الآيات 41-55

مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاء كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ﴿41﴾ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴿42﴾ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ ﴿43﴾ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِّلْمُؤْمِنِينَ ﴿44﴾ اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ﴿45﴾ وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ﴿46﴾ وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ فَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمِنْ هَؤُلَاء مَن يُؤْمِنُ بِهِ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الْكَافِرُونَ ﴿47﴾ وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَّارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ ﴿48﴾ بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا مَ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ ﴿49﴾ وَقَالُوا لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِّن رَّبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآيَاتُ عِندَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُّبِينٌ ﴿50﴾ أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴿51﴾ قُلْ كَفَى بِاللَّهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيدًا يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْبَاطِلِ وَكَفَرُوا بِاللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ ﴿52﴾ وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَوْلَا أَجَلٌ مُّسَمًّى لَجَاءهُمُ الْعَذَابُ وَلَيَأْتِيَنَّهُم بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ﴿53﴾ يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ ﴿54﴾ يَوْمَ يَغْشَاهُمُ الْعَذَابُ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ وَيَقُولُ ذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ﴿55﴾

بيان:

تتضمن الآيات تذييلا لقصص أولئك الأمم الماضية الهالكة بمثل ضربه الله سبحانه لاتخاذهم أولياء من دون الله فبين فيه أن بناءهم ذلك أوهن البناء ينادي ببطلانه وفساده خلق السماوات والأرض وأنهم ليس لهم من دونه من ولي كما يذكره هذا الكتاب.

ومن هنا ينتقل إلى أمر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بتلاوة هذا الكتاب الذي أوحي إليه وإقامة الصلاة ودعوة أهل الكتاب بقول لين ومجادلة حسناء ويجيب عن اقتراح المشركين على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يأتيهم بآيات غير القرآن وأن يعجلهم بالعذاب الذي ينذرهم به.

قوله تعالى: ﴿مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء كمثل العنكبوت اتخذت بيتا﴾ إلى آخر الآية، العنكبوت معروف ويطلق على الواحد والجمع ويذكر ويؤنث.

العناية في قوله: ﴿مثل الذين اتخذوا﴾ إلخ، باتخاذ الأولياء من دون الله ولذا جيء بالموصول والصلة كما أن العناية في قوله: ﴿كمثل العنكبوت اتخذت بيتا﴾ إلى اتخاذها البيت فيئول المعنى إلى أن صفة المشركين في اتخاذهم من دون الله أولياء كصفة العنكبوت في اتخاذها بيتا له نبأ، وهو الوصف الذي يدل عليه تنكير ﴿بيتا﴾.

ويكون قوله: ﴿إن أوهن البيوت لبيت العنكبوت﴾ بيانا لصفة البيت الذي أخذته العنكبوت ولم يقل: إن أوهن البيوت لبيتها كما هو مقتضى الظاهر أخذا للجملة بمنزلة المثل السائر الذي لا يتغير.

والمعنى: أن اتخاذهم من دون الله أولياء وهم آلهتهم الذين يتولونهم ويركنون إليهم كاتخاذ العنكبوت بيتا هو أوهن البيوت إذ ليس له من آثار البيت إلا اسمه لا يدفع حرا ولا بردا ولا يكن شخصا ولا يقي من مكروه كذلك ليس لولاية أوليائهم إلا الاسم فقط لا ينفعون ولا يضرون ولا يملكون موتا ولا حياة ولا نشورا.

ومورد المثل هو اتخاذ المشركين آلهة من دون الله، فتبديل الآلهة من الأولياء لكون السبب الداعي لهم إلى اتخاذ الآلهة زعمهم أن لهم ولاية لأمرهم وتدبيرا لشأنهم من جلب الخير إليهم ودفع الشر عنهم والشفاعة في حقهم.

والآية - مضافا إلى إيفاء هذه النكتة - تشمل بإطلاقها كل من اتخذ في أمر من الأمور وشأن من الشئون وليا من دون الله يركن إليه ويراه مستقلا في أثره الذي يرجوه منه وإن لم يعد من الأصنام إلا أن يرجع ولايته إلى ولاية الله كولاية الرسول والأئمة والمؤمنين كما قال تعالى: ﴿وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون﴾ يوسف: 106.

وقوله: ﴿لو كانوا يعلمون﴾ أي لو كانوا يعلمون أن مثلهم كمثل العنكبوت ما اتخذوهم أولياء.

كذا قيل.

