الآيات 122 - 127

أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ﴿122﴾ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجَرِمِيهَا لِيَمْكُرُواْ فِيهَا وَمَا يَمْكُرُونَ إِلاَّ بِأَنفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ ﴿123﴾ وَإِذَا جَاءتْهُمْ آيَةٌ قَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللّهِ اللّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُواْ صَغَارٌ عِندَ اللّهِ وَعَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا كَانُواْ يَمْكُرُونَ ﴿124﴾ فَمَن يُرِدِ اللّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاء كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ ﴿125﴾ وَهَذَا صِرَاطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيمًا قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ ﴿126﴾ لَهُمْ دَارُ السَّلاَمِ عِندَ رَبِّهِمْ وَهُوَ وَلِيُّهُمْ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ﴿127﴾

بيان:

قوله تعالى: ﴿أومن كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها﴾ الآية واضحة المعنى وهي بحسب ما يسبق إلى الفهم البسيط الساذج مثل مضروب لكل من المؤمن والكافر يظهر بالتدبر فيه حقيقة حاله في الهدى والضلال.

فالإنسان قبل أن يمسه الهدى الإلهي كالميت المحروم من نعمة الحياة الذي لا حس له ولا حركة فإن آمن بربه إيمانا يرتضيه كان كمن أحياه الله بعد موته، وجعل له نورا يدور معه حيث دار يبصر في شعاعه خيره من شره ونفعه من ضره فيأخذ ما ينفعه ويدع ما يضره وهكذا يسير في مسير الحياة.

وأما الكافر فهو كمن وقع في ظلمات لا مخرج له منها ولا مناص له عنها ظلمة الموت وما بعد ذلك من ظلمات الجهل في مرحلة تمييز الخير من الشر والنافع من الضار، ونظير هذه الآية في معناها بوجه قوله تعالى: ﴿إنما يستجيب الذين يسمعون والموتى يبعثهم الله﴾ الأنعام: 36 وقال تعالى: ﴿من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة﴾ النحل: 97.

ففي الكلام استعارة الموت للضلال واستعارة الحياة للإيمان أو الاهتداء والإحياء للهداية إلى الإيمان والنور للتبصر بالأعمال الصالحة، والظلمة للجهل كل ذلك في مستوى التفهيم والتفهم العموميين لما أن أهل هذا الظرف لا يرون للإنسان بما هو إنسان حياة وراء الحياة الحيوانية التي هي المنشأ للشعور باللذائذ المادية والحركة الإرادية نحوها.

فهؤلاء يرون أن المؤمن والكافر لا يختلفان في هذه الموهبة وهي فيهما شرع سواء فلا محالة عد المؤمن حيا بحياة الإيمان ذا نور يمشي به في الناس، وعد الكافر ميتا بميتة الضلال في ظلمات لا مخرج منها ليس إلا مبتنيا على عناية تخييلية واستعارة تمثيلية يمثل بها حقيقة المعنى المقصود.

لكن التدبر في أطراف الكلام والتأمل فيما يعرفه القرآن الكريم يعطي للآية معنى وراء هذا الذي يناله الفهم العامي فإن الله سبحانه ينسب للإنسان الإلهي في كلامه حياة خالده أبدية لا تنقطع بالموت الدنيوي هو فيها تحت ولاية الله محفوظ بكلاءته مصون بصيانته لا يمسه نصب ولا لغوب، ولا يذله شقاء ولا تعب، مستغرب في حب ربه مبتهج ببهجة القرب لا يرى إلا خيرا، ولا يواجه إلا سعادة وهو في أمن وسلام لا خوف معه ولا خطر، وسعادة وبهجة ولذة لا نفاذ لها ولا نهاية لأمدها.

ومن كان هذا شأنه فإنه يرى ما لا يراه الناس، ويسمع ما لا يسمعونه، ويعقل ما لا يعقلونه، ويريد ما لا يريدونه وإن كانت ظواهر أعماله وصور حركاته وسكناته تحاكي أعمال غيره وحركاتهم وسكناتهم وتشابهها فله شعور وإرادة فوق ما لغيره من الشعور والإرادة فعنده من الحياة التي هي منشأ الشعور والإرادة ما ليس عند غيره من الناس فللمؤمن مرتبة من الحياة ليست عند غيره.

فكما أن العامة من الإنسان في عين أنها تشارك سائر الحيوان في الشعور بواجبات الحياة والحركة الإرادية نحوها، ويشاركها الحيوان لكنا مع ذلك لا نشك أن الإنسان نوع أرقى من سائر الأنواع الحيوانية وله حياة فوق الحياة التي فيها لما نرى في الإنسان آثاره العجيبة المترشحة من أفكار الكلية وتعقلاته المختصة به، ولذلك نحكم في الحيوان إذا قسناه إلى النبات وفي النبات إذا قسناه إلى ما قبله من مراتب الكون أن لكل منهما كعبا أعلى وحياة هي أرقى من حياة ما قبله.

