فكيف يقول عنهم ﴿اشْتَرَوْاْ بِآيَاتِ اللّهِ ثَمَنًا قَلِيلاً﴾ ؟

ج - باعتبار أنّ عقولهم تذعن بالحقيقة، إلاّ انّ مصالحهم تصطدم بانتمائهم إلى الإسلام فجحدوا بها، وتظاهروا بالكفر أمام أتباعهم رعاية لتلك المصالح الدنيوية الزائلة.

﴿اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ...﴾ (31).

س - كيف ولم يعرف عن اليهود والنصارى ذلك؟

ج - روى الثعلبي باسناده عن عدي بن حاتم قال: اتيت رسول الله وفي عنقي صليب من ذهب. فقال لي: يا عدي اطرح هذا الوثن من عنقك. قال: فطرحته، ثم انتهيت إليه وهو يقرأ من سورة البراءة هذه الآية: ﴿اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا...﴾ حتى فرغ منها. فقلت له: إنّا لسنا نعبدهم. فقال: أليس يحرّمون ما أحلّ الله فتحرّمونه، ويحلّون ما حرّّم الله فتستحلّونه؟ قال: فقلت: بلى، قال: فتلك عبادتهم(5). ونظيره ما رواه أبو بصيرالمرادي عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) قال: قلت له: ﴿اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ...﴾ فقال: أما والله ما دعوهم إلى عبادة أنفسهم، ولو دعوهم ما أجابوهم، ولكن أحلّوا لهم حراماً وحرّموا عليهم حلالاً، فعبدوهم من حيث لا يشعرون(6).

﴿إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُحِلِّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِّيُوَاطِؤُواْ عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللّهُ فَيُحِلُّواْ مَا حَرَّمَ اللّهُ...﴾ (37).

س - كيف صار النسيء زيادةً في الكفر؟

ج - باعتبار أنه تلاعب بالأشهر الحُرم التي حرّمها الله تعالى،فكانوا ينقلون بزعمهم حرمة أحد الأشهر الحُرم إلى شهر آخر مخالفين حكم الله عزّّ وجل.

﴿وَمِنْهُم مَّن يَقُولُ ائْذَن لِّي وَلاَ تَفْتِنِّي...﴾ (49).

س - ما هي الفتنة التي طلب هذا القائل من النبي أن لا يوقعه فيها؟

ج - روي ان الجدّ بن قيس اعتذر من المشاركة في غزوة تبوك وطلب من النبي الأذن له بعدم المشاركة، بحجة أنه يفتتن بالنساء الروميات في تبوك وأنه لا يأمن من وقوعه في فتنتهن، قائلاً: إني أخشى إن رأيت نساء بني الأصفر أي الروميات أن لا أصبر عنهن، فأعرض عنه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم)، وقال: قد أذنت لك، فنزلت هذه الآية فيه(7).

﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ (60).

س - لماذا كانت التعدية إلى الأصناف الأربعة الأولى باللام والى الأربعة الأخيرة ب (في) ؟

ج - لعلّّه باعتبار أن الأصناف الأربعة الأولى يستحقون الصدقة بأشخاصهم، بينما الأصناف الأربعة الأخيرة يُعطَون لتصرف في هذه العناوين، فلا تعطى لهم ليصرفوها فيما يشاؤون، وإنما تصرف في عتق الرقبة، ووفاء دين الغريم، وفي الجهاد وباقي مصالح المسلمي،ن ولإيصال ابن السبيل إلى بلده وحلّ مشكلته.

﴿... قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَّكُمْ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِّلَّذِينَ آمَنُواْ مِنكُمْ...﴾ (61).

س - لماذا عدّى الفعل الأول "يؤمن" بالباء وعدّى الثاني باللام؟

ج - لأن الأول بمعنى الإيمان، والثاني مضمَّن معنى التصديق والاستماع لهم، كما في قوله تعالى: ﴿وَمَا أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لِّنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ﴾(8).

﴿وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ﴾ (62).

