الآيات 25-29

لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ ﴿25﴾ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ فَمِنْهُم مُّهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ ﴿26﴾ ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِم بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الْإِنجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاء رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ ﴿27﴾ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ وَيَجْعَل لَّكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴿28﴾ لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِّن فَضْلِ اللَّهِ وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ﴿29﴾

بيان:

ثم إنه تعالى إثر ما أشار إلى قسوة قلوب المؤمنين وتثاقلهم وفتورهم في امتثال التكاليف الدينية وخاصة في الإنفاق في سبيل الله، الذي به قوام أمر الجهاد وشبههم بأهل الكتاب حيث قست قلوبهم لما طال عليهم الأمد.

ذكر أن الغرض الإلهي من إرسال الرسل وإنزال الكتاب والميزان معهم أن يقوم الناس بالقسط، وأن يعيشوا في مجتمع عادل، وقد أنزل الحديد ليمتحن عباده في الدفاع عن مجتمعهم الصالح وبسط كلمة الحق في الأرض مضافا إلى ما في الحديد من منافع ينتفعون بها.

ثم ذكر أنه أرسل نوحا وإبراهيم (عليه السلام) وجعل في ذريتهما النبوة والكتاب وأتبعهم بالرسول بعد الرسول فاستمر الأمر في كل من الأمم على إيمان بعضهم واهتدائه وكثير منهم فاسقون، ثم ختم الكلام في السورة بدعوتهم إلى تكميل إيمانهم ليؤتوا كفلين من الرحمة.

قوله تعالى: ﴿لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط﴾ إلخ، استئناف يتبين به معنى تشريع الدين بإرسال الرسل وإنزال الكتاب والميزان وأن الغرض من ذلك قيام الناس بالقسط وامتحانهم بذلك وبإنزال الحديد ليتميز من ينصر الله بالغيب ويتبين أن أمر الرسالة لم يزل مستمرا بين الناس ولم يزالوا يهتدي من كل أمة بعضهم وكثير منهم فاسقون.

فقوله: ﴿لقد أرسلنا رسلنا بالبينات﴾ أي بالآيات البينات التي يتبين بها أنهم مرسلون من جانب الله سبحانه من المعجزات الباهرة والبشارات الواضحة والحجج القاطعة.

وقوله: ﴿وأنزلنا معهم الكتاب﴾ وهو الوحي الذي يصلح أن يكتب فيصير كتابا، المشتمل على معارف الدين من اعتقاد وعمل وهو خمسة: كتاب نوح وكتاب إبراهيم والتوراة والإنجيل والقرآن.

وقوله: ﴿والميزان ليقوم الناس بالقسط﴾ فسروا الميزان بذي الكفتين الذي يوزن به الأثقال، وأخذوا قوله: ﴿ليقوم الناس بالقسط﴾ غاية متعلقة بإنزال الميزان والمعنى: وأنزلنا الميزان ليقوم الناس بالعدل في معاملاتهم فلا يخسروا باختلال الأوزان والنسب بين الأشياء فقوام حياة الإنسان بالاجتماع، وقوام الاجتماع بالمعاملات الدائرة بينهم والمبادلات في الأمتعة والسلع وقوام المعاملات في ذوات الأوزان بحفظ النسب بينها وهو شأن الميزان.

ولا يبعد - والله أعلم - أن يراد بالميزان الدين فإن الدين هو الذي يوزن به عقائد أشخاص الإنسان وأعمالهم، وهو الذي به قوام حياة الناس السعيدة مجتمعين ومنفردين، وهذا المعنى أكثر ملائمة للسياق المتعرض لحال الناس من حيث خشوعهم وقسوة قلوبهم وجدهم ومساهلتهم في أمر الدين.

وقيل: المراد بالميزان هنا العدل وقيل: العقل.

وقوله: ﴿وأنزلنا الحديد﴾ الظاهر أنه كقوله تعالى: ﴿وأنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج﴾ الزمر: 6، وقد تقدم في تفسير الآية أن تسمية الخلق في الأرض إنزالا إنما هو باعتبار أنه تعالى يسمي ظهور الأشياء في الكون بعد ما لم يكن إنزالا لها من خزائنه التي عنده ومن الغيب إلى الشهادة قال تعالى: ﴿وإن من شيء إلا عندنا خزائنه وما ننزله إلا بقدر معلوم﴾ الحجر: 21.

