الآيات 136 - 150

وَجَعَلُواْ لِلّهِ مِمِّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالأَنْعَامِ نَصِيبًا فَقَالُواْ هَذَا لِلّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَذَا لِشُرَكَآئِنَا فَمَا كَانَ لِشُرَكَآئِهِمْ فَلاَ يَصِلُ إِلَى اللّهِ وَمَا كَانَ لِلّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلَى شُرَكَآئِهِمْ سَاء مَا يَحْكُمُونَ ﴿136﴾ وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلاَدِهِمْ شُرَكَآؤُهُمْ لِيُرْدُوهُمْ وَلِيَلْبِسُواْ عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ وَلَوْ شَاء اللّهُ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ ﴿137﴾ وَقَالُواْ هَذِهِ أَنْعَامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ لاَّ يَطْعَمُهَا إِلاَّ مَن نّشَاء بِزَعْمِهِمْ وَأَنْعَامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُهَا وَأَنْعَامٌ لاَّ يَذْكُرُونَ اسْمَ اللّهِ عَلَيْهَا افْتِرَاء عَلَيْهِ سَيَجْزِيهِم بِمَا كَانُواْ يَفْتَرُونَ ﴿138﴾ وَقَالُواْ مَا فِي بُطُونِ هَذِهِ الأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِّذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا وَإِن يَكُن مَّيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكَاء سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ إِنَّهُ حِكِيمٌ عَلِيمٌ ﴿139﴾ قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُواْ أَوْلاَدَهُمْ سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُواْ مَا رَزَقَهُمُ اللّهُ افْتِرَاء عَلَى اللّهِ قَدْ ضَلُّواْ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ ﴿140﴾ وَهُوَ الَّذِي أَنشَأَ جَنَّاتٍ مَّعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ كُلُواْ مِن ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ﴿141﴾ وَمِنَ الأَنْعَامِ حَمُولَةً وَفَرْشًا كُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ ﴿142﴾ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ مِّنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الأُنثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الأُنثَيَيْنِ نَبِّؤُونِي بِعِلْمٍ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ﴿143﴾ وَمِنَ الإِبْلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الأُنثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الأُنثَيَيْنِ أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاء إِذْ وَصَّاكُمُ اللّهُ بِهَذَا فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبًا لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴿144﴾ قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَّسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴿145﴾ وَعَلَى الَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلاَّ مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ الْحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُم بِبَغْيِهِمْ وِإِنَّا لَصَادِقُونَ ﴿146﴾ فَإِن كَذَّبُوكَ فَقُل رَّبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ وَلاَ يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ ﴿147﴾ سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ لَوْ شَاء اللّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلاَ آبَاؤُنَا وَلاَ حَرَّمْنَا مِن شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم حَتَّى ذَاقُواْ بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِندَكُم مِّنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ أَنتُمْ إَلاَّ تَخْرُصُونَ ﴿148﴾ قُلْ فَلِلّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاء لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ ﴿149﴾ قُلْ هَلُمَّ شُهَدَاءكُمُ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ اللّهَ حَرَّمَ هَذَا فَإِن شَهِدُواْ فَلاَ تَشْهَدْ مَعَهُمْ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاء الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَالَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَهُم بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ ﴿150﴾

بيان:

الآيات تحاج المشركين في عدة من الأحكام في الأطعمة وغيرها دائرة بين المشركين وتذكر حكم الله فيها.

قوله تعالى: ﴿وجعلوا لله مما ذرأ من الحرث والأنعام نصيبا﴾ إلى آخر الآية، الذرء الإيجاد على وجه الاختراع وكأن الأصل في معناه الظهور، والحرث الزرع، وقوله: ﴿بزعمهم﴾ في قوله: ﴿فقالوا هذا لله بزعمهم﴾ نوع من التنزيه كقوله: ﴿وقالوا اتخذ الرحمن ولدا سبحانه﴾ الأنبياء: 26.

والزعم الاعتقاد ويستعمل غالبا فيما لا يطابق الواقع منه.

وقوله: ﴿وهذا لشركائنا﴾ أضاف الشركاء إليهم لأنهم هم الذين أثبتوها واعتقدوا بها نظير أئمة الكفر وأئمتهم وأوليائهم، وقيل: أضيفت الشركاء إليهم لأنهم كانوا يجعلون بعض أموالهم لهم فيتخذونهم شركاء لأنفسهم.

