الآيتان 10 - 11

﴿يَـأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَـتُ مُهَـجِرَت فَامْتَحِنُوهُنَّ اللهُ أَعْلَمُ بِإِيمَـنِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَـت فَلاَ تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لاَ هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ وَلاَ هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَءَاتُوهُم مَّا أَنفَقُوا وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَن تَنكِحُوهُنَّ إِذَا ءَاتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلاَ تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ وَسْئَلُوا مَا أَنفَقْتُمْ وَلْيَسْئَلُوا مَا أَنفَقُوا ذَلِكُمْ حُكْمُ اللهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (10) وَإِن فَاتَكُمْ شَىْءٌ مِّنْ أَزْوَجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعَاقَبْتُمْ فَئَاتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَجُهُم مِّثْلَ مَا أَنفَقُوا وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِى أَنتُم بِهِ مُؤْمِنُونَ (11)﴾

سبب النّزول:

قال بعض المفسّرين في سبب نزول هذه الآيات: إنّ رسول الله أمضى في الحديبية مع مشركي مكّة عهداً، وكان من ضمن بنود هذا العهد أنّ من أتى رسول الله (ص) من أهل مكّة ردّه عليهم، ومن أتى أهل مكّة من أصحاب رسول الله فهو لهم لا يردّوه عليه، وكتبوا بذلك كتاباً وقّعوا عليه.

في هذه الفترة جاءت (سبيعة بنت الحرث الأسلمية) مسلمة، والتحقت بالمسلمين في أرض الحديبية بعد الإنتهاء من توقيع العهد، فأقبل زوجها وكان كافراً، فقال: يامحمّد، اُردد عليّ امرأتي، فإنّك قد شرطت لنا أن ترد علينا من أتاك وهذه طينة الكتاب لم تجف بعد فنزلت الآية أعلاه: (ياأيّها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات... ) وأمرت بإمتحان النسوة المهاجرات.

قال ابن عبّاس: امتحانهنّ أن يستحلفنّ ما خرجت من بغض زوج ولا رغبة عن أرض إلى أرض، ولا التماس دنيا، وما خرجت إلاّ حبّاً لله ورسوله.

فاستحلفها رسول الله (ص) فحلفت بالله الذي لا إله إلاّ هو على ذلك، فأعطى رسول الله زوجها مهرها وما أنفق عليها ولم يردّها عليه فكان رسول الله يرد من جاءه من الرجال، ويحبس من جاءه من النساء إذا امتحنهنّ(1) ويعطي أزواجهنّ مهورهنّ.

التّفسير:

تعويض خسائر المسلمين والكفّار:

إستعرضت الآيات السابقة موضوع "البغض في الله" وما يترتّب على ذلك من قطع أي صلة مع أعداء الله ...أمّا موضوع هذه الآيات فهو عن "الحبّ في الله" وعن طبيعة العلاقة مع الذين إنفصلوا عن الكفر وإرتبطوا بالإيمان.

وينصبّ الحديث في الآية الاُولى - من هذه الآيات المباركات - عن النساء المهاجرات، حيث ضمّت هذه الآية سبع نقاط تتعلّق بالنساء المهاجرات، كما تناولت نقاطاً اُخرى تختّص بالنساء المشركات.

النقاط التي تختّص بالنساء المهاجرات هي:

1 - إمتحان النساء المهاجرات، حيث يوجّه سبحانه الحديث إلى المؤمنين فيقول تعالى: (ياأيّها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهنّ).

فالأمر الأوّل هو إمتحان النساء المؤمنات، وبالرغم من تسميتهنّ بالمؤمنات إلاّ أنّ إعلان الشهادتين ظاهرياً لا يكفي، فمن أجل المزيد من الإطمئنان على إنسجام الظاهر مع الباطن كان الأمر بالإمتحان للوثوق والتأكّد.