فلنقض في الإنسان الذي أوتي العلم والإيمان واستقر في دار الإيقان واشتغل بربه وفرغ واستراح من غيره وهو يشعر بما ليس في وسع غيره ويريد ما لا يناله سواه أن له حياة فوق حياة غيره، ونورا يستمد به في شعوره، وإرادة لا توجد إلا معه وفي ظرف حياته.

يقول الله سبحانه: ﴿فلنحيينه حياة طيبة﴾ النحل: 97 ﴿فلهم الحياة لكنها بطبعها طيبة وراء مطلق الحياة ﴾ ويقول: ﴿لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون﴾ الأعراف: 179 فيثبت لهم أمثال القلوب والأعين والآذان التي في المؤمنين لكنه ينفي كمال آثارها التي في المؤمنين، ولم يكتف بذلك حتى أثبت لهم روحا خاصا بهم فقال: ﴿أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه﴾ المجادلة: 22.

فتبين بذلك أن للحياة وكذا للنور حقيقة في المؤمن واقعية وليس الكلام جاريا على ذاك التجوز الذي لا يتعدى مقام العناية اللفظية فما في خاصة الله من المؤمنين من الصفة الخاصة بهم أحق باسم الحياة مما عند عامة الناس من معنى الحياة كما أن حياة الإنسان كذلك بالنسبة إلى حياة الحيوان، وحياة الحيوان كذلك بالنسبة إلى حياة النبات.

فقوله: ﴿أومن كان ميتا فأحييناه﴾ أي ضالا من حيث نفسه أو ضالا كافرا قبل أن يؤمن بربه وهو نوع من الموت فأحييناه بحياة الإيمان أو الهداية - والمال واحد - وجعلنا له نورا أي علما متولدا من إيمانه كما قال (صلى الله عليه وآله وسلم) فيما رواه الفريقان: ﴿من عمل بما علم رزقه الله علم ما لم يعلم أو علمه الله ما لم يعلم﴾.

فإن روح الإيمان إذا تمكنت من نفس الإنسان واستقرت فيها حولت الآراء والأعمال إلى صور تناسبها ولا تخالفها وكذلك سائر الملكات أعم من الفضائل والرذائل إذا استقرت في باطن الإنسان لم تلبث دون أن تحول آراءه وأعماله إلى أشكال تحاكيها.

وربما قيل: إن المراد بالنور هو الإيمان أو القرآن وهو بعيد من السياق.

وهذا النور أثره في المؤمن أنه ﴿يمشي به في الناس﴾ أي يتبصر به في مسير حياته الاجتماعية المظلمة ليأخذ من الأعمال ما ينفعه في سعادة حياته، ويترك ما يضره.

فهذا هو حال المؤمن في حياته ونوره فهل هو ﴿كمن مثله﴾ ووصفه أنه (في الظلمات ظلمات الضلال وفقدان نور الإيمان ﴿ليس بخارج منها) لأن الموت لا يستتبع آثار الحياة البتة فلا مطمع في أن يهتدي الكافر إلى أعمال تنفعه في أخراه وتسعده في عقباه.

وقد ظهر مما تقدم أن قوله: ﴿كمن مثله في الظلمات﴾ إلخ، في تقدير: هو في الظلمات ليس بخارج منها، ففي الكلام مبتدأ محذوف هو الضمير العائد إلى الموصول، وقيل: التقدير: كمن مثله مثل من هو في الظلمات، ولا بأس به لو لا كثرة التقدير.

قوله تعالى: ﴿كذلك زين للكافرين ما كانوا يعملون﴾ ظاهر سياق صدر الآية أن يكون التشبيه في قوله: ﴿كذلك﴾ من قبيل تشبيه الفرع بالأصل بعناية إعطاء القاعدة الكلية كقوله تعالى: ﴿كذلك يضرب الله الحق والباطل﴾ وقوله: ﴿كذلك يضرب الله الأمثال﴾ الرعد: 17 أي اتخذ ما ذكرناه من المثل أصلا وقس عليه كل ما عثرت به من مثل مضروب فمعنى قوله: ﴿كذلك زين﴾ إلخ، على هذا المثال المذكور أن الكافر لا مخرج له من الظلمات، زين للكافرين أعمالهم فقد زينت لهم أعمالهم زينة تجذبهم إليها وتحبسهم ولا تدعهم يخرجوا منها إلى فضاء السعادة وفسحة النور أبدا والله لا يهدي القوم الظالمين.

وقيل: إن وجه التشبيه في قوله: ﴿كذلك زين﴾ إلخ، أنه زين لهؤلاء الكفر فعملوه مثل ما زين لأولئك الإيمان فعملوه.

فشبه حال هؤلاء في التزيين بحال أولئك فيه انتهى وهو بعيد من سياق الصدر.

