الآيات 17 - 24

أَفَمَن كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إَمَامًا وَرَحْمَةً أُوْلَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَن يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ فَلاَ تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِّنْهُ إِنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يُؤْمِنُونَ ﴿17﴾ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبًا أُوْلَئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الأَشْهَادُ هَؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى رَبِّهِمْ أَلاَ لَعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ ﴿18﴾ الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُم بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ ﴿19﴾ أُولَئِكَ لَمْ يَكُونُواْ مُعْجِزِينَ فِي الأَرْضِ وَمَا كَانَ لَهُم مِّن دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ يُضَاعَفُ لَهُمُ الْعَذَابُ مَا كَانُواْ يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَمَا كَانُواْ يُبْصِرُونَ ﴿20﴾ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ ﴿21﴾ لاَ جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الآخِرَةِ هُمُ الأَخْسَرُونَ ﴿22﴾ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ وَأَخْبَتُواْ إِلَى رَبِّهِمْ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴿23﴾ مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالأَعْمَى وَالأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ ﴿24﴾

بيان:

ظاهر الآيات أنها واقعة موقع التطييب لنفس النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وتقوية إيمانه بكتاب الله وتأكيد ما عنده من البصيرة في أمره فالكلام جار على ما كان عليه من خطابه (صلى الله عليه وآله وسلم) فقد كان وجه الكلام إليه حتى انتهى إلى ما اتهموه به من الافتراء على الله سبحانه فأمره أن يتحدى عليهم بإتيان عشر سور مثله مفتريات ثم أمره أن يطيب نفسا ويثبت على ما عنده من العلم بأنه منزل من عند الله فإنما هو على الحق وليس بمفتر فلا يستوحش من إعراض الأكثرين ولا يرتاب.

قوله تعالى: ﴿أفمن كان على بينة من ربه ويتلوه شاهد منه ومن قبله كتاب موسى إماما ورحمة﴾ الجملة تفريع على ما مضى من الكلام الذي هو في محل الاحتجاج على كون القرآن كتابا منزلا من عند الله سبحانه، و﴿من﴾ مبتدأ خبره محذوف والتقدير: كغيره، أو ما يؤدي معناه، والدليل عليه قوله تلوا: ﴿أولئك يؤمنون به ومن يكفر به من الأحزاب فالنار موعده﴾ .

والاستفهام إنكاري والمعنى: ليس من كان كذا وكذا كغيره ممن ليس كذلك وأنت على هذه الصفات فلا تك في مرية من القرآن.

وقوله: ﴿على بينة من ربه﴾ البينة صفة مشبهة معناها الظاهرة الواضحة غير أن الأمور الظاهرة الواضحة ربما أوضحت ما ينضم إليها ويتعلق بها كالنور الذي هو بين ظاهر ويظهر به غيره، ولذلك كثر استعمال البينة فيما يتبين به غيره كالحجة والآية، ويقال للشاهد على دعوى المدعي بينة.

وقد سمى الله تعالى الحجة بينة كما في قوله: ﴿ليهلك من هلك عن بينة﴾ الأنفال: - 42 وسمى آيته بينة كما في قوله: ﴿قد جاءتكم بينة من ربكم هذه ناقة الله لكم آية﴾ الأعراف: 73 وسمى البصيرة الخاصة الإلهية التي أوتيها الأنبياء بينة كما في قوله حكاية عن نوح (عليه السلام): ﴿يا قوم أرأيتم إن كنت على بينة من ربي وآتاني رحمة من عنده﴾ هود: 28 أو مطلق البصيرة الإلهية كما هو ظاهر قوله تعالى: ﴿أفمن كان على بينة من ربه كمن زين له سوء عمله واتبعوا أهواءهم﴾ محمد: 14 وقد قال تعالى في معناه: ﴿أومن كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها﴾ الأنعام: 122.

والظاهر أن المراد بالبينة في المقام هو هذا المعنى الأخير العام بقرينة قوله بعد: ﴿أولئك يؤمنون به﴾ وإن كان المراد به بحسب المورد هو النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فإن الكلام مسوق ليتفرع عليه قوله: ﴿فلا تك في مرية منه﴾ .

فالمراد بها البصيرة الإلهية التي أوتيها النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لا نفس القرآن النازل عليه فإنه لا يحسن ظاهرا أن يتفرع عليه قوله: ﴿فلا تك في مرية منه﴾ وهو ظاهر ولا ينافيه كون القرآن في نفسه بينة من الله من جهة كونه آية منه تعالى كما في قوله: ﴿قل إني على بينة من ربي وكذبتم به﴾ الأنعام: 57 فإن المقام غير المقام.