أمّا طريقة واُسلوب هذا الإمتحان فكما مرّ بنا، وهو أن يستحلفن أنّ هجرتهنّ لم تكن إلاّ من أجل الإسلام، وأنّها لم تكن بسبب بغض أزواجهنّ أو علاقة مع شخص آخر، أو حبّاً بأرض المدينة وما إلى ذلك.

كما يوجد إحتمال آخر حول كيفية إمتحان النسوة المهاجرات، وذلك كما ورد في الآية الثانية عشرة من نفس السورة قال تعالى: (ياأيّها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك على أن لا يشركن بالله شيئاً ولا يسرقن ولا يزنين ولا يقتلن أولادهنّ ولا يأتين ببهتان يفترينّه بين أيديهنّ وأرجلهنّ ولا يعصينك في معروف فبايعهنّ... )(2).

ومن الممكن أن يكون الكذب في الحلف أيضاً، فيقول البعض خلافاً لما يعتقد به، إلاّ أنّ التزام الكثير من الناس حتّى المشركين في ذلك الزمان بمسألة البيعة والحلف بالله كان سبباً في تقليص دائرة غير الصادقين.

ومن هنا نلاحظ أنّ الإمتحان المذكور بالرغم من أنّه لم يكن دليلا قطعيّاً على الإيمان حقيقة، إلاّ أنّه غالباً ما يكون كاشفاً عن الحقيقة بصورة كبيرة.

لذا يضيف سبحانه في العبارة التالية: (الله أعلم بإيمانهنّ).

2 - يقول سبحانه في الأمر اللاحق: (فإن علمتموهنّ مؤمنات فلا ترجعوهنّ إلى الكفّار).

ورغم أنّ البند المثبت في (وثيقة صلح الحديبية) يشير إلى أنّ الأشخاص الذين أسلموا وهاجروا إلى المدينة يجب إرجاعهم إلى مكّة، إلاّ أنّه خاصّ بالرجال ولا يشمل النساء، لذا فإنّ رسول الله لم يرجع أيّة امرأة إلى الكفّار.

وإلاّ فرجوع المسلمة إلى الكفّار يمثّل خطراً حقيقيّاً على وضعها الإيماني، وذلك بلحاظ ضعفها وحاجتها إلى الرعاية المستمرّة.

3 - في ثالث نقطة التي هي في الحقيقة دليل على الحكم السابق يضيف تعالى: (لا هنّ حلّ لهم ولا هم يحلّون لهنّ).

فالإيمان والكفر لا يجتمعان في مكان واحد، لأنّ عقد الزواج المقدّس لا يمكن أن يربط بين محورين وخطّين متضادّين (خطّ الإيمان) من جهة و (الكفر) من جهة اُخرى، إذ لابدّ أن يكون عقد الزواج يشكّل نوعاً من الوحدة والتجانس والإنسجام بين الزوجين، وهذا ما لا يمكن أن يتحقّق نتيجة الإختلاف والتضادّ التي سيكون عليها الزوجان في حالة كون أحدهما مؤمناً والآخر كافراً.

ونلاحظ في بداية صدر الإسلام حالات من هذا القبيل لزوجين أحدهما مؤمن والآخر كافر، ولم ينه عنها رسول الله (ص) حيث لم يزل المجتمع الإسلامي قلقاً وغير مستقرّ بعد، إلاّ أنّه عندما تأصّلت جذور العقيدة الإسلامية وترسّخت مبادئها، أعطى أمراً بالإنفصال التامّ بين الزوجين بلحاظ معتقدهما، وخاصّة بعد صلح الحديبية، والآية - مورد البحث - هي إحدى أدلّة هذا الموضوع.

4 - كان المتعارف بين العرب أن يدفعوا للمرأة مهرها سلفاً، ولهذا المعنى أشار سبحانه في قوله في الأمر الرابع: (وآتوهم ما أنفقوا).

بالرغم من أنّ أزواج المؤمنات كفّار فلابدّ من إعطائهم ما أنفقوا من مهور على زوجاتهم، وذلك لأنّ الطلاق والإنفصال قد تمّ بمبادرة من المرأة بسبب

إيمانها، لذا توجب العدالة الإسلامية دفع خسارة الزوج.