وكيف كان فمجموع الجملتين أعني قوله: ﴿فقالوا هذا لله بزعمهم وهذا لشركائنا﴾ من تفريع التفصيل على الإجمال يفسر به جعلهم لله نصيبا من خلقه، وفيه توطئة وتمهيد لتفريع حكم آخر عليه، وهو الذي يذكره في قوله: ﴿فما كان لشركائهم فلا يصل إلى الله وما كان لله فهو يصل إلى شركائهم﴾.

وإذ كان هذا الحكم على بطلانه من أصله وكونه افتراء على الله لا يخلو عن إزراء بساحته تعالى بتغليب جانب الأصنام على جانبه قبحه بقوله: ﴿ساء ما يحكمون﴾ ومعنى الآية ظاهر.

قوله تعالى: ﴿وكذلك زين لكثير من المشركين قتل أولادهم شركاؤهم﴾ إلى آخر الآية.

قرأ غير ابن عامر ﴿زين﴾ بفتح الزاي فعل معلوم، و﴿قتل﴾ بنصب اللام مفعول ﴿زين﴾ وهو مضاف إلى ﴿أولادهم﴾ بالجر وهو مفعول ﴿قتل﴾ أضيف إليه، و﴿شركاؤهم﴾ فاعل ﴿زين﴾.

والمعنى أن الأصنام بما لها من الوقع في قلوب المشركين والحب الوهمي في نفوسهم زينت لكثير من المشركين أن يقتلوا أولادهم ويجعلوهم قرابين يتقربون بذلك إلى الآلهة كما يضبطه تاريخ قدماء الوثنيين والصابئين، وهذا غير مسألة الوأد التي كانت بنو تميم من العرب يعملون به فإن المأخوذ في سياق الآية الأولاد دون البنات خاصة.

وقيل: المراد بالشركاء الشياطين، وقيل: خدمة الأصنام، وقيل: الغواة من الناس.

وقرأ ابن عامر: ﴿زين﴾ بضم الزاي مبنيا للمفعول ﴿قتل﴾ بضم اللام نائب عن فاعل زين ﴿أولادهم﴾ بالنصب مفعول المصدر أعني ﴿قتل﴾ تخلل بين المضاف والمضاف إليه ﴿شركائهم﴾ بالجر مضاف إليه وفاعل للمصدر.

وقوله تعالى: ﴿ليردوهم وليلبسوا عليهم دينهم﴾ الإرداء: الإهلاك، والمراد به إهلاك المشركين بالكفر بنعمة الله والبغي على خلقه، وخلط دينهم عليهم بإظهار الباطل في صورة الحق، فضمير ﴿هم﴾ في المواضع الثلاث جميعا راجع إلى كثير من المشركين.

وقيل: المراد به الإهلاك بظاهر معنى القتل، ولازمه رجوع أول الضمائر إلى الأولاد والثاني والثالث إلى الكثير، أو الجميع إلى المشركين بنوع من العناية، ومعنى الآية ظاهر.

قوله تعالى: ﴿وقالوا هذه أنعام وحرث حجر﴾ إلى آخر الآية.

الحجر بكسر الحاء المنع ويفسره قوله بعده: ﴿لا يطعمها إلا من نشاء﴾ أي هذه الأنعام والحرث حرام إلا على من نشاء أن نأذن لهم، وروي: أنهم كانوا يقدمونها لآلهتهم ولا يحلون أكلها إلا لمن كان يخدم آلهتهم من الرجال دون النساء بزعمهم.

وقوله: ﴿وأنعام حرمت ظهورها﴾ أي وقالوا: هذه أنعام حرمت ظهورها أو ولهم أنعام حرمت ظهورها، وهي السائبة والبحيرة والحامي التي نفاها الله تعالى في قوله: ﴿ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام ولكن الذين كفروا يفترون على الله الكذب وأكثرهم لا يعقلون﴾ المائدة: 103 وقيل: هي بعض هؤلاء على الخلاف السابق في معناها في تفسير آية المائدة.

وقوله: ﴿وأنعام لا يذكرون اسم الله عليها﴾ أي ولهم أنعام إلخ وهي الأنعام التي كانوا يهلون عليها بأصنام لا باسم الله، وقيل: هي التي كانوا لا يركبونها في الحج، وقيل: أنعام كانوا لا يذكرون اسم الله عليها ولا في شأن من شئونها، ومعنى الآية ظاهر.

