الآيات 1 - 4
﴿قَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّتِى تُجَـدِلُكَ فِى زَوْجِهَا وَتَشْتَكِى إِلَى اللهِ وَاللهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (1) الَّذِينَ يُظَـهِرُونَ مِنكُم مِّن نِّسَائِهِم مَّا هُنَّ أُمَّهَـتِهِمْ إِنْ أُمَّهَـتُهُمْ إِلاَّ الَّئِى وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنكَراً مِّنَ الْقَوْلِ وَزُوراً وَإِنَّ اللهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ(2) وَالَّذِينَ يُظَـهِرُونَ مِن نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَة مِّن قَبْلِ أِن يَتََماسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (3) فَمَن لَّمْ يِجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِن قَبْلِ أَن يَتََماسَّا فَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللهِ وَلِلْكَـفِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ(4)﴾
سبب النّزول:
نقل أغلب المفسّرين أنّ للآيات الاُولى في هذه السورة سبباً للنزول، ومضمونها بشكل عامّ واحد، بالرغم من وجود إختلافات في الجزئيّات، إلاّ أنّ هذه الإختلافات لا تؤثّر على ما نحتاجه من البحث التّفسيري.
وجاء في تفسير القمّي: حدّثنا علي بن الحسين قال: حدّثنا محمّد بن أبي عبدالله، عن الحسن بن محبوب، عن أبي ولاّد، عن حمران، عن أبي جعفر (ع)قال: "إنّ امرأة من المسلمات أتت النبي (ص) فقالت: يارسول الله إنّ فلان زوجي قد نثرت له بطني وأعنته على دنياه وآخرته، لم ير منّي مكروهاً أشكوه إليك.
قال: فيم تشكينه؟ قالت: إنّه قال: أنت عليّ حرام كظهر اُمّي، وقد أخرجني من منزلي فانظر في أمري.
فقال لها رسول الله: ما أنزل الله تبارك وتعالى كتاباً أقضي فيه بينك وبين زوجك، وأنا أكره أن أكون من المتكلّفين، فجعلت تبكي وتشتكي ما بها إلى الله عزّوجلّ وإلى رسول الله وانصرفت.
قال: فسمع الله تبارك وتعالى مجادلتها لرسول الله في زوجها وما شكت إليه وأنزل الله في ذلك قرآناً: (بسم الله الرحمن الرحيم قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها) - إلى قوله - (وإنّ الله لعفو غفور).
قال فبعث رسول الله إلى المرأة، فأتته فقال لها: جيئي بزوجك، فأتته فقال له: أقلت لامرأتك هذه: أنتِ حرام عليّ كظهر اُمّي؟ فقال: قد قلت لها ذلك.
فقال له رسول الله قد أنزل الله تبارك وتعالى فيك وفي امرأتك قرآناً وقرأ: (بسم الله الرحمن الرحيم، قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها) - إلى قوله تعالى - (إنّ الله لعفو غفور)، فضمّ إليك امرأتك فإنّك قد قلت منكراً من القول وزوراً، وقد عفى الله عنك وغفر لك ولا تعد.
قال: فانصرف الرجل وهو نادم على ما قاله لامرأته، وكره الله عزّوجلّ ذلك للمؤمنين بعد وأنزل الله: (والذين يظاهرون من نسائهم ثمّ يعودون لما قالوا) يعني ما قال الرجل لامرأته أنت عليّ كظهر اُمّي.
قال: فمن قالها بعد ما عفى الله وغفر للرجل الأوّل فإنّ عليه "تحرير رقبة من قبل أن يتماسّا - يعني مجامعتها - ذلكم توعظون به والله بما تعملون خبير فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسّا فمن لم يستطع فإطعام ستّين مسكيناً، قال: فجعل الله عقوبة من ظاهر بعد النهي هذا.
ثمّ قال: "ذلك لتؤمنوا بالله ورسوله وتلك حدود الله" قال: هذا حدّ الظهار"(1).