وبما مر يظهر أن قول من يقول: إن المراد بمن كان إلخ، النبي خاصة إرادة استعمالية ليس في محله وإنما هو مراد بحسب انطباق المورد.

وكذا قول من قال: إن المراد به المؤمنون من أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فلا دليل على التخصيص.

ويظهر أيضا فساد القول بأن المراد بالبينة هو القرآن، وكذا القول بأنها حجة العقل وأضيفت إلى الرب تعالى لأنه ينصب الأدلة العقلية والنقلية.

ووجه فساده أنه لا دليل على التخصيص ولا تقاس البينة القائمة للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من ناحيته تعالى بالتعريف الإلهي القائم لنا من ناحية العقول.

وقوله تعالى: ﴿ويتلوه شاهد منه﴾ المراد بالشهادة تأدية الشهادة التي تفيد صحة الأمر المشهود له دون تحملها فإن المقام مقام تثبيت حقية القرآن وهو إنما يناسب الشهادة بمعنى التأدية لا بمعنى التحمل.

والظاهر أن المراد بهذا الشاهد بعض ما أيقن بحقية القرآن وكان على بصيرة إلهية من أمره فآمن به عن بصيرته وشهد بأنه حق منزل من عند الله تعالى كما يشهد بالتوحيد والرسالة فإن شهادة الموقن البصير على أمر تدفع عن الإنسان مرية الاستيحاش وريب التفرد فإن الإنسان إذا أذعن بأمر وتفرد فيه ربما أوحشه التفرد فيه إذا لم يؤيده أحد في القول به أما إذا قال به غيره من الناس وأيد نظره في ذلك زالت عنه الوحشة وقوي قلبه وارتبط جأشه وقد احتج تعالى بما يماثل هذا المعنى في قوله: ﴿قل أرأيتم إن كان من عند الله وكفرتم به وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله فآمن واستكبرتم﴾ الأحقاف: 10.

وعلى هذا فقوله: ﴿يتلوه﴾ من التلو لا من التلاوة، والضمير فيه راجع إلى ﴿من﴾ أو إلى ﴿بينة﴾ باعتبار أنه نور أو دليل، ومآل الوجهين واحد فإن الشاهد الذي يلي صاحب البينة يلي بينته كما يلي نفسه والضمير في قوله: ﴿منه﴾ راجع إلى ﴿من﴾ دون قوله: ﴿ربه﴾ وعدم رجوعه إلى البينة ظاهر ومحصل المعنى: من كان على بصيرة إلهية من أمر ولحق به من هو من نفسه فشهد على صحة أمره واستقامته.

وعلى هذا الوجه ينطبق ما ورد في روايات الفريقين أن المراد بالشاهد علي (عليه السلام) إن أريد به أنه المراد بحسب انطباق المورد لا بمعنى الإرادة الاستعمالية.

وللقوم في معنى الجملة أقوال شتى فقيل: إن ﴿يتلو﴾ من التلاوة كما قيل: إنه من التلو، وقيل: إن الضمير في ﴿يتلوه﴾ راجع إلى ﴿بينة﴾ كما قيل: إنه راجع إلى ﴿من﴾ .

وقيل: المراد بالشاهد القرآن: وقيل: جبرائيل يتلو القرآن على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ولعله مأخوذ من قوله تعالى: ﴿لكن الله يشهد بما أنزل إليك أنزله بعلمه والملائكة يشهدون﴾ النساء: 166، وقيل: الشاهد ملك يسدد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ويحفظه القرآن، ولعله لنوع من الاستناد إلى الآية المذكورة.

وقيل: الشاهد هو النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وقد قال تعالى: ﴿يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا﴾ الأحزاب: 45، وقيل: شاهد منه لسانه أي يتلو القرآن بلسانه.

وقيل: الشاهد علي بن أبي طالب (عليه السلام)، وقد وردت به عدة روايات من طرق الشيعة وأهل السنة.

والتأمل في سياق الآية وظاهر جملها يكفي مئونة إبطال هذه الوجوه غير ما قدمناه من معنى الآية فلا نطيل الكلام بالبحث عنها والمناقشة فيها.

وقوله تعالى: ﴿ومن قبله كتاب موسى إماما ورحمة﴾ الضمير راجع إلى الموصول أو إلى البينة على حد ما ذكرناه في ضمير ﴿يتلوه﴾ والجملة حال بعد حال أي أ فمن كان على بصيرة إلهية ينكشف له بها أن القرآن حق منزل من عند الله والحال أن معه شاهدا منه يشهد بذلك عن بصيرة والحال أن هذا الذي هو على بينة سبقه كتاب موسى إماما ورحمة أو قبل بينته التي منها القرآن أو هي القرآن المشتمل على المعارف والشرائع الهادية إلى الحق كتاب موسى إماما فليس هو أو ما عنده من البينة ببدع من الأمر غير مسبوق بمثل ونظير بل هناك طريق مسلوك من قبل يهدي إليه كتاب موسى.

