سُورَة الرَّحمَن
مكّية وعَدَدُ آيَاتِها ثمان وسبعُون آية
محتوى السورة
توضّح هذه السورة بصورة عامّة النعم الإلهية المختلفة، سواء كانت ماديّة أو معنوية، والتي تفضّل بها الباريء عزّوجلّ على عباده وغمرهم بها، ويمكن تسميتها لهذا السبب بـ (سورة الرحمة) أو (سورة النعمة) ولهذا فإنّها بدأت بالإسم المبارك (الرحمن) الذي يشير إلى صنوف الرحمة الإلهية الواسعة، وتنهي هذه السورة آياتها بإجلال وإكرام الباريء سبحانه، وبإقرار عباده بالنعم التي تفضّل بها عليهم (إحدى وثلاثين مرّة) وذلك من خلال تكرار آية: (فبأي آلاء ربّكما تكذّبان).
وبناءً على هذا فإنّ السياق العام للسورة يتعلّق بالحديث عن المنن والنعم الإلهيّة المختلفة والعظيمة.
ومن جهة اُخرى فإنّنا نستطيع أن نقسّم محتويات السورة إلى عدّة أقسام:
القسم الأوّل: الذي يشمل أوّل آيات السورة حيث الحديث عن النعم الإلهية الكبيرة، سواء تلك التي تتعلّق بخلق الإنسان أو تربيته وتعليمه، أو الحساب والميزان، وكذلك سائر الاُمور الاُخرى التي يتجسّد فيها الخير للإنسان، إضافةً إلى الغذاء الروحي والجسمي له.
القسم الثّاني: يتناول توضيح مسألة خلق الإنس والجنّ.
القسم الثّالث: يتضمّن توضيح الآيات والدلائل الإلهيّة في الأرض والسماء.
القسم الرّابع: وفيه بعد تجاوز النعم الإلهية على الإنسان في الدنيا تتحدّث الآيات عن نعم الله في عالم الآخرة بدقّة وظرافة، خاصّة عن الجنّة، وبصورة أعمّ وأشمل عن البساتين والعيون والفاكهة وحور العين وأنواع الملابس من السندس والإستبرق ...
وأخيراً في القسم الخامس نلاحظ الحديث بإختصار عن مصير المجرمين وجزائهم المؤلم المحسوب ...
ولأنّ الأصل في هذه السورة أنّها مختّصة ببيان الرحمة الإلهيّة، لذا لم نلاحظ تفاصيل كثيرة حول مصيرهم، خلافاً لما نلاحظه في موضوع الحديث عن النعم الاُخروية حيث التفصيل والشمول الذي يشرح قلوب المؤمنين ويغمرها بالسعادة والأمل، ويزيل عنها غبار الحزن والهمّ، ويغرس الشوق في نفوسهم ...
إنّ تكرار آية: (فبأي آلاء ربّكما تكذّبان) وفي مقاطع قصيرة أعطت وزناً متميّزاً للسورة، وخاصّة إذا قريء بالمعنى المعبّر الذي يستوحى منها ... فإنّ حالة من الشوق والإنبهار تحصل لدى الإنسان المؤمن.
ولذلك فلا نعجب عندما نقرأ في حديث للرسول (ص) حيث يقول: "لكلّ شيء عروس، وعروس القرآن سورة الرحمن جلّ ذكره"(1).
والجدير بالذكر أنّ مصطلح "العروس" يطلق في اللسان العربي على المرأة والرجل ما داموا في مراسيم الزواج(2).
وبما أنّ المرأة والرجل في تلك المراسم في أفضل وأتمّ الحالات وأكمل الإحترامات، ومن هنا فإنّ هذا المصطلح يطلق على الموجودات اللطيفة جدّاً وموضع الإحترام.
إنّ سبب إختيار اسم (الرحمن) لهذه السورة لتتناسب التسمية مع المضمون، وهذا واضح.
فضيلة تلاوة سورة الرحمن
إنّ اتّصاف هذه السورة بما يثير الإحساس بالشكر على أفضل صورة، وكذلك توضيح وبيان النعم الإلهية (المادية والمعنوية) فيها والتي تزيد من شوق الطاعة والعبادة في قلوب المؤمنين كلّ ذلك أدّى إلى ورود روايات كثيرة في فضل تلاوة هذه السورة تلك التلاوة التي ينبغي أن تنفذ إلى أعماق النفس الإنسانية وتحركها باتّجاه الطاعات وبعيداً عن لقلقة اللسان.
ومن جملة ما نقرأ حديث الرّسول (ص) حيث يقول: "من قرأ سورة الرحمن رحم الله ضعفه، وأدّى شكره، وأنعم الله عليه"(3).
وعن أبي عبدالله الصادق (ع) أنّه قال: "لا تَدعوا قراءة سورة الرحمن والقيام بها، فإنّها لا تقرّ في قلوب المنافقين، ويأتي بها ربّها يوم القيامة في صورة آدمي في أحسن صورة، وأطيب ريح حتّى يقف من الله موقفاً لا يكون أحد أقرب إلى الله منها فيقول لها: من الذي كان يقوم بك في الحياة الدنيا ويدمن قراءتك؟ فيقول: ياربّ فلان وفلان، فتبيض وجوههم.
فيقول لهم: اشفعوا فيمن أحببتم فيشفعون حتّى لا يبقى لهم غاية ولا أحد يشفعون له، فيقول لهم: ادخلوا الجنّة واسكنوا فيها حيث شئتم"(4).
وفي حديث آخر عن أبي عبدالله الصادق (ع) أنّه قال: "من قرأ سورة الرحمن فقال عند كلّ: (فبأي آلاء ربّكما تكذّبان): لا شيء من آلائك ربّي اُكذّب، فإن قرأها ليلا ثمّ مات مات شهيداً، وإن قرأها نهاراً فمات مات شهيداً"(5).
1- الرحمن: مبتدأ وخبرها (علّم القرآن)، و (خلق الإنسان) خبر بعد خبر. كما توجد إحتمالات اُخرى أيضاً لإعراب هذه الجملة لم تذكر هنا لعدم أهميّتها.
2- التوبة، 128.
3- إختلف المفسّرون حول أنّ المفعول الأوّل لـ (علّم) هو المحذوف، أو أنّ المحذوف هو المفعول الثاني، والأنسب أنّ المفعول الأوّل هو المحذوف حيث في التقدير يكون: (علّم الإنس والجنّ القرآن).
كما يحتمل البعض أنّ (علّم) لم تأخذ أكثر من مفعول واحد بمعنى موضع العلاقة وهذا مستبعد جدّاً.
4- دائرة المعارف لفريد وجدي، ج8، ص364 مادّة (لغة).
5- "حسبان" على وزن (غفران) وهي مصدر بمعنى الحساب والنظم والترتيب، وللآية محذوف تقديره (والشمس والقمر تجريان بحسبان).