قوله تعالى: ﴿وكذلك جعلنا في كل قرية أكابر مجرميها﴾ إلى آخر الآية، كأن المراد بالآية أنا أحيينا جمعا وجعلنا لهم نورا يمشون به في الناس، وآخرين لم نحيهم فمكثوا في الظلمات فهم غير خارجين منها ولا أن أعمالهم المزينة تنفعهم وتخلصهم منها كذلك جعلنا في كل قرية أكابر مجرميها ليمكروا فيها بالدعوة الدينية والنبي والمؤمنين لكنه لا ينفعهم فإنهم في ظلمات لا يبصرون بل إنما يمكرون بأنفسهم ولا يشعرون.

وعلى هذا فقوله: ﴿كذلك زين للكافرين ما كانوا يعملون﴾ مسوق لبيان أن أعمالهم المزينة لهم لا تنفعهم في استخلاصهم من الظلمات التي هم فيها، وقوله: ﴿وكذلك جعلنا في كل قرية﴾ إلخ، مسوق لبيان أن أعمالهم ومكرهم لا يضر غيرهم إنما وقع مكرهم على أنفسهم وما يشعرون لمكان ما غمرهم من الظلمة.

وقيل: معنى التشبيه في الآية أن مثل ذلك الذي قصصنا عليك زين للكافرين عملهم، ومثل ذلك جعلنا في كل قرية أكابر مجرميها، وجعلنا ذا المكر من المجرمين كما جعلنا ذا النور من المؤمنين فكل ما فعلنا بهؤلاء فعلنا بهم إلا أن أولئك اهتدوا بحسن اختيارهم وهؤلاء ضلوا بسوء اختيارهم لأن في كل واحد منهما الجعل بمعنى الصيرورة إلا أن الأول باللطف والثاني بالتمكين من المكر.

ولا يخلو من بعد من السياق.

والجعل في قوله: ﴿جعلنا في كل قرية أكابر مجرميها﴾ كالجعل في قوله: ﴿وجعلنا له نورا﴾ فالأنسب أنه بمعنى الخلق، والمعنى: خلقنا في كل قرية أكابر مجرميها ليمكروا فيها وكون مكرهم غاية للخلقة وغرضا للجعل نظير كون دخول النار غرضا إلهيا في قوله: ﴿ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس﴾ الأعراف: 179 وقد مر الكلام في معنى ذلك في مواضع من هذا الكتاب.

وإنما خص بالذكر أكابر مجرميها لأن المطلوب بيان رجوع المكر إلى ما كره، والمكر بالله وآياته إنما يصدر منهم، وأما أصاغر المجرمين وهم العامة من الناس فإنما هم أتباع وأذناب.

وأما قوله: ﴿وما يمكرون إلا بأنفسهم وما يشعرون﴾ فذلك أن المكر هو العمل الذي يستبطن شرا وضرا يعود إلى الممكور به فيفسد به غرضه المطلوب ويضل به سعيه ويبطل نجاح عمله، ولا غرض لله سبحانه في دعوته الدينية، ولا نفع فيها إلا ما يعود إلى نفس المدعوين فلو مكر الإنسان مكرا بالله وآياته ليفسد بذلك الغرض من الدعوة ويمنع عن نجاح السعي فيها فإنما مكر بنفسه من حيث لا يشعر: واستضر بذلك هو نفسه دون ربه.

قوله تعالى: ﴿و إذا جاءتهم آية قالوا لن نؤمن - إلى قوله - رسالته﴾ قولهم: ﴿لن نؤمن حتى نؤتى مثل ما أوتي رسل الله﴾ يريدون به أن يؤتوا نفس الرسالة بما لها من مواد الدعوة الدينية دون مجرد المعارف الدينية من أصول وفروع وإلا كان اللفظ المناسب له أن يقال: ﴿مثل ما أوتي أنبياء الله﴾ أو ما يشاكل ذلك كقولهم: ﴿لو لا يكلمنا الله أو تأتينا آية﴾ البقرة: 118 وقولهم: ﴿لو لا أنزل علينا الملائكة أو نرى ربنا﴾ الفرقان: 21.

فمرادهم أنا لن نؤمن حتى نؤتى الرسالة كما أوتيها الرسل، وفيه شيء من الاستهزاء فإنهم ما كانوا قائلين بالرسالة فهو بوجه نظير قولهم: ﴿لو لا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم﴾ الزخرف: 31 كما أن جوابه نظير جوابه وهو قوله تعالى: ﴿أهم يقسمون رحمة ربك﴾ الزخرف: 32 كقوله: ﴿الله أعلم حيث يجعل رسالته﴾.

ومما تقدم يظهر أن الضمير في قوله: ﴿وإذا جاءتهم آية قالوا﴾ إلخ، عائد إلى ﴿أكابر مجرميها﴾ في الآية السابقة، إذ لو رجع إلى عامة المشركين لغا قولهم: ﴿حتى نؤتى مثل ما أوتي رسل الله﴾ إذ لا معنى لرسالة جميع الناس حيث لا أحد يرسلون إليه، ولم يقع قوله: ﴿الله أعلم حيث يجعل رسالته﴾ موقعه بل كان حق الجواب أنه لغو من القول كما عرفت.