قوله تعالى: ﴿وقالوا ما في بطون هذه الأنعام خالصة لذكورنا﴾ إلى آخر الآية، المراد بما في البطون أجنة البحائر والسيب، فقد كانوا يحلونها إذا ولدت حية للرجال دون النساء وإن ولدت ميتة أكله الرجال والنساء جميعا، وقيل: المراد بها الألبان، وقيل: الأجنة والألبان جميعا.

والمراد بقوله: ﴿سيجزيهم وصفهم﴾ سيجزيهم نفس وصفهم فإنه يعود وبالا وعذابا عليهم ففيه نوع من العناية، وقيل: التقدير: سيجزيهم بوصفهم، وقيل: التقدير: سيجزيهم جزاء وصفهم، فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه، والمعنى ظاهر.

قوله تعالى: ﴿قد خسر الذين قتلوا أولادهم سفها بغير علم﴾ إلخ، رد لما حكي عنهم في الآيات السابقة من الأحكام المفتراة وهي قتل الأولاد وتحريم أصناف من الأنعام والحرث وذكر أن ذلك منهم خسران وضلال من غير اهتداء.

وقد وصف قتل الأولاد بأنه سفه بغير علم، وكذلك بدل الأنعام والحرث من قوله ما رزقهم الله ووصف تحريمها بأنه افتراء على الله ليكون في ذلك تنبيه كالتعليل على خسرانهم في ذلك كأنه قيل: خسروا في قتلهم أولادهم لأنهم سفهوا به سفها بغير علم، وخسروا في تحريمهم أصنافا من الأنعام والحرث افتراء على الله لأنها من رزق الله وحاشاه تعالى أن يرزقهم شيئا ثم يحرمه عليهم.

ثم بين تعالى ضلالهم في تحريم الحرث والأنعام مع كونها من رزق الله بيانا تفصيليا بالاحتجاج من ناحية العقل ومصلحة معاش العباد بقوله: ﴿وهو الذي أنشأ جنات﴾ إلى تمام أربع آيات، ثم من ناحية السمع ونزول الوحي بقوله: ﴿قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه﴾ إلى تمام الآية.

فيكون محصل الآيات الخمس أن تحريمهم أصنافا من الحرث والأنعام ضلال منهم لا يساعدهم على ذلك حجة فلا العقل ورعاية مصلحة العباد يدلهم على ذلك، ولا الوحي النازل من الله سبحانه يهديهم إليه فهم في خسران منه.

قوله تعالى: ﴿وهو الذي أنشأ جنات معروشات وغير معروشات - إلى قوله - وغير متشابه﴾ الشجرة المعروشة هي التي ترفع أغصانها بعضا على بعض بدعائم كالكرم وأصل العرش الرفع فالجنات المعروشات هي بساتين الكرم ونحوها، والجنات غير المعروشات ما كانت أشجارها قائمة على أصولها من غير دعائم.

وقوله: ﴿والزرع مختلفا أكله﴾ أي ما يؤكل منه من الحبات كالحنطة والشعير والعدس والحمص.

وقوله: ﴿والزيتون والرمان متشابها وغير متشابه﴾ أي متشابه كل منها وغير متشابه على ما يفيده السياق، والتشابه بين الثمرتين باتحادهما في الطعم أو الشكل أو اللون أو غير ذلك.

قوله تعالى: ﴿كلوا من ثمره إذا أثمر﴾ إلى آخر الآية، الأمر للإباحة لوروده في رفع الحظر الذي يدل عليه إنشاء الجنات والنخل والزرع وغيرها، والسياق يدل على أن تقدير الكلام: وهو الذي أنشأ جنات والنخل والزرع إلخ، وأمركم بأكل ثمر ما ذكر وأمركم بإيتاء حقه يوم حصاده، ونهاكم عن الإسراف.

فأي دليل أدل من ذلك على إباحتها؟ وقوله: ﴿وآتوا حقه يوم حصاده﴾ أي الحق الثابت فيه المتعلق به فالضمير راجع إلى الثمر وأضيف إليه الحق لتعلقه به كما يضاف الحق أيضا إلى الفقراء لارتباطه بهم وربما احتمل رجوع الضمير إلى الله كالضمير الذي بعده في قوله: ﴿إنه لا يحب المسرفين﴾ وإضافته إليه تعالى لانتسابه إليه بجعله.

