الآيات 1-8

أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ ﴿1﴾ وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ ﴿2﴾ الَّذِي أَنقَضَ ظَهْرَكَ ﴿3﴾ وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ ﴿4﴾ فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا ﴿5﴾ إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا ﴿6﴾ فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ ﴿7﴾ وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ ﴿8﴾

بيان:

أمر بالنصب في الله والرغبة إليه توصل إليه بتقدمة الامتنان والسورة تحتمل المكية والمدنية وسياق آياتها أوفق للمدنية.

وفي بعض الروايات عن أئمة أهل البيت (عليهم السلام) أن الضحى وألم نشرح سورة واحدة، ويروى ذلك أيضا عن طاووس وعمر بن عبد العزيز قال الرازي في التفسير الكبير بعد نقله عنهما والذي دعاهما إلى ذلك هو أن قوله تعالى: ﴿ألم نشرح لك﴾ كالعطف على قوله: ﴿ألم يجدك يتيما﴾ وليس كذلك لأن الأول كان نزوله حال اغتمام الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) من إيذاء الكفار فكانت حال محنة وضيق صدر، والثاني يقتضي أن يكون حال النزول منشرح الصدر طيب القلب فأنى يجتمعان انتهى.

وفيه أن المراد بشرح صدره (صلى الله عليه وآله وسلم) في الآية جعله بحيث يسع ما يلقى إليه من الحقائق ولا يضيق بما ينزل عليه من المعارف وما يصيبه من أذى الناس في تبليغها كما سيجيء لا طيب القلب والسرور كما فسره.

ويدل على ذلك ما رواه ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): لقد سألت ربي مسألة وددت أني لم أسأله قلت: أي رب أنه قد كان أنبياء قبلي منهم من سخرت له الريح ومنهم من كان يحيي الموتى.

قال: فقال: ألم أجدك يتيما فآويتك؟ قال: قلت: بلى قال: ألم أجدك ضالا فهديتك؟ قال: قلت: بلى أي رب.

قال: ألم أشرح لك صدرك ووضعت عنك وزرك؟ قال: قلت: بلى أي رب، وللكلام تتمة ستوافيك في تفسير سورة الإيلاف إن شاء الله تعالى.

قوله تعالى: ﴿ألم نشرح لك صدرك﴾ قال الراغب: أصل الشرح بسط اللحم ونحوه يقال: شرحت اللحم وشرحته ومنه شرح الصدر أي بسطته بنور إلهي وسكينة من جهة الله وروح منه قال تعالى: ﴿رب اشرح لي صدري﴾ ﴿ألم نشرح لك صدرك﴾ ﴿فمن شرح الله صدره﴾ انتهى.

وترتب الآيات الثلاث الأول في مضامينها ثم تعليلها بقوله: ﴿فإن مع العسر يسرا﴾ الظاهر في الانطباق على حاله (صلى الله عليه وآله وسلم) في أوائل دعوته وأواسطها وأواخرها ثم تكرار التعليل ثم تفريع آيتي آخر السورة كل ذلك يشهد على كون المراد بشرح صدره (صلى الله عليه وآله وسلم) بسطه بحيث يسع ما يلقى إليه من الوحي ويؤمر بتبليغه وما يصيبه من المكاره والأذى في الله، وبعبارة أخرى جعل نفسه المقدسة مستعدة تامة الاستعداد لقبول ما يفاض عليها من جانب الله تعالى.

قوله تعالى: ﴿ووضعنا عنك وزرك الذي أنقض ظهرك﴾ الوزر الحمل الثقيل، وإنقاض الظهر كسره بحيث يسمع له صوت كما يسمع من السرير ونحوه عند استقرار شيء ثقيل عليه، والمراد به ظهور ثقل الوزر عليه ظهورا بالغا.

ووضع الوزر إذهاب ما يحس من ثقله وجملة: ﴿ووضعنا عنك وزرك﴾ معطوفة على قوله: ﴿ألم نشرح﴾ إلخ لما أن معناه قد شرحنا لك صدرك.

والمراد بوضع وزره (صلى الله عليه وآله وسلم) على ما يفيده السياق - وقد أشرنا إليه - إنفاذ دعوته وإمضاء مجاهدته في الله بتوفيق الأسباب فإن الرسالة والدعوة وما يتفرع على ذلك هي الثقل الذي حمله إثر شرح صدره.

