الآيات 11 - 20
﴿فَلاَ اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ (11) وَمَآ أَدْرَاكَ مَآ الْعَقَبَةُ (12) فَكُّ رَقَبَة (13) أَوْ إِطْعَـمٌ فِى يَوْم ذِى مَسْغَبَة (14) يَتِيمَاً ذَا مَقْرَبَة (15) أَوْ مِسْكِينَاً ذَا مَتْرَبَة (16) ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ ءَامَنُواْ وَتَوَاصَوْاْ بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ (17) أُوْلَـئِكَ أَصْحَـبُ الْمَيْمَنَةِ (18) وَالَّذِينَ كَفَرُوا بآيَـتِنَا هُم أَصْحَـبُ الْمَشْئَمَةِ (19) عَلَيْهِم نَارٌ مُؤْصَدَةٌ (20)﴾
التّفسير:
العقبة!
بعد ذكر النعم الكبيرة في الآيات السابقة، تنحي هذه الآيات باللائمة على اُولئك الذين يكفرون بهذه النعم، ولا يسخرونها على طريق النجاة، يقول سبحانه: (فلا اقتحم العقبة) (1)
وما المقصود من العقبة؟ الآيات التالية تفسّرها:
(وما أدراك ما العقبة؟ فك رقبة أو إطعام في يوم ذي مسغبة يتيماً ذا مقربة أو مسكيناً ذا متربة).
من هنا فالعقبة التي لم يتهيأ الكافرون بأنعم اللّه لإجتيازها هي: فك رقبة عبد من الرقبة أي تحريره أو إطعام في يوم الضائقة الإقتصادية والمجاعة، يتيماً ذا قربى أو فقيراً قد لصق بالتراب من شدّة فقره، العقبة هي مجموعة أعمال الخير التي تتجه لخدمة النّاس والأخذ بيد الضعفاء والمعوزين، كما إنّها أيضاً مجموعة من المعتقدات الصحيحة الخالصة تشير إليها الآيات التالية.
نعم، إن اجتياز هذه العقبة ليس بالأمر اليسير لما لأغلب النّاس من التصاق بالمال والثروة.
ليس الإسلام والإيمان بالقول والإدعاء، بل أمام كلّ إنسان مسلم ومؤمن عقبات يجب أن يجتازها الواحدة بعد الاُخرى، مستمداً العون من اللّه سبحانه ومن روح الإيمان والإخلاص.
بعضهم ذهب إلى أنّ "العقبة" هنا تعني أهواء النفس التي حثّ الرّسول الأكرم (ص) على مقاومتها ومجاهدتها، ويسمى ذلك "الجهاد الأكبر"، واستناداً إلى هذا التّفسير يكون فك الرقبة وإطعام المسكين من المصاديق البارزة لإجتياز عقبة هوى النفس.
ومن المفسّرين من قال إنّ "العقبة" هي الصراط الصعب يوم القيامة، كما جاء في حديث رسول اللّه (ص) :
"إن أمامكم عقبة كؤوداً لا يجوزها المثقلون، وأنا أريد أن أخفف عنكم لتلك العقبة" (2)
وهذا الحديث طبعاً لايمكن أن يكون تفسيراً للآية، غير أن بعض المفسّرين فهموا منه ذلك، وهذا الفهم لا يتناسب مع التّفسير الصريح لكلمة "العقبة" في الآيات التالية، إلاّ إذا اعتبرنا العقبة الكؤود يوم القيامة تجسيداً للطاعات الثقيلة الصعبة في هذا العالم، واجتياز تلك العقبات فرع لإجتياز هذه الطاعات "تأمل بدقّة".
تعبير "اقتحم" في الآية اصله من "الإقتحام" وهو الدخول في عمل صعب مخيف (مفردات الراغب)، أو الولوج والعبور بشدّة ومشقّة (تفسير الكشّاف) وهذا يعني أن اجتياز هذه العقبة ليس بالأمر اليسير، كما أنّه تأكيد على ما ورد في أوّل السّورة بشأن ما يكابد الإنسان في حياته: (لقد خلقنا الإنسان في كبد).
وعن أمير المؤمنين علي (ع) قال: "إنّ الجنّة حفت بالمكاره وإنّ النّار حفت بالشهوات" (3).
1- الظاهر أن (لا) في الآية "نافية" و"خبرية" ونستبعد أن تكون على وجه الدعاء على ضمير الفعل أو أن تكون استفهامية،والإشكال الوحيد الذي يرد على أنّها خبرية هو عدم تكرارها لأنّ (لا) النافية حين تدخل على الفعل الماضي تكرر عادة كقوله سبحانه: (فلا صدق ولا صلى)، ولم تتكرر في الآية. ويذكر "الطبرسي" في "مجمع البيان" مواضع من أقوال العرب لم تتكرر فيها (لا) النافية مع دخولها على الفعل الماضي، وإلى ذلك ذهب أيضاً "الفخر الرازي" و"القرطبي"، وقيل إنّ (لا) إذا كانت بمعنى "لم" لا يلزم تكرارها وبعضهم احتمل التكرار في التقدير والمعنى: فلا اقتحم العقبة، ولا فك رقبة، ولا أطعم في يوم ذي مسغبة.
2- مجمع البيان، ج10، ص 495.
3- نهج البلاغة، الخطبة 176.