الآيات 41-48

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا ﴿41﴾ وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا ﴿42﴾ هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا ﴿43﴾ تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْرًا كَرِيمًا ﴿44﴾ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا ﴿45﴾ وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُّنِيرًا ﴿46﴾ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُم مِّنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيرًا ﴿47﴾ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا ﴿48﴾

بيان:

آيات تدعو المؤمنين إلى الذكر والتسبيح وتبشرهم وتعدهم الوعد الجميل وتخاطب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بصفاته الكريمة وتأمره أن يبشر المؤمنين ولا يطيع الكافرين والمنافقين، ويمكن أن يكون القبيلان مختلفين في النزول زمانا.

قوله تعالى: ﴿يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا﴾ الذكر ما يقابل النسيان وهو توجيه الإدراك نحو المذكور وأما التلفظ بما يدل عليه من أسمائه وصفاته فهو بعض مصاديق الذكر.

قوله تعالى: ﴿وسبحوه بكرة وأصيلا﴾ التسبيح هو التنزيه وهو مثل الذكر لا يتوقف على اللفظ وإن كان التلفظ بمثل سبحان الله بعض مصاديق التسبيح.

والبكرة أول النهار والأصيل آخره بعد العصر وتقييد التسبيح بالبكرة والأصيل لما فيهما من تحول الأحوال فيناسب تسبيحه وتنزيهه من التغير والتحول وكل نقص طار، ويمكن أن يكون البكرة والأصيل معا كناية عن الدوام كالليل والنهار في قوله: ﴿يسبحون له بالليل والنهار﴾ حم السجدة: 38.

قوله تعالى: ﴿هو الذي يصلي عليكم وملائكته ليخرجكم من الظلمات إلى النور﴾ المعنى الجامع للصلاة على ما يستفاد من موارد استعمالها هو الانعطاف فيختلف باختلاف ما نسب إليه ولذلك قيل: إن الصلاة من الله الرحمة ومن الملائكة الاستغفار ومن الناس الدعاء لكن الذي نسب من الصلاة إلى الله سبحانه في القرآن هو الصلاة بمعنى الرحمة الخاصة بالمؤمنين وهي التي تترتب عليها سعادة العقبى والفلاح المؤبد ولذلك علل تصليته عليهم بقوله: ﴿ليخرجكم من الظلمات إلى النور وكان بالمؤمنين رحيما﴾.

وقد رتب سبحانه في كلامه على نسيانهم له نسيانه لهم وعلى ذكرهم له ذكره لهم فقال: ﴿نسوا الله فنسيهم﴾ التوبة: 67، وقال: ﴿فاذكروني أذكركم﴾ البقرة: 125 وتصليته عليهم ذكر منه لهم بالرحمة فإن ذكروه كثيرا وسبحوه بكرة وأصيلا صلى عليهم كثيرا وغشيهم بالنور وأبعدهم من الظلمات.

ومن هنا يظهر أن قوله: ﴿هو الذي يصلي عليكم﴾ إلخ، في مقام التعليل لقوله: ﴿يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا﴾ وتفيد التعليل أنكم إن ذكرتم الله كثيرا ذكركم برحمته كثيرا وبالغ في إخراجكم من الظلمات إلى النور ويستفاد منه أن الظلمات إنما هي ظلمات النسيان والغفلة والنور نور الذكر.

وقوله: ﴿وكان بالمؤمنين رحيما﴾ وضع الظاهر موضع المضمر، أعني قوله: ﴿بالمؤمنين﴾ ولم يقل: وكان بكم رحيما، ليدل به على سبب الرحمة وهو وصف الإيمان.

قوله تعالى: ﴿تحيتهم يوم يلقونه سلام وأعد لهم أجرا كريما﴾ ظاهر السياق أن ﴿تحيتهم﴾ مصدر مضاف إلى المفعول أي إنهم يحيون - بالبناء للمفعول - يوم يلقون ربهم من عند ربهم ومن ملائكته بالسلام أي إنهم يوم اللقاء في أمن وسلام لا يصيبهم مكروه ولا يمسهم عذاب.

وقوله: ﴿وأعد لهم أجرا كريما﴾ أي وهيأ الله لهم ثوابا جزيلا.

قوله تعالى: ﴿يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا﴾ شهادته (صلى الله عليه وآله وسلم) على الأعمال أن يتحملها في هذه النشأة ويؤديها يوم القيامة وقد تقدم في قوله: ﴿لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا﴾ البقرة: 121، وغيره من آيات الشهادة أنه (صلى الله عليه وآله وسلم) شهيد الشهداء.

وكونه مبشرا ونذيرا تبشيره المؤمنين المطيعين لله ورسوله بثواب الله والجنة وإنذاره الكافرين والعاصين بعذاب الله والنار.

قوله تعالى: ﴿وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا﴾ دعوته إلى الله هي دعوته الناس إلى الإيمان بالله وحده، ولازمه الإيمان بدين الله وتقيد الدعوة بإذن الله يجعلها مساوقة للبعثة.

وكونه (صلى الله عليه وآله وسلم) سراجا منيرا هو كونه بحيث يهتدي به الناس إلى سعادتهم وينجون من ظلمات الشقاء والضلالة فهو من الاستعارة، وقول بعضهم: إن المراد بالسراج المنير القرآن والتقدير ذا سراج منير تكلف من غير موجب.