قوله تعالى: ﴿إن الله يعلم ما يدعون من دونه من شيء وهو العزيز الحكيم﴾ يمكن أن يكون ﴿ما﴾ في ﴿ما يدعون﴾ موصولة أو نافية أو استفهامية أو مصدرية و﴿من﴾ في ﴿من شيء﴾ على الاحتمال الثاني زائدة للتأكيد وعلى الباقي للتبيين وأرجح الاحتمالات الأولان وأرجحهما أولهما.

والمعنى: على الثاني أن الله يعلم أنهم ليسوا يدعون من دونه شيئا أي إن الذي يعبدونه من الآلهة لا حقيقة له فيكون كما قال صاحب الكشاف توكيدا للمثل وزيادة عليه حيث لم يجعل ما يدعونه شيئا.

والمعنى: على الأول أن الله يعلم الشيء الذي يدعون من دونه ولا يجهل ذلك فيكون كناية عن أن المثل الذي ضربه في محله، وليس لأوليائهم من الولاية إلا اسمها.

ويؤكد هذا المعنى الاسمان الكريمان: العزيز الحكيم في آخر الآية فهو تعالى العزيز الذي لا يغلبه شيء فلا يشاركه في تدبير ملكه أحد كما لا يشاركه في الخلق والإيجاد أحد، الحكيم الذي يأتي بالمتقن من الفعل والتدبير فلا يفوض تدبير خلقه إلى أحد، وهذا كالتمهيد لما سيبين في قوله: ﴿خلق الله السماوات والأرض بالحق﴾.

قوله تعالى: ﴿وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون﴾ يشير إلى أن الأمثال المضروبة في القرآن على أنها عامة تقرع أسماع عامة الناس، لكن الإشراف على حقيقة معانيها ولب مقاصدها خاصة لأهل العلم ممن يعقل حقائق الأمور ولا ينجمد على ظواهرها.

والدليل على هذا المعنى قوله: ﴿وما يعقلها﴾ دون أن يقول: وما يؤمن بها أو ما في معناه.

فالأمثال المضروبة في كلامه تعالى يختلف الناس في تلقيها باختلاف أفهامهم فمن سامع لا حظ له منها إلا تلقي ألفاظها وتصور مفاهيمها الساذجة من غير تعمق فيها وسبر لأغوارها، ومن سامع يتلقى بسمعه ما يسمعه هؤلاء ثم يغور في مقاصدها العميقة ويعقل حقائقها الأنيقة.

وفيه تنبيه على أن تمثيل اتخاذهم أولياء من دون الله باتخاذ العنكبوت بيتا هو أوهن البيوت ليس مجرد تمثيل شعري ودعوى خالية من البينة بل متك على حجة برهانية وحقيقة حقة ثابتة وهي التي تشير إليه الآية التالية.

قوله تعالى: ﴿خلق الله السماوات والأرض بالحق إن في ذلك لآية للمؤمنين﴾ المراد بكون خلق السماوات والأرض بالحق نفي اللعب في خلقها، كما قال تعالى: ﴿وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما لاعبين ما خلقناهما إلا بالحق ولكن أكثرهم لا يعلمون﴾ الدخان: 39.

فخلق السماوات والأرض على نظام ثابت لا يتغير وسنة إلهية جارية لا تختلف ولا تتخلف، والخلق والتدبير لا يختلفان حقيقة ولا ينفك أحدهما عن الآخر، وإذ كان الخلق والصنع ينتهي إليه تعالى انتهاء ضروريا ولا محيص فالتدبير أيضا له ولا محيص وما من شيء غيره تعالى إلا وهو مخلوقة القائم به المملوك له لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا، ومن المحال قيامه بشيء من تدبير أمر نفسه أو غيره بحيث يستقل به مستغنيا في أمره عنه تعالى هذا هو الحق الذي لا لعب فيه والجد الذي لا هزل فيه.

فلما تولى بعض خلقه أمر بعض لم يكن ذلك منه ولاية حق لكونه لا يملك شيئا بحقيقة معنى الملك بل كان ذلك منه جاريا على اللعب وتفويضه تعالى أمر التدبير إليه لعبا منه تعالى وتقدس إذ ليس إلا فرضا لا حقيقة له ووهما لا واقع له وهو معنى اللعب.

ومنه يظهر أن ولاية من يدعون ولايته ليس لها إلا اسم الولاية من غير مسمى كما أن بيت العنكبوت كذلك.

وقوله: ﴿إن في ذلك لآية للمؤمنين﴾ تخصيص المؤمنين بالذكر مع عموم الآية لهم ولغيرهم لكون المنتفعين بها هم المؤمنون دون غيرهم.

