ملاحظات
1 - إعجاز آخر
علمنا أن هذه الآيات نزلت في مكّة والقرآن أخبر بتأكيد كامل أن أبالهب وامرأته من أهل النّار، أي سوف لا يؤمنان أبداً.
وهكذا كان كثير من مشركي مكّة آمنوا عن إيمان أو عن استسلام.
لكن هذين الزوجين لم يؤمنا لا حقيقة ولا ظاهراً.
وهذا من أنباء الغيب في القرآن.
وفي القرآن الكريم مثل هذه الأخبار في آيات أُخرى.
وتشكل بمجموعها فصلا من فصول إعجاز القرآن تحت عنوان "الأخبار الغيبية".
وكان لنا بحوث عندها.
2 - جواب عن سؤال
القرآن أخبر عن أبي لهب بأنّه سيصلى النّار، أي أنّه سيموت كافراً ولن يؤمن أبداً.
وبهذا لا يمكن لأبي لهب أن يؤمن لأن نبوءة القرآن ستكون عندئذ كاذبة.
وإلاّ سيكون أبولهب مجبراً على الكفر.
وليس له اختيار؟!
مثل هذا السؤال يطرح عن علم الله سبحانه في مبحث الجبر والتفويض.
وهو إنّ الله سبحانه يعلم من الأزل بكل شيء.
بطاعة المطيعين ومعصية المذنبين أيضاً.
ألا يكون العصاة بذلك مجبرين على الذنب؟ وإن لم يكونوا كذلك ألا يتبدل علم الله إلى جهل؟!
الفلاسفة الإسلاميون أجابوا عن هذا السؤال منذ القديم وقالوا إنّ الله سبحانه يعلم ما يفعله كل شخص بالإستفادة من حريته واختياره.
ففي هذه الآيات مثلا يعلم الله منذ البداية أنّ أبالهب وزوجته سيختاران بإرادتهما وعن رغبتهما طريق الكفر، لا بالإجبار.
بعبارة أُخرى، عنصر الحرية والإختيار أيضاً جزء ممّا هو معلوم عند الله تعالى.
إنّه على علم بما يعمله العباد وهم مختارون متمتعون بالإرادة والحرية.
ومن المؤكّد أنّ مثل هذا العلم والإخبار عن المستقبل، تأكيد على الإختيار، لا على الإجبار.
(تأمل بدقّة).
3 - ليس من أهلك
هذه السّورة المباركة تؤكّد مرّة أُخرى أنّ القرابة لا قيمة لها إن لم تكن مقرونة برباط رسالي.
وحملة الرسالة الإلهية كانوا لا يلينون أمام المنحرفين والجبابرة والطغاة مهما كانت درجة قربهم منهم.
مع أنّ أبالهب كان من أقرب أقرباء الرسول (ص)، فقد عامله الإسلام مثل سائر المنحرفين والضالين حين فصل مسيرة العقائدي والعملي عن خط التوحيد، ووجّه إليه أشدّ الردّ وأحدّ التوبيخ.
وعلى العكس ثمّة أفراد بعيدون عن الرسول نسباً وقومية ولغة، كانوا بسبب ارتباطهم الرسالي من القرب من الرّسول (ص) حتى قال في أحدهم: "سلمان منّا أهل البيت". (1)
صحيح أن آيات هذه السّورة توجّه التقريع لأبي لهب وزوجه، ولكن كان ذلك لما اتصفا به من صفات.
من هنا فإن كل فرد أو جماعة على هذه الصفات سيواجهون مصيراً مشابهاً أيضاً.
اللّهم! طهر قلوبنا من كل لجاج وعناد!
ربّنا! كلنا من مصيرنا وجلُون، فبفضلك ومنّك اجعل عواقب أمورنا خيراً.
إلهنا! نحن نعلم أنّ الأموال والقرابة لا تغني عنّا شيئاً يوم الفزع الأكبر.
فاشملنا برحمتك ولطفك.
آمين ربّ يا العالمين
نهاية سورة تبّت
1- أوضحنا هذه المسألة أكثر في تفسير الآية (46) من سورة هود بمناسبة الحديث عن ابن نوح(ع).