وهذا إشارة إلى جعل حق ما للفقراء في الثمر من الحبوب والفواكه يؤدي إليهم يوم الحصاد يدل عليه العقل ويمضيه الشرع وليس هو الزكاة المشرعة في الإسلام إذ ليست في بعض ما ذكر في الآية زكاة.

على أن الآية مكية وحكم الزكاة مدني.

نعم لا يبعد أن يكون أصلا لتشريعها فإن أصول الشرائع النازلة في السور المدنية نازلة على وجه الإجمال والإبهام في السور المكية كقوله تعالى بعد عدة آيات عند تعداد كليات المحرمات: ﴿قل تعالوا أتل ما حرم ربكم - إلى أن قال - ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن﴾ الأنعام: 151.

وقوله: ﴿ولا تسرفوا﴾ إلخ، أي لا تتجاوزوا الحد الذي يصلح به معاشكم بالتصرف فيه فلا يتصرف صاحب المال منكم بالإسراف في أكله أو التبذير في بذله أو وضعه في غير موضعه من معاصي الله وهكذا، ولا يسرف الفقير الأخذ بتضييعه ونحو ذلك، ففي الكلام إطلاق، والخطاب فيه لجميع الناس.

وأما قول بعضهم: إن الخطاب في ﴿لا تسرفوا﴾ مختص بأرباب الأموال، وقول بعض آخر: إنه متوجه إلى الإمام الآخذ للصدقة، وكذا قول بعضهم: إن معناه لا تسرفوا بأكله قبل الحصاد كيلا يؤدي إلى بخس حق الفقراء، وقول بعض آخر: إن المعنى: لا تقصروا بأن تمنعوا بعض الواجب، وقول ثالث: إن المعنى لا تنفقوه في المعصية، كل ذلك مدفوع بالإطلاق والسياق.

قوله تعالى: ﴿ومن الأنعام حمولة وفرشا﴾ إلى آخر الآية، الحمولة أكابر الأنعام لإطاقتها الحمل، والفرش أصاغرها لأنها كأنها تفترش على الأرض أو لأنها توطأ كما يوطأ الفرش، وقوله: ﴿كلوا مما رزقكم الله﴾ إباحة للأكل وإمضاء لما يدل عليه العقل نظير قوله في الآية السابقة: ﴿كلوا من ثمره﴾ وقوله: ﴿لا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين﴾ أي لا تسيروا في هذا الأمر المشروع إباحته باتباع الشيطان بوضع قدمكم موضع قدمه بأن تحرموا ما أحله، وقد تقدم أن المراد باتباع خطوات الشيطان تحريم ما أحله الله بغير علم.

قوله تعالى: ﴿ثمانية أزواج من الضأن اثنين ومن المعز اثنين﴾ إلى آخر الآية، تفصيل للأنعام بعد الإجمال والمراد به تشديد اللوم والتوبيخ عليهم ببسطه على كل صورة من الصور والوجوه، فقوله: ﴿ثمانية أزواج﴾ عطف بيان من ﴿حمولة وفرشا﴾ في الآية السابقة.

والأزواج جمع زوج، ويطلق الزوج على الواحد الذي يكون معه آخر وعلى الاثنين، وأنواع الأنعام المعدودة أربعة: الضأن والمعز والبقر والإبل، وإذا لوحظت ذكرا وأنثى كانت ثمانية أزواج.

والمعنى: أنشأ ثمانية أزواج من الضأن زوجين اثنين هما الذكر والأنثى ومن المعز زوجين اثنين كالضأن قل آلذكرين من الضأن والمعز حرم الله أم الأنثيين منهما أم حرم ما اشتملت عليه أرحام الأنثيين من الضأن والمعز نبئوني ذلك بعلم إن كنتم صادقين.

قوله تعالى: ﴿ومن الإبل اثنين ومن البقر اثنين - إلى قوله - الأنثيين﴾ معناه ظاهر مما مر، وقيل: المراد بالاثنين في المواضع الأربعة من الآيتين الأهلي والوحشي.

قوله تعالى: ﴿أم كنتم شهداء إذ وصاكم الله بهذا﴾ إلى آخر الآية.