ومن هنا يظهر وجه توصيف كتاب موسى وهو التوراة بالإمام والرحمة فإنه مشتمل على معارف حقة وشريعة إلهية يؤتم به في ذلك ويتنعم بنعمته، وقد ذكره الله بهذا الوصف في موضع آخر من كلامه فقال: ﴿قل أرأيتم إن كان من عند الله وكفرتم به وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله فآمن واستكبرتم- إلى أن قال - وقال الذين كفروا للذين آمنوا لو كان خيرا ما سبقونا إليه وإذ لم يهتدوا به فسيقولون هذا إفك قديم ومن قبله كتاب موسى إماما ورحمة وهذا كتاب مصدق لسانا عربيا لينذر الذين ظلموا وبشرى للمحسنين﴾ الأحقاف: 12.

والآيات - كما ترى - أقرب الآيات مضمونا من الآية المبحوث عنها تذكر أولا: أن القرآن بينة إلهية أو أمر قامت عليه بينة إلهية ثم تذكر شهادة الشاهد من بني إسرائيل عليه وتأيده بها ثم تذكر أنه مسبوق فيما يتضمنه من المعارف والشرائع بكتاب موسى الذي كان إماما ورحمة يأتم به الناس ويهتدون، وطريقا مسلوكا مجربا، والقرآن كتاب مثله مصدق له منزل من عند الله لإنذار الظالمين وتبشير المحسنين.

ومن هنا يظهر أيضا: أن قوله: ﴿إماما ورحمة﴾ حال من كتاب موسى لا من قوله: ﴿شاهد منه﴾ على ما ذكره بعضهم.

قوله تعالى: ﴿أولئك يؤمنون به ومن يكفر به من الأحزاب فالنار موعده﴾ المشار إليهم بقوله: ﴿أولئك﴾ بناء على ما تقدم من معنى صدر الآية هم الذين كانوا على بينة من ربهم المدلول عليهم بقوله: ﴿أفمن كان﴾ إلخ، وأما إرجاع الإشارة إلى المؤمنين لدلالة السياق عليهم فبعيد عن الفهم.

وكذا الضمير في قوله: ﴿به﴾ راجع إلى القرآن من جهة أنه بينة منه تعالى أو أمر قامت عليه البينة، وأما إرجاعه إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فلا يلائم ما قررناه من معنى الآية فإن في صدر الآية بيان حال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بنحو العموم حتى يتفرع عليه قوله: ﴿فلا تك في مرية منه﴾ كأنه قيل: إنك على بينة كذا ومعك شاهد وقبلك كتاب موسى، ومن كان على هذه الصفة يؤمن بما أوتي من كتاب الله، ولا يصح أن يقال: ومن كان على هذه الصفة يؤمن بك، والكلام في الضمير في ﴿ومن يكفر به﴾ كالكلام في ضمير ﴿يؤمنون به﴾.

وأمر الآية فيما يحتمله مفردات ألفاظها وضمائرها عجيب فضرب بعضها في بعض يرقى إلى ألوف من المحتملات بعضها صحيح وبعضها خلافه.

قوله تعالى: ﴿فلا تك في مرية منه إنه الحق من ربك ولكن أكثر الناس لا يؤمنون﴾ المرية كجلسة النوع من الشك، والجملة تفريع على صدر الآية، والمعنى أن من كان على بينة من ربه في أمر وقد شهد عليه شاهد منه وقبله إمام ورحمة ككتاب موسى ليس كغيره من الناس الغافلين المغفلين فهو يؤمن بما عنده من أمر الله ولا يوحشه إعراض أكثر الناس عما عنده، وأنت كذلك فإنك على بينة من ربك ويتلوك شاهد ومن قبلك كتاب موسى إماما ورحمة وإذا كان كذلك فلا تك في مرية من أمر ما أنزل إليك من القرآن إنه محض الحق من جانب الله ولكن أكثر الناس لا يؤمنون.

وقوله: ﴿إنه الحق من ربك﴾ تعليل للنهي وقد أكد بإن ولام الجنس للدلالة على توافر الأسباب النافية للمرية وهي قيام البينة وشهادة الشاهد وتقدم كتاب موسى إماما ورحمة.

