الآية 211 - 212‏

سَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَمْ آتَيْنَاهُم مِّنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ وَمَن يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللّهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُ فَإِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴿211﴾ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ اتَّقَواْ فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَاللّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴿212﴾

بيان:

قوله تعالى: ﴿سل بني إسرائيل كم آتيناهم من آية﴾ إلخ تثبيت وتأكيد واشتمل عليه قوله تعالى: فإن زللتم من بعد ما جاءتكم البينات فاعلموا أن الله عزيز حكيم، الآية من الوعيد بأخذ المخالفين أخذ عزيز مقتدر.

يقول: هذه بنو إسرائيل في مرءاكم ومنظركم وهي الأمة التي آتاهم الله الكتاب والحكم والنبوة والملك، ورزقهم من الطيبات، وفضلهم على العالمين، سلهم كم آتيناهم من آية بينة؟ وانظر في أمرهم من أين بدءوا وإلى أين كان مصيرهم؟ حرفوا الكلم عن مواضعه، ووضعوا في قبال الله وكتابه وآياته أمورا من عند أنفسهم بغيا بعد العلم، فعاقبهم الله أشد العقاب بما حل فيهم من اتخاذ الأنداد، والاختلاف وتشتت الآراء، وأكل بعضهم بعضا، وذهاب السؤدد، وفناء السعادة، وعذاب الذلة والمسكنة في الدنيا، ولعذاب الآخرة أخزى وهم لا ينصرون.

وهذه هي السنة الجارية من الله سبحانه: من يبدل نعمة وأخرجها إلى غير مجراها فإن الله يعاقبه، والله شديد العقاب، وعلى هذا فقوله: ومن يبدل نعمة الله إلى قوله العقاب من قبيل وضع الكلي موضع الجزئي للدلالة على الحكم، سنة جارية.

قوله تعالى: ﴿زين للذين كفروا الحياة الدنيا﴾ في موضع التعليل لما مر، وأن الملاك في ذلك تزين الحياة الدنيا لهم فإنها إذا زينت لإنسان دعته إلى هوى النفس وشهواتها، وأنست كل حق وحقيقة، فلا يريد الإنسان إلا نيلها: من جاه ومقام ومال وزينة، فلا يلبث دون أن يستخدم كل شيء لأجلها وفي سبيلها، ومن ذلك الدين فيأخذ الدين وسيلة يتوسل بها إلى التميزات والتعينات، فينقلب الدين إلى تميز الزعماء والرؤساء وما يلائم سوددهم ورئاستهم، وتقرب التبعة والمقلدة المرءوسين وما يجلب به تمايل رؤسائهم وساداتهم كما نشاهده في أمتنا اليوم، وكنا شاهدناه في بني إسرائيل من قبل، وظاهر الكفر في القرآن هو الستر أعم من أن يكون كفرا اصطلاحيا أو كفرا مطلقا في مقابل الإيمان المطلق فتزين الحياة الدنيا لا يختص بالكفار اصطلاحا بل كل من ستر حقيقة من الحقائق الدينية، وغير نعمة دينية فهو كافر زينت له الحياة الدنيا فليتهيأ لشديد العقاب.

قوله تعالى: ﴿والذين اتقوا فوقهم يوم القيامة﴾ إلخ، تبديل الإيمان بالتقوى في هذه الجملة لكون الإيمان لا ينفع وحده لو لا العمل.