وكما قلنا فإنّ كثيراً من المفسّرين ذكروا لها هذا السبب للنزول، ومن جملتهم القرطبي، وروح البيان، وروح المعاني، والميزان، والفخر الرازي، وفي ظلال القرآن، وأبو الفتوح الرازي وكنز العرفان، وكثير من كتب الحديث والتاريخ مع وجود إختلافات.
التّفسير:
الظهار عمل جاهلي قبيح:
بالنظر إلى ما قيل في سبب النزول، وكذلك طبيعة الموضوعات التي وردت في السورة، فإنّ الآيات الاُولى منها واضحة في دلالتها حيث يقول سبحانه: (قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها).
"تجادل" من المجادلة مأخوذة من مادّة (جدل) وتعني في الأصل (فتل الحبل) ولأنّ الجدال بين الطرفين وإصرار كلّ منهما على رأيه في محاولة لإقناع صاحبه، اُطلق على هذا المعنى لفظ (المجادلة).
ثمّ يضيف تعالى: (وتشتكي إلى الله والله يسمع تحاوركما).
"تحاور" من مادّة (حور) على وزن (غور) بمعنى المراجعة في الحديث أو الفكر، وتطلق كلمة "المحاورة" على بحث بين طرفين.
(إنّ الله سميع بصير) نعم إنّ الله عالم بكلّ المسموعات والمرئيات، بدون أن يحتاج إلى حواس نظر أو سمع، لأنّه حاضر وناظر في كلّ مكان، يرى كلّ شيء ويسمع كلّ حديث.
ثمّ يستعرض تعالى حكم الظهار بجمل مختصرة وحاسمة تقضي بقوّة على هذا المفهوم الخرافي حيث يقول سبحانه: (الذين يظاهرون منكم من نسائهم ما هنّ أُمّهاتهم إن اُمّهاتهم إلاّ اللائي ولدنهم).
"الاُمّ" و "الولد" ليس بالشيء الذي تصنعه الألفاظ، بل إنّهما حقيقة واقعية عينية خارجية لا يمكن أن تكون من خلال اللعب بالألفاظ، وبناءً على هذا فإذا حدث أن قال الرجل لزوجته مرّةً: (أنت عليّ كظهر اُمّي) فإنّ هذه الكلمة لا تجعل زوجته بحكم والدته، إنّه قول هراء وحديث خرافة.
ويضيف تعالى مكمّلا الآية: (وإنّهم ليقولون منكراً من القول وزوراً)(2).
وبالرغم من أنّ قائل هذا الكلام لا يريد بذلك الإخبار، بل إنّ مقصوده إنشائي، يريد أن يجعل هذه الجملة بمنزلة (صيغة الطلاق) إلاّ أنّ محتوى ذلك واه، ويشبه بالضبط خرافة (جعل الولد) حين كانوا في زمن الجاهلية يتبنّون طفلا معيّناً كولد لهم، ويجرون أحكام الولد عليه، حيث أدان القرآن الكريم هذه الظاهرة وإعتبرها عملا باطلا ولا أساس له، حيث يقول عزّوجلّ: (ذلك قولهم بأفواههم)(3)، وليس له أي واقعية.
وتماشياً مع مفهوم هذه الآية فإنّ "الظهار" عمل محرّم ومنكر، ومع أنّ التكاليف الإلهية لا تشمل الممارسات السابقة، إلاّ أنّها ملزمة لحظة نزول الحكم، ولابدّ عندئذ من ترتيب الأثر، حيث يضيف الله سبحانه هذه الآية: (وإنّ الله لعفو غفور).
وبناءً على هذا فإذا كان المسلم قد إرتكب مثل هذا العمل قبل نزول الآية فلا بأس عليه لأنّ الله سيعفو عنه.
ويعتقد بعض الفقهاء والمفسّرين أنّ "الظهار" ذنب مغفور الآن، كما في الذنوب الصغيرة حيث وعد الله بالعفو عنها(4) - في صورة ترك الكبائر - إلاّ أنّه لا دليل على هذا الرأي، والجملة أعلاه لا تقوى أن تكون حجّة في ذلك.
