الآيات 1 - 15

كهيعص ﴿1﴾ ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا ﴿2﴾ إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاء خَفِيًّا ﴿3﴾ قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُن بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا ﴿4﴾ وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِن وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا ﴿5﴾ يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا ﴿6﴾ يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَل لَّهُ مِن قَبْلُ سَمِيًّا ﴿7﴾ قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا ﴿8﴾ قَالَ كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِن قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا ﴿9﴾ قَالَ رَبِّ اجْعَل لِّي آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا ﴿10﴾ فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَن سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا ﴿11﴾ يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا ﴿12﴾ وَحَنَانًا مِّن لَّدُنَّا وَزَكَاةً وَكَانَ تَقِيًّا ﴿13﴾ وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُن جَبَّارًا عَصِيًّا ﴿14﴾ وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا ﴿15﴾

بيان:

غرض السورة على ما ينبىء عنه قوله تعالى في آخرها: ﴿فإنما يسرناه بلسانك لتبشر به المتقين وتنذر به قوما لدا﴾ إلخ، هو التبشير والإنذار غير أنه ساق الكلام في ذلك سوقا بديعا فأشار أولا إلى قصة زكريا ويحيى وقصة مريم وعيسى وقصة إبراهيم وإسحاق ويعقوب وقصة موسى وهارون وقصة إسماعيل وقصة إدريس وما خصهم به من نعمة الولاية كالنبوة والصدق والإخلاص ثم ذكر أن هؤلاء الذين أنعم عليهم كان المعروف من حالهم الخضوع والخشوع لربهم لكن أخلافهم أعرضوا عن ذلك وأهملوا أمر التوجه إلى ربهم واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا ويضل عنهم الرشد إلا أن يتوب منهم تائب ويرجع إلى ربه فإنه يلحق بأهل النعمة.

ثم ذكر نبذة من هفوات أهل الغي وتحكماتهم كنفي المعاد، وقولهم: اتخذ الله ولدا، وعبادتهم الأصنام، وما يلحقهم بذلك من النكال والعذاب.

فالبيان في السورة أشبه شيء ببيان المدعى بإيراد أمثلته كأنه قيل: إن فلانا وفلانا وفلانا الذين كانوا أهل الرشد والموهبة كانت طريقتهم الانقلاع عن شهوات النفس والتوجه إلى ربهم وسبيلهم الخضوع والخشوع إذا ذكروا بآيات ربهم فهذا طريق الإنسان إلى الرشد والنعمة لكن أخلافهم تركوا هذا الطريق بالإعراض عن صالح العمل، والإقبال على مذموم الشهوة ولا يؤديهم ذلك إلا إلى الغي خلاف الرشد، ولا يقرهم إلا على باطل القول كنفي الرجوع إلى الله وإثبات الشركاء لله وسد طريق الدعوة ولا يهديهم إلا إلى النكال والعذاب.

فالسورة كما ترى تفتح بذكر أمثلة ثم تعقبها باستخراج المعنى الكلي المطلوب بيانه وذلك قوله: ﴿أولئك الذين أنعم الله عليهم﴾ الآيات، فالسورة تقسم الناس إلى ثلاث طوائف: الذين أنعم الله عليهم من النبيين وأهل الاجتباء والهدى.

وأهل الغي، والذين تابوا وآمنوا وعملوا صالحا وهم ملحقون بأهل النعمة والرشد ثم تذكر ثواب التائبين المسترشدين وعذاب الغاوين وهم قرناء الشياطين وأولياؤهم.

والسورة مكية بلا ريب تدل على ذلك مضامين آياتها وقد نقل على ذلك اتفاق المفسرين.

قوله تعالى: ﴿كهيعص﴾ قد تقدم في تفسير أول سورة الأعراف أن السور القرآنية المصدرة بالحروف المقطعة لا تخلو من ارتباط بين مضامينها وبين تلك الحروف فالحروف المشتركة تكشف عن مضامين مشتركة.

