الآيات 92 - 94

وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلاَّ خَطَئًا وَمَن قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَئًا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلاَّ أَن يَصَّدَّقُواْ فَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ عَدُوٍّ لَّكُمْ وَهُوَ مْؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِّيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةً فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِّنَ اللّهِ وَكَانَ اللّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا ﴿92﴾ وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا ﴿93﴾ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَتَبَيَّنُواْ وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِندَ اللّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنتُم مِّن قَبْلُ فَمَنَّ اللّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُواْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا ﴿94﴾

بيان:

قوله تعالى: ﴿وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ﴾ الخطأ بفتحتين من غير مد، ومع المد على فعال: خلاف الصواب، والمراد به هنا ما يقابل التعمد لمقابلته بما في الآية التالية ﴿ومن يقتل مؤمنا متعمدا﴾.

والمراد بالنفي في قوله: ﴿وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا﴾ نفي الاقتضاء أي ليس ولا يوجد في المؤمن بعد دخوله في حريم الإيمان وحماه اقتضاء لقتل مؤمن هو مثله في ذلك أي قتل كان إلا قتل الخطأ، والاستثناء متصل فيعود معنى الكلام إلى أن المؤمن لا يريد قتل المؤمن بما هو مؤمن بأن يقصد قتله مع العلم بأنه مؤمن، ونظير هذه الجملة في سوقها لنفي الاقتضاء قوله تعالى ﴿وما كان لبشر أن يكلمه الله﴾ الشورى: 51 وقوله ﴿ما كان لكم أن تنبتوا شجرها﴾ النمل: 60 وقوله ﴿فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا به من قبل﴾ يونس: 74 إلى غير ذلك.

والآية مع ذلك مسوقة كناية عن التكليف بالنهي التشريعي بمعنى أن الله تعالى لم يبح قط، ولا يبيح أبدا أن يقتل مؤمن مؤمنا وحرم ذلك إلا في قتل الخطأ فإنه لما لم يقصد هناك قتل المؤمن إما لكون القتل غير مقصود أصلا أو قصد ولكن بزعم أن المقتول كافر جائز القتل مثلا فلا حرمة مجعولة هناك.

وقد ذكر جمع من المفسرين: أن الاستثناء في قوله ﴿إلا خطأ﴾ منقطع، قالوا: وإنما لم يحمل قوله ﴿إلا خطأ﴾ على حقيقة الاستثناء لأن ذلك يؤدي إلى الأمر بقتل الخطإ أو إباحته.

انتهى وقد عرفت أن ذلك لا يؤدي إلا إلى رفع الحرمة عن قتل الخطإ، أو عدم وضع الحرمة فيه، ولا محذور فيه قطعا.

فالحق أن الاستثناء متصل.

قوله تعالى: ﴿ومن قتل مؤمنا خطأ - إلى قوله - يصدقوا﴾ التحرير جعل المملوك حرا! والرقبة هي العنق شاع استعمالها في النفس المملوكة مجازا! والدية ما يعطى من المال عوضا عن النفس أو العضو أو غيرهما، والمعنى: ومن قتل مؤمنا بقتل الخطأ وجب عليه تحرير نفس مملوكة مؤمنة، وإعطاء دية يسلمها إلى أهل المقتول إلا أن يتصدق أولياء القتيل الدية على معطيها ويعفوا عنها فلا تجب الدية.

قوله تعالى: ﴿فإن كان من قوم عدو لكم﴾ الضمير يرجع إلى المؤمن المقتول، والقوم العدو هم الكفار المحاربون، والمعنى: إن كان المقتول خطأ مؤمنا وأهله كفار محاربون لا يرثون وجب التحرير ولا دية إذ لا يرث الكافر المحارب من المؤمن شيئا.

قوله تعالى: ﴿وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق﴾ الضمير في ﴿كان﴾ يعود إلى المؤمن المقتول أيضا على ما يفيده السياق، والميثاق مطلق العهد أعم من الذمة وكل عهد، والمعنى: وإن كان المؤمن المقتول من قوم بينكم وبينهم عهد وجبت الدية وتحرير الرقبة، وقد قدم ذكر الدية تأكيدا في مراعاة جانب الميثاق.

قوله تعالى: ﴿فمن لم يجد فصيام﴾ أي من لم يستطع التحرير - لأنه هو الأقرب بحسب اللفظ - وجب عليه صيام شهرين متتابعين.