قوله تعالى: ﴿اتل ما أوحي إليك من الكتاب وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر﴾ إلخ، لما ذكر إجمال قصص الأمم وما انتهى إليه شركهم وارتكابهم الفحشاء والمنكر من الشقاء اللازم والخسران الدائم انتقل من ذلك - مستأنفا للكلام - إلى أمره (صلى الله عليه وآله وسلم) بتلاوة ما أوحي إليه من الكتاب لكونه خير رادع عن الشرك وارتكاب الفحشاء والمنكر بما فيه من الآيات البينات التي تتضمن حججا نيرة على الحق وتشتمل على القصص والعبر والمواعظ والتبشير والإنذار والوعد والوعيد يرتدع بتلاوة آياته تاليه ومن سمعه.

وشفعه بالأمر بإقامة الصلاة التي هي خير العمل وعلل ذلك بقوله: ﴿إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر﴾ والسياق يشهد أن المراد بهذا النهي ردع طبيعة العمل عن الفحشاء والمنكر بنحو الاقتضاء دون العلية التامة.

فلطبيعة هذا التوجه العبادي - إذ أتى به العبد وهو يكرره كل يوم خمس مرات ويداوم عليه وخاصة إذا زاول عليه في مجتمع صالح يؤتى فيه بمثل ما أتى به ويهتم فيه بما اهتم - به أن يردعه عن كل معصية كبيرة يستشنعه الذوق الديني كقتل النفس عدوانا وأكل مال اليتيم ظلما والزنا واللواط، وعن كل ما ينكره الطبع السليم والفطرة المستقيمة ردعا جامعا بين التلقين والعمل.

وذلك أنه يلقنه أولا بما فيه من الذكر الإيمان بوحدانيته تعالى والرسالة وجزاء يوم الجزاء وأن يخاطب ربه بإخلاص العبادة والاستعانة به وسؤال الهداية إلى صراطه المستقيم متعوذا من غضبه ومن الضلال، ويحمله ثانيا على أن يتوجه بروحه وبدنه إلى ساحة العظمة والكبرياء ويذكر ربه بحمده والثناء عليه وتسبيحه وتكبيره ثم السلام على نفسه وأترابه وجميع الصالحين من عباد الله.

مضافا إلى حمله إياه على التطهر من الحدث والخبث في بدنه والطهارة في لباسه والتحرز عن الغصب في لباسه ومكانه واستقبال بيت ربه فالإنسان لو داوم على صلاته مدة يسيرة واستعمل في إقامتها بعض الصدق أثبت ذلك في نفسه ملكة الارتداع عن الفحشاء والمنكر البتة، ولو أنك وكلت على نفسك من يربيها تربية صالحة تصلح بها لهذا الشأن وتتحلى بأدب العبودية لم يأمرك بأزيد مما تأمرك به الصلاة ولا روضك بأزيد مما تروضك به.

وقد استشكل على الآية بأنا كثيرا ما نجد من المصلين من لا يبالي ارتكاب الكبائر ولا يرتدع عن المنكرات فلا تنهاه صلاته عن الفحشاء والمنكر.

ولذلك ذكر بعضهم أن الصلاة في الآية بمعنى الدعاء والمراد الدعوة إلى أمر الله والمعنى: أقم الدعوة إلى أمر الله فإن ذلك يردع الناس عن الفحشاء والمنكر.

وفيه أنه صرف الكلام عن ظاهره.

وذكر آخرون أن الصلاة في الآية في معنى النكرة والمعنى أن بعض أنواع الصلاة أو أفرادها يوجب الانتهاء عن الفحشاء والمنكر وهو كذلك وليس المراد الاستغراق حتى يرد الإشكال.

وذكر قوم أن المراد نهيها عن الفحشاء والمنكر ما دامت قائمة والمصلي في صلاته كأنه قيل: إن المصلي ما دام مصليا في شغل من معصية الله بإتيان الفحشاء والمنكر.

وقال بعضهم: إن الآية على ظاهرها والصلاة بمنزلة من ينهى ويقول: لا تفعل كذا ولا تقترف كذا لكن النهي لا يستوجب الانتهاء فليس نهي الصلاة بأعظم من نهيه تعالى كما في قوله: ﴿إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر﴾ النحل: 90، ونهيه تعالى لا يستوجب الانتهاء وليس الإشكال إلا مبنيا على توهم استلزام النهي للانتهاء وهو توهم باطل.