س - لماذا لم يثنّ الضمير العائد على الاثنين فيقول: والله ورسوله أحق أن يرضوهما، وليس ﴿يرضوه﴾ ؟

ج - ليس ضمير المفرد هنا عائداً على المثنى، وإنّما هو عائد على أحدهما، وخبر الآخر محذوف لوجود القرينة عليه مثل قول الشاعر:

نحن بما عندنا وأنت بما عندك راض والرأي مختلف

أي نحن بما عندنا راضون.

ولعل النكتة البلاغية التي رجحت حذف الخبر في الآية الكريمة الإشارة الى انّ ما يرضي الله هو نفس ما يرضي رسوله وكذلك العكس، فإرضاء أحدهما إرضاء للآخر.

﴿يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَن تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِم...﴾ (64).

س - لماذا لم يقل" تُنزّّل فيهم" إذ السورة تنزّّل على النبي لا عليهم؟

ج - لعلّه للإشارة إلى أن ما ينزل مكروه وثقيل عليهم، باعتبارهم المعنيين بها. فناسب التعدية ب ﴿على﴾.

وقيل إن ﴿على﴾ هنا بمعنى ﴿في﴾ كما في قوله تعالى: ﴿عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ﴾(9) وقولهم: ﴿كان ذلك على عهد فلان..﴾(10).

﴿... وَمَا نَقَمُواْ إِلاَّ أَنْ أَغْنَاهُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ مِن فَضْلِهِ...﴾ (74).

س - كيف ينقمون ذلك، والغنى نعمة يرغب فيها الإنسان؟

ج - إنه في مقام التعريض والذم لهم، لأنّهم لم يشكروا نعمة الله ولم يعرفوا صلاحهم.

س - لماذا لم يقل: ﴿من فضلهما﴾ ليرجع الضمير إلى الله ورسوله؟

ج - لأن الغنى والنعم من فضل الله تعالى على من يشاء من خلقه.

﴿اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ اللّهُ لَهُمْ...﴾ (80).

س - ما هي خصوصية عدد السبعين؟

ج - الظاهر أنه كناية عن الكثرة لا خصوصية العدد، وقيل: انّ العرب تبالغ بالسبعة والسبعين، ولهذا قيل: للأسد السبع، لأنهّم تأوّلوا فيه لقوّته أنها ضوعفت له سبع مرات(11).

﴿وَلاَ تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَدًا وَلاَ تَقُمْ عَلَىَ قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُواْ وَهُمْ فَاسِقُونَ﴾ (84).

س - كيف يعتبرهم من الكافرين مع أن التخلف عن الجهاد لا يوجب الكفر؟

ج - هذه الآيات تتحدث عن المنافقين الذين هم يضمرون الكفر، حيث كان النبي يعاملهم بالتسامح والحسنى فيصلي على من مات منهم، وقد ورد أن النبي امتنع عن الصلاة على المنافقين بعد نزول هذه الآية.

﴿سَيَحْلِفُونَ بِاللّهِ لَكُمْ إِذَا انقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُواْ عَنْهُمْ فَأَعْرِضُواْ عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ...﴾ (95).

س - كيف يمكن أن يكون هدفهم من الحلف أن يُعرض النبي والمسلمون عنهم مع أنّهم كانوا يرومون إرضاءهم؟

ج - المقصود الإعراض وغض النظر عن تخلّفهم عن الجهاد، لا أنهم يطلبون الإعراض عنهم ومقاطعتهم، لكن الله تعالى أمر المسلمين بالإعراض عنهم وعدم قبول عذرهم.

﴿الأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلاَّ يَعْلَمُواْ حُدُودَ مَا أَنزَلَ اللّهُ عَلَى رَسُولِهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ (97).

س - من هم الأعراب، ولماذا وصفهم بذلك؟

ج - هم أهل البادية، واستحقوا هذا الوصف لبعدهم عن المدينة، وغلظتهم وتوغّلهم في الجهل.