قوله تعالى: ﴿توبة من الله﴾ إلخ أي هذا الحكم وهو إيجاب الصيام توبة وعطف رحمة من الله لفاقد الرقبة، وينطبق على التخفيف فالحكم تخفيف من الله في حق غير المستطيع، ويمكن أن يكون قوله ﴿توبة﴾ قيدا راجعا إلى جميع ما ذكر في الآية من الكفارة أعني قوله ﴿فتحرير رقبة﴾ إلخ والمعنى: أن جعل الكفارة للقاتل خطأ توبة وعناية من الله للقاتل فيما لحقه من درن هذا الفعل قطعا.

وليتحفظ على نفسه في عدم المحاباة في المبادرة إلى القتل نظير قوله تعالى ﴿ولكم في القصاص حياة﴾ البقرة: 179.

وكذا هو توبة من الله للمجتمع وعناية لهم حيث يزيد به في أحرارهم واحد بعد ما فقدوا واحدا، ويرمم ما ورد على أهل المقتول من الضرر المالي بالدية المسلمة.

ومن هنا يظهر أن الإسلام يرى الحرية حياة والاسترقاق نوعا من القتل، ويرى المتوسط من منافع وجود الفرد هو الدية الكاملة.

وسنوضح هذا المعنى في ما سيأتي من المباحث.

وأما تشخيص معنى الخطإ والعمد والتحرير والدية وأهل القتيل والميثاق وغيره المذكورات في الآية فعلى السنة.

من أراد الوقوف عليها فليراجع الفقه.

قوله تعالى: ﴿ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم﴾ التعمد هو القصد إلى الفعل بعنوانه الذي له، وحيث إن الفعل الاختياري لا يخلو من قصد العنوان وكان من الجائز أن يكون لفعل أكثر من عنوان واحد أمكن أن يكون فعل واحد عمديا من جهة خطائيا من أخرى فالرامي إلى شبح وهو يزعم أنه من الصيد وهو في الواقع إنسان إذا قتله كان متعمدا إلى الصيد خاطئا في قتل الإنسان، وكذا إذا ضرب إنسانا بالعصا قاصدا تأديبه فقتلته الضربة كان القتل قتل خطإ، وعلى هذا فمن يقتل مؤمنا متعمدا هو الذي يقصد بفعله قتل المؤمن عن علم بأنه قتل وأن المقتول مؤمن.

وقد أغلظ الله سبحانه وتعالى في وعيد قاتل المؤمن متعمدا بالنار الخالدة غير أنك عرفت في الكلام على قوله تعالى ﴿إن الله لا يغفر أن يشرك به﴾ النساء: 48 أن تلك الآية، وكذا قوله تعالى ﴿إن الله يغفر الذنوب جميعا﴾ الزمر: 53 تصلحان لتقييد هذه الآية فهذه الآية توعد بالنار الخالدة لكنها ليست بصريحة في الحتم فيمكن العفو بتوبة أو شفاعة.

قوله تعالى: ﴿يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا﴾ الضرب هو السير في الأرض والمسافرة، وتقييده بسبيل الله يدل على أن المراد به هو الخروج للجهاد، والتبين هو التمييز والمراد به التمييز بين المؤمن والكافر بقرينة قوله ﴿ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا﴾ والمراد بإلقاء السلام إلقاء التحية تحية أهل الإيمان، وقرىء: ﴿لمن ألقى إليكم السلم﴾ بفتح اللام وهو الاستسلام.

والمراد بابتغاء عرض الحياة الدنيا طلب المال والغنيمة، وقوله ﴿فعند الله مغانم كثيرة﴾ جمع مغنم وهو الغنيمة أي ما عند الله من المغانم أفضل من مغنم الدنيا الذي يريدونه لكثرتها وبقائها فهي التي يجب عليكم أن تؤثروها.

قوله تعالى: ﴿كذلك كنتم من قبل فمن الله عليكم فتبينوا﴾ إلخ أي على هذا الوصف.

وهو ابتغاء عرض الحياة الدنيا - كنتم من قبل أن تؤمنوا فمن الله عليكم بالإيمان الصارف لكم عن ابتغاء عرض الحياة الدنيا إلى ما عند الله من المغانم الكثيرة فإذا كان كذلك فيجب عليكم أن تبينوا، وفي تكرار الأمر بالتبين تأكيد في الحكم.