وعن بعضهم في دفع الإشكال أن الصلاة تقام لذكر الله كما قال تعالى: ﴿أقم الصلاة لذكري﴾ ومن كان ذاكرا لله تعالى منعه ذلك عن الإتيان بما يكرهه وكل من تراه يصلي ويأتي بالفحشاء والمنكر فهو بحيث لو لم يصل لكان أشد إتيانا فقد أثرت الصلاة في تقليل فحشائه ومنكره.

وأنت خبير بأن شيئا من هذه الأجوبة لا يلائم سياق الحكم والتعليل في الآية فإن الذي يعطيه السياق أن الأمر بإقامة الصلاة إنما علل بقوله: ﴿إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر﴾ ليفيد أن الصلاة عمل عبادي يورث إقامته صفة روحية في الإنسان تكون رادعة له عن الفحشاء والمنكر فتتنزه النفس عن الفحشاء والمنكر وتتطهر عن قذارة الذنوب والآثام.

فالمراد به التوسل إلى ملكة الارتداع التي هي من آثار طبيعة الصلاة بنحو الاقتضاء لا أنها أثر بعض أفراد طبيعة الصلاة كما في الجواب الثاني، ولا أنها أثر الاشتغال بالصلاة ما دام مشتغلا بها كما في الجواب الثالث، ولا أن المراد هو التوسل إلى تلقي نهي الصلاة فحسب من غير نظر إلى الانتهاء عن نهيها كأنه قيل أقم الصلاة لتسمع نهيها كما في الجواب الرابع، ولا أن المراد أقم الصلاة لينهاك الذكر الذي تشتمل عليه عن الفحشاء والمنكر كما في الجواب الخامس.

فالحق في الجواب أن الردع أثر طبيعة الصلاة التي هي توجه خاص عبادي إلى الله سبحانه وهو بنحو الاقتضاء دون الاستيجاب والعلية التامة فربما تخلف عن أثرها لمقارنة بعض الموانع التي تضعف الذكر وتقربه من الغفلة والانصراف عن حاق الذكر فكلما قوي الذكر وكمل الحضور والخشوع وتمحض الإخلاص زاد أثر الردع عن الفحشاء والمنكر وكلما ضعف ضعف الأثر.

وأنت إذا تأملت حال بعض من تسمى بالإسلام من الناس وهو تارك الصلاة وجدته يضيع بإضاعة الصلاة فريضة الصوم والحج والزكاة والخمس وعامة الواجبات الدينية ولا يفرق بين طاهر ونجس وحلال وحرام فيذهب لوجهه لا يلوي على شيء ثم إذا قست إليه حال من يأتي بأدنى مراتب الصلاة مما يسقط به التكليف، وجدته مرتدعا عن كثير مما يقترفه تارك الصلاة غير مكترث به ثم إذا قست إليه من هو فوقه في الاهتمام بأمر الصلاة وجدته أكثر ارتداعا منه وعلى هذا القياس.

وقوله: ﴿ولذكر الله أكبر﴾ قال الراغب في المفردات:، الذكر تارة يقال ويراد به هيئة للنفس بها يمكن للإنسان أن يحفظ ما يقتنيه من المعرفة وهو كالحفظ إلا أن الحفظ يقال اعتبارا بإحرازه والذكر يقال اعتبارا باستحضاره.

وتارة يقال لحضور الشيء القلب أو القول ولذلك قيل: الذكر ذكران ذكر عن نسيان وذكر لا عن نسيان بل عن إدامة الحفظ، وكل قول يقال له ذكر.

والظاهر أن الأصل في معناه هو المعنى الأول وتسمية اللفظ ذكرا إنما هو لاشتماله على المعنى القلبي والذكر القلبي بالنسبة إلى اللفظي كالأثر المترتب على سببه والغاية المقصودة من الفعل.

والصلاة تسمى ذكرا لاشتمالها على الأذكار القولية من تهليل وتحميد وتنزيه وهي باعتبار آخر مصداق من مصاديق الذكر لأنها بمجموعها ممثل لعبودية العبد لله سبحانه كما قال: ﴿إذا نودي للصلوة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله﴾ الجمعة: 9، وهي باعتبار آخر أمر يترتب عليه الذكر ترتب الغاية على ذي الغاية يشير إليه قوله تعالى: ﴿وأقم الصلاة لذكري﴾ طه: 14.

والذكر الذي هو غاية مترتبة على الصلاة أعني الذكر القلبي بمعنى استحضار المذكور في ظرف الإدراك بعد غيبته نسيانا أو إدامة استحضاره، أفضل عمل يتصور صدوره عن الإنسان وأعلاه كعبا وأعظمه قدرا وأثرا فإنه السعادة الأخيرة التي هيئت للإنسان ومفتاح كل خير.