وعلى كلّ حال فإنّ مسألة الكفّارة باقية بقوّتها.
وفي الحقيقة أنّ هذا التعبير شبيه لما جاء في الآية (رقم 5) من سورة الأحزاب، حيث يقول سبحانه: (وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمّدت قلوبكم وكان الله غفوراً رحيماً).
وذلك بعد نهيه عن مسألة التبنّي.
ويثار تساؤل عن الفرق الموجود بين (العفوّ) و (الغفور).
قال البعض: (العفو) إشارة إلى الله تعالى (الغفور) إشارة إلى تغطية الذنوب إذ أنّ من الممكن أن يعفو شخص عن ذنب ما، ولكن لا يستره أبداً، غير أنّ الله تعالى يعفو ويستر في نفس الوقت.
وقيل أنّ "الغفران" هو الستر من العذاب، حيث أنّ مفهومها مختلف عن العفو بالرغم من أنّ النتيجة واحدة.
إلاّ أنّ مثل هذا العمل القبيح (الظهار) لم يكن شيئاً يستطيع الإسلام أن يغضّ النظر عنه، لذلك فقد جعل له كفّارة ثقيلة نسبيّاً كي يمنع من تكراره، وذلك بقوله تعالى: (والذين يظاهرون من نسائهم ثمّ يعودون لما قالوا فتحرير رقبة من قبل أن يتماسّا).
وقد ذكر المفسّرون إحتمالات عديدة في تفسير جملة: (ثمّ يعودون لما قالوا) حيث ذكر المقداد - في كنز العرفان ستّة تفاسير لها، إلاّ أنّ الظاهر - خصوصاً بالنظر إلى جملة: (من قبل أن يتماسّا) - أنّ هؤلاء قد ندموا لقولهم وأرادوا الرجوع إلى حياتهم العائلية، وقد ذكر هذا المعنى في روايات أهل البيت(عليهم السلام) أيضاً(5).
وذكرت تفاسير اُخرى لهذا المقطع من الآية، إلاّ أنّها لا تتناسب بصورة تامّة مع معنى الآية ونهايتها.
منها أنّ المراد من "العود" هو تكرار الظهار، أو أنّ المقصود من العود هو العودة إلى السنّة الجاهلية في مثل هذه الاُمور، أو أنّ العود بمعنى تدارك وتلافي هذا العمل وما إلى ذلك(6).
"رقبة" جاءت هنا كناية عن الإنسان، وهذا بلحاظ أنّ الرقبة أكثر أعضاء الجسم حسّاسية، كما تأتي كلمة "رأس" بهذا المعنى، لذا فإنّه يقال بدلا من خمسة أشخاص - مثلا - خمسة رؤوس.
ثمّ يضيف تعالى: (ذلكم توعظون به).
أي يجب ألاّ تتصوّروا أنّ مثل هذه الكفّارة في مقابل الظهار، كفّارة ثقيلة وغير متناسبة مع الفعل.
إنّ المقصود بذلك هو الموعظة والإيقاظ لنفوسكم، والكفّارة عامل مهمّ في وضع حدّ لمثل هذه الأعمال القبيحة والمحرّمة، ومن ثمّ السيطرة على أنفسكم وأقوالكم.
وأساساً فإنّ جميع الكفّارات لها جنبة روحية وتربوية، والكفّارات المالية يكون تأثيرها غالباً أكثر من التعزيرات البدنية.
ولأنّ البعض يحاول أن يتهرّب من إعطاء الكفّارة بأعذار واهية في موضوع الظهار، يضيف عزّوجلّ أنّه يعلم بذلك حيث يقول في نهاية الآية: (والله بما تعملون خبير).
إنّه عالم بالظهار، وكذلك عالم بالذين يتهرّبون من الكفّارة، وكذلك بنيّاتكم!