والآية مع اشتمالها على العظة ونوع من التوبيخ لا تصرح بكون هذا القتل الذي ظاهرها وقوعه قتل مؤمن متعمدا، فالظاهر أنه كان قتل خطأ من بعض المؤمنين لبعض من ألقى السلم من المشركين لعدم وثوق القاتل بكونه مؤمنا حقيقة بزعم أنه إنما يظهر الإيمان خوفا على نفسه، والآية توبخه بأن الإسلام إنما يعتبر بالظاهر، ويحل أمر القلوب إلى اللطيف الخبير.

وعلى هذا فقوله ﴿تبتغون عرض الحياة الدنيا﴾ موضوع في الكلام على اقتضاء الحال، أي حالكم في قتل من يظهر لكم الإيمان من غير اعتناء بأمره وتبين في شأنه حال من يريد المال والغنيمة فيقتل المؤمن المتظاهر بالإيمان بأدنى ما يعتذر به من غير أن يكون من موجه العذر، وهذا هو الحال الذي كان عليه المؤمنون قبل إيمانهم لا يبتغون إلا الدنيا فإذا أنعم الله عليهم بالإيمان، ومن عليهم بالإسلام كان الواجب عليهم أن يتبينوا فيما يصنعون ولا ينقادوا لأخلاق الجاهلية وما بقي فيهم من إثارتها.

بحث روائي:

في الدر المنثور: في قوله تعالى ﴿وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ﴾ الآية: أخرج ابن جرير عن عكرمة قال: كان الحارث بن يزيد بن نبيشة، من بني عامر بن لؤي يعذب، عياش بن أبي ربيعة مع أبي جهل، ثم خرج مهاجرا إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فلقيه عياش بالحرة، فعلاه بالسيف وهو يحسب أنه كافر، ثم جاء إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فأخبره فنزلت، ﴿وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ﴾ الآية، فقرأها عليه، ثم قال له: قم فحرر.

أقول: وروي هذا المعنى بغيره من الطرق، وفي بعضها أنه قتله بمكة يوم الفتح حين خرج عياش وكان في وثاق المشركين إلى ذلك اليوم وهم يعذبونه ولقي حارثا وقد أسلم وعياش لا يعلم بإسلامه فقتله عياش إذ ذاك.

وما أثبتناه من رواية عكرمة أوفق بالاعتبار وأنسب لتاريخ نزول سورة النساء.

وروى الطبري في تفسيره عن ابن زيد: أن الذي نزلت فيه الآية هو أبو الدرداء، كان في سرية فعدل إلى شعب يريد حاجة له، فوجد رجلا من القوم في غنم له، فحمل عليه بالسيف فقال لا إله إلا الله، فضربه ثم جاء بغنمه إلى القوم، ثم وجد في نفسه شيئا فأتى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، فأخبره فنزلت الآية وروي في الدر المنثور، أيضا عن الروياني وابن مندة وأبي نعيم عن بكر بن حارثة الجهني: أنه هو الذي نزلت فيه الآية، لقصة نظيرة قصة أبي الدرداء، والروايات على أي حال لا تزيد على التطبيق.

وفي التهذيب، بإسناده عن الحسين بن سعيد عن رجاله عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): كل العتق يجوز له المولود إلا في كفارة القتل، فإن الله تعالى يقول: ﴿فتحرير رقبة مؤمنة﴾ يعني بذلك مقرة قد بلغت الحنث الحديث.

وفي تفسير العياشي، عن موسى بن جعفر (عليه السلام): سئل كيف تعرف المؤمنة؟ قال: على الفطرة. وفي الفقيه، عن الصادق (عليه السلام): في رجل مسلم في أرض الشرك، فقتله المسلمون ثم علم به الإمام بعد، فقال (عليه السلام): يعتق مكانه رقبة مؤمنة وذلك قول الله عز وجل: ﴿فإن كان من قوم عدو لكم﴾ أقول: وروى مثله العياشي.

وفي قوله ﴿يعتق مكانه﴾ إشعار بأن حقيقة العتق إضافة واحد إلى أحرار المسلمين حيث نقص واحد من عددهم كما تقدمت الإشارة إليه.

وربما استفيد من ذلك أن مصلحة مطلق العتق في الكفارات هو إضافة حر غير عاص إلى عددهم حيث نقص واحد منهم بالمعصية.

فافهم ذلك.