ثم إن الظاهر من سياق قوله: ﴿وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر﴾ إن قوله: ﴿ولذكر الله أكبر﴾ متصل به مبين لأثر آخر للصلاة وهو أكبر مما بين قبله، فيقع قوله: ﴿ولذكر الله أكبر﴾ موقع الإضراب والترقي ويكون المراد الذكر القلبي الذي يترتب على الصلاة ترتب الغاية على ذي الغاية فكأنه قيل: أقم الصلاة لتردعك عن الفحشاء والمنكر بل الذي تفيده من ذكر الله الحاصل بها أكبر من ذلك أي من النهي عن الفحشاء والمنكر لأنه أعظم ما يناله الإنسان من الخير وهو مفتاح كل خير والنهي عن الفحشاء والمنكر بعض الخير.

ومن المحتمل أن يراد بالذكر ما تشتمل عليه الصلاة من الذكر أو نفس الصلاة.

والجملة أيضا واقعة موقع الإضراب، والمعنى: بل الذي تشتمل عليه الصلاة من ذكر الله أو نفس الصلاة التي هي ذكر الله أكبر من هذا الأثر الذي هو النهي عن الفحشاء والمنكر لأن النهي أثر من آثارها الحسنة و﴿ذكر الله﴾ على الاحتمالين جميعا من المصدر المضاف إلى مفعوله والمفضل عليه لقوله: ﴿أكبر﴾ هو النهي عن الفحشاء والمنكر.

ولهم في معنى الذكر وكون المضاف إليه فاعلا أو مفعولا للمصدر وكون المفضل عليه خاصا أو عاما أقوال أخر.

فقيل: معنى الآية: ذكر الله العبد أكبر من ذكر العبد لله تعالى وذلك أن الله تعالى يذكر من ذكره لقوله: ﴿فاذكروني أذكركم﴾ البقرة: 152، وقيل: المعنى: ذكر الله تعالى العبد أكبر من الصلاة، وقيل: المعنى: لذكر الله العبد أكبر من كل شيء.

وقيل: المعنى: لذكر العبد لله في الصلاة أكبر من سائر أركان الصلاة، وقيل: المعنى: لذكر العبد لله في الصلاة أكبر من ذكره خارج الصلاة، وقيل: المعنى: لذكر العبد لله أكبر من سائر أعماله، وقيل: المعنى: للصلاة أكبر من سائر الطاعات وقيل: المعنى: لذكر العبد لله عند الفحشاء والمنكر وذكر نهيه عنهما أكبر من زجر الصلاة وردعها، وقيل: إن قوله: ﴿أكبر﴾ معرى من معنى التفضيل لا يحتاج إلى مفضل عليه كقوله: ﴿ما عند الله خير من اللهو﴾.

فهذه أقوال لهم متفرقة أغمضنا عن البحث عما فيها إيثارا للاختصار، والتدبر في الآية يكفي مئونة البحث على أن التحكم في بعضها ظاهر لا يخفى.

وقوله: ﴿والله يعلم ما تصنعون﴾ أي ما تفعلونه من خير أو شر فعليكم أن تراقبوه ولا تغفلوا عنه ففيه حث وتحريض على المراقبة وخاصة على القول الأول.

قوله تعالى: ﴿ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم﴾ لما أمر في قوله: ﴿اتل ما أوحي إليك﴾ إلخ، بالتبليغ والدعوة من طريق تلاوة الكتاب عقبه ببيان كيفية الدعوة فنهى عن مجادلة أهل الكتاب وهم على ما يقتضيه الإطلاق اليهود والنصارى ويلحق بهم المجوس والصابئون - إلا بالمجادلة - التي هي أحسن المجادلة.

والمجادلة إنما تحسن إذا لم تتضمن إغلاظا وطعنا وإهانة، فمن حسنها أن تقارن رفقا ولينا في القول لا يتأذى به الخصم وأن يقترب المجادل من خصمه ويدنو منه حتى يتفقا ويتعاضدا لإظهار الحق من غير لجاج وعناد فإذا اجتمع فيها لين الكلام والاقتراب بوجه زادت حسنا على حسن فكانت أحسن.

ولهذا لما نهى عن مجادلتهم إلا بالتي هي أحسن استثنى منه الذين ظلموا منهم، فإن المراد بالظلم بقرينة السياق كون الخصم بحيث لا ينفعه الرفق واللين والاقتراب في المطلوب بل يتلقى حسن الجدال نوع مذلة وهوان للمجادل ويعتبره تمويها واحتيالا لصرفه عن معتقده فهؤلاء الظالمون لا ينجح معهم المجادلة بالأحسن.