وقيل: وضع الوزر إشارة إلى ما وردت به الرواية أن ملكين نزلا عليه وفلقا صدره وأخرجا قلبه وطهراه ثم رداه إلى محله وستوافيك روايته.

وقيل: المراد بالوزر ما صدر عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) قبل البعثة، وقيل: غفلته عن الشرائع ونحوها مما يتوقف على الوحي مع تطلبه، وقيل: حيرته في بعض الأمور كأداء حق الرسالة، وقيل: الوحي وثقله عليه في بادىء أمره، وقيل: ما كان يرى من ضلال قومه وعنادهم مع عجزه عن إرشادهم، وقيل: ما كان يرى من تعديهم ومبالغتهم في إيذائه، وقيل: همه لوفاة عمه أبي طالب وزوجه خديجة، وقيل: الوزر المعصية ورفع الوزر عصمته، وقيل: الوزر ذنب أمته ووضعه غفرانه.

وهذه الوجوه بعضها سخيف وبعضها ضعيف لا يلائم السياق، وهي بين ما قيل به وبين ما احتمل احتمالا.

قوله تعالى: ﴿ورفعنا لك ذكرك﴾ رفع الذكر إعلاؤه عن مستوى ذكر غيره من الناس وقد فعل سبحانه به ذلك، ومن رفع ذكره أن قرن الله اسمه (صلى الله عليه وآله وسلم) باسمه فاسمه قرين اسم ربه في الشهادتين اللتين هما أساس دين الله، وعلى كل مسلم أن يذكره مع ربه كل يوم في الصلوات الخمس المفروضة، ومن اللطف وقوع الرفع بعد الوضع في الآيتين.

قوله تعالى: ﴿فإن مع العسر يسرا﴾ لا يبعد أن يكون تعليلا لما تقدم من وضع الوزر ورفع الذكر فما حمله الله من الرسالة وأمر به من الدعوة - وذلك أثقل ما يمكن لبشر أن يحمله - كان قد اشتد عليه الأمر بذلك، وكذا تكذيب قومه دعوته واستخفافهم به وإصرارهم على إمحاء ذكره كان قد اشتد عليه فوضع الله وزره الذي حمله بتوفيق الناس لإجابة دعوته ورفع ذكره الذي كانوا يريدون إمحاءه وكان ذلك جريا على سنته تعالى في الكون من الإتيان باليسر بعد العسر فعلل رفع الشدة عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) بما أشار إليه من سنته، وعلى هذا فاللام في ﴿العسر﴾ للجنس دون الاستغراق ولعل السنة سنة تحول الحوادث وتقلب الأحوال وعدم دوامها.

وعن الزمخشري في الكشاف، أن الفاء في ﴿فإن مع العسر﴾ إلخ فصيحة والكلام مسوق لتسليته (صلى الله عليه وآله وسلم) بالوعد الجميل.

قال: كان المشركون يعيرون رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) والمؤمنين بالفقر والضيقة حتى سبق إلى ذهنه الشريف أنهم رغبوا عن الإسلام لافتقار أهله واحتقارهم فذكره سبحانه ما أنعم به عليه من جلائل النعم ثم قال: إن مع العسر يسرا كأنه قال: خولناك ما خولناك فلا تيأس من فضل الله فإن مع العسر الذي أنتم فيه يسرا.

وظاهره أن اللام في العسر للعهد دون الجنس وأن المراد باليسر ما رزقه الله المؤمنين بعد من الغنائم الكثيرة.

وهو ممنوع فذهنه الشريف (صلى الله عليه وآله وسلم) أجل من أن يخفى عليه حالهم وأنهم إنما يرغبون عن دعوته استكبارا على الحق واستعلاء على الله على أن القوم لم يرغبوا في الإسلام حتى بعد ظهور شوكته وإثراء المؤمنين وقد أيأس الله نبيه من إيمان أكثرهم حيث قال: ﴿لقد حق القول على أكثرهم فهم لا يؤمنون - إلى أن قال - وسواء عليهم ء أنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون﴾ يس: 10 والآيات مكية وقال: ﴿إن الذين كفروا سواء عليهم ء أنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون﴾ البقرة: 6 والآية مدنية.

ولو حمل اليسر بعد العسر على شوكة الإسلام ورفعته بعد ضعته مع أخذ السورة مكية لم يكن به كثير بأس.