ويؤيد ذلك ما نجده من المناسبة والمجانسة بين هذه السورة وسورة ص في سرد قصص الأنبياء، وسيوافيك بحث جامع إن شاء الله في روابط مقطعات الحروف ومضامين السور التي صدرت بها، وكذا ما بين السور المشتركة في بعض هذه الحروف كهذه السورة وسورة يس وقد اشتركتا في الياء، وهذه السورة وسورة الشورى وقد اشتركتا في العين.

قوله تعالى: ﴿ذكر رحمة ربك عبده زكريا﴾ ظاهر السياق أن الذكر خبر لمبتدء محذوف والمصدر بمعنى المفعول، والمال بحسب التقدير: هذا خبر رحمة ربك المذكور، والمراد بالرحمة استجابته سبحانه دعاء زكريا على التفصيل الذي قصة بدليل قوله تلوا: ﴿إذ نادى ربه﴾.

قوله تعالى: ﴿إذ نادى ربه نداء خفيا﴾ الظرف متعلق بقوله: ﴿رحمة ربك﴾ والنداء والمناداة الجهر بالدعوة خلاف المناجاة، ولا ينافيه توصيفه بالخفاء لإمكان الجهر بالدعوة في خلاء من الناس لا يسمعون معه الدعوة، ويشعر بذلك قوله الآتي: ﴿فخرج على قومه من المحراب﴾.

وقيل: إن العناية في التعبير بالنداء أنه تصور نفسه بعيدا منه تعالى بذنوبه وأحواله السيئة كما يكون حال من يخاف عذابه.

قوله تعالى: ﴿قال رب إني وهن العظم مني﴾ إلى آخر الآية، تمهيد لما سيسأله وهو قوله: ﴿فهب لي من لدنك وليا﴾.

وقد قدم قوله: ﴿رب﴾ للاسترحام في مفتتح الدعاء، والتأكيد بإن للدلالة على تحققه بالحاجة، والوهن هو الضعف ونقصان القوة وقد نسبه إلى العظم لأنه الدعامة التي يعتمد عليها البدن في حركته وسكونه، ولم يقل: العظام مني ولا عظمي للدلالة على الجنس وليأتي بالتفصيل بعد الإجمال.

وقوله: ﴿واشتعل الرأس شيبا﴾ الاشتعال انتشار شواظ النار ولهيبها في الشيء المحترق قال في المجمع، وقوله: ﴿واشتعل الرأس شيبا﴾ من أحسن الاستعارات والمعنى اشتعل الشيب في الرأس وانتشر، كما ينتشر شعاع النار، وكان المراد بالشعاع الشواظ واللهيب.

وقوله: ﴿ولم أكن بدعائك رب شقيا﴾ الشقاوة خلاف السعادة، وكان المراد بها الحرمان من الخير وهو لازم الشقاوة أو هو هي، وقوله: ﴿بدعائك﴾ متعلق بالشقي والباء فيه للسببية أو بمعنى في والمعنى وكنت سعيدا بسبب دعائي إياك كلما دعوتك استجبت لي من غير أن تشقيني وتحرمني، أو لم أكن محروما خائبا في دعائي إياك عودتني الإجابة إذا دعوتك والتقبل إذا سألتك، والدعاء على أي حال مصدر مضاف إلى المفعول.

وقيل: إن ﴿دعائك﴾ مصدر مضاف إلى الفاعل، والمعنى لم أكن بدعوتك إياي إلى العبودية والطاعة شقيا متمردا غير مطيع بل عابدا لك مخلصا في طاعتك والمعنى الأول أظهر.

وفي تكرار قوله: ﴿رب﴾ ووضعه متخللا بين اسم كان وخبره في قوله: ﴿ولم أكن بدعائك رب شقيا﴾ من البلاغة ما لا يقدر بقدر، ونظيره قوله: ﴿واجعله رب رضيا﴾.