ولهذا أيضا عقب الكلام ببيان كيفية الاقتراب معهم وبناء المجادلة على كلمة يجتمع فيها الخصمان فيتقاربان معه ويتعاضدان على ظهور الحق فقال: ﴿وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون﴾ والمعنى ظاهر.

قوله تعالى: ﴿وكذلك أنزلنا إليك الكتاب فالذين آتيناهم الكتاب يؤمنون به ومن هؤلاء من يؤمن به وما يجحد بآياتنا إلا الكافرون﴾ أي على تلك الصفة وهي الإسلام لله وتصديق كتبه ورسله أنزلنا إليك القرآن.

وقيل: المعنى: مثل ما أنزلنا إلى موسى وعيسى الكتاب أنزلنا إليك الكتاب وهو القرآن.

فقوله: ﴿فالذين آتيناهم الكتاب﴾ إلخ، تفريع على نحو نزول الكتاب أي لما كان القرآن نازلا في الإسلام لله وتصديق كتبه ورسله فأهل الكتاب يؤمنون به بحسب الطبع لما عندهم من الإيمان بالله وتصديق كتبه ورسله، ومن هؤلاء وهم المشركون من عبدة الأوثان من يؤمن به وما يجحد بآياتنا ولا ينكرها من أهل الكتاب وهؤلاء المشركين إلا الكافرون وهم الساترون للحق بالباطل.

وقد احتمل أن يكون المراد بالذين آتيناهم الكتاب المسلمين والمشار إليه بهؤلاء أهل الكتاب وهو بعيد، ومثله في البعد إرجاع الضمير في ﴿يؤمن به﴾ إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم).

وفي قوله: ﴿ومن هؤلاء من يؤمن به﴾ نوع استقلال لمن آمن به من المشركين.

قوله تعالى: ﴿وما كنت تتلوا من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك إذا لارتاب المبطلون﴾ التلاوة هي القراءة سواء كانت عن حفظ أو عن كتاب مخطوط والمراد به في الآية الثاني بقرينة المقام، والخط الكتابة، والمبطلون جمع مبطل وهو الذي يأتي بالباطل من القول، ويقال أيضا للذي يبطل الحق أي يدعي بطلانه، والأنسب في الآية المعنى الثاني وإن جاز أن يراد المعنى الأول.

وظاهر التعبير في قوله: ﴿وما كنت تتلوا﴾ إلخ، نفي العادة أي لم يكن من عادتك أن تتلو وتخط كما يدل عليه قوله في موضع آخر: ﴿فقد لبثت فيكم عمرا من قبله﴾ يونس: 16.

وقيل المراد به نفي القدرة أي ما كنت تقدر أن تتلو وتخط من قبله والوجه الأول أنسب بالنسبة إلى سياق الحجة وقد أقامها لتثبيت حقية القرآن ونزوله من عنده.

وتقييد قوله: ﴿ولا تخطه﴾ بقوله: ﴿بيمينك﴾ نوع من التمثيل يفيد التأكيد كقول القائل: رأيته بعيني وسمعته بأذني.

والمعنى: وما كان من عادتك قبل نزول القرآن أن تقرأ كتابا ولا كان من عادتك أن تخط كتابا وتكتبه - أي ما كنت تحسن القراءة والكتابة لكونك أميا - ولو كان كذلك لارتاب هؤلاء المبطلون الذين يبطلون الحق بدعوى أنه باطل لكن لما لم تحسن القراءة والكتابة واستمرت على ذلك وعرفوك على هذه الحال لمخالطتك لهم ومعاشرتك معهم لم يبق محل ريب لهم في أمر القرآن النازل إليك أنه كلام الله تعالى وليس تلفيقا لفقته من كتب السابقين ونقلته من أقاصيصهم وغيرهم حتى يرتاب المبطلون ويعتذروا به.

قوله تعالى: ﴿بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم وما يجحد بآياتنا إلا الظالمون﴾ إضراب عن مقدر يستفاد من الآية السابقة كأنه لما نفى عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) التلاوة والخط معا تحصل من ذلك أن القرآن ليس بكتاب مؤلف مخطوط فأضرب عن هذا المقدر بقوله: ﴿بل هو - أي القرآن - آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم﴾.

وقوله: ﴿وما يجحد بآياتنا إلا الظالمون﴾ المراد بالظلم بقرينة المقام الظلم لآيات الله بتكذيبها والاستكبار عن قبولها عنادا وتعنتا.

