الآيات 7 - 10

﴿زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَن لَّن يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّى لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ (7) فَئَامِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِى أَنزَلْنَا وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (8) يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ وَمَن يُؤْمِن بِاللهِ وَيَعْمَلْ صَـلِحاً يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُدْخِلْهُ جَنَّـت تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الأَنْهَـرُ خَـلِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (9) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِئَايَـتِنَا أُوْلَـئِكَ أَصْحَـبُ النَّارِ خَـلِدِينَ فِيهَا وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (10)﴾

التّفسير:

يوم التغابن وظهور الغبن:

في أعقاب تلك الآيات التي بحثت مسألة الخلقة والهدف من الخلق، جاءت هذه الآيات لتكمّل البحث الذي يطرح قضيّة المعاد والقيامة، حيث يقول تعالى: (زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا).

"زعم" من مادة (زعم) - على وزن طعم - تطلق على الكلام الذي يحتمل أو يتيقن من كذبه، وتارة تطلق على التصور الباطل وفي الآية المراد هو الأوّل.

ويستفاد من بعض كلمات اللغويين أنّ كلمة "زعم" جاءت بمعنى الإخبار المطلق، بالرغم من أنّ الإستعمالات اللغوية وكلمات المفسّرين تفيد أنّ هذا المصطلح قد ارتبط بالكذب ارتباطاً وثيقاً، ولذلك قالوا "لكلّ شيء كنية وكنية الكذب، الزعم".

على أي حال فإنّ القرآن الكريم يأمر الرّسول الأكرم في أعقاب هذا الكلام بقوله: (قل بلى وربّي لتبعثنّ ثمّ لتنبؤنّ بما عملتم وذلك على الله يسير).

إنّ أهمّ شبهة يتمسّك بها منكرو المعاد هي كيفية إرجاع العظام النخرة التي صارت تراباً إلى الحياة مرّة اُخرى، فتجيب الآية الكريمة: (ذلك على الله يسير)لأنّهم في البداية كانوا عدماً وخلقهم الله، فإعادتهم إلى الوجود مرّة اُخرى أيسر... بل احتمل بعضهم أنّ القسم بـ (وربّي) هو بحدّ ذاته إشارة لطيفة إلى الدليل على المعاد، لأنّ ربوبية الله تعالى لابدّ أن تجعل حركة الإنسان التكاملية حركة لها غاية لا تنحصر في حدود الحياة الدنيا التافهة.

بتعبير آخر إنّنا لو لم نقبل بمسألة المعاد، فانّ مسألة ربوبية الله للإنسان ورعايته له لا يبقى لها مفهوماً البتة.

ويعتقد البعض أنّ عبارة (وذلك على الله يسير) ترتبط بإخبار الله تعالى عن أعمال البشر يوم القيامة، التي جاءت في العبارة السابقة، ولكن يبدو أنّها ترجع إلى المضمون الكلّي للآية.

(أصل البعث وفرعه) الذي هو الإخبار عن الأعمال التي تكون مقدّمة للحساب والجزاء.

ولابدّ أن تكون النتيجة كما قرّرتها الآية اللاحقة وأنّه بعد أن ثبت أنّ المعاد حقّ: (فآمنوا بالله ورسوله والنور الذي أنزلنا والله بما تعملون خبير).

وبناءً على ذلك يأمرهم الباريء أن يعدوا أنفسهم بالإيمان والعمل الصالح، ويستعدّوا للبعث ويوم الجزاء.

والإيمان هنا لابدّ أن يرتكز على ثلاثة اُصول: (الله) و (الرّسول) و (القرآن) التي تتضمّن الاُمور الاُخرى جميعاً.

التعبير عن القرآن الكريم بأنّه (نور) في آيات متعدّدة، وكذلك (أنزلنا) شاهدان آخران على ذلك.

رغم وجود روايات متعدّدة عن أهل البيت (عليهم السلام)فسّرت كلمة (نور) في الآية - مورد البحث - بوجود الإمام، ويمكن أن ينظر إلى هذا التّفسير على أنّ وجود الإمام يعتبر تجسيداً عملياً لكتاب الله، إذ يعبّر عن الرّسول والإمام بـ (القرآن الناطق) فقد جاء في ذيل إحدى هذه الروايات عن الإمام الباقر قوله عن الآية: (وهم الذين ينوّرون قلوب المؤمنين)(68).

وتصف الآية اللاحقة يوم القيامة بقولها: (يوم يجمعكم ليوم الجمع)(69) فإنّ أحد أسماء يوم القيامة هو "يوم الجمع" الذي ورد كراراً بتعبيرات مختلفة في القرآن الكريم، منها ما جاء في الآية (49) و (50) من سورة الواقعة: (قل إنّ الأوّلين والآخرين لمجموعون إلى ميقات يوم معلوم).

ثمّ يضيف تعالى (ذلك يوم التغابن)(70) أي اليوم الذي يعرف فيه "الغابن" بالفوز عن "المغبون" بالغلبة، وهو اليوم الذي ينكشف فيه من هم الناس الذي غبنوا وخسرت تجارتهم؟

اليوم الذي يرى فيه أهل جهنّم مكانهم الخالي في الجنّة ويأسفون لذلك، ويرى أهل الجنّة مكانهم الخالي في النار فيفرحون لذلك، فقد ورد في أحد الأحاديث أنّ لكلّ إنسان مكاناً في الجنّة وآخر في النار، فحينما يذهب إلى الجنّة يعطى مكانه في جهنّم إلى أهل جهنّم، ويعطى مكان الجهنمي في الجنّة إلى أهل الجنّة(71).

والتعبير بـ (الإرث) في الآيات القرآنية ربّما يكون ناظراً إلى هذا المعنى.

ثمّ يتحدّث القرآن الكريم عن أحوال المؤمنين في ذلك اليوم (يوم القيامة) أو (يوم التغابن) قائلا: (ومن يؤمن بالله ويعمل صالحاً يكفّر عنه سيّئاته ويدخله جنّات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً ذلك الفوز العظيم).

وستتنزّل النعم الإلهية والبركات بتحقّق الشرطين الأساسيين، الإيمان والعمل الصالح.

فتحلّ المغفرة والتجاوز عن الذنوب التي تشغل تفكير الإنسان أكثر من أي شيء آخر، وكذلك دخول الجنّة، وذلك هو الفوز العظيم الذي لا فوز بعده.

ثمّ يقول تعالى: (والذين كفروا وكذّبوا بآياتنا اُولئك أصحاب النار خالدين فيها وبئس المصير).

وهناك عاملان أساسيان للشقاء يذكرهما القرآن، هما الكفر والتكذيب بالآيات الإلهية، وهما النقيضان الواقعيان للإيمان والعمل الصالح.

والإختلاف الأوّل الذي تذكره الآية بين أهل الجنّة وأهل النار هو ذكره الغفران والعفو لأهل الجنّة بينما لم يذكر ذلك لأصحاب النار.

والإختلاف الآخر هو التأكيد على خلود أهل الجنّة في النعيم بقوله (أبداً) بينما اكتفى بالنسبة لأهل النار بذكر الخلود والبقاء فقط، فقد يكون هذا الإختلاف للإشارة إلى أنّ الذين خلطوا الإيمان بالكفر سوف يخرجون من النار والعذاب آخر المطاف، أو إشارة لغلبة رحمته على غضبه، علماً أنّ بعض المفسّرين يعتقد أنّ عدم ذكر (أبداً) في الجملة الثانية كان نتيجة لذكرها في الجملة الاُولى.