ويتساءل هنا: هل المقصود من الإنفاق هو المهر فقط، أو أنّه يشمل كافّة المصاريف التي بذلها الرجل لهذا الشأن؟

رجّح أغلب المفسّرين المعنى الأوّل، وهذا هو القدر المسلّم به، بالرغم من أنّ البعض - كأبي الفتوح الرازي - يرى وجوب تحمّل كافّة النفقات الاُخرى أيضاً(3).

وطبيعي أنّ دفع المهر يكون لمن عقد معاهدة صلح من الكفّار مع المسلمين، كما في صلح الحديبية.

وأمّا من الذي يدفع المهر؟ فالظاهر أنّ هذا العمل يجب أن تتبّناه الدولة الإسلامية (بيت المال) لأنّ جميع الاُمور التي لم يكن لها مسؤول خاصّ في المجتمع الإسلامي يجب أن تتصدّى الدولة لإدارتها، وخطاب الجمع في الآية مورد البحث دليل على هذا المعنى.

(كما يلاحظ في آيات حدّ السارق والزاني).

5 - الحكم الآخر الذي يلي الحكم أعلاه، فهو قوله تعالى: (فلا جناح عليكم أن تنكحوهنّ إذا آتيتموهنّ اُجورهنّ).

وهنا تؤكّد الآية الكريمة على ضرورة إعطاء النساء المهاجرات مهورهنّ في حالة الرغبة بالزواج منهنّ، شاجبة التصوّر الذي يدور في خلد البعض بأنّ النساء المهاجرات لا يستحققن مهوراً جديدة بسبب إستلامهنّ المهور من أزواجهنّ السابقين، وقد تحمّل بيت المال مبالغها ودفعها لأزواجهنّ السابقين.

إنّ زواجكم من هؤلاء النسوة لا يمكن أن يكون مجانيّاً، ولابدّ أن يؤخذ بنظر الإعتبار مهر يتناسب مع حرمة المرأة المؤمنة.

ومن الضروري ملاحظة أنّ إنفصال المرأة المؤمنة عن زوجها الكافر لا يحتاج إلى طلاق، إلاّ أنّه لابدّ من إنتهاء العدّة.

وقد ذكر الفقيه "صاحب الجواهر" في شرحه لكلام "المحقّق الحلّي" "وأمّا في الزوج والزوجة غير الكتابين، فالحكم فيهما انّ إسلام أحد الزوجين موجب لإنفساخ العقد في الحال ان كان قبل الدخول وان كان بعده وقف على إنقضاء العدّة بلا خلاف في شيء من ذلك ولا إشكال نصّاً وفتوى، بل لعلّ الإتّفاق نقلا وتحصيلا عليه"(4).

6 - أمّا إذا كان الأمر على العكس، وكان الزوج قد آمن بالإسلام، وبقيت المرأة كافرة، فهنا تنفصل الرابطة الزوجية، فتنقطع صلة زواجهما، كما في قوله تعالى في تكملة الآية: (ولا تمسكوا بعصم الكوافر).

"عصم": جمع عصمة، وهي في الأصل بمعنى المنع، وهنا - بمعنى النكاح والزوجية - لوجود القرائن - وصرّح البعض بأنّه النكاح الدائم - والتعبير بالعصمة أيضاً مناسب لهذا المعنى، لأنّه يمنع المرأة من الزواج من أيّ شخص آخر إلى الأبد.

"الكوافر": جمع كافرة، بمعنى النساء الكافرات.

وقد بحث الفقهاء في أنّ هذا الحكم هل هو مختّص بالنساء المشركات فقط، أم أنّه يشمل أهل الكتاب أيضاً كالنسوة المسيحيات واليهوديات؟ وتختلف الروايات في هذا المجال، حيث يجدر متابعتها في كتب الفقه.

إلاّ أنّ ظاهر الآية مطلق ويشمل جميع النساء الكافرات، كما أنّ سبب النزول لم يحدّد ذلك.

