الآية- 110

قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا ﴿110﴾

بيان:

الآية خاتمة السورة وتلخص غرض البيان فيها وقد جمعت أصول الدين الثلاثة وهي التوحيد والنبوة والمعاد فالتوحيد ما في قوله: ﴿إنما إلهكم إله واحد﴾ والنبوة ما في قوله ﴿إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي﴾ وقوله: ﴿فليعمل عملا صالحا﴾ إلخ والمعاد ما في قوله ﴿فمن كان يرجوا لقاء ربه﴾.

قوله تعالى: ﴿قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد﴾ القصر الأول قصره (صلى الله عليه وآله وسلم) في البشرية المماثلة لبشرية الناس لا يزيد عليهم بشيء ولا يدعيه لنفسه قبال ما كانوا يزعمون أنه إذا ادعى النبوة فقد ادعى كينونة إلهية وقدرة غيبية ولذا كانوا يقترحون عليه بما لا يعلمه إلا الله ولا يقدر عليه إلا الله لكنه (صلى الله عليه وآله وسلم) نفى ذلك كله بأمر الله عن نفسه ولم يثبت لنفسه إلا أنه يوحى إليه.

والقصر الثاني قصر الإله الذي هو إلههم في إله واحد وهو التوحيد الناطق بأن إله الكل إله واحد.

وقوله: ﴿فمن كان يرجوا لقاء ربه فليعمل﴾ إلخ مشتمل على إجمال الدعوة الدينية وهو العمل الصالح لوجه الله وحده لا شريك له وقد فرعه على رجاء لقاء الرب تعالى وهو الرجوع إليه إذ لو لا الحساب والجزاء لم يكن للأخذ بالدين والتلبس بالاعتقاد والعمل موجب يدعو إليه كما قال تعالى: ﴿إن الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب﴾ ص: 26.

وقد رتب على الاعتقاد بالمعاد العمل الصالح وعدم الإشراك بعبادة الرب لأن الاعتقاد بالوحدانية مع الإشراك في العمل متناقضان لا يجتمعان فالإله تعالى لو كان واحدا فهو واحد في جميع صفاته ومنها المعبودية لا شريك له فيها.

وقد رتب الأخذ بالدين على رجاء المعاد دون القطع به لأن احتماله كاف في وجوب التحذر منه لوجوب دفع الضرر المحتمل، وربما قيل: إن المراد باللقاء لقاء الكرامة وهو مرجو لا مقطوع به.

وقد فرع رجاء لقاء الله على قوله: ﴿إنما إلهكم إله واحد﴾ لأن رجوع العباد إلى الله سبحانه من تمام معنى الألوهية فله تعالى كل كمال مطلوب وكل وصف جميل ومنها فعل الحق والحكم بالعدل وهما يقتضيان رجوع عباده إليه والقضاء بينهم قال تعالى: ﴿وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما باطلا ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض أم نجعل المتقين كالفجار﴾ ص: 28.

بحث روائي:

في الدر المنثور، أخرج ابن مندة وأبو نعيم في الصحابة، وابن عساكر من طريق السدي الصغير عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال: كان جندب بن زهير إذا صلى أو صام أو تصدق فذكر بخير ارتاح له فزاد في ذلك لمقالة الناس فلامه الله فنزل في ذلك ﴿فمن كان يرجوا لقاء ربه فليعمل عملا صالحا - ولا يشرك بعبادة ربه أحدا﴾ .

أقول: وورد نحو منه في عدة روايات أخر من غير ذكر الاسم وينبغي أن يحمل على انطباق الآية على المورد فمن المستبعد أن ينزل خاتمة سورة من السور لسبب خاص بنفسها.

وفيه، عن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في الآية قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): إن ربكم يقول: أنا خير شريك فمن أشرك معي في عمله أحدا من خلقي تركت العمل كله له، ولم أقبل إلا ما كان لي خالصا ثم قرأ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): ﴿فمن كان يرجوا لقاء ربه فليعمل عملا صالحا - ولا يشرك بعبادة ربه أحدا﴾.

وفي تفسير العياشي، عن علي بن سالم عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: الله تبارك وتعالى: أنا خير شريك من أشرك بي في عمله لم أقبله إلا ما كان لي خالصا.

قال العياشي: وفي رواية أخرى عنه (عليه السلام) قال: إن الله يقول: أنا خير شريك من عمل لي ولغيري فهو لمن عمل له دوني.

وفي الدر المنثور، أخرج أحمد وابن أبي الدنيا وابن مردويه والحاكم وصححه والبيهقي عن شداد بن أوس قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: من صلى يرائي فقد أشرك، ومن صام يرائي فقد أشرك ومن تصدق يرائي فقد أشرك ثم قرأ ﴿فمن كان يرجوا لقاء ربه﴾ الآية.

وفي تفسير العياشي، عن زرارة وحمران عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليه السلام) قالا: لو أن عبدا عمل عملا يطلب به رحمة الله والدار الآخرة ثم أدخل فيه رضا أحد من الناس كان مشركا.

أقول: والروايات في هذا الباب من طرق الشيعة وأهل السنة فوق حد الإحصاء والمراد بالشرك فيها الشرك الخفي غير المنافي لأصل الإيمان بل لكماله قال تعالى: ﴿وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون﴾ يوسف: 106 فالآية تشمله بباطنها لا بتنزيلها.

وفي الدر المنثور، أخرج الطبراني وابن مردويه عن أبي حكيم قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): لو لم ينزل على أمتي إلا خاتمة سورة الكهف لكفتهم.

أقول: تقدم وجهه في البيان السابق.