سُورَة الوَاقِعَة

مكّية وعَدَدُ آيَاتِها ستّ وتِسعُون آية

محتوى السورة

نقل في كتاب "تأريخ القرآن" عن ابن النديم أنّ سورة الواقعة هي السورة الرابعة والأربعين التي نزلت على رسول الله (ص)(1)، وكانت قبلها سورة (طه) وبعدها (الشعراء).

هذه السورة - كما هو واضح من لحنها، وذكره المفسّرون أيضاً - نزلت في مكّة، بالرغم من أنّ بعضهم قال: إنّ الآيتين (81، 82) نزلتا في المدينة، إلاّ أنّ هذا الإدّعاء ليس له دليل، كما أنّ محتوى الآيتين الكريمتين لا يساعدان على ذلك أيضاً.

وسورة الواقعة - كما هو واضح من إسمها - تتحدّث عن القيامة وخصوصياتها، وهذا المعنى واضح في جميع آيات السورة الستّ والتسعين.

ولذا فإنّ هذا الموضوع هو الأساس في البحث.

إلاّ أنّنا نستطيع أن نلخّص موضوعات السورة في ثمانية أقسام:

1 - بداية ظهور القيامة والحوادث المرعبة المقترنة بها.

2 - تقسيم أنواع الناس في ذلك اليوم إلى ثلاثة طوائف: (أصحاب اليمين، وأصحاب الشمال، والمقرّبين).

3 - بحث مفصّل حول مقام المقرّبين، وأنواع الجزاء لهم في الجنّة.

4 - بحث مفصّل حول القسم الثاني في الناس وهم أصحاب اليمين، وأنواع الهبات الإلهيّة الممنوحة لهم.

5 - بحث حول أصحاب الشمال وما ينتظرهم من جزاء مؤلم في نار جهنّم.

6 - بيان أدلّة مختلفة حول مسألة المعاد من خلال بيان قدرة الله عزّوجلّ، وخلق الإنسان من نطفة حقيرة، وظهور الحياة في النباتات، ونزول المطر، إشتعال النار .. والتي تدخل أيضاً ضمن أدلّة التوحيد.

7 - وصف حالة الإحتضار والإنتقال من هذا العالم إلى حيث العالم الاُخروي والتي تعتبر من مقدّمات يوم القيامة.

8 - وأخيراً نظرة إجمالية كليّة حول جزاء المؤمنين وعقاب الكافرين.

وأخيراً تنهي السورة آياتها باسم الله العظيم.

فضيلة تلاوة هذه السورة

حول فضيلة تلاوة هذه السورة ذكرت روايات كثيرة في المصادر الإسلامية نقرأ منها حديثاً لرسول الله (ص) حيث قال: "من قرأ سورة الواقعة لم يكتب من الغافلين"(2) وذلك لأنّ آيات هذه السورة تتّصف بالتحريك والإيقاظ بصورة لا تسمح للإنسان أن يبقى في جوّ الغفلة.

وحول هذا المعنى نقرأ حديثاً آخر لرسول الله (ص) حيث يقول: "شيّبتني هود والواقعة والمرسلات وعمّ يتساءلون"(3) وذلك لأنّ الأخبار التي وردت في هذه السورة أخبار مثيرة عن القيامة والحشر والحوادث المرعبة وعقاب المشركين، وذكر حالة الأقوام السابقة وما حلّ بهم من البلاء.

ونقرأ أيضاً في حديث للإمام الصادق (ع) أنّه قال: "من قرأ في كلّ ليلة جمعة الواقعة أحبّه الله وحبّبه إلى الناس أجمعين، ولم يرَ في الدنيا بؤساً أبداً ولا فقراً ولا فاقة، ولا آفة من آفات الدنيا، وكان في رفقاء أمير المؤمنين"(4).

وجاء في حديث آخر أنّ عثمان بن عفّان عاد عبدالله بن مسعود في مرضه الذي توفّي فيه فقال له: ماذا تشتكي؟ قال: ذنوبي، قال: فيم ترغب؟ قال: في رحمة ربّي، قال: ألا ألتمس لك طبيباً؟ قال: أمرضني الطبيب؟ قال: ألا آمر لك بعطيّة؟ قال: لم تأمر لي بها إذ كنت أحوج إليها، وتأمر لي الآن وأنا مستغن عنها، قال: فلتكن هي لبناتك، قال: لا حاجة لهنّ بها فإنّي قد أمرتهنّ بقراءة سورة الواقعة، وإنّي سمعت رسول الله (ص) فاقة يقول: "من قرأ سورة الواقعة كلّ ليلة لم تصبه أبداً"(5).

ولهذا السبب سمّيت سورة الواقعة حسب ما ورد في رواية اُخرى بسورة الغنى(6).

ومن الواضح أنّنا لا نستطيع الحصول على جميع البركات التي وردت لهذه السورة بالقراءة السطحية، بل ينبغي بعد تلاوتها التفكّر والتدبّر، ومن ثمّ الحركة والعمل.


1- روح المعاني، ج27، ص111.

2- تعتبر (إذا) منصوبة على الظرفية والناصب له "ليس" الوارد في الآية الثانية مثل أن نقول "يوم الجمعة ليس لي شغل" ويحتمل أن تكون منصوبة بفعل مقدّر تقديره (ذكر) إلاّ أنّ الرأي الأوّل هو الأنسب.

3- إنّ سبب كون الضمير مؤنثاً لتقديره (نفس كاذبة) أو (قضيّة كاذبة) وإعتبر البعض أنّ (اللام) في (لوقعتها) للتوقيت، إلاّ أنّ الظاهر أنّها للتعدية.

4- "خافضة رافعة" خبر لمبتدأ محذوف، وفي الأصل (هي خافضة رافعة).

5- الخصال طبقاً، نور الثقلين، ج5، ص204.

6- في تركيب هذه الجملة توجد إحتمالات عديدة وأنسبها أن نقول: "أصحاب الميمنة" مبتدأ، و "ما" إستفهامية مبتدأ ثان، وأصحاب الميمنة الثانية خبرها، والخلاصة أنّ جملة (ما أصحاب الميمنة) خبر للمبتدأ الأوّل، والفاء في بداية الجملة تفريعيّة وتفسيرية.