الآيات 66-78

هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَن تَأْتِيَهُم بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ﴿66﴾ ء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ ﴿67﴾ يَا عِبَادِ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلَا أَنتُمْ تَحْزَنُونَ ﴿68﴾ الَّذِينَ آمَنُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ ﴿69﴾ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ ﴿70﴾ يُطَافُ عَلَيْهِم بِصِحَافٍ مِّن ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴿71﴾ وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ﴿72﴾ لَكُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْهَا تَأْكُلُونَ ﴿73﴾ إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ ﴿74﴾ لَا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ ﴿75﴾ وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِن كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ ﴿76﴾ وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُم مَّاكِثُونَ ﴿77﴾ لَقَدْ جِئْنَاكُم بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ ﴿78﴾

بيان:

رجوع إلى إنذار القوم وفيه تخويفهم بالساعة والإشارة إلى ما يئول إليه حال المتقين والمجرمين فيها من الثواب والعقاب.

قوله تعالى: ﴿هل ينظرون إلا الساعة أن تأتيهم بغتة وهم لا يشعرون﴾ النظر الانتظار، والبغتة الفجأة، والمراد بعدم شعورهم بها غفلتهم عنها لاشتغالهم بأمور الدنيا كما قال تعالى: ﴿ما ينظرون إلا صيحة واحدة تأخذهم وهم يخصمون﴾ يس: 49، فلا يتكرر المعنى في قوله: ﴿بغتة وهم لا يشعرون﴾.

والمعنى: ما ينتظر هؤلاء الكفار بكفرهم وتكذيبهم لآيات الله إلا أن تأتيهم الساعة مباغتة لهم وهم غافلون عنها مشتغلون بأمور دنياهم أي إن حالهم حال من هدده الهلاك فلم يتوسل بشيء من أسباب النجاة وقعد ينتظر الهلاك ففي الكلام كناية عن عدم اعتنائهم بالإيمان بالحق ليتخلصوا به عن أليم العذاب.

قوله تعالى: ﴿الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين﴾ الأخلاء جمع خليل وهو الصديق حيث يرفع خلة صديقه وحاجته، والظاهر أن المراد بالأخلاء المطلق الشامل للمخالة والتحاب في الله كما في مخالة المتقين أهل الآخرة والمخالة في غيره كما في مخالة أهل الدنيا فاستثناء المتقين متصل.

والوجه في عداوة الأخلاء غير المتقين أن من لوازم المخالة إعانة أحد الخليلين الآخر في مهام أموره فإذا كانت لغير وجه الله كان فيها الإعانة على الشقوة الدائمة والعذاب الخالد كما قال تعالى حاكيا عن الظالمين يوم القيامة: ﴿يا ويلتى ليتني لم أتخذ فلانا خليلا لقد أضلني عن الذكر بعد إذ جاءني﴾ الفرقان: 29، وأما الأخلاء من المتقين فإن مخالتهم تتأكد وتنفعهم يومئذ.

وفي الخبر النبوي: إذا كان يوم القيامة انقطعت الأرحام وقلت الأنساب وذهبت الأخوة إلا الأخوة في الله وذلك قوله: ﴿الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين﴾ .

قوله تعالى: ﴿يا عباد لا خوف عليكم اليوم ولا أنتم تحزنون﴾ من خطابه تعالى لهم يوم القيامة كما يشهد به قوله بعد: ﴿ادخلوا الجنة﴾ إلخ، وفي الخطاب تأمين لهم من كل مكروه محتمل أو مقطوع به فإن مورد الخوف المكروه المحتمل ومورد الحزن المكروه المقطوع به فإذا ارتفعا ارتفعا.

قوله تعالى: ﴿الذين آمنوا بآياتنا وكانوا مسلمين﴾ الموصول بدل من المنادى المضاف في ﴿يا عباد﴾ أو صفة له، والآيات كل ما يدل عليه تعالى من نبي وكتاب وأي آية أخرى دالة، والمراد بالإسلام التسليم لإرادة الله وأمره.

قوله تعالى: ﴿ادخلوا الجنة أنتم وأزواجكم تحبرون﴾ ظاهر الأمر بدخول الجنة أن المراد بالأزواج هي النساء المؤمنات في الدنيا دون الحور العين لأنهن في الجنة غير خارجات منها.

والحبور - على ما قيل - السرور الذي يظهر أثره وحباره في الوجه والحبرة الزينة وحسن الهيئة، والمعنى: ادخلوا الجنة أنتم وأزواجكم المؤمنات والحال أنكم تسرون سرورا يظهر أثره في وجوهكم أو تزينون بأحسن زينة.

قوله تعالى: ﴿يطاف عليهم بصحاف من ذهب وأكواب﴾ إلخ الصحاف جمع صحفة وهي القصعة أو أصغر منها، والأكواب جمع كوب وهو كوز لا عروة له، وفي ذكر الصحاف والأكواب إشارة إلى تنعمهم بالطعام والشراب.

وفي الالتفات إلى الغيبة في قوله: ﴿يطاف عليهم﴾ بين الخطابين ﴿ادخلوا الجنة﴾ و﴿أنتم فيها خالدون﴾ تفخيم لإكرامهم وإنعامهم أن ذلك بحيث ينبغي أن يذكر لغيرهم ليزيد به اغتباطهم ويظهر به صدق ما وعدوا به.