قوله تعالى: ﴿ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا﴾ إلى آخر الآية، من الممكن أن يكون ذيلا للسياق السابق من حيث كان تطييبا لنفس النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فيئول المعنى إلى أنك إذ كنت على بينة من ربك لست بظالم فحاشاك أن تكون مفتريا على الله الكذب لأن المفتري على الله كذبا من أظلم الظالمين، ولهم من وبال كذبهم كذا وكذا.

وكيف كان فالمراد بافتراء الكذب على الله سبحانه توصيفه تعالى بما ليس فيه أو نسبة شيء إليه بغير الحق أو بغير علم، والافتراء من أظهر أفراد الظلم والإثم، ويعظم الظلم بعظم متعلقه حتى إذا انتهى إلى ساحة العظمة والكبرياء كان من أعظم الظلم.

والكلام واقع موقع قلب الدعوى عليهم إذ كانوا يقولون للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم): إنه افترى على الله كذبا بنسبة القرآن إليه فقلب القول عليهم أنهم هم الذين افتروا على الله كذبا إذا أثبتوا له شركاء بغير علم وهو الله لا إله إلا هو، وإذ صدوا عن سبيل الله ومعناه نفي كونه سبيلا لله وهو افتراء، وإذ طلبوا سبيلا أخرى فاستنوا بها في حياتهم وكان ذلك تغييرا لسبيل الله التي تهدي إليها الفطرة والنبوة، وإذ كفروا بالآخرة فنفوها وذلك إثبات مبدأ من غير معاد ونسبة اللغو وفعل الباطل إليه تعالى وهو افتراء عليه.

وبالجملة انتحالهم بغير دين الله ونحلته، وأخذهم بالعقائد الباطلة في المبدإ والمعاد واستنانهم بغير سنة الله في حياتهم الدنيوية الاجتماعية - والذي من الله إنما هو الحق ولا سنة عند الله إلا دين الحق - افتراء على الله، وسيشهد عليهم الأشهاد بذلك يوم يعرضون على ربهم.

وقوله تعالى: ﴿أولئك يعرضون على ربهم﴾ العرض إظهار الشيء ليرى ويوقف عليه، ولما كان ارتفاع الحجب بينهم وبين ربهم يوم القيامة بظهور آياته ووضوح الحق الصريح من غير شاغل يشغل عنه حضورا اضطراريا منهم لفصل القضاء سماه عرضا لهم على ربهم كما سمي بوجه آخر بروزا منهم لله فقال: ﴿يوم هم بارزون لا يخفى على الله منهم شيء﴾ المؤمنون: 16، وقال: ﴿وبرزوا لله الواحد القهار﴾ إبراهيم: 48 فقال: ﴿أولئك يعرضون على ربهم﴾ أي يأتي بهم الملائكة الموكلون بهم فيوقفونهم موقفا ليس بينهم وبين ربهم حاجب حائل لفصل القضاء.

وقوله: ﴿ويقول الأشهاد هؤلاء الذين كذبوا على ربهم﴾ الأشهاد جمع شهيد كأشراف جمع شريف وقيل: جمع شاهد كأصحاب جمع صاحب، ويؤيد الأول قوله تعالى: ﴿فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد﴾ النساء: 41 وقوله: ﴿وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد﴾ ق: 21.

وقول الأشهاد هؤلاء الذين كذبوا على ربهم شهادة منهم عليهم بالافتراء على الله أي سجل عليهم بأنهم المفترون من جهة شهادة الأشهاد عليهم بذلك في موقف لا يذكر فيه إلا الحق ولا مناص فيه عن الاعتراف والقبول كما قال تعالى: ﴿لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا﴾ النبأ: 38 وقال تعالى: ﴿يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا﴾ آل عمران: 30.

قوله تعالى: ﴿ألا لعنة الله على الظالمين الذين يصدون عن سبيل الله﴾ إلخ، تتمة قول الأشهاد، والدليل عليه قوله تعالى: ﴿فأذن مؤذن بينهم أن لعنة الله على الظالمين الذين يصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجا وهم بالآخرة كافرون﴾ الأعراف: 45.

وهذا القول منهم المحكي في كلامه تعالى تثبيت منهم للبعد واللعن على الظالمين وتسجيل للعذاب، وليس اللعن والرحمة يوم القيامة كاللعن والرحمة في الدنيا كما في قوله تعالى: ﴿أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون﴾ البقرة: 159 وذلك أن الدنيا دار عمل ويوم القيامة يوم جزاء فما فيه من لعنة أو رحمة هو إيصال ما ادخر لهم إليهم فلعن اللاعن أحدا يوم القيامة طرده من رحمة الله الخاصة بالمؤمنين وتسجيل عذاب البعد عليه.