ويؤيده الوعيد الذي في ذيل الآية: ﴿سيصيب الذين أجرموا صغار عند الله وعذاب شديد بما كانوا يمكرون﴾ حيث وصفهم بالإجرام وعلل الوعيد بمكرهم، ولم ينسب المكر في الآية السابقة إلا إلى أكابر مجرميها، والصغار الهوان والذلة.

قوله تعالى: ﴿فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام﴾ الشرح هو البسط وقد ذكر الراغب في مفرداته، أن أصله بسط اللحم ونحوه، وشرح الصدر الذي يعد في الكلام وعاء للعلم والعرفان هو التوسعة فيه بحيث يسع ما يصادفه من المعارف الحقة ولا يدفع كلمة الحق إذا ألقيت إليه كما يدل عليه ما ذكر في وصف الإضلال بالمقابلة وهو قوله: ﴿يجعل صدره ضيقا حرجا﴾ إلخ.

فمن شرح الله صدره للإسلام وهو التسليم لله سبحانه فقد بسط صدره ووسعه لتسليم ما يستقبله من قبله تعالى من اعتقاد حق أو عمل ديني صالح فلا يلقي إليه قول حق إلا وعاه ولا عمل صالح إلا أخذ به وليس إلا أن لعين بصيرته نورا يقع على الاعتقاد الحق فينوره أو العمل الصالح فيشرقه خلاف من عميت عين قلبه فلا يميز حقا من باطل ولا صدقا من كذب قال تعالى: ﴿فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور﴾ الحج: 46.

وقد بين تعالى شرح الصدر بهذا البيان في قوله ﴿أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله﴾ فوصفه فعرفه بأن صاحبه راكب نور من الله يشرق قدامه في مسيره ثم عرفه بالمقابلة بلينة في القلب يقبل به ذكر الله ولا يدفعه لقسوة ثم قال: ﴿الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله ذلك هدى الله يهدي به من يشاء ومن يضلل الله فما له من هاد﴾ الزمر: 23 فذكر لين القلب إلى ذكر الله وطوعه للحق وأفاد أن ذلك هو الهدى الإلهي الذي يهدي به من يشاء، وعند ذلك يرجع الآيتان أعني آية الزمر والآية التي نحن فيها إلى معنى واحد وهو أن الله سبحانه عند هدايته عبدا من عباده يبسط صدره فيسع كل اعتقاد حق وعمل صالح ويقبله بلين ولا يدفعه بقسوة وهو نوع من النور المعنوي الذي ينور القول الحق والعمل الصالح وينصر صاحبه فيمسك بما نوره فهذا معرف يعرف به الهداية الإلهية.

ومن هنا يظهر أن الآية أعني قوله: ﴿فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام﴾ بمنزلة بيان آخر لقوله: ﴿أومن كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس﴾ والتفريع الذي في قوله.

﴿فمن يرد الله﴾ إلخ.

من قبيل تفريع أحد البيانين على الآخر بدعوى أنه نتيجته كأن التصادق بين البيانين يجعل أحدهما نتيجة مترتبة وفرعا متفرعا على الآخر، وهو عناية لطيفة.

والمعنى: فإذا كان من أحياه الله بعد ما كان ميتا على هذه الصفة وهي أنه على نور من ربه يستضيء به له واجب الاعتقاد والعمل فيأخذ به فمن يرد الله أن يهديه يوسع صدره لأن يسلم لربه ولا يستنكف عن عبادته فالإسلام نور من الله، والمسلمون لربهم على نور من ربهم.

قوله تعالى: ﴿ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا﴾ إلى آخر الآية، الإضلال مقابل الهداية، ولذا كان أثره مقابلا لأثرها وهو التضييق المقابل للشرح والتوسعة وأثره أن لا يسع ما يتوجه إليه من الحق والصدق، ويتحرج عن دخولهما فيه، ولذا أردف كون الصدر ضيقا بكونه حرجا.

والحرج على ما في المجمع، أضيق الضيق، وقال في المفردات:، أصل الحرج والحراج مجتمع الشيء وتصور منه ضيق ما بينهما فقيل للضيق حرج وللإثم حرج.

فقوله: ﴿حرجا كأنما يصعد في السماء﴾ في محل التفسير لقوله: ﴿ضيقا﴾ وإشارة إلى أن ذلك نوع من الضيق يناظر بوجه التضيق والتحرج الذي يشاهد من الظروف والأوعية إذا أريد إدخال ما هو أعظم منها ووضعه فيها.

