سورة الأنفال

﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنفَالِ قُلِ الأَنفَالُ لِلّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُواْ اللّهَ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾ (1)

س - ما هي الأنفال؟

ج - ذكر الفقهاء الشيعة تبعاً للنصوص الواردة عن أهل البيت (عليهم السلام) أن الأنفال كلّ ما يصطفيه النبي أو الإمام (عليه السلام) من الغنيمة، وكلّ أرض مُلكت بغير قتال، وكل أرض موات، ورؤوس الجبال، وبطون الأودية، والغابات، وصفايا الملوك وقطائعهم غير المغصوبة وميراث من لا وارث له، وما غنمه المقاتلون بغير إذنه ((1). بينما اختلف غيرهم من الفقهاء على عدة أقوال(2). والأنفال في الأصل جمع نفل، وهي الزيادة.

س - ما علاقة الأمر بإصلاح ذات البين بكون الأنفال لله والرسول؟

ج - يبدو أنّ منحة النبي أو وعده بزيادة حصة بعض المقاتلين في معركة بدر أثار فئةً أخرى حتى اختلف المسلمون فيما بينهم، فنزلت الآية لتؤكد أنّ ذلك للرسول يصنع فيه ما يرتئيه وتحثّهم على إصلاح ذات بينهم. وفي الحديث عن أبي أمامة الباهلي قال: سألت عبادة بن الصامت عن الأنفال. فقال: فينا معشر أصحاب بدر نزلت حين اختلفنا في النفل، وساءت فيه أخلاقنا، فانتزعه الله من أيدينا، وجعله إلى رسول الله فقسّمه رسول الله بين المسلمين عن بواء، يقول: على السواء(3).

﴿كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِن بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ﴾ (5)

س - متى أخرجه الله من بيته؟

ج - إشارة على خروج النبي من المدينة إلى بدر بوحي من الله تعالى وتقديره.

﴿إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِّنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّن السَّمَاء مَاء لِّيُطَهِّرَكُم بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ﴾ (11)

س - ما هو الارتباط بين النعاس وشعور المقاتل بالأمن؟

ج - حيث لم يكن كلّ المسلمين متهيئين للقتال في ذهابهم إلى بدر، لأنّ الكثير منهم تخيّل أن الهدف هو السيطرة على القافلة التجارية لقريش، وعندما واجهوا بعد ذلك جيش المشركين الذي يفوقهم عُدّة وعدداً دبّ فيهم الخوف والوجل فمنعهم من النوم والاستقرار، فغشّاهم الله تعالى بالنعاس رحمةّ بهم لتستقرّ نفوسهم ويزول وجلهم ويتهيئوا لقتال عدوّهم.

س - لماذا جعل ثمرة إنزال المطر عليهم تطهيرهم؟

ج - لأنّهم كانوا بحاجة إلى التنظيف والاغتسال، لرفع جنابتهم وإزالة الأوساخ والغبار العالق بهم.

﴿فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللّهَ رَمَى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاء حَسَناً إِنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ (17)

س - ألا يتضمّن نفي الرمي واثباته مناقضة؟ ولا أقل من تثبيت فكرة الجبر حتى كأنّ المسلمين لم يصدر منهم فعل؟

ج - كلاّ، لا شك في صدور الفعل وبذل الجهد منهم، لكن حيث كان الله سبحانه هو الذي هيّأ ظروف النصر وعوامله، وهو صاحب القضاء والتقدير فينسب الفعل والنتيجة إليه. وإن صحت نسبة الفعل كالرمي للمقاتل أيضاً. كما أوضحناه سابقا.

﴿إِن تَسْتَفْتِحُواْ فَقَدْ جَاءكُمُ الْفَتْحُ وَإِن تَنتَهُواْ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ...﴾ (19).

س - كيف ينسب الفتح للمشركين مع أنهم لم يكسبوا سوى الهزيمة والخذلان؟

ج - يبدو أن الآية الكريمة في مقام التبكيت والردّ على المشركين حيث كانوا يطلبون الفتح، فردّهم بأن الفتح قد ظهر لكم، وفي حديث أبي حمزة الثمالي: قال أبو جهل: اللهم ربّنا ديننا القديم ودين محمد الحديث، فأي الدينين كان أحبّ إليك وأرضى عندك فانصر أهله اليوم(4).

﴿وَلَوْ عَلِمَ اللّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لاسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّواْ وَّهُم مُّعْرِضُونَ﴾ (23).

س - إذا كان الإسماع يوجب إعراضهم فكيف يُسمعهم؟

ج - الجملة الثانية تتحدث عن حالتهم الفعلية وهي عدم الفائدة والخير فيهم، وإسماعُهم الأول المنتفي إنما هو على فرض أن يعلم الله تعالى فيهم خيراً، وهو غير متحقق بالفعل، فلا مناقضة بينهما.

﴿وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ (25).

س - الأمم والأشخاص إنما يتقون الفتنة الإلهية بإيمانهم، أما إذا كان إيمان هؤلاء لا يقيهم منها فكيف يتقونها؟

ج - اتقاء الفتنة لا ينحصر بالإيمان، لأن المؤمن معرَّض للفتنة والتمحيص أيضاً، فيتّقيها بالإخلاص لله تعالى والبصيرة في دينه والصبر وتحمّل ما يصيبه من البلاء ونحو ذلك، وقد يساهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في تجنّب المجتمع الفتنة، لأنه يمنع من انتشار المنكر أو يقضي عليه، فيكون اتقاء الفتنة بتعميم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

﴿يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إَن تَتَّقُواْ اللّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ﴾ (29).