وفي الكافي، عن الصادق (عليه السلام): إن كان على رجل صيام شهرين متتابعين، فأفطر أو مرض في الشهر الأول فإن عليه أن يعيد الصيام، وإن صام الشهر الأول، وصام من الشهر الثاني شيئا، ثم عرض له ما له فيه عذر فعليه أن يقضي. أقول: أي يقضي ما بقي عليه كما قيل، وقد استفيد من التتابع.

وفي الكافي، وتفسير العياشي، عنه (عليه السلام): أنه سئل عن المؤمن يقتل المؤمن متعمدا له توبة؟ فقال: إن كان قتله لإيمانه فلا توبة له، وإن كان قتله لغضب أو لسبب شيء من أشياء الدنيا، فإن توبته أن يقاد منه، وإن لم يكن علم به انطلق إلى أولياء المقتول، فأقر عندهم بقتل صاحبهم، فإن عفوا عنه فلم يقتلوه أعطاهم الدية، وأعتق نسمة وصام شهرين متتابعين، وأطعم ستين مسكينا توبة إلى الله عز وجل.

وفي التهذيب، بإسناده عن أبي السفاتج عن أبي عبد الله (عليه السلام): في قول الله عز وجل ﴿ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم﴾ قال: جزاؤه جهنم إن جازاه:. أقول: وروي هذا المعنى في الدر المنثور، عن الطبراني وغيره عن أبي هريرة عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم). والروايات كما ترى تشتمل على ما قدمناه من نكات الآيات، وفي باب القتل والقود روايات كثيرة من أرادها فليراجع جوامع الحديث.

وفي المجمع، في قوله تعالى ﴿ومن يقتل مؤمنا متعمدا، فجزاؤه جهنم﴾ الآية قال، نزلت في مقيس بن ضبابة الكناني، وجد أخاه هشاما قتيلا في بني النجار، فذكر ذلك لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فأرسل معه قيس بن هلال الفهري، وقال له: قل لبني النجار، إن علمتم قاتل هشام فادفعوه إلى أخيه ليقتص منه، وإن لم تعلموا فادفعوا إليه ديته.

فبلغ الفهري الرسالة فأعطوه الدية، فلما انصرف ومعه الفهري وسوس إليه الشيطان، فقال: ما صنعت شيئا أخذت دية أخيك فتكون سبة عليك، اقتل الذي معك لتكون نفس بنفس والدية فضل، فرماه بصخرة فقتله وركب بعيرا، ورجع إلى مكة كافرا، وأنشد يقول، قتلت به فهرا وحملت عقله سراة بني النجار أرباب فارع. فأدركت ثاري واضطجعت موسدا وكنت إلى الأوثان أول راجع. فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): لا أؤمنه في حل ولا حرم: رواه الضحاك وجماعة من المفسرين.

أقول: وروي ما يقرب منه عن ابن عباس وسعيد بن جبير وغيرهما.

وفي تفسير القمي، في قوله تعالى ﴿يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله﴾ الآية أنها نزلت لما رجع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من غزاة خيبر، وبعث أسامة بن زيد في خيل إلى بعض قرى اليهود، في ناحية فدك ليدعوهم إلى الإسلام، كان رجل يقال له مرداس بن نهيك الفدكي في بعض القرى، فلما أحس بخيل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، جمع أهله وماله في ناحية الجبل فأقبل يقول، أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، فمر به أسامة بن زيد فطعنه فقتله، فلما رجع إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أخبره بذلك، فقال له رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): قتلت رجلا شهد أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله؟ فقال: يا رسول الله إنما قالها تعوذا من القتل، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): فلا كشفت الغطاء عن قلبه، ولا ما قال بلسانه قبلت، ولا ما كان في نفسه علمت. فحلف أسامة بعد ذلك، أن لا يقتل أحدا شهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، فتخلف عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في حروبه فأنزل في ذلك: ﴿ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلم لست مؤمنا تبتغون عرض الحياة الدنيا﴾.

أقول: وروى هذا المعنى الطبري في تفسيره عن السدي، وروي في الدر المنثور، روايات كثيرة في سبب نزول الآية، في بعضها: أن القصة لمقداد بن الأسود وفي بعضها لأبي الدرداء، وفي بعضها لمحلم بن جثامة، وفي بعضها لم يذكر اسم للقاتل ولا المقتول وأبهمت القصة إبهاما، هذا، ولكن حلف أسامة بن زيد واعتذاره إلى علي (عليه السلام) في تخلفه عن حروبه معروف مذكور في كتب التاريخ والله أعلم.