هذا شق من ترديد حذف شقه الآخر على ما يدل عليه الكلام، وتقديره: أ علمتم ذلك من طريق الفكر كعقل أو سمع أم شاهدتم تحريم الله ذلك وشافهتموه فادعيتم ذلك.

وقوله: ﴿فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا﴾ إلخ، تفريع على ما قبله باعتبار دلالته على انقطاعهم عن الجواب وعلى ذلك فمعناه: فمن أظلم منكم، ويكون قوله: ﴿ممن افترى﴾ إلخ، كناية عن المشركين المخاطبين وضع موضع ضمير الخطاب الراجع إليهم ليدل به على سبب الحكم المفهوم من الاستفهام الإنكاري والتقدير: لا أظلم منكم لأنكم افتريتم على الله كذبا لتضلوا الناس بغير علم، وإذ ظلمتم فإنكم لا تهتدون إن الله لا يهدي القوم الظالمين.

قوله تعالى: ﴿قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه﴾ إلخ، معنى الآية ظاهر، وقد تقدم في نظيره الآية من سورة المائدة آية 3، وفي سورة البقرة آية 173 ما ينفع في المقام.

قوله تعالى: ﴿وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر﴾ إلخ، الظفر واحد الأظفار وهو العظم النابت على رءوس الأصابع، والحوايا المباعر قال في المجمع:، موضع الحوايا يحتمل أن يكون رفعا عطفا على الظهور وتقديره: أو ما حملت الحوايا، ويحتمل أن يكون نصبا عطفا على ما في قوله: ﴿إلا ما حملت﴾ فأما قوله: ﴿أو ما اختلط بعظم﴾ فإن ما هذه معطوفة على ما الأولى انتهى والوجه الأول أقرب.

ثم قال: ذلك في قوله - ذلك جزيناهم - يجوز أن يكون منصوب الموضع بأنه مفعول ثان لجزيناهم التقدير: جزيناهم ذلك ببغيهم، ولا يجوز أن يرفع بالابتداء لأنه يصير التقدير: ذلك جزيناهموه فيكون كقولهم: زيد ضربت أي ضربته، وهذا إنما يجوز في ضرورة الشعر.

والآية كأنها في مقام الاستدراك ودفع الدخل ببيان أن ما حرم الله على بني إسرائيل من طيبات ما رزقهم إنما حرمه جزاء لبغيهم فلا ينافي ذلك كونه حلا بحسب طبعه الأولى كما يشير إلى ذلك قوله: ﴿كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل على نفسه من قبل أن تنزل التوراة﴾ آل عمران: 93 وقوله: ﴿فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم وبصدهم عن سبيل الله كثيرا﴾ النساء: 160.

قوله تعالى: ﴿فإن كذبوك فقل ربكم ذو رحمة واسعة﴾ إلى آخر الآية، معنى الآية ظاهر، وفيها أمر بإنذارهم وتهديدهم إن كذبوا بالبأس الإلهي الذي لا مرد له لكن لا ببيان يسلط عليهم اليأس والقنوط بل بما يشوبه بعض الرجاء، ولذلك قدم عليه قوله: ﴿ربكم ذو رحمة واسعة﴾ .

قوله تعالى: ﴿سيقول الذين أشركوا لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا ولا حرمنا من شيء﴾ الآية تذكر احتجاجهم بهذه الحجة ثم ترد عليهم بأنهم جاهلون بها وإنما يركنون فيها إلى الظن والتخمين، والكلمة كلمة حق وردت في كثير من الآيات القرآنية لكنها لا تنتج ما قصدوه منها.

فإنهم إنما احتجوا بها لإثبات أن شركهم وتحريمهم ما رزقهم الله بإمضاء من الله سبحانه لا بأس عليهم في ذلك فحجتهم أن الله لو شاء منا خلاف ما نحن عليه من الشرك والتحريم لكنا مضطرين على ترك الشرك والتحريم فإذ لم يشأ كان ذلك إذنا في الشرك والتحريم فلا بأس بهذا الشرك والتحريم.