ولكن كفّارة تحرير (رقبة) قد لا تتيسّر لجميع من يرتكب هذا الذنب كما لاحظنا ذلك - في موضوع سبب نزول هذه الآية المباركة، حيث أنّ "أوس بن الصامت" - الذي نزلت الآيات الاُولى بسببه - قال لرسول الله (ص): إنّي غير قادر على دفع مثل هذه الكفّارة الثقيلة، وإذا فعلت ذلك فقدت جميع ما أملك.
وقد يتعذّر وجود المملوك.
ليقوم المكلّف بتحرير رقبته حتّى مع قدرته المالية، كما في عصرنا الحاضر، لهذا كلّه ولأنّ الإسلام دين عالمي خالد فقد عالج هذه المسألة بحكم آخر يعوّض عن تحرير الرقبة، حيث يقول عزّوجلّ: (فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسّا).
وهذا اللون من الكفّارة في الحقيقة له أثر عميق على الإنسان، حيث أنّ الصوم بالإضافة إلى أنّه وسيلة لتنقية الروح وتهذيب النفس، فإنّ له تأثيراً عميقاً وفاعلا في منع تكرّر مثل هذه الأعمال في المستقبل.
ومن الواضح - كما في ظاهر الآية - أنّ مدّة الصوم يجب أن تكون ستّين يوماً متتابعاً، وكثير من فقهاء أهل السنّة أفتوا طبقاً لظاهر الآية، إلاّ أنّه قد ورد في روايات أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) أنّ المكلّف إذا صام أيّام قلائل حتّى ولو يوماً واحداً بعد صوم الشهر الأوّل، فإنّ مصداق التتابع في الشهرين يتحقّق، وهذا الرأي حاكم على ظاهر الآية(7).
وهذا يوضّح لنا أنّ المقصود من التتابع في الآية أعلاه والآية (92) من سورة النساء في موضوع كفّارة القتل غير المتعمّد.
أنّ المقصود هو التتابع بصورة إجمالية.
وطبيعي أنّ مثل هذا التّفسير لا يسمع إلاّ من إمام معصوم، حيث أنّه وارث لعلوم النبي (ص) وهذا النوع من الصيام يكون تسهيلا للمكلّفين.
(تراجع الكتب الفقهية في الصوم وأبواب الظهار وكفّارة القتل، للحصول على شرح أوفى حول هذا الموضوع)(8).
وضمناً فإنّ المقصود من جملة: (فمن لم يجد) لا يعني عدم وجود أصل المال لديه، بل المقصود منه ألاّ يوجد لديه فائض على إحتياجاته وضروريات حياته كي يشتري عبداً ويحرّره.
ولأنّ الكثير من الناس غير قادرين على الوفاء بالكفّارة الثانية، وهي صوم الشهرين المتتابعين، فقد ذكر لذلك بديل آخر حيث يقول سبحانه: (فمن لم يستطع فإطعام ستّين مسكيناً).
والظاهر من الإطعام أن يعطي غذاء يشبع الشخص في وجبة طعام، إلاّ أنّ الروايات الإسلامية ذكرت أنّ المقصود بذلك هو (مدّ) لإطعام كلّ واحد (والمدّ يعادل 750غم) رغم أنّ بعض الفقهاء قد حدّدها بمدّين أي ما يعادل (500،1) غم(9).
ثمّ يشير تعالى في تكملة الآية مرّة اُخرى إلى الهدف الأساس لمثل هذه الكفّارات: (ذلك لتؤمنوا بالله ورسوله).
نعم إنّ إزالة الذنوب بوسيلة الكفّارات تقوّي اُسس الإيمان، وتربط الإنسان
بالتعاليم الإلهيّة قولا وعملا.
وفي نهاية الآية يؤكّد سبحانه بصورة قاطعة على الإلتزام بأوامره حيث يقول: (وتلك حدود الله وللكافرين عذاب أليم).
ويجدر الإنتباه إلى أنّ مصطلح (الكفر) له معاني مختلفة، منها "الكفر العملي" الذي يعني المعصية وإقتراف الذنوب، وقد اُريد في الآية الكريمة هذا المعنى، وكما جاء في الآية (97) من سورة آل عمران بالنسبة للمتخلّفين عن أداء فريضة الحجّ، حيث يقول سبحانه: (ولله على الناس حجّ البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فإنّ الله غنيّ عن العالمين).