س - كيف وصف الأعراب بأنّهم أشدّ كفراً ونفاقاً مع أنه قال بعد ذلك ﴿وَمِنَ الأَعْرَابِ مَن يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ...﴾ ؟

ج - تشير الآية الأولى إلى غير المؤمنين منهم باعتبار أن حياتهم ابتنت على الغدر والنهب والسلب والجهالة، ويبدو أنّهم كانوا أكثر ممّن آمن منهم آنذاك. لذلك استعمل لفظ العام في الآية الأولى، وخُصّص بالمؤمنين في الآية الثانية.

﴿وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾ (100).

س - هل يعني رضا الله عن السابقين صك الغفران الدائم لهم؟

ج - كلاّ، بل هو رضىً عنهم باعتبار مواقفهم آنذاك كسبقهم وهجرتهم وجهادهم، دون ما إذا أحدثوا بعد ذلك، وقد أشارت النصوص الكثيرة إلى ذلك، ففي حديث مالك بن أنس عن أبي النضر مولى عمر بن عبيد الله: أنه بلغه أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) قال لشهداء أحُد: ﴿هؤلاء أشهد عليهم﴾ فقال أبو بكر الصديق: ألسنا يا رسول الله بإخوانهم؟ أسلمنا كما أسلموا، وجاهدنا كما جاهدوا؟ فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم): ﴿بلى، ولكن لا أدري ما تحدثون بعدي﴾ فبكى أبو بكر، ثم بكى، ثم قال: أئنا لكائنون بعدك؟(12). وهناك شواهد كثيرة على ذلك ليس هذا مجال استعراضها(13).

﴿وَمِمَّنْ حَوْلَكُم مِّنَ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُواْ عَلَى النِّفَاقِ لاَ تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ﴾ (101).

س - كيف يعذّبهم مرتين؟

ج - لعلّه اشارة إلى عذابهم حين الموت، كما أشار إليه قوله تعالى: ﴿وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُواْ الْمَلآئِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ...﴾(14). وعذابهم في القبر، حيث ورد في النصوص أن قبر الكافر حفرة من حفر جهنم.

﴿دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ (10).

س - لماذا يقتصر دعاؤهم وذكرهم على التسبيح؟

ج - لأنّ في الجنّة كلّ ما يشتهون ويريدون، فلا يبقى شيء لا ينالونه، فيكون دأبهم تسبيح الله تعالى وتنزيهه وتعظيمه. أو لأنهم ينبهرون بآيات الله وعجائبه خلقه فينشغلون بتسبيحه وتمجيده.

س - لماذا يكون الحمد آخِرُ دَعْوَاهُمْ؟

ج - بإزاء كل نعمة ونعيم ينالونه يحمدون الله تعالى بعد أن ينعموا بها.

فهم يسبحون الهل بإزاء ما يرون من عجائب الجنة وإبداعها ويحمدون الله كلّما تنعموا بنعيمها.

﴿قُل لَّوْ شَاء اللّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلاَ أَدْرَاكُم بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِّن قَبْلِهِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ﴾ (16).

س - كيف يكون مكثُ النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) بينهم قبل البعثة دليلاً على نزول القرآن عليه من الله وأنه ليس من إنشائه؟

ج - باعتبار أنّ القرآن بما فيه من إعجاز بلاغي ومضموني لو كان من إنشائه لظهرت آثار هذا النبوغ الخارق منذ بدايات شبابه، كما هي العادة في البلغاء وأصحاب المواهب، ولما تأخر ذلك بعد عمرٍ طويل قضاه بينهم، ليظهر فجأة في سن الأربعين. وهذا من الأدلة القرآنية على أنّ القرآن كتاب سماوي نزل من الله تعالى وليس من إنشاء النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم).

﴿وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاء شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللّهِ...﴾ (18).

س - إذا كانت الأصنام مجرد شفعاء عند الله فكان المفروض أن يعبدوا الله تعالى ولا أقل من أن يشركوه في العبادة، بدلاً من عبادتهم الأصنام من دون الله؟

ج - العبادة هي الخضوع التام وقد تخيّلوا أن الله تعالى فوّض الأمر والتدبير والشفاعة للأصنام، فكانوا يخضعون لها ويعبدونها لتدبر أمرهم ولتشفع لهم عنده.

