الآيات 1-10

وَالطُّورِ ﴿1﴾ وَكِتَابٍ مَّسْطُورٍ ﴿2﴾ فِي رَقٍّ مَّنشُورٍ ﴿3﴾ وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ ﴿4﴾ وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ ﴿5﴾ وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ ﴿6﴾ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ ﴿7﴾ مَا لَهُ مِن دَافِعٍ ﴿8﴾ يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاء مَوْرًا ﴿9﴾ وَتَسِيرُ الْجِبَالُ سَيْرًا ﴿10﴾

بيان:

غرض السورة إنذار أهل التكذيب والعناد من الكفار بالعذاب الذي أعد لهم يوم القيامة فتبدأ بالإنباء عن وقوع العذاب الذي أنذروا به وتحققه يوم القيامة بأقسام مؤكدة وأيمان مغلظة، وأنه غير تاركهم يومئذ حتى يقع بهم ولا مناص.

ثم تذكر نبذة من صفة هذا العذاب والويل الذي يعمهم ولا يفارقهم ثم تقابل ذلك بشمة من نعيم أهل النعيم يومئذ وهم المتقون الذين كانوا في الدنيا مشفقين في أهلهم يدعون الله مؤمنين به موحدين له.

ثم تأخذ في توبيخ المكذبين على ما كانوا يرمون النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وما أنزل عليه من القرآن وما أتي به من الدين الحق.

وتختم الكلام بتكرار التهديد والوعيد وأمر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بتسبيح ربه.

والسورة مكية كما يشهد بذلك سياق آياتها.

قوله تعالى: ﴿والطور﴾ قيل: الطور مطلق الجبل وقد غلب استعماله في الجبل الذي كلم الله عليه موسى (عليه السلام)، والأنسب أن يكون المراد به في الآية جبل موسى (عليه السلام) أقسم الله تعالى به لما قدسه وبارك فيه كما أقسم به في قوله: ﴿وطور سينين﴾ التين: 2، وقال: ﴿وناديناه من جانب الطور الأيمن﴾ مريم: 52، وقال في خطابه لموسى (عليه السلام): ﴿فاخلع نعليك إنك بالواد المقدس طوى﴾ طه: 12، وقال: ﴿نودي من شاطىء الواد الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة﴾ القصص: 30.

وقيل: المراد مطلق الجبل أقسم الله تعالى به لما أودع فيه من أنواع نعمه قال تعالى: ﴿وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها﴾ حم السجدة: 10.

قوله تعالى: ﴿وكتاب مسطور في رق منشور﴾ قيل: الرق مطلق ما يكتب فيه وقيل: هو الورق، وقيل: الورق المأخوذ من الجلد، والنشر هو البسط، والتفريق.

والمراد بهذا الكتاب قيل: هو اللوح المحفوظ الذي كتب الله فيه ما كان وما يكون وما هو كائن تقرؤه ملائكة السماء، وقيل: المراد به صحائف الأعمال تقرؤه حفظة الأعمال من الملائكة، وقيل: هو القرآن كتبه الله في اللوح المحفوظ، وقيل: هو التوراة وكانت تكتب في الرق وتنشر للقراءة.

والأنسب بالنظر إلى الآية السابقة هو القول الأخير.

قوله تعالى: ﴿والبيت المعمور﴾ قيل: المراد به الكعبة المشرفة فإنها أول بيت وضع للناس ولم يزل معمورا منذ وضع إلى يومنا هذا قال تعالى: ﴿إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا وهدى للعالمين﴾ آل عمران: 96.

وفي الروايات المأثورة أن البيت المعمور بيت في السماء بحذاء الكعبة تزوره الملائكة.

وتنكير ﴿كتاب﴾ للإيماء إلى استغنائه عن التعريف فهو تنكير يفيد التعريف ويستلزمه.

قوله تعالى: ﴿والسقف المرفوع﴾ هو السماء.