قوله تعالى: ﴿وإني خفت الموالي من ورائي وكانت امرأتي عاقرا﴾ تتمة التمهيد الذي قدمه لدعائه، والمراد بالموالي العمومة وبنو العم، وقيل: الكلالة وقيل: العصبة، وقيل: بنو العم فحسب، وقيل: الورثة، وكيف كان فهم غير الأولاد من صلب والمراد خفت فعل الموالي من ورائي أي بعد موتي وكان (عليه السلام) يخاف أن يموت بلا عقب من نسله فيرثوه، وهو كناية عن خوفه أن يموت بلا عقب.

وقوله: ﴿وكانت امرأتي عاقرا﴾ العاقر المرأة التي لا تلد يقال: امرأة عاقر لا تلد ورجل عاقر لا يولد له ولد.

وفي التعبير بقوله: ﴿وكانت امرأتي﴾ دلالة على أن امرأته على كونها عاقرا جازت حين الدعاء سن الولادة.

وظاهر عدم تكرار أن في قوله: ﴿وكانت امرأتي﴾ إلخ أن الجملة حالية ومجموع الكلام أعني قوله: ﴿وإني خفت﴾ إلى قوله: ﴿عاقرا﴾ فصل واحد أريد به أن كون امرأتي عاقرا اقتضى أن أخاف الموالي من ورائي وبعد وفاتي، فمجموع ما مهده للدعاء يئول إلى فصلين أحدهما أن الله سبحانه عوده الاستجابة مدى عمره حتى شاخ وهرم والآخر أنه خاف الموالي بعد موته من جهة عقر امرأته، ويمكن تصوير الكلام فصولا ثلاثة بأخذ كل من شيخوخته وعقر امرأته فصلا مستقلا.

قوله تعالى: ﴿فهب لي من لدنك وليا يرثني ويرث من آل يعقوب واجعله رب رضيا﴾ هذا هو الدعاء، وقد قيد الموهبة الإلهية التي سألها بقوله: ﴿من لدنك﴾ لكونه آيسا من الأسباب العادية التي كانت عنده وهي نفسه وقد صار شيخا هرما ساقط القوى.

وامرأته وقد شاخت وكانت قبل ذلك عاقرا.

وولي الإنسان من يلي أمره، وولي الميت هو الذي يقوم بأمره ويخلفه فيما ترك، وآل الرجل خاصته الذين يئول إليه أمرهم كولده وأقاربه وأصحابه وقيل: أصله أهل، والمراد بيعقوب على ما قيل يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم (عليهما السلام)، وقيل هو يعقوب بن ماثان أخو عمران بن ماثان أبي مريم وكانت امرأة زكريا أخت مريم وعلى هذا يكون معنى قوله: ﴿يرثني ويرث من آل يعقوب﴾ يرثني ويرث امرأتي وهي بعض آل يعقوب، والأشبه حينئذ أن تكون ﴿من﴾ في قوله: ﴿من آل يعقوب﴾ للتبعيض وإن صح كونها ابتدائية أيضا.

وقوله: ﴿واجعله رب رضيا﴾ الرضي بمعنى المرضي، وإطلاق الرضا يقتضي شموله للعلم والعمل جميعا فالمراد به المرضي في اعتقاده وعمله أي اجعله رب محلى بالعلم النافع والعمل الصالح.

وقد قص الله سبحانه هذه القصة في سورة آل عمران وهي مدنية متأخرة نزولا عن سورة مريم المكية بقوله في ذيل قصة مريم ﴿فتقبلها ربها بقبول حسن وأنبتها نباتا حسنا وكفلها زكريا كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا قال يا مريم أنى لك هذا قالت هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب هنالك دعا زكريا ربه قال رب هب لي من لدنك ذرية طيبة إنك سميع الدعاء﴾ آل عمران: 38.