وقوله: ﴿كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون﴾ إعطاء ضابط كلي في إضلال الذين لا يؤمنون أنهم يفقدون حال التسليم لله والانقياد للحق، وقد أطلق عدم الإيمان وإن كان مورد الآيات عدم الإيمان بالله سبحانه وهو الشرك به لكن الذي سبق من البيان في الآية يشمل عدم الإيمان بالله وهو الشرك، وعدم الإيمان بآيات الله وهو رد بعض ما أنزله الله من المعارف والأحكام فقد دل على ذلك كله بقوله: ﴿يشرح صدره للإسلام﴾ إلخ، وبقوله سابقا: ﴿وجعلنا له نورا يمشي به﴾ إلخ، وقوله: ﴿يجعل صدره ضيقا حرجا﴾ إلخ، وبقوله سابقا: ﴿في الظلمات ليس بخارج منها﴾.

وقد سمي في الآية الضلال الذي يساوق عدم الإيمان رجسا والرجس هو القذر غير أنه اعتبر فيه نوعا من الاستعلاء الدال عليه قوله: ﴿على الذين لا يؤمنون﴾ كأن الرجس يعلوهم ويحيط بهم فيحول بينهم وبين غيرهم فيتنفر منهم الطباع كما يتنفر من الغذاء الملطخ بالقذر.

وقد استدل بالآية على أن الهدى والضلال من الله لا صنع فيهما لغيره تعالى وهو خطأ فإن الآية - كما عرفت - في مقام بيان حقيقة الهدى والضلال اللذين من الله ونوع تعريف لهما وتحديد لا في مقام بيان انحصارهما فيه وانتفائهما عن غيره كما هو المدعى وهو ظاهر.

ونظير ذلك ما ذكره بعضهم: أن الآية كما تدل بلفظها على قولنا: إن الهداية والضلال من الله، كذلك تدل بلفظها على الدليل العقلي القاطع في هذه المسألة.

بيانه: أن العبد قادر على الإيمان والكفر معا على حد سواء فيمتنع صدور أحدهما عنه بدلا من الآخر إلا إذا اقترن بمرجح يستدعي صدور ما يرجح به وهو الداعي القلبي الذي ليس إلا العلم أو الاعتقاد أو الظن بكون الفعل مشتملا على مصلحة زائدة ومنفعة راجحة من غير ضرر زائد أو مفسدة راجحة، وقد بينا بالدليل أن حصول هذه الدواعي في القلب إنما يكون من الله تعالى، وأن مجموع القدرة والداعي يوجب العمل.

إذا ثبت هذا فنقول: يستحيل صدور الإيمان من العبد إلا إذا خلق الله في قلبه اعتقاد رجحان الإيمان، ومعه يحصل من القلب ميل إليه ومن النفس رغبة فيه وهذا هو انشراح الصدر، ويمتنع الكفر إلا بخلقه ما يقابل ذلك في القلب، ويحصل حينئذ النفرة عنه والاشمئزاز منه وهو المراد بجعل القلب ضيقا حرجا فصار تقدير الآية: أن من أراد الله منه الإيمان قوي دواعيه إليه، ومن أراد منه الكفر قوي صوارفه عن الإيمان وقوي دواعيه إلى الكفر، ولما ثبت بالدليل العقلي أن الأمر كذلك ثبت أن لفظ القرآن مشتمل على هذه الدلائل العقلية.

وفيه أولا: أن انتساب الشيء إليه تعالى من جهة خلقه أسباب وجوده ومقدماته لا يوجب انتفاء نسبته إلى غيره تعالى وإلا أوجب ذلك بطلان قانون العلية العام وببطلانه يبطل القضاء العقلي من رأس فمن الممكن أن تستند الهداية والضلال إلى غيره تعالى استنادا حقيقيا في حين أنهما يستندان إليه تعالى استنادا حقيقيا من غير تناقض.

وثانيا: أن الذي ذكرته الآية من صنعه تعالى في موردي هدايته وإضلاله هو سعة القلب وضيقه، وهما غير رغبة النفس ونفرته البتة فالآية أجنبية عما ذكره أصلا، ومجرد استلزام إرادة الفعل من العبد رغبته وكراهته نفرته منه لا يوجب أن يكون المراد من سعة القلب وضيقه الإرادة والكراهة بالنسبة إلى الأعمال، ففيه مغالطة من باب أخذ أحد المقارنين مكان الآخر ومن عجيب الكلام قوله: إن انطباق الدليل العقلي الذي أقامه بزعمه على الآية يوجب دلالة لفظ الآية عليه.

وثالثا: أنك عرفت أن الآية إنما هي في مقام تعريف ما يصنع الله بعبده إذا أراد هدايته أو ضلالته، وأما أن كل هداية أو ضلالة فهي من الله تعالى دون غيره فذلك أمر أجنبي عن غرض الآية فالآية لا دلالة لها على أن الهداية والضلال من الله سبحانه وإن كان ذلك هو الحق.