قوله تعالى: ﴿والبحر المسجور﴾ قال الراغب: السجر تهييج النار، وفي المجمع،: المسجور المملوء يقال: سجرت التنور أي ملأتها نارا، وقد فسرت الآية بكل من المعنيين ويؤيد المعنى الأول قوله: ﴿وإذا البحار سجرت﴾ التكوير: 6، أي سعرت وقد ورد في الحديث أن البحار تسعر نارا يوم القيامة، وقيل: المراد أنها تغيض مياهها بتسجير النار فيها.

قوله تعالى: ﴿إن عذاب ربك لواقع ما له من دافع﴾ جواب القسم السابق والمراد بالعذاب المخبر بوقوعه عذاب يوم القيامة الذي أوعد الله به الكفار المكذبين كما تشير إليه الآية التالية، وفي قوله: ﴿ما له من دافع﴾ دلالة على أنه من القضاء المحتوم الذي لا محيص عن وقوعه قال تعالى: ﴿وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور﴾ الحج: 7.

وفي قوله: ﴿عذاب ربك﴾ بنسبة العذاب إلى الرب المضاف إلى ضمير الخطاب دون أن يقال: عذاب الله تأييد للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) على مكذبي دعوته وتطييب لنفسه أن ربه لا يخزيه يومئذ كما قال: ﴿يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا معه﴾ التحريم: 8.

قوله تعالى: ﴿يوم تمور السماء مورا وتسير الجبال سيرا﴾ ظرف لقوله: ﴿إن عذاب ربك لواقع﴾.

والمور - على ما في المجمع، - تردد الشيء بالذهاب والمجيء كما يتردد الدخان ثم يضمحل، ويقرب منه قول الراغب: إنه الجريان السريع.

وعلى أي حال فيه إشارة إلى انطواء العالم السماوي كما يذكره تعالى في مواضع من كلامه كقوله: ﴿إذا السماء انفطرت وإذا الكواكب انتثرت﴾ الانفطار: 2، وقوله: ﴿يوم نطوي السماء كطي السجل للكتب﴾ الأنبياء: 104، وقوله: ﴿والسماوات مطويات بيمينه﴾ الزمر: 67.

كما أن قوله: ﴿وتسير الجبال سيرا﴾ إشارة إلى زلزلة الساعة في الأرض التي يذكرها تعالى في مواضع من كلامه كقوله: ﴿إذا رجت الأرض رجا وبست الجبال بسا فكانت هباء منبثا﴾ الواقعة: 6، وقوله: وسيرت الجبال فكانت سرابا﴾ النبأ: 20.

بحث روائي:

في تفسير القمي، في قوله تعالى: ﴿والطور وكتاب مسطور﴾ قال: الطور جبل بطور سيناء.

وفي المجمع، ﴿والبيت المعمور﴾ وهو بيت في السماء الرابعة بحيال الكعبة يعمره الملائكة بما يكون منها فيه من العبادة:.

عن ابن عباس ومجاهد، وروي أيضا عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال.

ويدخله كل يوم سبعون ألف ملك ثم لا يعودون إليه أبدا.

أقول: كون البيت المعمور بيتا في السماء يطوف عليه الملائكة واقع في عدة أحاديث من طرق الفريقين غير أنها مختلفة في محله ففي أكثرها أنه في السماء الرابعة وفي بعضها أنه في السماء الأولى، وفي بعضها السابعة.

وفيه، ﴿والسقف المرفوع﴾ وهو السماء عن علي (عليه السلام).

وفي تفسير القمي، ﴿والسقف المرفوع﴾ قال: السماء، ﴿والبحر المسجور﴾ قال: تسجر يوم القيامة.

وفي المجمع، ﴿والبحر المسجور﴾ أي المملوء.

عن قتادة، وقيل: هو الموقد المحمي بمنزلة التنور.

عن مجاهد والضحاك والأخفش وابن زيد.

ثم قيل: إنه تحمى البحار يوم القيامة فتجعل نيرانا ثم تفجر بعضها في بعض ثم تفجر إلى النار، ورد به الحديث.