وهذه الحجة لا تنتج هذه النتيجة وإنما تنتج أن الله سبحانه إذ لم يشأ منهم ذلك لم يوقعهم موقع الاضطرار والإجبار فهم مختارون في الشرك والكف عنه وفي التحريم وتركه فله تعالى أن يدعوهم إلى الإيمان به ورفض الافتراض فلله الحجة البالغة ولا حجة لهم في ذلك إلا اتباع الظن والتخمين.

قوله تعالى: ﴿قل فلله الحجة البالغة فلو شاء لهداكم أجمعين﴾ كأن الفاء الأولى لتفريع مضمون الجملة على ما تقدم من قولهم ﴿لو شاء الله ما أشركنا﴾ إلخ، والفاء الثانية للتعليل فيكون الكلام من قبيل قلب الحجة على الخصم بعد بيان مقتضاها.

والمعنى أن نتيجة الحجة قد التبست عليكم بجهلكم واتباعكم الظن وخرصكم في المعارف الإلهية فحجتكم تدل على أن لا حجة لكم في دعوته إياكم إلى رفض الشرك وترك الافتراء عليه، وأن الحجة إنما هي لله عليكم فإنه لو شاء لهداكم أجمعين وأجبركم على الإيمان وترك الشرك والتحريم، وإذ لم يجبركم على ذلك وأبقاكم على الاختيار فله أن يدعوكم إلى ترك الشرك والتحريم.

وبعبارة أخرى: يتفرع على حجتكم أن الحجة لله عليكم لأنه لو شاء لأجبر على الإيمان فهداكم أجمعين، ولم يفعل بل جعلكم مختارين يجوز بذلك دعوتكم إلى ما دعاكم إليه.

وقد بين تعالى في طائفة من الآيات السابقة أنه تعالى لم يضطر عباده على الإيمان ولم يشأ منهم ذلك بالمشية التكوينية حتى يكونوا مجبرين عليه بل أذن لهم في خلافه وهذا الإذن الذي هو رفع المانع التكويني هو اختيار العباد وقدرتهم على جانبي الفعل والترك، وهذا الإذن لا ينافي الأمر التشريعي بترك الشرك مثلا بل هو الأساس الذي يبتني عليه الأمر والنهي.

قوله تعالى: ﴿قل هلم شهداءكم الذين يشهدون﴾ إلى آخر الآية.

هلم شهداءكم أي هاتوا شهداءكم وهو اسم فعل يستوي فيه المفرد والمثنى والمجموع، والمراد بالشهادة شهادة الأداء والإشارة بقوله: ﴿هذا﴾ إلى ما ذكر من المحرمات عندهم، والخطاب خطاب تعجيزي أمر به الله سبحانه ليكشف به أنهم مفترون في دعواهم أن الله حرم ذلك فهو كناية عن عدم التحريم.

وقوله: ﴿فإن شهدوا فلا تشهد معهم﴾ في معنى الترقي، والمعنى: لا شاهد فيهم يشهد بذلك فلا تحريم حتى أنهم لو شهدوا بالتحريم فلا تشهد معهم إذ لا تحريم ولا يعبأ بشهادتهم فإنهم قوم يتبعون أهواءهم.

فقوله: ﴿ولا تتبع أهواء الذين كذبوا بآياتنا﴾ إلخ، عطف تفسير لقوله: ﴿فإن شهدوا فلا تشهد معهم﴾ أي إن شهادتك اتباع لأهوائهم كما أن شهادتهم من اتباع الأهواء، وكيف لا؟ وهم قوم كذبوا بآيات الله الباهرة، ولا يؤمنون بالآخرة ويعدلون بربهم غيره من خلقه كالأوثان، ولا يجترىء على ذلك مع كمال البيان وسطوع البرهان إلا الذين يتبعون الأهواء.

بحث روائي:

في المجمع،: في قوله تعالى: ﴿فما كان لشركائهم فلا يصل إلى الله﴾ الآية قال: إنه كان إذا اختلط ما جعل للأصنام بما جعل لله تعالى ردوه، وإذا اختلط ما جعل لله بما جعل للأصنام تركوه وقالوا: الله أغنى، وإذا تخرق الماء من الذي لله في الذي للأصنام لم يسدوه، وإذا تخرق من الذي للأصنام في الذي لله سدوه وقالوا: الله أغنى: عن ابن عباس وقتادة، وهو المروي عن أئمتنا (عليهم السلام).

وفي تفسير القمي،: في قوله تعالى: ﴿وكذلك زين لكثير من المشركين﴾ الآية قال: قال: يعني أن أسلافهم زينوا لهم قتل أولادهم.