أمّا مسألة "العدّة" فهي باقية بطريق أولى، لأنّها إذا أنجبت طفلا فسيكون مسلماً لأنّ أباه مسلم.

7 - أمّا آخر حكم ذكر في الآية الكريمة، فهو مهور النساء اللواتي ارتددن عن الإسلام والتحقنّ بالكفّار فانّ لكم الحقّ في المطالبة بمهورهنّ مثلما للكفّار

الحقّ في المطالبة بمهور زوجاتهم اللاتي دخلن دائرة الإسلام والتحقن بالمسلمين، حيث يقول تعالى: (واسألوا ما أنفقتم وليسألوا ما أنفقوا) وهذا ما توجبه العدالة والإحترام المتقابل للحقوق.

وفي نهاية الآية - وتأكيداً لما سبق - يقول سبحانه: (ذلكم حكم الله يحكم بينكم والله عليم حكيم).

إنّ هذه الأحكام المستلهمة من العلم الإلهي، الممتزجة بحكمته تعالى، والتي لاحظت في تشريعاتها كافّة الحقوق، تنسجم مع مبادىء العدل والمرتكزات والاُصول الإسلامية، ولابدّ من الإلتفات إلى حقيقة أنّ كون جميع هذه الأحكام إلهيّة يُعدّ أكبر ضمانة إجرائية لها في قوّة التنفيذ.

وإستعرضت ثاني وآخر آية من هذه الآيات متابعة لما تقدّم، بعض الاُمور في هذا الصدد يقول تعالى أنّه في كلّ مرّة ترتدّ امرأة متزوّجة عن الإسلام وتلتحق بالكفّار، ثمّ حدثت معركة بينكم وبين الكفّار وحالفكم النصر عليهم وغنمتم منهم مغانم فاعطوا الذين ذهبت زوجاتهم إلى الكفّار: (وإن فاتكم شيء من أزواجكم إلى الكفّار فعاقبتم فآتوا الذين ذهبت أزواجهم مثل ما أنفقوا).

وتمشّياً مع النصّ القرآني فإنّ بإمكان المسلمين الذين فقدوا زوجاتهم اللواتي التحقن بمعسكر الكفر أن يأخذوا مهورهنّ من الكفّار، كما كان يحقّ للكفّار إستلام مهور زوجاتهم اللواتي إعتنقن الإسلام وهاجرن إلى المدينة.

وتحدّثنا بعض الروايات أنّه في الوقت الذي طبّق المسلمون هذا الحكم العادل، فإنّ مشركي مكّة إمتنعوا عن الإلتزام به وتنفيذه، لذا فقد اُمر المسلمون بصيانة حقّ هولاء الأفراد وذلك بإعطائهم ما يعادل المهور التي دفعوها لزوجاتهم اللواتي التحقن بالمشركين من الغنائم التي حصلوا عليها قبل تقسيمها على الآخرين.

ويحتمل أن يكون هذا الحكم خاصّاً بالجماعات التي لم يكن لها عهد مع

المسلمين، حيث من الطبيعي أنّ مثل هؤلاء لم يكونوا مستعدّين لدفع مهور أمثال هؤلاء النسوة للمسلمين، كما يمكن الجمع بين الرأيين أيضاً.

"عاقبتم" من مادّة معاقبة، وهي في الأصل من عقب (على وزن كدر) بمعنى: (كعب القدم) ولهذا السبب فإنّ كلمة "عقبى" جاءت بمعنى الجزاء والعقوبة، أي بمعنى عقاب لعمل فيه مخالفة.

لذا فإنّ المعاقبة تستعمل بمعنى القصاص، كما يستعمل هذا المصطلح أيضاً (معاقبة) بمعنى (التناوب) في أمر ما، لكون الأشخاص الذين ينجزون عملا ما بشكل متناوب، يعقب كلّ منهم الآخر.