﴿وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلاَّ أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُواْ وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ﴾ (19).

س - ما هي الكلمة التي منعت من القضاء العاجل بين الأمم في الدنيا؟

ج - الظاهر أنها التي أشار إليها قوله تعالى: ﴿وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ﴾(15).

﴿وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُواْ مَكَانَكُمْ أَنتُمْ وَشُرَكَآؤُكُمْ فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ وَقَالَ شُرَكَآؤُهُم مَّا كُنتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ * فَكَفَى بِاللّهِ شَهِيدًا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ إِن كُنَّا عَنْ عِبَادَتِكُمْ لَغَافِلِينَ * هُنَالِكَ تَبْلُو كُلُّ نَفْسٍ مَّا أَسْلَفَتْ﴾ (28- 30).

س - من هم شركاؤهم، وكيف نفوا عبادتهم عنهم، مع أن عبادتهم لشركائهم ثابتة ولا شك فيها؟

ج - لعلّ المقصود نفي الشركاء تحمّلهم لمسؤولية عبادتهم، لأن الموقف موقف حساب ومحاكمة فيكون حرص الشركاء على نفي مسؤولياتهم عن ذلك، هذا إذا كان الشركاء المعبودون وجودات عاقلة، وإذا كان المقصود الأصنام المعبودة، فيكون نفي العلم الغفلةُ على حقيقته، لفقدها الحياة والوعي في الحياة الدنيا.

س - كيف تبلو كلّ نفسٍ ما أسلفت؟

ج - حيث تختبر وتعرف نتيجة أعمالها ومواقفها في الحياة الدنيا وتشاهد جزاءها.

﴿قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ أَمَّن يَمْلِكُ السَّمْعَ والأَبْصَارَ وَمَن يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيَّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَن يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللّهُ فَقُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ * فَذَلِكُمُ اللّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلاَلُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ﴾ (31- 32).

س - إذا كانوا يعترفون بأنّ الله تعالى هو الخالق والرازق والمدبّر فكيف كانوا يعبدون الأصنام؟

ج - كانوا يدركون بعقولهم أنّ الأصنام أعجز من أن تصدر منها هذه الأمور، وإنّما عبدوها لتخيّلهم أنها وسيطة بين الله وخلقه، كما قال تعالى حكاية عنهم: ﴿مَا نَعْبُدُهُمْ إِلا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى﴾(16). فحاججهم سبحانه أنه إذا اعترفتم أن الخالق والرازق والمدبّر هو الله فكيف تكون العبادة لغيره؟! خاصّة أنّ هذا المقام والمكانة للأصنام ابتدعوها هم أنفسهم، من دون أن يكون بأمر الله وباذنه وإن كان تعالى لا يأذن به على كلّ حال.

﴿وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ أَفَأَنتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كَانُواْ لاَ يَعْقِلُونَ﴾ (42).

س - إنّ استماعهم للرسول (صلى الله عليه وآله وسلّم) دليل رشدهم وانصافهم فكيف وصفهم بأنهم صمّ لا يعقلون؟

ج - لأنّ استماعهم لم يكن طلباً للحقيقة، بل لأغراض أخرى، كالذين كانوا يستمعون للقرآن ليكيلوا له التهم المختلفة كالسحر والشعر ونحوهما.

﴿وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَن لَّمْ يَلْبَثُواْ إِلاَّ سَاعَةً مِّنَ النَّهَارِ يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ...﴾ (45).

س - لماذا شبّه لبثهم في الحياة الدنيا بساعة من النهار؟

ج - لأن الليل وقت الركود والسكون بينما النهار وقت النشاط والحركة، في إشارة إلى صخب الحياة الدنيا والحركة والتنافس فيها، وأنها كانت بمثابة ساعة من النهار.

﴿فَقَالُواْ عَلَى اللّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾ (85).