"حدّ" بمعنى الشيء الذي يفصل بين شيئين، ومن هنا يقال لحدود البلدان (حدود) وبهذا اللحاظ يقال للقوانين الإلهية إنّها حدود، وذلك لحرمة تجاوزها، ولدينا شرح أوفى في هذا المجال في نهاية الآية (187) من سورة البقرة.
ملاحظات
1 - قسم من أحكام الظهار
اُشير للظهار بآيتين في القرآن الكريم (الآية مورد البحث، والآية (رقم 4) من سورة الأحزاب) وهو من الأعمال والعادات القبيحة في عصر الجاهلية، حيث يمارس هذا الفعل في حالة سأم وضجر الرجل من زوجته، وكي يوقعها في حرج ويركعها لإرادته يقول لها (أنت عليّ كظهر اُمّي)(10) وكانوا يعتقدون بعد إطلاق هذه الصيغة أنّ الزوجة تحرم على زوجها إلى الأبد، ولا تستطيع أن تختار زوجاً آخر لها.
وقد أدان الإسلام هذا التصرّف وشرّع له حكم الكفّارة.
وبناءً على هذا فكلّما جعل الرجل على زوجته ظهاراً فإنّ الزوجة تستطيع أن تراجع الحاكم الشرعي وتلزمه، إمّا أن يطلّقها بصورة شرعية، أو يرجعها إلى حالتها الزوجية السابقة، بعد دفعه للكفّارة بالصورة التي مرّت بنا سابقاً، وهي إمّا تحرير رقبة في حالة القدرة، أو صوم شهرين متتابعين في حالة الإستطاعة، وإلاّ فإطعام ستّين مسكيناً، وهذا يعني أنّ خصال الكفّارة ليست مخيّرة، بل مرتّبة.
2 - الظهار من كبائر الذنوب
لحن الآيات أعلاه شاهد معبّر عن هذا المضمون، والبعض يعتبرونه من الصغائر ومورد عفو، إلاّ أنّها نظرة خاطئة.
3 - إذا كان الشخص غير قادر على أداء الكفّارة بمختلف صورها، فهل يستطيع أن يرجع إلى حياته الزوجية السابقة بالتوبة والإستغفار فقط؟
هنالك وجهات نظر مختلفة بين الفقهاء حول هذه المسألة، فقسم منهم - بالإستناد على الحديث المنقول عن الإمام الصادق (ع)(11) - يعتقد أنّ التوبة والإستغفار تكفي في الكفّارات - عند عدم القدرة - إلاّ في كفّارة الظهار حيث لا تكفي التوبة وتجب الكفّارة.
في حين يرى البعض الآخر أنّ الإستغفار والتوبة تعوضان عن الكفّارة، ودليلهم هو الرواية الاُخرى التي نقلت عن الإمام الصادق (ع) في هذا المجال(12).
ويعتقد آخرون بوجوب صوم ثمانية عشر يوماً في هذه الصورة(13).
والجمع بين الروايات لا يستبعد أيضاً، ففي صورة عدم القدرة بكلّ شكل من الأشكال السابقة، فإنّه يستطيع أن يرجع إلى حياته الزوجية مستغفراً الله، بالرغم من أنّ المستحبّ في مثل هذه الحالة أن يطلّق زوجته (لأنّ مثل هذا الجمع جمع معروف وتوجد له مظانّ كثيرة في الفقه، وذلك بالنظر إلى صحّة سند الحديثين).
4 - يرى الكثير من الفقهاء أنّ الشخص إذا كرّر الظهار عدّة مرّات (يعني الجملة السابقة بقصد جدّي) يجب أن يدفع عدّة كفّارات، بالرغم من أنّ التكرار حدث في جلسة واحدة، إلاّ أن يكون مقصوده من التكرار هو التأكيد، وليس الظهار الجديد.