ولا يرتاب المتدبر في الآيتين أن الذي دعا زكريا ودفعه إلى دعائه بما دعا هو ما شاهده من حال مريم وكرامتها على الله سبحانه في عبوديتها وإخلاصها العمل فأحب أن يخلفه خلف له من القرب والكرامة ما شاهد مثله في مريم ثم ذكر ما هو عليه من الشيب ونفاد القوة وما عليه امرأته من كبر السن والعقر وله موال لا يرتضيهم فوجد لذلك وهو ذاكر ما عوده ربه من استجابة الدعوة وكفاية كل مهمة ففزع إلى ربه بالدعاء واستيهاب ذرية طيبة.

فقوله في سورة آل عمران: ﴿رب هب لي من لدنك ذرية طيبة﴾ بحذاء قوله في سورة مريم: ﴿فهب لي من لدنك وليا يرثني ويرث من آل يعقوب واجعله رب رضيا﴾ وقوله هناك: ﴿طيبة﴾ بحذاء قوله هنا: ﴿واجعله رب رضيا﴾ والمراد به ما شاهده من القرب والكرامة عند الله لمريم وعملها الصالح فيبقى قوله هناك: ﴿هب لي من لدنك ذرية﴾ بحذاء قوله هنا: ﴿فهب لي من لدنك وليا يرثني ويرث من آل يعقوب﴾ وهو يفسره فالمراد بقوله: ﴿وليا يرثني﴾ إلخ، ولد صلبي يرثه.

ومن هنا يظهر فساد ما قيل: إنه (عليه السلام) طلب بقوله: ﴿فهب لي من لدنك وليا يرثني﴾ إلخ، من يقوم مقامه ويرثه ولدا كان أو غيره، وكذا ما قيل: إنه أيس أن يولد له من امرأته فطلب من يرثه ويقوم مقامه من سائر الناس.

وذلك لصراحة قوله في نفس القصة في سورة آل عمران: ﴿رب هب لي من لدنك ذرية طيبة﴾ في طلب الولد.

على أن التعبير بمثل ﴿هب لي﴾ المشعر بنوع من الملك لا يستقيم في سائر الناس من الأجانب وإنما الملائم له التعبير بالجعل ونحوه كما في قوله تعالى: ﴿و اجعل لنا من لدنك وليا واجعل لنا من لدنك نصيرا﴾ النساء: 75.

ومن هنا يظهر أيضا أن المراد بقوله: ﴿وليا يرثني﴾ الولد كما عبر عنه في آية آل عمران بالذرية فالمراد بالولي الذرية وهو ولي في الإرث، والمراد بالوراثة وراثة ما تركه الميت من الأموال وأمتعة الحياة، وهو المتبادر إلى الذهن من الإرث بلا ريب إما لكونه حقيقة في المال ونحوه مجازا في غيره كالإرث المنسوب إلى العلم وسائر الصفات والحالات المعنوية وإما لكونه منصرفا إلى المال إن كان حقيقة في الجميع فاللفظ على أي حال ظاهر في وراثة المال ويتعين بانضمامه إلى الولي كون المراد به الولد، ويزيد في ظهوره في ذلك قوله قبل: ﴿وإني خفت الموالي من ورائي﴾ على ما سيأتي من البيان إن شاء الله.

وأما قول من قال: إن المراد به وراثة النبوة وأنه طلب من ربه أن يهب له ولدا يرثه النبوة فيدفعه ما عرفت آنفا أن الذي دعاه (عليه السلام) إلى هذا الدعاء والمسألة هو ما شاهده من مريم ولا خبر في ذلك عن النبوة ولا أثر فأي رابطة بين أن يشاهد منها عبادة وكرامة فيعجبه ذلك وبين أن يطلب من ربه ولدا يرثه النبوة؟.

على أن النبوة مما لا يورث بالنسب وهو ظاهر ولو أصلح ذلك بأن المراد بالوراثة مجرد إتيان نبي بعد نبي أو ظهور نبي من ذرية نبي بنوع من العناية مجازا ظهر الإشكال من جهة أخرى وهي عدم ملائمة ذلك قوله بعد: ﴿واجعله رب رضيا﴾ إذ لا معنى لقول القائل: هب لي ولدا نبيا واجعله رضيا، ولو حمل على التأكيد كان من تأكيد الشيء بما هو دونه، وكذا احتمال أن يكون المراد بالرضى المرضي عند الناس لمنافاته إطلاق المرضي كما تقدم مع عدم مناسبته لداعيه كما مر.