س - ما معنى كونهم فتنةً للظالمين؟

ج - روي عن زرارة وحمران ومحمد بن مسلم عن أبي جعفر (الباقر) وأبي عبد الله (الصادق) K...قال: (لا تسلّطهم علينا فتفتنهم بنا)(17).

﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَن تَبَوَّءَا لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَاجْعَلُواْ بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ﴾ (87).

س - كيف يجعلون بيوتهم قبلة؟

ج - أي يجعلونها محلاًّ لعبادتهم يتكتمون بها عن فرعون وأعوانه الذي يمنعهم من اتخاذ بيوت للعبادة والتظاهر بها.

﴿وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلأهُ زِينَةً وَأَمْوَالاً فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّواْ عَن سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُواْ حَتَّى يَرَوُاْ الْعَذَابَ الأَلِيمَ﴾ (88).

س - كيف يجعل الإضلال هدفاً للنعمة مع أنّ الله تعالى يُنعم على الناس ليؤدّوا حقها ويشكروه؟

ج - هذه اللام ليست لام التعليل، وإنما هي لام العاقبة كما يسميها النحاة والتي تدخل على نتيجة ومآل الفعل من دون أن تكون هي العلة والهدف منه، كما في قوله تعالى: ﴿فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا﴾(18) مع أنهم إنما التقطوه ليكون لهم ولداً وقرّة عين.

﴿فَإِن كُنتَ فِي شَكٍّ مِّمَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُونَ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكَ لَقَدْ جَاءكَ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ﴾ (94).

س - هل تعني هذه الآية أن هناك شكاً انتاب الرسول (صلى الله عليه وآله وسلّم) ؟

ج - كلاّ، فانّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) عُرف عنه قوة البصيرة ووضوح الرؤية منذ بدايات رسالته، كما تؤنبىء عنه كلمته الخالدة لعمه أبي طالب في مواجهة عروض قريش وضغوطهم: يا عماه لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن اترك هذا الأمر حتى يظهره الله أو أهلك ما تركته(19). وكذلك مواقفه (صلى الله عليه وآله وسلّم) الحازمة وتضحياته تؤكد تلك البصيرة في نفسه، وأما خطابه والتحذير الموجه له (صلى الله عليه وآله وسلّم) في القرآن فهو أسلوب قرآني لتثبيت تلك الحقائق العقائدية وغيرها في نفوس الأمة، ولتحذير غيره من الانحراف أو التشكيك فيها، ولذلك نجد نفس هذا الأسلوب في الحالات التي عُرف عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) موقفه الحازم منها كما في قوله تعالى: ﴿وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * وَلاَ تَدْعُ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَنفَعُكَ وَلاَ يَضُرُّكَ فَإِن فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِّنَ الظَّالِمِينَ﴾(20) فانّ موقفه (صلى الله عليه وآله وسلّم) من عبادة الأوثان ورفضه لها واضح حتى قبل البعثة، فلابد أن يكون المقصود الحقيقي من هذا الخطاب ونحوِه غيرَه (صلى الله عليه وآله وسلّم).


1- تفسير العياشي : 2/ 135.

2- تفسير العياشي : 2/ 135.

3- تفسير العياشي : 2/ 135.

4- تفسير العياشي : 2/ 135.

5- تفسير العياشي : 2/ 135.

6- تفسير العياشي : 2/ 135.

7- تفسير العياشي : 2/ 135.

8- تفسير العياشي : 2/ 135.

9- تفسير العياشي : 2/ 135.

10- تفسير أسئلة القرآن الكريم وأجوبتها.

11- تفسير العياشي : 2/ 135.

12- تفسير العياشي : 2/ 135.

13- تفسير العياشي : 2/ 135.

14- تفسير العياشي : 2/ 135.

15- تفسير العياشي : 2/ 135.

16- تفسير العياشي : 2/ 135.

17- تفسير العياشي : 2/ 135.

18- تفسير العياشي : 2/ 135.

19- تفسير العياشي : 2/ 135.

20- تفسير العياشي : 2/ 135.