وقوله: ﴿فيه بأس شديد ومنافع للناس﴾ البأس هو الشدة في التأثير ويغلب استعماله في الشدة في الدفاع والقتال، ولا تزال الحروب والمقاتلات وأنواع الدفاع ذات حاجة شديدة إلى الحديد وأقسام الأسلحة المعمولة منه منذ تنبه البشر له واستخرجه.

وأما ما فيه من المنافع للناس فلا يحتاج إلى البيان فله دخل في جميع شعب الحياة وما يرتبط بها من الصنائع.

وقوله: ﴿وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب﴾ غاية معطوفة على محذوف والتقدير وأنزلنا الحديد لكذا وليعلم الله من ينصره إلخ، والمراد بنصره ورسله الجهاد في سبيله دفاعا عن مجتمع الدين وبسطا لكلمة الحق، وكون النصر بالغيب كونه في حال غيبته منهم أو غيبتهم منه، والمراد بعلمه بمن ينصره ورسله تميزهم ممن لا ينصر.

وختم الآية بقوله: ﴿إن الله قوي عزيز﴾ وكان وجهه الإشارة إلى أن أمره تعالى لهم بالجهاد إنما هو ليتميز الممتثل منهم من غيره لا لحاجة منه تعالى إلى ناصر ينصره أنه تعالى قوي لا سبيل للضعف إليه عزيز لا سبيل للذلة إليه.

قوله تعالى: ﴿ولقد أرسلنا نوحا وإبراهيم وجعلنا في ذريتهما النبوة والكتاب فمنهم مهتد وكثير منهم فاسقون﴾ شروع في الإشارة إلى أن الاهتداء والفسق جاريان في الأمم الماضية حتى اليوم فلم تصلح أمة من الأمم بعامة أفرادها بل لم يزل كثير منهم فاسقين.

وضمير ﴿فمنهم﴾ و﴿منهم﴾ للذرية والباقي ظاهر.

قوله تعالى: ﴿ثم قفينا على آثارهم برسلنا وقفينا بعيسى بن مريم وآتيناه الإنجيل﴾ في المجمع،: التقفية جعل الشيء في إثر شيء على الاستمرار فيه، ولهذا قيل لمقاطع الشعر قواف إذ كانت تتبع البيت على أثره مستمرة في غيره على منهاجه.

وضمير ﴿على آثارهم﴾ لنوح وإبراهيم والسابقين من ذريتهما، والدليل عليه أنه لا نبي بعد نوح إلا من ذريته لأن النسل بعده له.

على أن عيسى من ذرية إبراهيم قال تعالى في نوح: ﴿وجعلنا ذريته هم الباقين﴾ الصافات: 77، وقال: ﴿ومن ذريته داود وسليمان - إلى أن قال - وعيسى﴾ الأنعام: 85، فالمراد بقوله: ﴿ثم قفينا على آثارهم برسلنا﴾ إلخ، التقفية باللاحقين من ذريتهما على آثارهما والسابقين من ذريتهما.

وفي قوله: ﴿على آثارهم﴾ إشارة إلى أن الطريق المسلوك واحد يتبع فيه بعضهم أثر بعض.

وقوله: ﴿وقفينا بعيسى بن مريم وآتيناه الإنجيل وجعلنا في قلوب الذين اتبعوه رأفة ورحمة﴾ الرأفة والرحمة - على ما قالوا - مترادفان، ونقل عن بعضهم أن الرأفة يقال في درء الشر والرحمة في جلب الخير.

والظاهر أن المراد بجعل الرأفة والرحمة في قلوب الذين اتبعوه توفيقهم للرأفة والرحمة فيما بينهم فكانوا يعيشون على المعاضدة والمسالمة كما وصف الله سبحانه الذين مع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بالرحمة إذ قال: ﴿رحماء بينهم﴾ الفتح: 29، وقيل: المراد بجعل الرأفة والرحمة في قلوبهم الأمر بهما والترغيب فيهما ووعد الثواب عليهما.

وقوله: ﴿ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم﴾ الرهبانية من الرهبة وهي الخشية، ويطلق عرفا على انقطاع الإنسان من الناس لعبادة الله خشية منه، والابتداع إتيان ما لم يسبق إليه في دين أو سنة أو صنعة، وقوله: ﴿ما كتبناها عليهم﴾ في معنى الجواب عن سؤال مقدر كأنه قيل: ما معنى ابتداعهم لها؟ فقيل: ما كتبناها عليهم.

