الآيات 96 - 99

وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُّبِينٍ ﴿96﴾ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَاتَّبَعُواْ أَمْرَ فِرْعَوْنَ وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ ﴿97﴾ يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ ﴿98﴾ وَأُتْبِعُواْ فِي هَذِهِ لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ ﴿99﴾

بيان:

إشارة إلى قصة موسى - الكليم - (عليه السلام)، وهو أكثر الأنبياء ذكرا في القرآن ذكر باسمه في مائة ونيف وثلاثين موضعا منه في بضع وثلاثين سورة وقد اعتنى بتفصيل قصته أكثر من غيره غير أنه تعالى أجمل القول فيها في هذه السورة فاكتفى بالإشارة الإجمالية إليها.

قوله تعالى: ﴿ولقد أرسلنا موسى بآياتنا وسلطان مبين﴾ الباء في قوله بآياتنا للمصاحبة أي ولقد أرسلنا موسى مصحوبا لآياتنا وذلك أن الذين بعثهم الله من الأنبياء والرسل وأيدهم بالآيات المعجزة طائفتان منهم من أوتي الآية المعجزة على حسب ما اقترحه قومه كصالح (عليه السلام) المؤيد بآية الناقة، وطائفة أيدوا بآية من الآيات في بدء بعثتهم كموسى وعيسى ومحمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، كما قال تعالى خطابا لموسى (عليه السلام): ﴿اذهب أنت وأخوك بآياتي﴾ طه: 42، وقال في عيسى (عليه السلام): ﴿ورسولا إلى بني إسرائيل أني قد جئتكم بآية من ربكم﴾ إلخ، آل عمران: 49، وقال في محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ﴿هو الذي أرسل رسوله بالهدى﴾ الصف: 9، والهدى القرآن بدليل قوله: ﴿ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين﴾ البقرة: 2، وقال تعالى: ﴿واتبعوا النور الذي أنزل معه﴾ الأعراف: 157.

فموسى (عليه السلام) مرسل مع آيات وسلطان مبين، وظاهر أن المراد بهذه الآيات الأمور الخارقة التي كانت تجري على يده، ويدل على ذلك سياق قصصه (عليه السلام) في القرآن الكريم.

وأما السلطان وهو البرهان والحجة القاطعة التي يتسلط على العقول والأفهام فيعم الآية المعجزة والحجة العقلية، وعلى تقدير كونه بهذا المعنى يكون عطفه على الآيات من قبيل عطف العام على الخاص.

وليس من البعيد أن يكون المراد بإرساله بسلطان مبين أن الله سبحانه سلطه على الأوضاع الجارية بينه وبين آل فرعون ذاك الجبار الطاغي الذي ما ابتلي بمثله أحد من الرسل غير موسى (عليه السلام) لكن الله تعالى أظهر موسى عليه حتى أغرقه وجنوده ونجى بني إسرائيل بيده، ويشعر بهذا المعنى قوله: ﴿قالا ربنا إننا نخاف أن يفرط علينا أو أن يطغى قال لا تخافا إنني معكما أسمع وأرى﴾ طه: 46، وقوله لموسى (عليه السلام): ﴿لا تخف إنك أنت الأعلى﴾ طه: 68.

وفي هذه الآية ونظائرها دلالة واضحة على أن رسالة موسى (عليه السلام) ما كانت تختص بقومه من بني إسرائيل بل كانت تعمهم وغيرهم.

قوله تعالى: ﴿إلى فرعون وملإيه فاتبعوا أمر فرعون وما أمر فرعون برشيد﴾ نسبة رسالته إلى فرعون وملئه - والملأ هم أشراف القوم وعظماؤهم الذين يملئون القلوب هيبة - دون جميع قومه لعلها للإشارة إلى أن عامتهم لم يكونوا إلا أتباعا لا رأي لهم إلا ما رآه لهم عظماؤهم.

وقوله: ﴿فاتبعوا أمر فرعون﴾ إلخ، الظاهر أن المراد بالأمر ما هو الأعم من القول والفعل كما حكى الله عن فرعون في قوله: ﴿قال فرعون ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد﴾ المؤمنون: 29، فينطبق على السنة والطريقة التي كان يتخذها ويأمر بها.

وكان الآية محاذاة لقول فرعون هذا فكذبه الله تعالى بقوله: ﴿وما أمر فرعون برشيد﴾.