قوله تعالى: ﴿وهذا صراط ربك مستقيما﴾ إلى آخر الآية، الإشارة إلى ما تقدم بيانه في الآية السابقة من صنعه عند الهداية والإضلال وقد تقدم معنى الصراط واستقامته، وقد بين تعالى في الآية أن ما ذكره من شرح الصدر للإسلام إذا أراد الهداية ومن جعل الصدر ضيقا حرجا عند إرادة الإضلال هو صراطه المستقيم وسنته الجارية التي لا تختلف ولا تتخلف فما من مؤمن إلا وهو منشرح الصدر للإسلام بالله وغير المؤمن بالعكس من ذلك.

فقوله: ﴿وهذا صراط ربك مستقيما﴾ بيان ثان وتأكيد لكون المعرف المذكور في الآية السابقة معرفا جامعا مانعا للهداية والضلالة ثم أكد سبحانه البيان بقوله: ﴿قد فصلنا الآيات لقوم يذكرون﴾ أي إن القول حق بين عند من تذكر ورجع إلى ما أودعه الله في نفسه من المعارف الفطرية والعقائد الأولية التي بتذكرها يهتدي الإنسان إلى معرفة كل حق وتمييزه من الباطل، والبيان مع ذلك لله سبحانه فإنه هو الذي يهدي الإنسان إلى النتيجة بعد هدايته إلى الحجة.

قوله تعالى: ﴿لهم دار السلام عند ربهم وهو وليهم بما كانوا يعملون﴾ المراد بالسلام هو معناه اللغوي - على ما يعطيه ظاهر السياق - وهو التعري من الآفات الظاهرة والباطنة، ودار السلام هي المحل الذي لا آفة تهدد من حل فيه من موت وعاهة ومرض وفقر وأي عدم وفقد آخر وغم وحزن، وهذه هي الجنة الموعودة ولا سيما بالنظر إلى تقييده بقوله: ﴿عند ربهم﴾.

نعم أولياء الله تعالى يجدون في هذه النشأة ما وعدهم الله من إسكانهم دار السلام لأنهم يرون الملك لله فلا يملكون شيئا حتى يخافوا فقده أو يحزنوا لفقده قال تعالى: ﴿ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون﴾ يونس: 62 وهم لا شغل لهم إلا بربهم خلوا به في حياتهم فلهم دار السلام عند ربهم - وهم قاطنون في هذه الدنيا - وهو وليهم بما كانوا يعملون وهو سيرهم في الحياة بنور الهداية الإلهية الذي جعله في قلوبهم، ونور به أبصارهم وبصائرهم.

وربما قيل: المراد بالسلام هو الله، وداره الجنة، والسياق يأباه وضمائر الجمع في الآية راجعة إلى القوم في قوله: ﴿لقوم يذكرون﴾ - على ما قيل - لأنه أقرب المراجع لرجوعها إليها غير أن التدبر في الآيات يؤيد رجوعها إلى المهتدين بالهداية المذكورة بما أن الكلام فيهم والآيات مسوقة لبيان حسن صنع الله بهم فالوعد الحسن المذكور يجب أن يعود إليهم، وأما القوم المتذكرون فإنما ذكروا ودخلوا في غرض الكلام بالتبع.

كلام في معنى الهداية الإلهية:

الهداية بالمعنى الذي نعرفه كيفما اتخذت هي من العناوين التي تعنون بها الأفعال وتتصف بها، تقول: هديت فلانا إلى أمر كذا إذا ذكرت له كيفية الوصول إليه أو أريته الطريق الذي ينتهي إليه، وهذه هي الهداية بمعنى إراءة الطريق، أو أخذت بيده وصاحبته في الطريق حتى توصله إلى الغاية المطلوبة، وهذه هي الهداية بمعنى الإيصال إلى المطلوب.

فالواقع في الخارج في جميع هذه الموارد هو أقسام الأفعال التي تأتي بها من ذكر الطريق أو إراءته أو المشي مع المهدي وأما الهداية فهي عنوان للفعل يدور مدار القصد كما أن ما يأتيه المهدي من الفعل في أثره معنون بعنوان الاهتداء فما ينسب إليه تعالى من الهداية ويسمى لأجله هاديا وهو أحد الأسماء الحسنى من صفات الفعل المنتزعة من فعله تعالى كالرحمة والرزق ونحوهما.

وهدايته تعالى نوعان: أحدهما الهداية التكوينية وهي التي تتعلق بالأمور التكوينية كهدايته كل نوع من أنواع المصنوعات إلى كماله الذي خلق لأجله وإلى أفعاله التي كتبت له، وهدايته كل شخص من أشخاص الخليقة إلى الأمر المقدر له والأجل المضروب لوجوده قال تعالى: ﴿الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى﴿: طه: 50 وقال: ﴿الذي خلق فسوى، والذي قدر فهدى﴾ الأعلى: 3.