قوله تعالى: ﴿وبشر المؤمنين بأن لهم من الله فضلا كبيرا﴾ ، الفضل من العطاء ما كان من غير استحقاق ممن يأخذه وقد وصف الله عطاءه فقال: ﴿من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها﴾ الأنعام: 106، وقال: ﴿لهم ما يشاءون فيها ولدينا مزيد﴾ ق: 35، فبين أنه يعطي من الثواب ما لا يقابل العمل وهو الفضل ولا دليل في الآية يدل على اختصاصه بالآخرة.

قوله تعالى: ﴿ولا تطع الكافرين والمنافقين ودع أذاهم وتوكل على الله﴾ إلخ، تقدم معنى طاعة الكافرين والمنافقين في أول السورة.

وقوله: ﴿ودع أذاهم﴾ أي اترك ما يؤذونك بالإعراض عنه وعدم الاشتغال به والدليل على هذا المعنى قوله: ﴿وتوكل على الله﴾ أي لا تستقل بنفسك في دفع أذاهم بل اجعل الله وكيلا في ذلك وكفى بالله وكيلا.

بحث روائي:

في الكافي، بإسناده عن ابن القداح عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: ما من شيء إلا وله حد ينتهي إليه إلا الذكر فليس له حد ينتهي إليه فرض الله عز وجل الفرائض فمن أداهن فهو حدهن وشهر رمضان فمن صامه فهو حده والحج فمن حج فهو حده إلا الذكر فإن الله عز وجل لم يرض منه بالقليل ولم يجعل له حدا ينتهي إليه ثم تلا: ﴿يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا - وسبحوه بكرة وأصيلا﴾ فقال: لم يجعل الله له حدا ينتهي إليه.

قال: وكان أبي كثير الذكر لقد كنت أمشي معه وإنه ليذكر الله وآكل معه الطعام وإنه ليذكر الله ولقد كان يحدث القوم ما يشغله ذلك عن ذكر الله وكنت أرى لسانا لازقا بحنكه يقول: لا إله إلا الله.

وكان يجمعنا فيأمرنا بالذكر حتى تطلع الشمس ويأمر بالقراءة من كان يقرأ منا ومن كان لا يقرأ منا أمره بالذكر، والبيت الذي يقرأ فيه القرآن ويذكر الله عز وجل فيه يكثر بركته ويحضره الملائكة ويهجره الشياطين ويضيء لأهل السماء كما يضيء الكوكب لأهل الأرض والبيت الذي لا يقرأ فيه القرآن ولا يذكر الله يقل بركته ويهجره الملائكة ويحضره الشياطين.

وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): ألا أخبركم بخير أعمالكم أرفعها في درجاتكم وأزكاها عند مليككم وخير لكم من الدينار والدرهم وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فتقتلوهم ويقتلوكم؟ فقالوا: بلى.

قال: ذكر الله عز وجل كثيرا.

ثم قال: جاء رجل إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: من خير أهل المسجد؟ فقال: أكثرهم لله ذكرا.

وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): من أعطي لسانا ذاكرا فلقد أعطي خير الدنيا والآخرة.

وقال في قوله تعالى: ﴿ولا تمنن تستكثر﴾ قال: لا تستكثر ما عملت من خير لله.

وفيه، بإسناده عن أبي المعزى رفعه قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام): من ذكر الله في السر فقد ذكر الله كثيرا إن المنافقين كانوا يذكرون الله علانية ولا يذكرونه في السر فقال الله عز وجل: ﴿يراءون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا﴿.

أقول: وهو استفادة لطيفة.

وفي الخصال، عن زيد الشحام قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): ما ابتلي المؤمن بشيء أشد عليه من ثلاث خصال يحرمها.

قيل: وما هي؟ قال: المواساة في ذات يده، والإنصاف من نفسه، وذكر الله كثيرا.

أما إني لا أقول: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر وإن كان منه ولكن ذكر الله عند ما أحل له وذكر الله عند ما حرم عليه.

وفي الدر المنثور، أخرج أحمد والترمذي والبيهقي عن أبي سعيد الخدري: أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) سئل أي العباد أفضل درجة عند الله يوم القيامة؟ قال: الذاكرون الله كثيرا.

قلت: يا رسول الله ومن الغازي في سبيل الله؟ قال: لو ضرب بسيفه في الكفار والمشركين حتى ينكسر ويختضب دما لكان الذاكرون الله أفضل درجة منه.

وفي العلل، بإسناده عن عبد الله بن الحسن عن أبيه عن جده الحسن بن علي (عليهما السلام) قال: جاء نفر من اليهود إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فسأله أعلمهم فيما سأله فقال: لأي شيء سميت محمدا وأحمد وأبا القاسم وبشيرا ونذيرا وداعيا؟ فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): أما الداعي فإني أدعو الناس إلى دين ربي عز وجل، وأما النذير فإني أنذر بالنار من عصاني، وأما البشير فإني أبشر بالجنة من أطاعني.

وفي تفسير القمي، في قوله: ﴿يا أيها النبي إنا أرسلناك إلى قوله ودع أذاهم وتوكل على الله وكفى بالله وكيلا﴾ أنها نزلت بمكة قبل الهجرة بخمس سنين.