والمعنى: أنهم ابتدعوا من عند أنفسهم رهبانية من غير أن نشرعه نحن لهم.

وقوله: ﴿إلا ابتغاء رضوان الله فما رعوها حق رعايتها﴾ استثناء منقطع معناه ما فرضناها عليهم لكنهم وضعوها من عند أنفسهم ابتغاء لرضوان الله وطلبا لمرضاته فما حافظوا عليها حق محافظتها بتعديهم حدودها.

وفيه إشارة إلى أنها كانت مرضية عنده تعالى وإن لم يشرعها بل كانوا هم المبتدعين لها.

وقوله: ﴿فأتينا الذين آمنوا منهم أجرهم وكثير منهم فاسقون﴾ إشارة إلى أنهم كالسابقين من أمم الرسل منهم مؤمنون مأجورون على إيمانهم وكثير منهم فاسقون، والغلبة للفسق.

قوله تعالى: ﴿يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وآمنوا برسوله يؤتكم كفلين من رحمته﴾ إلخ، أمر الذين آمنوا بالتقوى والإيمان بالرسول مع أن الذين استجابوا الدعوة فآمنوا بالله آمنوا برسوله أيضا دليل على أن المراد بالإيمان بالرسول الاتباع التام والطاعة الكاملة لرسوله فيما يأمر به وينهى عنه سواء كان ما يأمر به أو ينهى عنه حكما من الأحكام الشرعية أو صادرا عنه بما له من ولاية أمور الأمة كما قال تعالى: ﴿فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما﴾ النساء: 65.

فهذا إيمان بعد إيمان ومرتبة فوق مرتبة الإيمان الذي ربما يتخلف عنه أثره فلا يترتب عليه لضعفه، وبهذا يناسب قوله: ﴿يؤتكم كفلين من رحمته﴾ والكفل الحظ والنصيب فله ثواب على ثواب كما أنه إيمان على إيمان.

وقيل: المراد بإيتاء كفلين من الرحمة إيتاؤهم أجرين كمؤمني أهل الكتاب كأنه قيل: يؤتكم ما وعد من آمن من أهل الكتاب من الأجرين لأنكم مثلهم في الإيمان بالرسل المتقدمين وبخاتمهم (عليهم السلام) لا تفرقون بين أحد من رسله.

وقوله: ﴿ويجعل لكم نورا تمشون به﴾ قيل: يعني يوم القيامة وهو النور الذي أشير إليه بقوله: ﴿يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم﴾.

وفيه أنه تقييد من غير دليل بل لهم نورهم في الدنيا وهو المدلول عليه بقوله تعالى: ﴿أومن كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها﴾ الأنعام: 122، ونورهم في الآخرة وهو المدلول عليه بقوله: ﴿يوم ترى المؤمنين والمؤمنات يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم﴾ الآية: 12 من السورة وغيره.

ثم كمل تعالى وعده بإيتائهم كفلين من رحمته وجعل نور يمشون به بالمغفرة فقال: ﴿ويغفر لكم والله غفور رحيم﴾.

قوله تعالى: ﴿لئلا يعلم أهل الكتاب ألا يقدرون على شيء من فضل الله﴾ ظاهر السياق أن في الآية التفاتا من خطاب المؤمنين إلى خطاب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، والمراد بالعلم مطلق الاعتقاد كالزعم، و﴿أن﴾ مخففة من الثقيلة، وضمير ﴿يقدرون﴾ للمؤمنين، وفي الكلام تعليل لمضمون الآية السابقة.

والمعنى: إنما أمرناهم بالإيمان بعد الإيمان ووعدناهم كفلين من الرحمة وجعل النور والمغفرة لئلا يعتقد أهل الكتاب أن المؤمنين لا يقدرون على شيء من فضل الله بخلاف المؤمنين من أهل الكتاب حيث يؤتون أجرهم مرتين أن آمنوا.

وقيل: إن لا في ﴿لئلا يعلم﴾ زائدة وضمير ﴿يقدرون﴾ لأهل الكتاب، والمعنى: إنما وعدنا المؤمنين بما وعدنا لأن يعلم أهل الكتاب القائلون: إن من آمن منا بكتابكم فله أجران ومن لم يؤمن فله أجر واحد لإيمانه بكتابنا، إنهم لا يقدرون على شيء من فضل الله إن لم يؤمنوا، هذا ولا يخفى عليك ما فيه من التكلف.