ثم فسر سبحانه الظالمين بقوله حكاية عنهم: ﴿الذين يصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجا وهم بالآخرة هم كافرون﴾ فهم الذين لا يذعنون بيوم الحساب حتى يعملوا له وإنما يعملون للدنيا ويسلكون من طريق الحياة ما يتمتعون به للدنيا المادية فحسب، وهو السنة الاجتماعية غير المعتنية بما يريده الله من عباده من دين الحق وملة الفطرة فهؤلاء سواء اعتقدوا بصانع وعملوا بسنة محرفة منحرفة عن دين الفطرة وهو الإسلام أم لم يعتقدوا به ممن يقول: إن هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر، ظالمون مفترون على الله الكذب، وقد تقدم بعض الكلام المتعلق بهذه المعاني في سورة الأعراف آية 44 - 45.

وقد بان مما تقدم من البحث في الآيتين أولا: أن الدين في عرف القرآن هو السنة الاجتماعية الدائرة في المجتمع.

وثانيا: أن السنن الاجتماعية إما دين حق فطري وهو الإسلام أو دين محرف عن الدين الحق وسبيل الله عوجا.

قوله تعالى: ﴿أولئك لم يكونوا معجزين في الأرض وما كان لهم من دون الله من أولياء﴾ إلى آخر الآية.

الإشارة إلى المفترين على الله الموصوفين بما مر في الآيتين السابقتين.

والمقام يدل على أن المراد من كونهم غير معجزين في الأرض أنهم لم يكونوا معجزين لله سبحانه في حياتهم الأرضية حيث خرجوا عن زي العبودية فأخذوا يفترون على الله الكذب ويصدون عن سبيله ويبغونها عوجا فكل ذلك لا لأن قدرتهم المستعارة فاقت قدرة الله سبحانه ومشيتهم سبقت مشيته، ولا لأنهم خرجوا من ولاية الله فدخلوا في ولاية غيره وهم الذين اتخذوهم أولياء من أصنامهم وكذا سائر الأسباب التي ركنوا إليها، وذلك قوله: ﴿وما كان لهم من دون الله من أولياء﴾.

وبالجملة لا قدرتهم غلبت قدرة الله سبحانه ولا شركاؤهم الذين يسمونهم أولياء لأنفسهم أولياء لهم بالحقيقة يدبرون أمرهم ويحملونهم على ما يأتون به من البغي والظلم بل الله سبحانه هو وليهم وهو المدبر لأمرهم يجازيهم على سوء نياتهم وأعمالهم بما يجرهم إلى سوء العذاب ويستدرجهم من حيث لا يشعرون كما قال تعالى: ﴿فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم﴾ الصف: 5، وقال: ﴿يضل به كثيرا ويهدي به كثيرا وما يضل به إلا الفاسقين﴾ البقرة: 26.

وقوله: ﴿يضاعف لهم العذاب﴾ ذلك لأنهم فسقوا ثم لجوا عليه أو لأنهم عصوا الله بأنفسهم وحملوا غيرهم على معصية الله فيضاعف لهم العذاب كما ضاعفوا المعصية قال تعالى: ﴿ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم﴾ النحل: 25 وقال: ﴿ونكتب ما قدموا وآثارهم﴾ يس: 12.

وقوله: ﴿ما كانوا يستطيعون السمع وما كانوا يبصرون﴾ في مقام التعليل ولذا جيء بالفصل يقول تعالى إنهم لم يكفروا ولم يعصوا لظهور إرادتهم على إرادة الله ولا لأن لهم أولياء من دون الله يستظهرون بهم على الله بل لأنهم ما كانوا يستطيعون أن يسمعوا ما يأتيهم من الإنذار والتبشير من ناحيته أو يذكر لهم من البعث والزجر من قبله وما كانوا يبصرون آياته حتى يؤمنوا بها كما وصفهم في قوله: ﴿لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل﴾ الأعراف: 179، وفي قوله: ﴿ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة﴾ الأنعام: 110، وقوله: ﴿ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة﴾ البقرة: 7، وآيات أخرى كثيرة تدل على أنه تعالى سلبهم عقولهم وأعينهم وآذانهم غير أنه تعالى يحكي عنهم مثل قولهم: ﴿وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير فاعترفوا بذنبهم﴾ الملك: 11، واعترافهم بأن عدم سمعهم وعقلهم كان ذنبا منهم مع أن ذلك مستند إلى سلبه تعالى منهم ذلك يدل على أنهم أنفسهم توسلوا إلى سلب هذه النعم بالذنوب كما يدل عليه ما تقدم من قوله تعالى: ﴿وما يضل به إلا الفاسقين﴾ البقرة: 26 وغيره.

