سُورَة المُزَّمِّل
مَكيَّة وَعَدَدُ آيَآتِهَا عشرون آية
"سورة المزّمّل"
محتوى السورة
يدل سياق السورة على وجود تشابه بينها وبين المكية الأُخرى، ولهذا يستبعد ما قاله البعض من أنّها مدنية، واختلاف سياق الآيات الأُولى والأخيرة منها يشير إلى نزوله في فترات متعددة وطويلة، فقد ذكر البعض: إنّه نزلت في ثمانية أشهر وقيل: سنة، وقيل: عشر سنوات.(1)
إنّ الكثير من آيات هذه السورة تشير إلى أنّها نزلت عند بدء الرّسول (ص) لدعوته العلنية، وإعتراض المخالفين وتكذيبهم له، ولكن الرّسول (ص) كان قد أمر بالمسالمة والمجازاة لهم، ولذا يبعد احتمال نزولها جميعاً في أوّل دعوته (ص)، ويمكن احتمال ذلك في شأن الآيات الأُولى لها، وأمّا البقية فليست كذلك، لأنّ آياتها تشير إلى سعة الإسلام والدعوة، وذلك على نطاق مكّة على الأقل، وبروز مخالفة المخالفين وصراعهم مع الحق، وهذا ما لم يحصل في السنوات الثلاث الأُولى للدعوة.
ووردت روايات مختلفة ومتفاوتة في سبب نزول السورة أو بعض الآيات منها، ففي بعض الرّوايات أنّ النّبي (ص) عندما استلم البلاغ الإلهي الأوّل رجع إلى خديجة وفؤاده يرتجف فقال: "زملوني" فنزل جبرائيل (ع) بـ (أيّها المزّمل).
في حين أنّه جاء في بعض الرّوايات أن شأن نزول هذه السورة يتعلق باعلان النّبي (ص) دعوته، فكان أن اجتمع مشركو قريش في دار الندوة ليفكروا في أمر النّبي (ص) وليختاروا لمواجهته شعاراً أو عنواناً خاصّاً، فقال بعضهم: إنّه (كاهن) لكن بعضهم لم يوافق على هذه التسمية، فقال آخرون: إنّه (مجنون) إلاّ جمعاً آخر منهم لم يوافق عليه أيضاً، ورجحّ بعضهم أن يسمّى بـ (الساحر) فلم يوافق الآخرون على ذلك أيضاً.
أخيراً قالوا: إنّه يفرق بين الأحباب، فبناء على ذلك فهو ساحر ثمّ تفرق المشركون، فبلغ النّبي (ص) ما قاله المشركون، فدثّر نفسه تزّمل بأثوا به وركن إلى الرّاحة... فجاءه الوحي في ذلك الحين بسورتي، يا أيّها المزّمل، ويا أيّها المدثر.(2)
والحاصل هو ما أشرنا إليه في أنّ ظاهر السورة مكّية، ونزول قسم منها بعد الدعوة العلنية ونفوذ الإسلام النسبي في مكّة أمرحتمي، وإن كان يحتمل نزول آيات من أوّل السورة في أوّل البعثة.
ويتلخص محتوى السورة في خمسة أقسام:
القسم الأوّل: الآيات الأُولى للسورة والتي تأمر النّبي (ص) بقيام الليل والصلاة فيه، ليستعد بذلك لنقل ما سيلقى عليه من القول الثقيل.
القسم الثّاني: يأمره (ص) بالصبر والمقاومة ومداراة المخالفين.
القسم الثّالث: بحوث حول المعاد، وإرسال موسى بن عمران إلى فرعون وذكر عذابه الأليم.
القسم الرّابع: فيه تحفيف لما ورد في الآيات الأُولى من الأوامر الشديدة عن قيام الليل، وذلك بسبب محنة المسلمين والشدائد المحيطة بهم.
القسم الخامس: هو القسم الأخير من السورة يعود ليدعو إلى تلاوة القرآن وإقامة الصلاة وإيتاء الزّكاة، والإنفاق في سبيل اللّه والإستغفار.
فضيلة السّورة
ورد في حديث عن النّبي الأكرم (ص): "من قرأ سورة المزمل رفع عنه العسر في الدنيا والأخرة" (3).
وفي حديث آخر ورد عن الإمام الصّادق (ع): "من قرأ سورة المزّمل في العشاء الآخرة، أو في آخر الليل كان له الليل والنهار شاهدين مع السورة، وأحياه اللّه حياة طيبة وأماته ميتة طيبة" (4).
ومن الطبيعي أنّ هذه الفضائل لابدّ أن تكون ملازمة مع قيام الليل وقراءة القرآن والصبر والإستقامة والإيثار والإنفاق والعملي، وليس بالتلاوة الخالية من العمل.
1- سفينة البحار، ج1، ص186 (مادة الجن).
2- الكافي، ج6، ص385، كتاب الأشربة، باب الأواني، الحديث 5.
3- راجع تفسير الدر المنثور، ج6، ص276، ومجمع البيان، ج10، ص377.
4- نور الثقلين، ج6، ص276.