والنوع الثاني: الهداية التشريعية وهي التي تتعلق بالأمور التشريعية من الاعتقادات الحقة والأعمال الصالحة التي وضعها الله سبحانه للأمر والنهي والبعث والزجر ووعد على الأخذ بها ثوابا وأوعد على تركها عقابا.

ومن هذه الهداية ما هي إراءة الطريق كما في قوله تعالى: ﴿إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا﴾ الدهر: 3.

ومنها ما هي بمعنى الإيصال إلى المطلوب كما في قوله تعالى: ﴿ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه أخلد إلى الأرض واتبع هواه﴾ الأعراف: 176 وقد عرف الله سبحانه هذه الهداية تعريفا بقوله: ﴿فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام﴾ الآية: 125 فهي انبساط خاص في القلب يعي به القول الحق والعمل الصالح من غير أن يتضيق به، وتهيؤ مخصوص لا يأبى به التسليم لأمر الله ولا يتحرج عن حكمه.

وإلى هذا المعنى يشير تعالى بقوله: ﴿أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه - إلى أن قال - ذلك هدى الله يهدي به من يشاء﴾ الزمر: 23 وقد وصفه في الآية بالنور لأنه ينجلي به للقلب ما يجب عليه أن يعيه من التسليم لحق القول وصدق العمل عما يجب عليه أن لا يعيه ولا يقبله وهو باطل القول وفاسد العمل.

وقد رسم الله سبحانه لهذه الهداية رسما آخر وهو ما في قوله عقيب ذكره هدايته أنبياءه الكرام وما خصهم به من النعم العظام: ﴿واجتبيناهم وهديناهم إلى صراط مستقيم ذلك هدى الله يهدي به من يشاء من عباده﴾ الأنعام: 88 فقد أوضحنا في تفسير الآية أن الآية تدل على أن من خاصة الهداية الإلهية أنها تورد المهتدين بها صراطا مستقيما وطريقا سويا لا تخلف فيه ولا اختلاف.

فلا بعض أجزاء صراطه الذي هو دينه بما فيه من المعارف والشرائع يناقض البعض الآخر لما أن الجميع يمثل التوحيد الخالص الذي ليس إلا حقيقة ثابتة واحدة، ولما أن كلها مبنية على الفطرة الإلهية التي لا تخطىء في حكمها ولا تتبدل في نفسها ولا في مقتضياتها.

ولا بعض الراكبين عليه السائرين فيه يألفون بعضا آخر فالذي يدعو إليه نبي من أنبياء الله هو الذي يدعو إليه جميعهم، والذي يندب إليه خاتمهم وآخرهم هو الذي يندب إليه آدمهم وأولهم من غير أي فرق إلا من حيث الإجمال والتفصيل.

بحث روائي:

في الكافي، بإسناده عن زيد قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: في قول الله تبارك وتعالى: ﴿أومن كان ميتا فأحييناه - وجعلنا له نورا يمشي به في الناس﴾ فقال: ميت لا يعرف شيئا ﴿نورا يمشي به في الناس﴾ إماما يأتم به ﴿كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها﴾ قال: الذي لا يعرف الإمام.

أقول: وهو من قبيل الجري والانطباق فسياق الآية يأبى إلا أن تكون الحياة هو الإيمان والنور هو الهداية الإلهية إلى القول الحق والعمل الصالح.

وقد روى السيوطي في الدر المنثور، عن زيد بن أسلم: أن الآية نزلت في عمار بن ياسر:، وروي أيضا عن ابن عباس وزيد بن أسلم: أنها نزلت في عمر بن الخطاب وأبي جهل بن هشام والسياق يأبى كون الآية خاصة.

وفي الدر المنثور، أخرج ابن أبي شيبة وابن أبي الدنيا وابن جرير وأبو الشيخ وابن مردويه والحاكم والبيهقي في الشعب من طرق عن ابن مسعود قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حين نزلت هذه الآية: ﴿فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام﴾ قال: إذا أدخل الله النور القلب انشرح وانفسح. قالوا: فهل لذلك آية يعرف بها؟ قال: الإنابة إلى دار الخلود والتجافي عن دار الغرور والاستعداد للموت قبل نزول الموت:. أقول: ورواه أيضا عدة من المفسرين عن جمع من التابعين كأبي جعفر المدائني والفضل والحسن وعبد الله بن السور عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم).

وفي العيون، بإسناده عن حمدان بن سليمان النيشابوري قال: سألت أبا الحسن الرضا (عليه السلام) عن قول الله عز وجل: ﴿فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام﴾ قال: فمن يرد الله أن يهديه بإيمانه في الدنيا وإلى جنته ودار كرامته في الآخرة يشرح صدره للتسليم لله والثقة به والسكون إلى ما وعد من ثوابه حتى يطمئن إليه، ومن يرد أن يضله عن جنته ودار كرامته في الآخرة لكفره به وعصيانه له في الدنيا يجعل صدره ضيقا حرجا حتى يشك في كفره ويضطرب عن اعتقاده حتى يصير كأنما يصعد في السماء كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون.