وقوله: ﴿وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين﴾ الظاهر أن المراد بما تشتهيه الأنفس ما تتعلق به الشهوة الطبيعية من مذوق ومشموم ومسموع وملموس مما يتشارك فيه الإنسان وعامة الحيوان، والمراد بما تلذه الأعين الجمال والزنية وذلك مما الالتذاذ به كالمختص بالإنسان كما في المناظر البهجة والوجه الحسن واللباس الفاخر، ولذا غير التعبير فعبر عما يتعلق بالأنفس بالاشتهاء وفيما يتعلق بالأعين باللذة وفي هذين القسمين تنحصر اللذائذ النفسانية عندنا.

ويمكن أن تندرج اللذائذ الروحية العقلية فيما تلذه الأعين فإن الالتذاذ الروحي يعد من رؤية القلب.

قال في المجمع، وقد جمع الله سبحانه في قوله: ﴿ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين﴾ ما لو اجتمع الخلائق كلهم على أن يصفوا ما في الجنة من أنواع النعيم لم يزيدوا على ما انتظمته هاتان الصفتان.

وقوله: ﴿وأنتم فيها خالدون﴾ إخبار ووعد وتبشير بالخلود ولهم في العلم به من اللذة الروحية ما لا يقاس بغيره ولا يقدر بقدر.

قوله تعالى: ﴿وتلك الجنة التي أورثتموها بما كنتم تعملون﴾ قيل: المعنى أعطيتموها بأعمالكم، وقيل أورثتموها من الكفار وكانوا داخليها لو آمنوا وعملوا صالحا، وقد تقدم الكلام في المعنيين في تفسير قوله تعالى: ﴿أولئك هم الوارثون﴾ المؤمنون: 10.

قوله تعالى: ﴿لكم فيها فاكهة كثيرة منها تأكلون﴾ أضاف الفاكهة إلى ما مرت الإشارة إليه من الطعام والشراب لإحصاء النعمة، ومن في ﴿منها تأكلون﴾ للتبعيض ولا يخلو من إشارة إلى أنها لا تنفد بالأكل.

قوله تعالى: ﴿إن المجرمين في عذاب جهنم خالدون لا يفتر عنهم وهم فيه مبلسون﴾ المراد بالمجرمين المتلبسون بالإجرام فيكون أعم من الكفار ويؤيده إيراده في مقابلة المتقين وهو أخص من المؤمنين.

والتفتير التخفيف والتقليل، والإبلاس اليأس ويأسهم من الرحمة أو من الخروج من النار.

قوله تعالى: ﴿وما ظلمناهم ولكن كانوا هم الظالمين﴾ وذلك أنه تعالى جازاهم بأعمالهم لكنهم ظلموا أنفسهم حيث أوردوها بأعمالهم مورد الشقوة والهلكة.

قوله تعالى: ﴿ونادوا يا مالك ليقض علينا ربك قال إنكم ماكثون﴾ مالك هو الملك الخازن للنار على ما وردت به الأخبار من طرق العامة والخاصة.

وخطابهم مالكا بما يسألونه من الله سبحانه لكونهم محجوبين عنه كما قال تعالى: ﴿كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون﴾ المطففين: 15، وقال: ﴿قال اخسئوا فيها ولا تكلمون﴾ المؤمنون: 108.

فالمعنى: أنهم يسألون مالكا أن يسأل الله أن يقضي عليهم.

والمراد بالقضاء عليهم إماتتهم، ويريدون بالموت الانعدام والبطلان لينجوا بذلك عما هم فيه من الشقوة وأليم العذاب، وهذا من ظهور ملكاتهم الدنيوية فإنهم كانوا يرون في الدنيا أن الموت انعدام وفوت لا انتقال من دار إلى دار فيسألون الموت بالمعنى الذي ارتكز في نفوسهم وإلا فهم قد ماتوا وشاهدوا ما هي حقيقته.

وقوله: ﴿قال إنكم ماكثون﴾ أي فيما أنتم فيه من الحياة الشقية والعذاب الأليم، والقائل هو مالك جوابا عن مسألتهم.

قوله تعالى: ﴿لقد جئناكم بالحق ولكن أكثركم للحق كارهون﴾ ظاهره أنه من تمام كلام مالك يقوله عن لسان الملائكة وهو منهم، وقيل: من كلامه تعالى ويبعده أنهم محجوبون يومئذ عن ربهم لا يكلمهم الله تعالى.

والخطاب لأهل النار بما أنهم بشر، فالمعنى: لقد جئناكم معشر البشر بالحق ولكن أكثركم وهم المجرمون كارهون للحق.

وقيل: المراد بالحق مطلق الحق أي حق كان فهم يكرهونه وينفرون منه وأما الحق المعهود الذي هو التوحيد أو القرآن فكلهم كارهون له مشمئزون منه.

والمراد بكراهتهم للحق الكراهة بحسب الطبع الثاني المكتسب بالمعاصي والذنوب لا بحسب الطبع الأول الذي هو الفطرة التي فطر الناس عليها إذ لو كرهوه بحسبها لم يكلفوا بقبوله، قال تعالى: ﴿لا تبديل لخلق الله﴾ الروم: 30، وقال: ﴿ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها﴾ الشمس: 8.

ويظهر من الآية أن الملاك في السعادة والشقاء قبول الحق ورده.