والرشيد فعيل من الرشد خلاف الغي أي وما أمر فرعون بذي رشد حتى يهدي إلى الحق بل كان ذا غي وجهالة، وقيل: الرشيد بمعنى المرشد.

وفي الجملة أعني قوله: ﴿وما أمر فرعون برشيد﴾ وضع الظاهر موضع المضمر والأصل ﴿أمره﴾ ولعل الفائدة فيه ما يفيده اسم فرعون من الدليل على عدم رشد الأمر ولا يستفاد ذلك من الضمير البتة.

قوله تعالى: ﴿يقدم قومه يوم القيامة فأوردهم النار وبئس الورد المورود﴾ أي يقدم فرعون قومه فإنهم اتبعوا أمره فكان إماما لهم من أئمة الضلال، قال تعالى: ﴿وجعلناهم أئمة يدعون إلى النار﴾ القصص: 41.

وقوله: ﴿فأوردهم النار﴾ تفريع على سابقه أي يقدمهم فيوردهم النار، والتعبير بلفظ الماضي لتحقق الوقوع، وربما قيل: تفريع على قوله: ﴿فاتبعوا أمر فرعون﴾ أي اتبعوه فأوردهم الاتباع النار، وقد استدل لتأييد هذا المعنى بقوله: ﴿وحاق بآل فرعون سوء العذاب النار يعرضون عليها غدوا وعشيا ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب﴾ المؤمنون: 46 حيث تدل الآيات على تعذيبهم من حين الموت قبل يوم القيامة هذا، ولا يخفى أن الآيات ظاهرة في خلاف ما استدل بها عليه لتعبيرها في العذاب قبل يوم القيامة بالعرض غدوا وعشيا، وفي يوم القيامة بالدخول في أشد العذاب الذي سجل فيها أنه النار.

وقوله: ﴿وبئس الورد المورود﴾ الورد هو الماء الذي يرده العطاش من الحيوان والإنسان للشرب، قال الراغب في المفردات،: الورود أصله قصد الماء ثم يستعمل في غيره يقال: وردت الماء أرد ورودا فأنا وارد والماء مورود.

وقد أوردت الإبل الماء قال: ﴿ولما ورد ماء مدين﴾ والورد الماء المرشح للورود.

وعلى هذا ففي الكلام استعارة لطيفة بتشبيه الغاية التي يقصدها الإنسان في الحياة لمساعيه المبذولة بالماء الذي يقصده العطشان فعذب السعادة التي يقصدها الإنسان بأعماله ورد يرده، وسعادة الإنسان الأخيرة هي رضوان الله والجنة لكنهم لما غووا باتباع أمر فرعون وأخطئوا سبيل السعادة الحقيقية تبدلت غايتهم إلى النار فكانت النار هو الورد الذي يردونه، وبئس الورد المورود لأن الورد، هو الذي يخمد لهيب الصدر ويروي الحشا العطشان وهو عذب الماء ونعم المنهل السائغ وأما إذا تبدل إلى عذاب النار فبئس الورد المورود.

قوله تعالى: ﴿وأتبعوا في هذه لعنة ويوم القيامة بئس الرفد المرفود﴾ أي هم اتبعوا أمر فرعون فأتبعتهم لعنة من الله في هذه الدنيا وإبعاد من رحمته وطرد من ساحة قربه، ومصداق اللعن الذي أتبعوه هو الغرق، أو أنه الحكم منه تعالى بإبعادهم من الرحمة المكتوب في صحائف أعمالهم الذي من آثاره الغرق وعذاب الآخرة.

وقوله: ﴿ويوم القيامة بئس الرفد المرفود﴾ الرفد هو العطية والأصل في معناه العون، وسميت العطية رفدا ومرفودا لأنه عون للآخذ على حوائجه والمعنى وبئس الرفد رفدهم يوم القيامة وهو النار التي يسجرون فيها، والآية نظيرة قوله في موضع آخر: ﴿وأتبعناهم في هذه الدنيا لعنة ويوم القيامة هم من المقبوحين﴾ القصص: 42.

وربما أخذ: ﴿يوم القيامة﴾ ظرفا فالآية متعلقا بقوله: ﴿أتبعوا﴾ أو بقوله: ﴿لعنة﴾ نظير قوله: ﴿في هذه﴾ والمعنى: وأتبعهم الله في الدنيا والآخرة لعنة أو فأتبعهم الله لعنة الدنيا والآخرة ثم استؤنف فقيل: بئس الرفد المرفود اللعن الذي أتبعوه أو الإتباع باللعن.