ويقرب منه في الفساد قول من قال: إن المراد به وراثة العلم وأنه طلب من ربه أن يهب له ولدا يرثه علمه، إذ لا معنى لأن يشاهد زكريا من مريم عبادة وكرامة فيعجبه ذلك فيطلب من ربه ولدا يرثه علمه من دون أي مناسبة بين الداعي والمدعو إليه.

والقول بأن المراد بالوراثة وراثة العلم وبقوله: ﴿واجعله رب رضيا﴾ العمل الصالح ومجموع العلم النافع والعمل الصالح يقرب مما شاهده من مريم من الإخلاص والعبادة والكرامة.

يدفعه أن قوله: ﴿واجعله رب رضيا﴾ يكفي وحده في الدلالة على طلب العلم النافع والعمل الصالح لمكان الإطلاق، وإنما الإنسان المحسن عملا مع الغض عن العلم مرضي العمل ولا يسمى مرضيا مطلقا البتة، ونظير ذلك القول بأن المراد بالرضى المرضي عند الناس.

ويقرب منه في الفساد احتمال أن يكون المراد بالوراثة وراثة التقوى والكرامة وأنه طلب من ربه أن يهب له ولدا يرث ما له من القرب والمنزلة عند الله إذ المناسب لذلك أن يطلب ولدا له ما لمريم من القرب والكرامة أو مطلق القرب والكرامة لا أن يطلب ولدا ينتقل إليه ما لنفسه من القرب والكرامة.

على أنه لا يلائمه قوله: ﴿وإني خفت الموالي من ورائي﴾ إذ ظاهر السياق أنه يطلب ولدا يرثه وينتقل إليه ما لولاه لانتقل ذلك إلى الموالي وهو يخاف منهم أن يتلبسوا بذلك بعد وفاته، ولا معنى لأن يخاف (عليه السلام) تلبس مواليه بالقرب والمنزلة واتصافهم بالتقوى والكرامة لا قبل وفاته ولا بعدها فساحة الأنبياء أنزه وأطهر من هذه الضنة ولا أمنية لهم إلا صلاح الناس وسعادتهم.

وقول بعضهم إن مواليه (عليه السلام) كانوا شرار بني إسرائيل فخاف أن لا يحسنوا خلافته في أمته بعده، فيه أن هذه الخلافة إن كانت خلافة باطنية إلهية فهي مما لا يورث بالنسب قطعا، على أنها لا تخطىء المورد الصالح لها ولا يتلبس بها إلا أهلها ولا وجه للخوف من ذلك، وإن كانت خلافة ظاهرية دنيوية تورث بالنسب ونحوه فهي قنية اجتماعية ومن أمتعة الحياة الدنيا نظير المال فلا جدوى لصرف الوراثة في الآية عن وراثة المال إلى وراثة الخلافة والملك.

على أن يحيى (عليه السلام) لم يتقلد من هذه الخلافة والملك شيئا حتى يكون هو ميراثه الذي منع موالي أبيه أن يرثوه منه، ولم يكن لبني إسرائيل ملك في زمن زكريا ويحيى بل كانت الروم مستولية عليهم حاكمة فيهم.

فإن قلت: يؤيد حمل الوراثة في الآية على وراثة العلم ونحوه دون المال أنه ليس في الأنظار العالية والهمم العليا للنفوس القدسية التي انقطعت من تعلقات هذا العالم المنقطع الفاني واتصلت بالعالم الباقي ميل إلى المتاع الدنيوي قدر جناح بعوضة لا سيما زكريا (عليه السلام) فإنه كان مشهورا بكمال الانقطاع والتجرد فيستحيل عادة أن يخاف من وراثة المال والمتاع الذي ليس له في نظره العالي أدنى قدر أو يظهر من أجله الكلف والحزن والخوف ويستدعي من ربه ذلك النحو من الاستدعاء وهو يدل على كمال المحبة وتعلق القلب بالدنيا وزخارفها.

