الآيات 45-53

وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ ﴿45﴾ قَالَ يَا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴿46﴾ قَالُوا اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَن مَّعَكَ قَالَ طَائِرُكُمْ عِندَ اللَّهِ بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ ﴿47﴾ وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ ﴿48﴾ قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ ﴿49﴾ وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ﴿50﴾ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ ﴿51﴾ فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ﴿52﴾ وَأَنجَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ ﴿53﴾

بيان:

إجمال من قصة صالح النبي (عليه السلام) وقومه، وجانب الإنذار في الآيات يغلب على جانب التبشير كما تقدمت الإشارة إليه.

قوله تعالى: ﴿ولقد أرسلنا إلى ثمود أخاهم صالحا﴾ إلى قوله ﴿يختصمون﴾ الاختصام والتخاصم التنازع وتوصيف التثنية بالجمع أعني قوله: ﴿فريقان﴾ بقوله: ﴿يختصمون﴾ لكون المراد بالفريقين مجموع الأمة و﴿إذا﴾ فجائية.

والمعنى: وأقسم لقد أرسلنا إلى قوم ثمود أخاهم ونسيبهم صالحا وكان المرجو أن يجتمعوا على الإيمان لكن فاجأهم أن تفرقوا فريقين مؤمن وكافر يختصمون ويتنازعون في الحق كل يقول: الحق معي، ولعل المراد باختصامهم ما حكاه الله عنهم في موضع آخر بقوله: ﴿قال الذين استكبروا من قومه للذين استضعفوا لمن آمن منهم أتعلمون أن صالحا مرسل من ربه قالوا إنا بما أرسل به مؤمنون قال الذين استكبروا إنا بالذي آمنتم به كافرون﴾ الأعراف: 76.

ومن هنا يظهر أن أحد الفريقين جمع من المستضعفين آمنوا به والآخر المستكبرون وباقي المستضعفين ممن اتبعوا كبارهم.

قوله تعالى: ﴿قال يا قوم لم تستعجلون بالسيئة قبل الحسنة﴾ إلخ الاستعجال بالسيئة قبل الحسنة المبادرة إلى سؤال العذاب قبل الرحمة التي سببها الإيمان والاستغفار.

وبه يظهر أن صالحا (عليه السلام) إنما وبخهم بقوله هذا بعد ما عقروا الناقة وقالوا له: يا صالح ائتنا بما تعدنا إن كنت من المرسلين فيكون قوله: ﴿لو لا تستغفرون الله لعلكم ترحمون﴾ تحضيضا إلى الإيمان والتوبة لعل الله يرحمهم فيرفع عنهم ما وعدهم من العذاب وعدا غير مكذوب.

قوله تعالى: ﴿قالوا اطيرنا بك وبمن معك قال طائركم عند الله﴾ إلخ التطير هو التشؤم، وكانوا يتشأمون كثيرا بالطير ولذا سموا التشؤم تطيرا ونصيب الإنسان من الشر طائرا كما قيل.

فقولهم خطابا لصالح: ﴿اطيرنا بك وبمن معك﴾ أي تشأمنا بك وبمن معك ممن آمن بك ولزمك لما أن قيامك بالدعوة وإيمانهم بك قارن ما ابتلينا به من المحن والبلايا فلسنا نؤمن بك.

وقوله خطابا للقوم: ﴿طائركم عند الله﴾ أي نصيبكم من الشر وهو الذي تستوجبه أعمالكم من العذاب عند الله سبحانه.

ولذا أضرب عن قوله: ﴿طائركم عند الله﴾ بقوله: ﴿بل أنتم قوم تفتنون﴾ أي تختبرون بالخير والشر ليمتاز مؤمنكم من كافركم ومطيعكم من عاصيكم.

ومعنى الآية: قال القوم: تطيرنا بك يا صالح وبمن معك فلن نؤمن ولن نستغفر قال صالح: طائركم الذي فيه نصيبكم من الشر عند الله وهو كتاب أعمالكم ولست أنا ومن معي ذوي أثر فيكم حتى نسوق إليكم هذه الابتلاءات بل أنتم قوم تختبرون وتمتحنون بهذه الأمور ليمتاز مؤمنكم من كافركم ومطيعكم من عاصيكم.