قوله تعالى: ﴿إن مع العسر يسرا﴾ تكرار للتأكيد والتثبيت وقيل: استئناف وذكروا أن في الآيتين دلالة على أن مع العسر الواحد يسران بناء على أن المعرفة إذا أعيدت ثانية في الكلام كان المراد بها عين الأولى بخلاف النكرة كما أنه لو قيل: إذا اكتسبت الدرهم أو درهما فأنفق الدرهم كان المراد بالثاني هو الأول بخلاف ما لو قيل: إذا اكتسبت درهما فأنفق درهما وليست القاعدة بمطردة.

والتنوين في ﴿يسرا﴾ للتنويع لا للتفخيم كما ذكره بعضهم، والمعية معية التوالي دون المعية بمعنى التحقق في زمان واحد.

قوله تعالى: ﴿فإذا فرغت فانصب وإلى ربك فارغب﴾ خطاب للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) متفرع على ما بين قبل من تحميله الرسالة والدعوة ومنه تعالى عليه بما من من شرح الصدر ووضع الوزر ورفع الذكر وكل ذلك من اليسر بعد العسر.

وعليه فالمعنى إذا كان العسر يأتي بعده اليسر والأمر فيه إلى الله لا غير فإذا فرغت مما فرض عليك فأتعب نفسك في الله - بعبادته ودعائه - وارغب فيه ليمن عليك بما لهذا التعب من الراحة ولهذا العسر من اليسر.

وقيل: المراد إذا فرغت من الفرائض فانصب في النوافل، وقيل: إذا فرغت من الصلاة فانصب في الدعاء، وما يتضمنه القولان بعض المصاديق.

وقيل: المعنى إذا فرغت من الغزو فاجتهد في العبادة وقيل: المراد إذا فرغت من دنياك فانصب في آخرتك وقيل غير ذلك وهي وجوه ضعيفة.

بحث روائي:

في الدر المنثور، أخرج عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد عن أبي بن كعب أن أبا هريرة قال: يا رسول الله ما أول ما رأيت من أمر النبوة؟ فاستوى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) جالسا وقال: لقد سألت أبا هريرة إني لفي صحراء ابن عشرين سنة وأشهرا إذا بكلام فوق رأسي وإذا رجل يقول لرجل: أهو هو؟ فاستقبلاني بوجوه لم أرها لخلق قط، وأرواح لم أجدها في خلق قط وثياب لم أجدها على أحد قط فأقبلا إلي يمشيان حتى أخذ كل واحد منهما بعضدي لا أجد لأحدهما مسا.

فقال أحدهما لصاحبه: أضجعه فأضجعني بلا قصر ولا هصر فقال أحدهما: أفلق صدره فحوى أحدهما إلى صدري ففلقه فيما أرى بلا دم ولا وجع فقال له: أخرج الغل والحسد فأخرج شيئا كهيئة العلقة ثم نبذها فطرحها فقال له: أدخل الرأفة والرحمة فإذا مثل الذي أخرج شبه الفضة ثم هز إبهام رجلي اليمنى وقال: اغد وأسلم فرجعت بها أغدو بها رقة على الصغير ورحمة للكبير.

أقول: وفي نقل بعضهم - كما في روح المعاني- ابن عشر حجج مكان قوله: ابن عشرين سنة وأشهرا، وفي بعض الروايات نقل القصة عند نزول سورة اقرأ باسم ربك وفي بعضها كما في صحيح البخاري ومسلم والترمذي والنسائي نقل القصة عند إسراء النبي.

والقصة على أي حال من قبيل التمثل بلا إشكال، وقد أطالوا البحث في توجيه ما تتضمنه على أنها واقعة مادية فتمحلوا بوجوه لا جدوى في التعرض لها بعد فساد أصلها.

وفيه، أخرج أبو يعلى وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن حبان وابن مردويه وأبو نعيم في الدلائل عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: أتاني جبرئيل فقال: إن ربك يقول: تدري كيف رفعت ذكرك؟ قلت: الله أعلم قال: إذا ذكرت ذكرت معي.

وفيه، أخرج عبد الرزاق وابن جرير والحاكم والبيهقي عن الحسن قال: خرج النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يوما مسرورا وهو يضحك ويقول: لن يغلب عسر يسرين ﴿فإن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا﴾.

وفي المجمع، في قوله تعالى: ﴿فإذا فرغت فانصب وإلى ربك فارغب﴾ معناه فإذا فرغت من الصلاة المكتوبة فانصب إلى ربك في الدعاء وارغب إليه في المسألة:.

قال: وهو المروي عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليه السلام).