وفيه،: في قوله تعالى: ﴿وقالوا هذه أنعام وحرث حجر﴾ قال: قال: الحجر المحرم.

وفيه،: في قوله تعالى: ﴿وهو الذي أنشأ جنات﴾ الآيات قال: قال: البساتين.

وفيه، في قوله تعالى: ﴿وآتوا حقه يوم حصاده ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين﴾ الآية، أخبرنا أحمد بن إدريس قال: حدثنا أحمد بن محمد عن علي بن الحكم عن أبان بن عثمان عن شعيب العقرقوفي قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قوله: ﴿وآتوا حقه يوم حصاده﴾ قال: الضغث من السنبل والكف من التمر إذا خرص. قال: وسألته هل يستقيم إعطاؤه إذا أدخله بيته؟ قال: لا هو أسخى لنفسه قبل أن يدخل بيته.

وفيه، عن أحمد بن إدريس عن البرقي عن سعد بن سعد عن الرضا (عليه السلام): أنه سئل: إن لم يحضر المساكين وهو يحصد كيف يصنع؟ قال: ليس عليه شيء.

وفي الكافي، عن علي بن إبراهيم عن ابن أبي عمير عن معاوية بن الحجاج قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: في الزرع حقان: حق تؤخذ به، وحق تعطيه. قلت: وما الذي أوخذ به؟ وما الذي أعطيه؟ قال: أما الذي تؤخذ به فالعشر ونصف العشر، وأما الذي تعطيه فقول الله عز وجل: ﴿وآتوا حقه يوم حصاده﴾ يعني من حصدك الشيء بعد الشيء ولا أعلمه إلا قال: الضغث تعطيه ثم الضغث حتى تفرغ.

وفيه، بإسناده عن أبي نصر عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) قال: سألته عن قوله الله عز وجل: ﴿وآتوا حقه يوم حصاده ولا تسرفوا﴾ قال: كان أبي يقول: من الإسراف في الحصاد والجذاذ أن يتصدق الرجل بكفيه جميعا، وكان أبي إذا حضر شيئا من هذا فرأى أحدا من غلمانه يتصدق بكفيه صاح به: أعط بيد واحدة القبضة بعد القبضة والضغث بعد الضغث من السنبل.

وفيه، بإسناده عن مصادف قال: كنت مع أبي عبد الله (عليه السلام) في أرض له وهم يصرمون فجاء سائل يسأل فقلت: الله يرزقك فقال: مه ليس ذلك لكم حتى تعطوا ثلاثة فإذا أعطيتم فلكم وإن أمسكتم فلكم.

وفيه، بإسناده عن ابن أبي عمير عن هشام بن المثنى قال: سأل رجل أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله عز وجل: ﴿وآتوا حقه يوم حصاده ولا تسرفوا - إنه لا يحب المسرفين﴾ فقال: كان فلان بن فلان الأنصاري وسماه وكان له حرث، وكان إذا أجذ يتصدق به ويبقى هو وعياله بغير شيء فجعل الله عز وجل ذلك إسرافا.

أقول: المراد انطباق الآية على عمله دون نزولها فيه فإن الآية مكية، ولعل المراد بالأنصاري المذكور ثابت بن قيس بن شماس وقد روى الطبري وغيره عن ابن جريح قال: نزلت في ثابت بن قيس بن شماس جذ نخلا فقال: لا يأتيني اليوم أحد إلا أطعمته فأطعم حتى أمسى وليست له تمره فأنزل الله: ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين، والآية كما تقدم مكية غير مدنية فلا يشمل عمل ثابت بن قيس إلا بالجري والانطباق.

وتفسير العياشي، عن الصادق (عليه السلام): في الآية قال: أعط من حضرك من المسلمين فإن لم يحضرك إلا مشرك فأعط.

أقول: والروايات في هذه المعاني عن أبي جعفر وأبي عبد الله وأبي الحسن الرضا (عليه السلام) كثيرة جدا.

وفي الدر المنثور، أخرج ابن المنذر والنحاس وأبو الشيخ وابن مردويه عن أبي سعيد الخدري عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): في قوله: ﴿وآتوا حقه يوم حصاده﴾ قال: ما سقط من السنبل.