قوله تعالى: ﴿وقالوا لو لا أنزل عليه آيات من ربه قل إنما الآيات عند الله وإنما أنا نذير مبين﴾ لما ذكر الكتاب وأمر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يتلوه ويدعوهم إليه به وأن منهم من يؤمن به ومنهم من لا يؤمن به وهم الكافرون الظالمون أشار في هذه الآية والآيتين بعدها إلى عدم اعتنائهم بالقرآن الذي هو آية النبوة واقتراحهم على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يأتيهم بآيات غيره والجواب عنه.

فقوله: ﴿وقالوا لو لا أنزل عليه آيات من ربه﴾ اقتراح منهم أن يأتيهم بآيات غير القرآن تعريضا منهم أنه ليس بآية وزعما منهم أن النبي يجب أن يكون ذا قوة إلهية غيبية يقوى على كل ما يريد، وفي قولهم: لو لا أنزل عليه، دون أن يقولوا: لو لا يأتينا بآيات نوع سخرية كقولهم: ﴿يا أيها الذي نزل عليه الذكر إنك لمجنون لو ما تأتينا بالملائكة إن كنت من الصادقين﴾ الحجر: 7.

وقوله: ﴿قل إنما الآيات عند الله﴾ جواب عن زعمهم أن من يدعي الرسالة يدعي قوة غيبية يقدر بها على كل ما أراد بأن الآيات عند الله ينزلها متى ما أراد وكيفما شاء لا يشاركه في القدرة عليها غيره فليس إلى النبي شيء إلا أن يشاء الله ثم زاده بيانا بقصر شأن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في الإنذار فحسب بقوله: ﴿إنما أنا نذير مبين﴾.

قوله تعالى: ﴿أولم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم﴾ إلى آخر الآية توطئة وتمهيد للجواب عن تعريضهم بالقرآن أنه ليس بآية، والاستفهام للإنكار والخطاب للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أي يكفيهم آية هذا الكتاب الذي أنزلناه عليك وهو يتلى عليهم فيسمعونه ويعرفون مكانته من الإعجاز وهو مملو رحمة وتذكرة للمؤمنين.

قوله تعالى: ﴿قل كفى بالله بيني وبينكم شهيدا﴾ إلقاء جواب إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ليجيبهم به وهو أن الله سبحانه شهيد بيني وبينكم فيما نتخاصم فيه وهو أمر الرسالة فإنه سبحانه يشهد في كلامه الذي أنزله علي برسالتي وهو تعالى يعلم ما في السماوات والأرض من غير أن يجهل شيئا وكفى بشهادته لي دليلا على دعواي.

وليس لهم أن يقولوا إنه ليس بكلام الله لمكان تحديه مرة بعد مرة في خلال الآيات ومنه يعلم أن قوله: ﴿قل كفى بالله بيني وبينكم شهيدا﴾ ليس دعوى مجردة أو كلاما خطابيا بل هو بيان استدلالي وحجة قاطعة على ما عرفت.

وقوله: ﴿والذين آمنوا بالباطل وكفروا بالله أولئك هم الخاسرون﴾ قصر الخسران فيهم لعدم إيمانهم بالله بالكفر بكتابه الذي فيه شهادته على الرسالة وهم بكفرهم بالله الحق يؤمنون بالباطل ولذلك خسروا في إيمانهم.

قوله تعالى: ﴿ويستعجلونك بالعذاب ولو لا أجل مسمى لجاءهم العذاب وليأتينهم بغتة وهم لا يشعرون﴾ إشارة إلى قولهم كقول متقدميهم: ائتنا بعذاب الله إن كنت من الصادقين، وقد حكى الله عنهم استعجالهم في قوله: ﴿ولئن أخرنا عنهم العذاب إلى أمة معدودة ليقولن ما يحبسه﴾ هود: 8.

والمراد بالأجل المسمى هو الذي قضاه لبني آدم حين أهبط آدم إلى الأرض فقال: ﴿ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين﴾ البقرة: 36، وقال: ﴿ولكل أمة أجل فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون﴾ الأعراف: 34.

وهذا العذاب الذي يحول بينه وبينهم الأجل المسمى هو الذي يستحقونه لمطلق أعمالهم السيئة كما قال عز من قائل: ﴿وربك الغفور ذو الرحمة لو يؤاخذهم بما كسبوا لعجل لهم العذاب بل لهم موعد لن يجدوا من دونه موئلا﴾ الكهف: 58، ولا ينافي ذلك تعجيل العذاب بنزول الآيات المقترحة على الرسول من غير إمهال وإنظار، قال تعالى: ﴿وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون﴾ إسراء: 59.