والقول بأنه خاف أن يصرف مواليه ماله بعد موته فيما لا ينبغي فطلب لذلك عن ربه وارثا مرضيا فاسد فإنه إذا مات الرجل وانتقل ماله بالوراثة إلى آخر صار المال مال الوارث فصرفه على ذمته صوابا أو خطأ ولا مؤاخذة في ذلك على الميت ولا عتاب.

مع أن دفع هذا الخوف كان ميسرا له (عليه السلام) بأن يصرفه قبل موته ويتصدق به كله في سبيل الله ويترك بني عمه الأشرار خائبين لسوء أحوالهم وقبح أفعالهم فليس قصده (عليه السلام) من مسألة الولد سوى إجراء أحكام الله تعالى وترويج الشريعة وبقاء النبوة في أولاده.

قلت: الإشكال مبني على كون قوله: ﴿فهب لي من لدنك وليا يرثني﴾ مسوقا لبيان طلب الوراثة المالية لولده والواقع خلافه فليس المقصود من قوله: ﴿وليا يرثني﴾ بالقصد الأول إلا طلب الولد كما هو الظاهر أيضا من قوله في سورة آل عمران: ﴿هب لي من لدنك ذرية﴾ وقوله في موضع آخر: ﴿رب لا تذرني فردا﴾ الأنبياء: 89.

وإنما قوله: ﴿يرثني﴾ قرينة معينة لكون المراد بالولي في الكلام ولاية الإرث التي تنطبق على الولد لكون الولاية معنى عاما ذا مصاديق مختلفة لا يتعين واحد منها إلا بقرينة معينة كما قيدت بالنصرة في قوله: ﴿وما كان لهم من أولياء ينصرونهم﴾ الشورى: 46، والمراد به ولاية النصرة، وقيدت بالأمر والنهي في قوله: ﴿والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر﴾ التوبة: 71، والمراد ولاية التدبير.

إلى غير ذلك.

ولو لا أن المراد به الوراثة المالية وأنها قرينة معينة لم يبق في الكلام ما يدل على طلب الولد الذي هو المقصود الأصلي بالدعاء فإن وراثة العلم أو النبوة أو العبادة والكرامة لا إشعار فيها بكون الوارث هو الولد كما اعترف به بعض من حمل الوراثة في الآية على شيء من هذه المعاني فيبقى الدعاء خاليا عن الدلالة على المطلوب الأصلي وكفى به سقوطا للكلام.

وبالجملة، العناية إنما هي متعلقة بإفادة طلب الولد، وأما الوراثة المالية فليست مقصودة بالقصد الأول وإنما هي قرينة معينة لكون المراد بالولي هو الولد نعم هي في نفسها تدل على أنه لو كان له ولد لورثه ماله، وليس في ذلك ولا في قوله: ﴿وإني خفت الموالي من ورائي﴾ وحاله حال قوله: ﴿وليا يرثني﴾ دلالة على تعلق قلبه (عليه السلام) بالدنيا الفانية ولا بزخارف حياتها التي هي متاع الغرور.

وأما طلب الولد فهو مما فطر الله عليه النوع الإنساني سواء في ذلك الصالح والطالح والنبي ومن دونه وقد جهز الجميع بجهاز التوالد والتناسل وغرز فيهم ما يدعوهم إليه، فالواحد منهم لو لم ينحرف طباعه ينساق إلى طلب الولد ويرى بقاء ولده بعده بقاء لنفسه واستيلاءهم على ما كان مستوليا عليه من أمتعة الحياة - وهذا هو الإرث - استيلاء نفسه وعيش شخصه هذا.