وذكروا في معنى قوله: ﴿ما كانوا يستطيعون السمع وما كانوا يبصرون﴾ وجوها أخرى: منها: أن قوله: ما كانوا إلخ، في محل النصب بنزع الخافض وهو متعلق بقوله: يضاعف إلخ، والأصل: بما كانوا يستطيعون السمع وبما كانوا يبصرون، والمعنى يضاعف لهم العذاب بما كانوا يستطيعون السمع فلا يسمعون وبما كانوا يستطيعون الإبصار فلا يبصرون.

ومنها: أنه عنى بقوله: ﴿ما كانوا يستطيعون﴾ إلخ، نفي السمع والبصر عن آلهتهم وأوثانهم، وتقدير الكلام أولئك الكفار وآلهتهم لم يكونوا معجزين في الأرض، وقال مخبرا عن الآلهة: ما كانوا يستطيعون السمع وما كانوا يبصرون.

ومنها: أن لفظة ما في ﴿ما كانوا﴾ ليست للنفي بل تجري مجرى قولهم: لأواصلنك ما لاح نجم، والمعنى أنهم معذبون ما داموا أحياء.

ومنها: أن نفي السمع والبصر بمعنى نفي الفائدة فإنهم لاستثقالهم استماع آيات الله والنظر فيها وكراهيتهم لذلك أجروا مجرى من لا يستطيع السمع ولا يبصر فالكلام على الكناية.

وأعدل الوجوه آخرها وهي جميعا سخيفة ظاهرة السخافة والوجه ما قدمناه.

قوله تعالى: ﴿أولئك الذين خسروا أنفسهم وضل عنهم ما كانوا يفترون﴾ أما خسرانهم فإن الإنسان لا يملك بالحقيقة - وذلك بتمليك من الله تعالى - إلا نفسه وإذا اشترى لنفسه ما فيه هلاكها وضيعتها بالكفر والمعصية فقد خسر في هذه المعاملة التي أقدم عليها نفسه فخسران النفس كناية عن الهلاك، وأما ضلال ما كانوا يفترون فإنه كان كذبا وافتراء ليس له وجود في الخارج من أوهامهم ومزاعمهم التي زينتها لهم الأهواء والهوسات الدنيوية وبانطواء بساط الحياة الدنيا يزول وينمحي تلك الأوهام ويضل ما لاح واستقر فيها من الكذب والافتراء ويومئذ يعلمون أن الله هو الحق المبين، ويبدو لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون.

قوله تعالى: ﴿لا جرم أنهم في الآخرة هم الأخسرون﴾ عن الفراء: أن ﴿لا جرم﴾ في الأصل بمعنى لا بد ولا محالة ثم كثرت فحولت إلى معنى القسم وصارت بمعنى ﴿حقا﴾ ولهذا تجاب باللام نحو لا جرم لأفعلن كذا.

انتهى، وقد ذكروا أن ﴿جرم﴾ بفتحتين بمعنى القطع فلعلها كانت في الأصل تستعمل في نتائج الكلام كلفظة ﴿لا محالة﴾ وتفيد أنه لا يقطع هذا القول قاطع أن كذا كذا كما يتصور نظير المعنى في ﴿لا محالة﴾ فمعنى الآية على هذا: حقا إنهم في الآخرة هم الأخسرون.

ووجه كونهم في الآخرة هم الأخسرين أن فرض أنهم أخسر بالنسبة إلى غيرهم من أهل المعاصي هو أنهم خسروا أنفسهم بإهلاكها وإضاعتها بالكفر والعناد فلا مطمع في نجاتهم من النار في الآخرة كما لا مطمع في أن يفوزوا في الدنيا ويسعدوا بالإيمان ما داموا على العناد، قال تعالى: ﴿الذين خسروا أنفسهم فهم لا يؤمنون﴾ الأنعام: 12.

وقال تعالى في هؤلاء المختوم على سمعهم وأبصارهم وقلوبهم: ﴿وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا فأغشيناهم فهم لا يبصرون وسواء عليهم أ أنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون﴾ يس: 10.

وقال أيضا في سبب عدم إمكان إيمانهم: ﴿أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله﴾ الجاثية: 23.

وإن فرض أنهم أخسر بالنسبة إلى الدنيا فذلك لكونهم بكفرهم وصدهم عن سبيل الله حرموا سعادة الحياة التي يمهدها لهم الدين الحق فخسروا في الدنيا كما خسروا في الآخرة لكنهم في الآخرة أخسر لكونها دائمة مخلدة وأما الدنيا فليست إلا قليلا، قال تعالى: ﴿كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعة من نهار﴾ الأحقاف: 35.