قوله تعالى: ﴿يستعجلونك بالعذاب وإن جهنم لمحيطة بالكافرين، يوم يغشاهم العذاب﴾ إلى آخر الآية، تكرار ﴿يستعجلونك﴾ للدلالة على كمال جهلهم وفساد فهمهم وأن استعجالهم استعجال لأمر مؤجل لا معجل أولا واستعجال لعذاب واقع لا صارف له عنهم لأنهم مجزيون بأعمالهم التي لا تفارقهم ثانيا.

والغشاوة والغشاية التغطية بنحو الإحاطة، وقوله: ﴿يوم يغشاهم﴾ ظرف لقوله: ﴿محيطة﴾ والباقي ظاهر.

بحث روائي:

في المجمع، في قوله تعالى: ﴿وما يعقلها إلا العالمون﴾ روى الواحدي بالإسناد عن جابر قال: تلا النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) هذه الآية وقال: العالم الذي يعقل عن الله فعمل بطاعته واجتنب سخطه.

وفيه، في قوله تعالى: ﴿إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر﴾ روى أنس بن مالك عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر لم يزدد من الله إلا بعدا: أقول: ورواه في الدر المنثور، عن عمران بن الحصين وابن مسعود وابن عباس وابن عمر عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) ورواه القمي في تفسيره مضمرا مرسلا.

وفيه، وأيضا عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): لا صلاة لمن لم تطع الصلاة وطاعة الصلاة أن تنتهي عن الفحشاء والمنكر: أقول: ورواه في الدر المنثور، عن ابن مسعود وغيره.

وفيه، وروى أنس: أن فتى من الأنصار كان يصلي الصلوات مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ويرتكب الفواحش فوصف ذلك لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: إن صلاته تنهاه يوما ما.

وفيه، روى أصحابنا عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: من أحب أن يعلم قبلت صلاته أم لم تقبل، فلينظر هل منعته صلاته عن الفحشاء والمنكر فبقدر ما منعته قبلت صلاته.

وفي تفسير القمي، في قوله تعالى: ﴿ولذكر الله أكبر﴾ في رواية أبي الجارود عن أبي جعفر (عليه السلام): في قوله: ﴿ولذكر الله أكبر﴾ يقول: ذكر الله لأهل الصلاة أكبر من ذكرهم إياه ألا ترى أنه يقول: ﴿اذكروني أذكركم﴾.

أقول: وهذا أحد المعاني التي تقدم نقلها.

وفي نور الثقلين، عن مجمع البيان، وروى أصحابنا عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: ذكر الله عند ما أحل وحرم.

وفيه، عن معاذ بن جبل قال: سألت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): أي الأعمال أحب إلى الله؟ قال: أن تموت ولسانك رطب من ذكر الله عز وجل.

وفيه، وقال (صلى الله عليه وآله وسلم): يا معاذ إن السابقين الذين يسهرون بذكر الله عز وجل ومن أحب أن يرتع في رياض الجنة فليكثر من ذكر الله عز وجل.

وفي الكافي، بإسناده عن العبدي عن أبي عبد الله (عليه السلام): في قول الله عز وجل: ﴿بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم﴾ قال: هم الأئمة.

أقول: وهذا المعنى مروي في الكافي، وفي بصائر الدرجات، بعدة طرق: وهو من الجري بمعنى انطباق الآية على أكمل المصاديق بدليل الرواية الآتية.

وفي البصائر، بإسناده عن بريد بن معاوية عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قلت له: ﴿بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم﴾ فقال: أنتم هم من عسى أن يكونوا؟.

وفي الدر المنثور، أخرج الإسماعيلي في معجمه وابن مردويه من طريق يحيى بن جعدة عن أبي هريرة قال: كان ناس من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يكتبون من التوراة فذكروا ذلك لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: إن أحمق الحمق وأضل الضلالة قوم رغبوا عما جاء به نبيهم إلى نبي غير نبيهم وإلى أمة غير أمتهم ثم أنزل الله: ﴿أولم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم﴾ الآية.

وفيه، أخرج ابن عساكر عن ابن أبي مليكة قال: أهدى عبد الله بن عامر بن كريز إلى عائشة هدية فظنت أنه عبد الله بن عمر فردتها وقالت: يتتبع الكتب وقد قال الله: ﴿أولم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم﴾ فقيل لها: إنه عبد الله بن عامر فقبلها.

أقول: ظاهر الروايتين وخاصة الأولى الآية في بعض الصحابة وسياق الآيات يأبى ذلك.