ولذا فإنّ كلمة (عاقبتم) في الآية أعلاه جاءت بمعنى إنتصار المسلمين على الكفّار وعقابهم، وأخذ الغنائم منهم، كما جاءت أيضاً بمعنى "التناوب" أي يوم ينتصر فيه الكفّار على المسلمين ويوم بالعكس.

ويحتمل أيضاً المقصود من هذه العبارة هو: الوصول إلى نهاية وعاقبة عمل ما، والمراد من نهاية العمل هنا هو أخذ الغنائم الحربية.

وأي من هذه المعاني كان، فإنّ النتيجة واحدة، إلاّ أنّ طرق الوصول إلى هذه النتيجة متفاوتة.

وتدعو الآية الكريمة في نهايتها جميع المسلمين إلى الإلتزام بالتقوى حيث يقول تعالى: (واتّقوا الله الذي أنتم به مؤمنون).

والأمر بالتقوى هنا يمكن أن يكون بمراعاة الدقّة والعدل في تعيين مقدار مهر الزوجة، باعتبار أنّ هذا الأمر يعتمد فيه على قول الزوج في الغالب، ولا يوجد سبيل لإثبات هذا الحقّ إلاّ أقوال الزوجين، ولإحتمال أن تسبّب الوساوس الشيطانية في الإدّعاء بمبلغ أكثر من المقدار الحقيقي للمهر، لذا يوصي بالتقوى.

وجاء في التواريخ والروايات أنّ هذا الحكم الإسلامي قد شمل ستّ نسوة - فقط - انفصلنّ عن أزواجهنّ المسلمين والتحقن بالكفّار، وقد أعطى رسول الله(ص) أزواجهنّ مهورهنّ من الغنائم الحربية.

العدل حتّى مع الأعداء:

من خلال إستعراضنا الآيات الكريمة أعلاه نلاحظ عمق الدقّة وروعة الظرافة واللطف في طبيعة الأحكام التي وردت فيها، موضّحة إلى أي حدٍّ يهتمّ الإسلام بأصل العدالة والقسط في تشريع أحكامه حتّى في أحرج الظروف وأصعبها، لأنّه يسعى لتعميم الخير وإبعاد الأذى والضرر حتّى عن الكفّار.

في الوقت الذي نلاحظ أنّ العرف العامّ في حياتنا العملية يتعامل في الظروف والأوقات العصيبة بخصوصية معيّنة وإستثناء خاصّ ويتخلّى عن الكثير من قيم الحقّ والعدل ويدّعي أن لا مكان لإحقاق الحقّ فيها... في حين تؤكّد التشريعات الإلهية على تحمّل كلّ صعوبة حتّى في أدقّ الظروف وأشدّها ضيقاً منعاً لهدر أيّ حقّ، لا للقريبين فقط.

بل حتّى للأعداء، إذ يجب أن يحافظ على حقوقهم وترعى حرماتهم.

إنّ مثل هذه الأحكام الإسلامية هي في الحقيقة نوع من الإعجاز، ودليل على حقّانية دعوة الرّسول الأعظم حيث السعي بمنتهى الجهد لإقامة العدل حتّى في أسوأ حالات الإنتهاك للحرمات الإسلامية في مجال النفس والمال كما كان عليه فعل المجتمع الجاهلي.


1- إنّ خلاصة هذه القصّة قد نقلها كثير من المفسّرين، ويمكن مراجعة شرحها في كتاب اُسد الغابة في معرفة الصحابة، ج5، ص573.

2- التوبة، الآية 5.

3- احتمل بعض المفسّرين أنّ الآية تمثّل رخصة عقد الولاء بالنسبة للمؤمنين الذين كانوا قد قبلوا الإسلام، إلاّ أنّهم بقوا في مكّة، ولم يهاجروا. إلاّ أنّ لحن الآيات يبيّن لنا أنّ الحديث كان مختّصاً بغير المسلمين.

4- روح البيان، ج9، ص481، جاءت هذه الرواية في صحيح البخاري وكثير من كتب التّفسير أيضاً بإختلافات.