على أن الأعمال تشتد وتتضاعف في الآخرة بنتائجها كما قال تعالى: ﴿ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلا﴾ الإسراء: 72، وأحسن الوجهين أولهما لأن ظاهر الآية حصر الأخسرين فيهم دون إثبات أخسريتهم في الآخرة قبال الدنيا.

قوله تعالى: ﴿إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات وأخبتوا إلى ربهم﴾ إلى آخر الآية، قال الراغب في المفردات، الخبت المطمئن من الأرض وأخبت الرجل قصد الخبت أو نزله نحو أسهل وأنجد ثم استعمل الإخبات في استعمال اللين والتواضع قال الله تعالى: وأخبتوا إلى ربهم، وقال: وبشر المخبتين أي المتواضعين نحو لا يستكبرون عن عبادته، وقوله: فتخبت له قلوبهم أي تلين وتخشع.

فالمراد بإخباتهم إلى الله اطمئنانهم إليه بحيث لا يتزلزل ما في قلوبهم من الإيمان به فلا يزيغون ولا يرتابون كالأرض المطمئنة التي تحفظ ما استقر فيها فلا وجه لما قيل إن الأصل، أخبتوا لربهم فإن ما في معنى الاطمئنان يتعدى بإلى دون اللام.

وتقييده تعالى الإيمان والعمل الصالح بالإخبات إليه يدل على أن المراد بهم طائفة خاصة من المؤمنين وهم المطمئنون منهم إلى الله ممن هم على بصيرة من ربهم، وهو الذي أشرنا إليه في صدر الآيات عند قوله: ﴿أفمن كان على بينة من ربه﴾ إلخ أن الآيات تقيس ما بين فريقين خاصين من الناس وهم أهل البصيرة الإلهية ومن عميت عين بصيرته.

ومن هنا يظهر فساد ما ذكره بعض المفسرين أن هذه الآيات السبع يعني قوله: ﴿أفمن كان على بينة من ربه﴾ إلى قوله ﴿أفلا تذكرون﴾ بيان لحال الفريقين وهم الذين يكفرون بالقرآن والذين يؤمنون به.

قوله تعالى: ﴿مثل الفريقين كالأعمى والأصم والبصير والسميع﴾ هل يستويان مثلا أفلا تذكرون المثل هو الوصف، وغلب في المثل السائر وهو بيان معنى من المعاني الخفية على المستمع بأمر محسوس أو كالمحسوس يأنس به ذهنه ويتلقاه فهمه لينتقل به إلى المعنى المعقول المقصود بيانه، والمراد بالفريقين من بين حالهما في الآيات السابقة، والباقي واضح.

بحث روائي:

في الكافي، بإسناده عن أحمد بن عمر الخلال قال: سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن قول الله عز وجل: ﴿أفمن كان على بينة من ربه ويتلوه شاهد منه﴾ فقال: أمير المؤمنين (عليه السلام) هو الشاهد من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ورسول الله على بينة من ربه.

وفي أمالي الشيخ، بإسناده عن عبد الرحمن بن كثير عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده علي بن الحسين عن الحسن (عليهم السلام): في خطبة طويلة خطبها بمحضر معاوية منها فأدت الأمور وأفضت الدهور إلى أن بعث الله محمدا (صلى الله عليه وآله وسلم) للنبوة واختاره للرسالة، وأنزل عليه كتابه ثم أمره بالدعاء إلى الله عز وجل فكان أبي أول من استجاب لله عز وجل ولرسله وأول من آمن وصدق الله ورسوله، وقد قال الله عز وجل في كتابه المنزل على نبيه المرسل: ﴿أفمن كان على بينة من ربه ويتلوه شاهد منه﴾ فرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الذي على بينة من ربه، وأبي الذي يتلوه وهو شاهد منه.

أقول: وكلامه (عليه السلام) أحسن شاهد على ما قدمناه في معنى الآية أن إرادته (عليه السلام) بالشاهد من باب الانطباق.