س - ما هو الفرقان الذي يجعله الله للمتقين؟

ج - هو البصيرة التي تمكنّهم من تمييز الحق من الباطل، وتعصمهم من الفتن والانحراف.

﴿وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ * وَمَا لَهُمْ أَلاَّ يُعَذِّبَهُمُ اللّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَا كَانُواْ أَوْلِيَاءهُ...﴾ (33-34).

س - أليس قوله: ﴿وَمَا لَهُمْ أَلاَّ يُعَذِّبَهُمُ...﴾ مناقضاً لمدلول الآية التي قبلها؟

ج - كلاً، لأنّ هذه الآية تذكر وجه استحقاقهم للعذاب الدنيوي، وتلك الآية ذكرت المانع من تعذيبهم، فما دام أحد المانعين متحقّقاً فلا عذاب، ومع انتفائهما فيعذَّبون بسبب أعمالهم.

س - كيف ينسب لأهل مكة الصدّ عن المسجد الحرام، ولم يعرف عنهم ذلك؟

ج - باعتبار أنهم كانوا يصدّون المسلمين عنه، وعن عبادتهم لله وإقامة طقوسهم وشعائرهم فيه.

﴿فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِم مَّنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ﴾ (57).

س - كيف يكون تشريد من خلفهم؟

ج - من خلال التنكيل بأولئك الناقضين للعهد يخشى غيرهم من نقض العهد، فينتابهم التفرق والارتباك والاضطراب، وهو التشريد.

﴿وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً فَانبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاء إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الخَائِنِينَ﴾ (58).

س - مجرّد الخوف من الخيانة لا يسوّغ نقض العهد؟

ج - الآية لم تسوّغ الخيانة بمجرّّد ذلك، وإنما حيث كان العهد اتفاقاً بين الطرفين فدوامه رهين بكليهما، وعندما تلوح شواهد الخيانة من طرف فمن حق الطرف الآخر إعلام خصمه بايقاف العمل بالاتفاق والعهد، وهو معنى: ﴿فَانبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاء﴾ أي ألقِ اليهم العهد وأبلغهم بتجميده، فيعرف الطرفان ذلك،كي لا يعتبر خيانة للطرف الآخر.

﴿الآنَ خَفَّفَ اللّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِن يَكُن مِّنكُم مِّئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ..﴾ (66).

س - كيف ينسب العلم لله الآن وهو يستلزم جهله سبحانه من قبل؟

ج - هناك وجهان للجواب:

الأول ان لفظة ﴿الآنَ﴾ من ضمن الجملة الأولى ظرف متعلق ب ﴿خَفَّفَ﴾ فهو زمان التخفيف وهو التشريع الذي تضمنته الآية بجهاد المسلمين لمن يضاعفهم عدداً لا أكثر، وليس ﴿الآنَ﴾ زماناً للعلم الإلهي الذي هو سابق على التشريع المذكور.

الثاني: ان هناك علمين بالحوادث:

الأول: هو العلم الحادث سوف يحدث، وكذلك أوصافه وخصوصياته كوقت ومكان حدوثه، ومثل هذا العلم يمكن سبقه على حدوث الحادث، وهو ثابت لله قبل حدوث الحوادث.

الثاني: هو العلم بالحدوث الفعلي للحادث، وهذا العلم يقترن زماناً بالحدوث ويتأخر رتبةًً، ولا يعقل تقدمّه على حدوث الحادث، لأنه ما دام لا حدوث فعلي للحادث لا معنى للعلم بحدوثه الفعلي. فالعلم المذكور في الآية هو العلم الإلهي الثاني بضعفهم، والذي استتبعه التخفيف عنهم، ولا ينافي ذلك ثبوت العلم الإلهي الأول بضعفهم من قبل.

ومما لابدّ أن نشير إليه أن علم الباري تعالى ليس حصولياً، وإنما هو حضور الأشياء لديه. وتفصيل الكلام حول ذلك في البحوث الفلسفية.

﴿... وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يُهَاجِرُواْ مَا لَكُم مِّن وَلاَيَتِهِم مِّن شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُواْ وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلاَّ عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ (72).

س - إذا كانت النصرة في الدين فتجب حتى إذا كان الخصوم كفاراً معاهَدين فلماذا استثناهم؟

ج - كلاّ، فانّ ذلك يتبع طبيعة العهد والميثاق بين المسلمين والطرف الآخر، فقد لا يدخل ذلك ضمن بنود العهد، كما حدث نظيره في صلح الحديبية تبعاً لمصالح انكشف سرّها فيما بعد حيث التزم النبي بارجاع من يُُسلم من قريش ولم يتعهد القريشيون بارجاع من يرتدّ من المسلمين.

﴿وَالَّذينَ كَفَرُواْ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ إِلاَّ تَفْعَلُوهُ تَكُن فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ﴾ (73).

س - ما هو وجه الارتباط بين ولاية الكافرين لبعضهم وفعل المؤمنين المانع من الفتنة والفساد؟

ج - النصف الثاني من الآية يرتبط بالآية السابقة على هذه الآية لا بولاية الكافرين المذكورة في هذه الآية، والمعنى أن المؤمنين إذا لم ينصروا إخوانهم في الدين وهو ما تضمنت الآية السابقة الأمرَ به تكن فتنة وفساد كبير.


1- يراجع وسائل الشيعة : 6/364 وما بعدها، أبواب الأنفال وما يختص بالإمام.

2- تفسير العياشي : 2/ 135.

3- تفسير العياشي : 2/ 135.

4- تفسير العياشي : 2/ 135.