الآيات 51 - 56

﴿ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّآلُّونَ الْمُكَذِّبُونَ (51) لاََكِلُونَ مِن شَجَر مِّن زَقُّوم(52) فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ (53) فَشَـرِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ(54) فَشَـرِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ (55) هَـذَا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ (56)﴾

التّفسير

عقوبات جديدة للمجرمين:

هذه الآيات إستمرار للأبحاث المرتبطة بعقوبات أصحاب الشمال، حيث يخاطبهم بقوله: (ثمّ إنّكم أيّها الضالّون المكذّبون لآكلون من شجر من زقّوم)(1).

كان الحديث في الآيات السابقة حول الأجواء التي تحيط بـ (أصحاب الشمال) وينتقل الحديث في الآيات أعلاه إلى مشربهم ومأكلهم مقارناً بمأكل ومشرب المقرّبين وأصحاب اليمين.

والجدير بالذكر أنّ المخاطبين في هذه الآيات هم "الضالّون المكذّبون" الذين يتّسمون مضافاً إلى الضلال والإنحراف بأنّ لديهم روح العناد والإصرار على الباطل في مقابل الحقّ.

(زقّوم) كما ذكرنا سابقاً: نبات مرّ نتن الرائحة وطعمه غير مستساغ، وفيه عصارة إذا دخلت جسم الإنسان يصاب بالتورّم، وتقال أحياناً لكلّ نوع من الغذاء المنفّر لأهل النار(2).

وللمزيد حول (الزقّوم) يراجع نهاية الآية (62) سورة الصافات، وكذلك نهاية الآية (43) سورة الدخان.

والتعبير بـ (فمالئون منها البطون) إشارة إلى الجوع الشديد الذي يصيبهم بحيث إنّهم يأكلون بنهم وشره من هذا الغذاء النتن وغير المستساغ جدّاً فيملؤون بطونهم.

وعند تناولهم لهذا الغذاء السيء يعطشون.

ولكن ما هو شرابهم؟!

يتبيّن ذلك في قوله تعالى: (فشاربون عليه(2) من الحميم فشاربون شرب الهيم).

إنّ البعير الذي يبتلى بداء العطش فإنّ شدّة عطشه تجعله يشرب الماء باستمرار حتّى يهلك، وهذا هو نفس مصير (الضالّون المكذّبون) في يوم القيامة.

"حميم": بمعنى الماء الحارّ جدّاً والحارق، وتطلق عبارة (وليّ حميم) على طبيعة العلاقة الصادقة الوديّة الحارّة، و "حمّام" مشتقّ من نفس المادّة أيضاً.

(هيم) على وزن (ميم) جمع هائم، وإعتبرها البعض جمع أهيم وهيماء، وهي في الأصل من (هيام) على وزن (فرات) بمعنى مرض العطش الذي يصيب البعير، ويستعمل هذا التعبير للعشق الحادّ أو للعشّاق الذين لا يقرّ لهم قرار.

ويعتبر بعض المفسّرين أنّ معنى (هيم) هي الأراضي الرملية والتي كلّما سقيت بماء تسرّب منها فتظهر الظمأ دائماً.

وفي آخر آية - مورد البحث - يشير سبحانه إلى طبيعة مأكلهم ومشربهم في ذلك اليوم حيث يقول: (هذا نزلهم يوم الدين).

فأين نزلهم ونزل أصحاب اليمين الذين ينعمون بالإستقرار في ظلال الأشجار الوارفة، ويتناولون ألذّ الفواكه وأطيب الأطعمة، وأعذب الشراب الطهور، ويطوف حولهم الولدان المخلّدون وحور العين، وهم سكارى من عشق الباريء عزّوجلّ؟

أين اُولئك؟ وأين هؤلاء؟

مصطلح (نزل) كما قلنا سابقاً بمعنى الوسيلة التي يكرمون بها الضيف العزيز، وتطلق أحياناً على أوّل طعام أو شراب يؤتى به للضيوف، ومن الطبيعي أنّ أهل النار ليسوا ضيوفاً، وأنّ الزقّوم والحميم ليس وسيلة لضيافتهم.

بل هو نوع من الطعن فيهم، وأنّه إذا كان كلّ هذا العذاب هو مجرّد إستقبال لهم، فكيف بعد ذلك سيكون حالهم؟


1- سورة يس، 78 ـ 79.

2- جاءت "رأيتم" هنا من الرؤية بمعنى العلم وليست المشاهدة بالعين المجرّدة.