وفيه، أخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم والنحاس والبيهقي في سننه عن ابن عباس: ﴿وآتوا حقه يوم حصاده﴾ قال: نسخها العشر ونصف العشر.

أقول: ليست النسبة بين الآية وآية الزكاة نسبة النسخ إذ لا تنافي يؤدي إلى النسخ سواء قلنا بوجوب الصدقة أو باستحبابها.

وفيه، أخرج أبو عبيد وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر عن الضحاك قال: نسخت الزكاة كل صدقة في القرآن.

أقول: الكلام فيه كسابقه.

وفيه، أخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وأبو الشيخ عن ميمون بن مهران ويزيد بن الأصم قال: كان أهل المدينة إذا صرموا النخل يجيئون بالعذق فيضعونه في المسجد فيجيء السائل فيضربه بالعصا فيسقط منه فهو قوله: ﴿وآتوا حقه يوم حصاده﴿. وفي تفسير القمي،: في قوله تعالى: ﴿ثمانية أزواج من الضأن اثنين ومن المعز اثنين﴾ الآية: فهذه التي أحلها الله في كتابه في قوله: ﴿وأنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج﴾ ثم فسرها في هذه الآية فقال: ﴿من الضأن اثنين ومن المعز اثنين ومن الإبل اثنين ومن البقر اثنين﴾ فقال (صلى الله عليه وآله وسلم) في قوله: ﴿من الضأن اثنين﴾ عنى الأهلي والجبلي ﴿ومن المعز اثنين﴾ عنى الأهلي والوحشي الجبلي ﴿ومن البقر اثنين﴾ عنى الأهلي والوحشي الجبلي ﴿ومن الإبل اثنين﴾ يعني البخاتي والعراب، فهذه أحلها الله.

أقول: وروي ما يؤيد ذلك في الكافي والاختصاص وتفسير العياشي عن داود الرقي وصفوان الجمال عن الصادق (عليه السلام).

ويبقى البحث في أن معنى الزوج في قوله: ﴿ثمانية أزواج من الضأن اثنين﴾ الآية هو الذي في قوله: ﴿وأنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج﴾ أو غيره، وسيوافيك إن شاء الله تعالى.

وفي تفسير العياشي، عن حريز عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سئل عن سباع الطير والوحش حتى ذكر له القنافذ والوطواط والحمير والبغال والخيل فقال: ليس الحرام إلا ما حرم الله في كتابه، وقد نهى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يوم خيبر عن أكل لحوم الحمير، وإنما نهاهم من أجل ظهورهم أن يفنوه ليس الحمير بحرام، وقال: قرأ هذه الآيات ﴿قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه - إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير فإنه رجس أو فسقا أهل لغير الله به﴾ .

أقول: وفي معناه أخبار أخر مروية عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليه السلام) وفي عدة منها: إنما الحرام ما حرمه الله في كتابه ولكنهم كانوا يعافون أشياء فنحن نعافها، وهنا روايات كثيرة تنهى عن أكل كثير من الحيوان كذوات الأنياب من الوحش وذوات المخالب من الطير وغير ذلك، والأمر في روايات أهل السنة على هذا النحو والمسألة فقهية مرجعها الفقه، وإذا تمت حرمة ما عدا المذكورات في الآية فإنما هي مما حرمها النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) استخباثا له وقد وصفه الله تعالى بما يمضيه في حقه، قال تعالى: ﴿الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث﴾ الأعراف: 157.

وفي المجمع،: في قوله تعالى: ﴿وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر﴾ الآية: أن ملوك بني إسرائيل كانوا يمنعون فقراءهم من أكل لحوم الطير والشحوم فحرم الله ذلك ببغيهم على فقرائهم: ذكره علي بن إبراهيم في تفسيره.

وفي أمالي الشيخ، بإسناده عن مسعدة بن زياد قال: سمعت جعفر بن محمد (عليهما السلام) وقد سئل عن قوله تعالى: ﴿فلله الحجة البالغة﴾ فقال: إن الله تعالى يقول للعبد يوم القيامة عبدي كنت عالما؟ فإن قال: نعم قال له: أفلا عملت بما علمت؟ وإن قال: كنت جاهلا قال: أ فلا تعلمت حتى تعمل؟ فيخصمه فتلك الحجة البالغة.

أقول: وهو من بيان المصداق.