5 - إذا قارب زوجته قبل الكفّارة وجبت عليه كفّارتان، كفّارة للظهار وكفّارة للمواقعة الجنسية، وهذا الحكم مورد إتّفاق بين الفقهاء، والآيات أعلاه لم تذكر هذه المسألة، إلاّ أنّ روايات أهل البيت (عليهم السلام) أشارت إليها(14).
6 - التعامل القاطع الجدّي مع مسألة الظهار، تؤكّد على حقيقة أنّ الإسلام لا يسمح أبداً أن تهضم حقوق المرأة عن طريق تسلّط الرجال وإستبدادهم، وذلك باستثمار الأعراف والتقاليد الظالمة، حيث أنّ السنّة الخاطئة والخرافية في هذا المجال كلّما كانت مستحكمة كان تأثيرها المدمّر أقوى.
7 - بالنسبة لموضوع (تحرير الرقبة) والتي هي أوّل كفّارة للظهار، فبالإضافة إلى كونها إجراءً مناسباً للقضاء على ظاهرة المرأة في قبضة الإستبداد، فإنّما تمثّل رغبة الإسلام في القضاء على العبودية بكلّ طريق، وذلك ليس فقط في كفّارة الظهار بل في كفّارة القتل الخطأ، وكفّارة عدم صيام شهر رمضان - الإفطار المتعمّد - وكذلك في كفّارة مخالفة القسم، أو عدم الوفاء بالنذر.
1- الأنفال، الآية 29.
2- البقرة، الآية 282.
3- كان لنا بحث مفصّل في هذا المجال في نهاية الآية (29) من سورة الأنفال.
4- مجمع البيان، ج9، ص246 مع تلخيص قليل.
5- "زور" في الأصل بمعنى الإنحناء الموجود على الصدر وجاءت أيضاً بمعنى الإنحراف، ولأنّ حدود الكذب والباطل منحرفة عن الحقّ، فيقال له (زور) كما يطلق على الصنم أيضاً بهذا اللحاظ.
6- الأحزاب، الآية 4.
7- كنز العرفان، ج2، ص290 كما يلاحظ في الميزان إشارة لهذا المعنى أيضاً.
8- مجمع البيان نهاية الآية مورد البحث.
9- يراجع كنز العرفان، ج2، ص290، ومجمع البيان، ج9، ص247.
10- يراجع وسائل الشيعة، ج7، ص271، الباب الثالث من أبواب بقية الصوم الواجب.
11- إذا كان المقصود هو توالي الشهرين وليس توالي جميع أيّامها، فإنّ هذا النوع من التوالي يحصل بمجرّد البدء في الشهر الثاني (يرجى ملاحظة ذلك).
12- المشهور بين الفقهاء - كما قلنا سابقاً - هو (مدّ واحد) ودليله روايات كثيرة لعلّها بلغت حدّ التواتر، فقد ورد بعضها في كفّارة القتل الخطأ، وبعض في كفّارة القسم، وبعض في كفّارة شهر رمضان، بضميمة أنّ الفقهاء لم يوجدوا أي فرق بين أنواع الكفّارات، إلاّ أنّه نقل عن المرحوم الطوسي في الخلاف والمبسوط والنهاية والتبيان أنّ مقدار الكفّارة (مدّان)، وفي هذا المجال يستدلّ الشيخ (رحمه الله) برواية أبي بصير التي وردت في كفّارة الظهار حيث عيّن حدّها (مدّين). إلاّ أنّ هذه الرواية إمّا أن تكون مخصوصة في كفّارة الظهار، أو أنّها تحمل على الإستحباب.
13- "ظهر" في العبارة أعلاه ليس بمعناها المتعارف عليه كما قال بعض المفسّرين، بل إنّها كناية عن طبيعة العلاقة الزوجية الجاهلية، وبناءً على هذا فإنّ معنى الجملة يصبح هكذا (الزوجية معك كالزوجية مع اُمّي) يراجع لسان العرب مادّة ظهر والتّفسير الكبير للفخر الرازي.
14- وسائل الشيعة، ج15، ص544، (حديث1 باب6).