وربما قيل: إن الطائر هو السبب الذي منه يصيب الإنسان ما يصيبه من الخير والشر، فإنهم كما كانوا يتشأمون بالطير كانوا أيضا يتيمنون به والطائر عندهم الأمر الذي يستقبل الإنسان بالخير والشر كما في قوله تعالى: ﴿وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتابا﴾ الإسراء: 13، وإذ كان ما يستقبل الإنسان من خير أو شر هو بقضاء من الله سبحانه مكتوب في كتاب فالطائر هو الكتاب المحفوظ فيه ما قدر للإنسان.

وفيه أن ظاهر ذيل آية الإسراء أن المراد بالطائر هو كتاب الأعمال دون كتاب القضاء كما يدل عليه قوله: ﴿اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا﴾.

وقيل: معنى ﴿بل أنتم قوم تفتنون﴾ أي تعذبون، وما ذكرناه أولا أنسب.

قوله تعالى: ﴿وكان في المدينة تسعة رهط﴾ إلخ قال الراغب: الرهط العصابة دون العشرة وقيل إلى الأربعين انتهى، وقيل: الفرق بين الرهط والنفر أن الرهط من الثلاثة أو السبعة إلى العشرة والنفر من الثلاثة إلى التسعة انتهى.

قيل: المراد بالرهط الأشخاص ولذا وقع تمييزا للتسعة لكونه في معنى الجمع فقد كان المتقاسمون تسعة رجال.

قوله تعالى: ﴿قالوا تقاسموا بالله لنبيتنه وأهله ثم لنقولن لوليه ما شهدنا مهلك أهله وإنا لصادقون﴾ التقاسم المشاركة في القسم، والتبييت القصد بالسوء ليلا، وأهل الرجل من يجمعه وإياهم بيت أو نسب أو دين، ولعل المراد بأهله زوجه وولده بقرينة قوله بعد: ﴿ثم لنقولن لوليه ما شهدنا﴾ وقوله: ﴿وإنا لصادقون﴾ معطوف على قوله: ﴿ما شهدنا﴾ فيكون من مقول القول.

والمعنى: قال الرهط المفسدون وقد تقاسموا بالله: لنقتلنه وأهله بالليل ثم نقول لوليه إذا عقبنا وطلب الثأر ما شهدنا هلاك أهله وإنا لصادقون في هذا القول، ونفي مشاهدة مهلك أهله نفي لمشاهدة مهلك نفسه بالملازمة أو الأولوية، على ما قيل.

وربما قيل: إن قوله: ﴿وإنا لصادقون﴾ حال من فاعل نقول أي نقول لوليه كذا والحال أنا صادقون في هذا القول لأنا شهدنا مهلكه وأهله جميعا لا مهلك أهله فقط.

ولا يخفى ما فيه من التكلف وقد وجه بوجوه أخر أشد تكلفا منه ولا ملزم لأصل الحالية.

قوله تعالى: ﴿ومكروا مكرا ومكرنا مكرا وهم لا يشعرون﴾ أما مكرهم فهو التواطىء على تبييته وأهله والتقاسم بشهادة السياق السابق وأما مكره تعالى فهو تقديره هلاكهم جميعا بشهادة السياق اللاحق.

قوله تعالى: ﴿فانظر كيف كان عاقبة مكرهم أنا دمرناهم وقومهم أجمعين﴾ التدمير الإهلاك، وضمائر الجمع للرهط، وكون عاقبة مكرهم هو إهلاكهم وقومهم من جهة أن مكرهم استدعى المكر الإلهي على سبيل المجازاة، واستوجب ذلك إهلاكهم وقومهم.

قوله تعالى: ﴿فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا﴾ إلخ، الخاوية الخالية من الخواء بمعنى الخلاء، والباقي ظاهر.

قوله تعالى: ﴿وأنجينا الذين آمنوا وكانوا يتقون﴾ فيه تبشير للمؤمنين بالإنجاء، وقد أردفه بقوله: ﴿وكانوا يتقون﴾ إذ التقوى كالمجن للإيمان وقد قال تعالى: ﴿والعاقبة للمتقين﴾ الأعراف: 128، وقال: ﴿والعاقبة للتقوى﴾ طه: 132.