أقول: وفي الحديث نكات حسنة تشير إلى ما شرحناه في البيان المتقدم.

وفي الكافي، بإسناده عن سليمان بن خالد عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال: إن الله عز وجل إذا أراد بعبد خيرا نكت في قلبه نكتة من نور، وفتح مسامع قلبه، ووكل به ملكا يسدده وإذا أراد بعبد سوء نكت في قلبه نكتة سوداء وسد مسامع قلبه، ووكل به شيطانا يضله ثم تلا هذه الآية: فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام - ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا - كأنما يصعد في السماء.

أقول: ورواه العياشي في التفسير مرسلا والصدوق في التوحيد مسندا عنه (عليه السلام).

وفي الكافي، بإسناده عن الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن القلب يتلجلج في الجوف يطلب الحق فإذا جاء به اطمأن وقر ثم تلا: ﴿فمن يرد الله أن يهديه إلى قوله في السماء﴾ أقول: ورواه العياشي في تفسيره عن أبي جميلة عن عبد الله بن جعفر عن أخيه موسى (عليه السلام).

وفي تفسير العياشي، عن أبي بصير عن خيثمة قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: إن القلب يتقلب من لدن موضعه إلى حنجرته ما لم يصب الحق فإذا أصاب الحق قر ثم ضم أصابعه ثم قرأ هذه الآية: ﴿فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام - ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا﴾ قال: وقال أبو عبد الله (عليه السلام) لموسى بن أشيم: أ تدري ما الحرج؟ قال: قلت: لا فقال بيده وضم أصابعه؟ كالشيء المصمت لا يدخل فيه شيء ولا يخرج منه شيء.

أقول: وروى ما يقرب منه في تفسير البرهان، عن الصدوق وروى صدر الحديث البرقي في المحاسن، عن خيثمة عن أبي جعفر (عليه السلام) وما فسر به الحرج يناسب ما تقدم نقله من الراغب.

وفي الاختصاص، بإسناده عن آدم بن الحر قال: سأل موسى بن أشيم أبا عبد الله (عليه السلام) وأنا حاضر عن آية في كتاب الله فخبره بها فلم يبرح حتى دخل رجل فسأله عن تلك الآية بعينها فخبره بخلاف ما خبر به موسى بن أشيم. ثم قال ابن أشيم: فدخلني من ذلك ما شاء الله حتى كأن قلبي يشرح بالسكاكين وقلت: تركنا أبا قتادة لا يخطىء في الحرف الواحد: الواو وشبهها، وجئت لمن يخطىء هذا الخطأ كله فبينا أنا في ذلك إذ دخل عليه رجل آخر فسأله عن تلك الآية بعينها فخبر بخلاف ما خبرني وخلاف الذي خبر به الذي سأله بعدي فتجلى عني وعلمت أن ذلك بعمد فحدثت نفسي بشيء. فالتفت إلي أبو عبد الله (عليه السلام) فقال: يا بن أشيم لا تفعل كذا وكذا فبان حديثي عن الأمر الذي حدثت به نفسي ثم قال: يا بن أشيم إن الله فوض إلى سليمان بن داود فقال: ﴿هذا عطاؤنا فامنن أو أمسك بغير حساب﴾ وفوض إلى نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) فقد فوض إلينا يا بن أشيم فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام - ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا، أتدري ما الحرج: فقلت لا، فقال بيده وضم أصابعه: هو الشيء المصمت الذي لا يخرج منه شيء ولا يدخل فيه شيء.

أقول: مسألة التفويض إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والأئمة من ولده وإن وردت في تفسيره عدة أحاديث لكن الذي يدل عليه هذا الحديث معناه إنباؤهم من العلم بكتاب الله ما لا ينحصر في وجه ووجهين وتسليطهم عليه بالإذن في بث ما شاءوا منها، يستفاد ذلك من تطبيق ما ذكره (عليه السلام) في أمر سليمان بن داود من التفويض المستفاد من الآية الكريمة، ولا يبعد أن يكون المراد من تلاوة الآية الإشارة إلى ذلك، وإن كان الظاهر أن المراد به بيان حال القلوب بمناسبة ما ابتلي به موسى بن أشيم من اضطراب القلب وقلقه.

وفي تفسير القمي،: في الآية قال: قال: مثل شجرة حولها أشجار كثيرة فلا تقدر أن تلقي أغصانها يمنة ويسرة فتمر في السماء ويستمر حرجه.

أقول: وذلك أيضا يناسب ما فسر به الراغب معنى الحرج.

وفي تفسير العياشي، عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام): في قوله: ﴿كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون﴾ قال هو الشك.

أقول: وهو من قبيل التطبيق وبيان بعض المصاديق.