وفي بصائر الدرجات، بإسناده عن الأصبغ بن نباتة قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام): لو كسرت لي الوسادة فقعدت عليها لقضيت بين أهل التوراة بتوراتهم وأهل الإنجيل بإنجيلهم وأهل الفرقان بفرقانهم بقضاء يصعد إلى الله يزهر، والله ما نزلت آية في كتاب الله في ليل أو نهار إلا وقد علمت فيمن أنزلت، ولا أحد ممن مر على رأسه المواسي إلا وقد أنزلت آية فيه من كتاب الله تسوقه إلى الجنة أو النار. فقام إليه رجل فقال: يا أمير المؤمنين ما الآية التي نزلت فيك؟ قال: أ ما سمعت الله يقول: ﴿أفمن كان على بينة من ربه - ويتلوه شاهد منه﴾ فرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على بينة من ربه وأنا الشاهد له ومنه: أقول: وروى هذا المعنى المفيد في الأمالي، مسندا وفي كشف الغمة، مرسلا عن عباد بن عبد الله الأسدي عنه (عليه السلام)، والعياشي في تفسيره مرسلا عن جابر عن عبد الله بن يحيى عنه (عليه السلام) وكذا ابن شهرآشوب عن الطبري بإسناده عن جابر بن عبد الله عنه (عليه السلام) وكذا عن الأصبغ وعن زين العابدين والباقر والصادق (عليهما السلام) عنه (عليه السلام).

وفي الدر المنثور، أخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه وأبو نعيم في المعرفة عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: ما من رجل من قريش إلا نزل فيه طائفة من القرآن فقال له رجل: ما نزل فيك؟ قال: أما تقرأ سورة هود ﴿أفمن كان على بينة من ربه ويتلوه شاهد منه﴾ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على بينة من ربه، وأنا شاهد منه: أقول: وفي تفسير البرهان، عن تفسير الثعلبي بإسناده عن الشعبي يرفعه إلى علي (عليه السلام) مثله وفيه عن ابن المغازلي يرفعه إلى عباد بن عبد الله عن علي (عليه السلام) مثله. وكذا عن كنوز الرموز للرسعني مثله.

وفيه، أخرج ابن مردويه من وجه آخر عن علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): ﴿أفمن كان على بينة من ربه﴾ أنا﴾ و يتلوه شاهد منه قال: علي: أقول: وفي تفسير البرهان، عن ابن المغازلي في تفسير الآية عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) مثله.

وفي تفسير البرهان، عن ابن المغازلي بإسناده عن علي بن حابس قال: دخلت أنا وأبو مريم على عبد الله بن عطاء قال أبو مريم: حدث علينا الحديث الذي حدثتني به عن أبي جعفر قال: كنت عند أبي جعفر جالسا إذ مر علينا ابن عبد الله بن سلام قلت: جعلت فداك هذا ابن الذي عنده علم الكتاب، قال: لا ولكنه صاحبكم علي بن أبي طالب الذي نزلت فيه آيات من كتاب الله تعالى: ﴿من عنده علم الكتاب﴾ ﴿أفمن كان على بينة من ربه - ويتلوه شاهد منه﴾ ﴿إنما وليكم الله - ورسوله والذين آمنوا﴾.

وفيه، عن ابن شهرآشوب عن الحافظ أبي نعيم بثلاثة طرق عن ابن عباس قال: قال سمعت عليا يقول: قول الله تعالى: ﴿أفمن كان على بينة من ربه - ويتلوه شاهد منه﴾ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على بينة وأنا الشاهد.

وفيه، أيضا عن موفق بن أحمد قال: قوله تعالى: ﴿أفمن كان على بينة من ربه - ويتلوه شاهد منه﴾ قال ابن عباس: هو علي يشهد للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو منه.

أقول: ورواه عن الثعلبي في تفسيره يرفعه إلى ابن عباس: ﴿أفمن كان على بينة من ربه ويتلوه شاهد منه﴾ علي خاصة.

أقول: قال صاحب المنار، في تفسير الآية عند ذكر معاني الشاهد: ومنها: أنه علي رضي الله عنه ترويه الشيعة ويفسرونه بالإمامة، وروي: أنه كرم الله وجهه سئل عنه فأنكره وفسره بأنه لسانه (صلى الله عليه وآله وسلم)، وقابلهم خصومهم بمثلها فقالوا: أنه أبو بكر، وهما من التفسير بالهوى.

أما قوله: إن الشيعة ترويه فقد عرفت أن رواته من أهل السنة أكثر من الشيعة، وأما قوله: إنه مثل تفسيره بأبي بكر من التفسير بالهوى فيكفيك في ذلك ما تقدم في معنى الآية فراجع.

وفي الكافي، بإسناده عن زيد الشحام عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قلت له: إن عندنا رجلا يقال له: كليب فلا يجيء عنكم شيء إلا قال: أنا أسلم فسميناه كليب تسليم قال: فترحم عليه ثم قال: أ تدرون ما التسليم؟ فسكتنا فقال: هو والله الإخبات قول الله عز وجل: ﴿الذين آمنوا وعملوا الصالحات - وأخبتوا إلى ربهم﴾ أقول: وروى مثله العياشي في تفسيره والكشي وكذا صاحب البصائر عن أبي أسامة زيد الشحام عنه (عليه السلام).