وقوله: ﴿وأن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم﴾ معطوف على ﴿ألا يعلم﴾ والمعنى: إنما وعدنا بما وعدنا لأن كذا كذا ولأن الفضل بيد الله والله ذو الفضل العظيم.

وفي الآية أقوال واحتمالات أخر لا جدوى في إيرادها والبحث عنها.

بحث روائي:

عن جوامع الجامع، روي: أن جبرئيل نزل بالميزان فدفعه إلى نوح (عليه السلام) وقال: مر قومك يزنوا به.

وفي الاحتجاج، عن علي (عليه السلام) في حديث وقال: ﴿وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد﴾ فإنزاله ذلك خلقه إياه.

وفي المجمع، عن ابن مسعود قال: كنت رديف رسول الله على الحمار فقال: يا ابن أم عبد هل تدري من أين أحدثت بنو إسرائيل الرهبانية؟ فقلت: الله ورسوله أعلم.

فقال: ظهرت عليهم الجبابرة بعد عيسى (عليه السلام) يعملون بمعاصي الله فغضب أهل الإيمان فقاتلوهم فهزم أهل الإيمان ثلاث مرات فلم يبق منهم إلا القليل.

فقالوا: إن ظهرنا لهؤلاء أفنونا ولم يبق للدين أحد يدعو إليه فتعالوا نتفرق في الأرض إلى أن يبعث الله النبي الذي وعدنا به عيسى يعنون محمدا (صلى الله عليه وآله وسلم) فتفرقوا في غيران 1 الجبال وأحدثوا رهبانية فمنهم من تمسك بدينه، ومنهم من كفر.

ثم تلا هذه الآية ﴿ورهبانية ابتدعوها - ما كتبناها عليهم﴾ إلى آخرها.

ثم قال: يا ابن أم عبد أ تدري ما رهبانية أمتي؟ قلت: الله ورسوله أعلم.

قال: الهجرة والجهاد والصلاة والصوم والحج والعمرة.

و في الكافي، بإسناده عن أبي الجارود قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام) لقد آتى الله أهل الكتاب خيرا كثيرا.

قال: وما ذاك؟ قلت: قول الله عز وجل: ﴿الذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون إلى قوله أولئك يؤتون أجرهم مرتين بما صبروا﴾ قال: فقال: آتاكم الله كما آتاهم ثم تلا: ﴿يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وآمنوا برسوله - يؤتكم كفلين من رحمته ويجعل لكم نورا تمشون به﴾ يعني إماما تأتمون به.

وفي المجمع، عن سعيد بن جبير: بعث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) جعفرا في سبعين راكبا إلى النجاشي يدعوه فقدم عليه ودعاه فاستجاب له وآمن به فلما كان عند انصرافه قال ناس ممن آمن به من أهل مملكته وهم أربعون رجلا: ائذن لنا فنأتي هذا النبي فنسلم به.

فقدموا مع جعفر فلما رأوا ما بالمسلمين من الخصاصة استأذنوا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وقالوا: يا نبي الله إن لنا أموالا ونحن نرى ما بالمسلمين من الخصاصة فإن أذنت لنا انصرفنا فجئنا بأموالنا فواسينا المسلمين بها فأذن لهم فانصرفوا فأتوا بأموالهم فواسوا بها المسلمين فأنزل الله فيهم: ﴿الذين آتيناهم الكتاب من قبله - هم به يؤمنون إلى قوله ومما رزقناهم ينفقون﴾ فكانت النفقة التي واسوا بها المسلمين.

فلما سمع أهل الكتاب ممن لم يؤمن به قوله: ﴿أولئك يؤتون أجرهم مرتين بما صبروا﴾ فخروا على المسلمين فقالوا: يا معشر المسلمين أما من آمن منا بكتابنا وكتابكم فله أجران، ومن آمن منا بكتابنا فله أجر كأجوركم فما فضلكم علينا؟ فنزل قوله: ﴿يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله - وآمنوا برسوله﴾ الآية، فجعل لهم أجرين وزادهم النور والمغفرة ثم قال: ﴿لئلا يعلم أهل الكتاب﴾.