والشرائع الإلهية لم تبطل هذا الحكم الفطري ولا ذمت هذه الداعية الغريزية بل مدحته وندبت إليه، وفي القرآن الكريم آيات كثيرة تدل على ذلك كقوله تعالى حكاية عن إبراهيم (عليه السلام): ﴿رب هب لي من الصالحين﴾ الصافات: 100، وقوله: ﴿الحمد لله الذي وهب لي على الكبر إسماعيل وإسحاق إن ربي لسميع الدعاء﴾ إبراهيم: 39، وقوله حكاية عن المؤمنين: ﴿ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين﴾ الفرقان: 74 إلى غير ذلك من الآيات.

فإن قلت: ما تقدم من الوجه في معنى الوراثة كان مبنيا على أن يستفاد من قوله: ﴿هنالك دعا زكريا ربه﴾ الآية، أن الذي دعاه إلى طلب الولد هو ما شاهده من عبادة مريم وكرامتها عند الله سبحانه فأحب أن يرزق ولدا يماثلها في العبادة والكرامة لكن يمكن أن يكون داعيه غير ذلك فقد ورد في بعض الآثار أن زكريا كان يجد عند مريم فواكه في غير موسمها ثمرة الشتاء في الصيف وثمرة الصيف في الشتاء فقال في نفسه: إذا كان الله لا يعز عليه أن يرزقها ثمرة الشتاء في الصيف وثمرة الصيف في الشتاء لم يعز عليه أن يرزقني ولدا في غير وقته وأنا شيخ فان وامرأتي عاقر فقال: ﴿هب لي من لدنك وليا يرثني﴾ .

فمشاهدة الثمرة في غير موسمها بعثه إلى طلب الولد في غير وقته لكن هذا النبي الكريم أجل من أن يطلب الولد ليرث ماله فهو إنما طلبه ليرث النبوة أو العلم أو العبادة والكرامة.

قلت: لا دليل من جهة السياق اللفظي على كون المراد بالرزق في قوله: ﴿كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا قال يا مريم أنى لك هذا قالت هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب﴾ هي الثمرة في غير موسمها، وأن الذي دعا زكريا (عليه السلام) إلى طلب الولد مشاهدة ذلك أو قول مريم: ﴿إن الله يرزق من يشاء بغير حساب﴾ ولو كان كذلك لكانت الإشارة إليه بوجه أبلغ بل ظاهر السياق وخاصة صدر الآية ﴿فتقبلها ربها بقبول حسن وأنبتها نباتا حسنا﴾ أن العناية بإفادة كون مريم ذات كرامة عند ربها يرزقها لا من طريق الأسباب العادية فهذا هو الداعي لزكريا (عليه السلام) إلى طلب ذرية طيبة وولد رضي.

ولو سلم ذلك كان مقتضاه أن ينبعث زكريا بالقصد الأول إلى طلب الذرية والولد وإذ كان نبيا كريما لا إربة له في غير الولد الصالح دعا ثانيا أن يكون طيبا مرضيا كما يدل عليه استئناف الدعاء بقوله: ﴿واجعله رب رضيا﴾ والتقييد بالطيب في قوله: ﴿ذرية طيبة﴾.

وقد أفاد مقصوده هذا على ما حكى عنه في سورة آل عمران بقوله: ﴿هب لي من لدنك ذرية﴾ وفي هذه السورة بعد تقديم ذكر شيخوخته وعقر امرأته وخوفه الموالي بقوله: ﴿فهب لي من لدنك وليا يرثني﴾ فالمراد بقوله: ﴿وليا يرثني﴾ هو الولد بلا شك، وقد عبر عنه وأشير إليه بعنوان ولاية الإرث.

وولاية الوراثة التي تصلح أن تكون عنوانا معرفا للولد هي ما يختص به من ولاية وراثة التركة، وأما ولاية وراثة النبوة لو جازت تسميتها ولاية وراثة وكذا ولاية وراثة العلم كما يرث التلميذ علم أستاذه وكذا ولاية وراثة المقامات المعنوية والكرامات الإلهية فهذه الولايات أجنبية عن النسب والولادة ربما جامعتها وربما فارقتها فلا تصلح أن تجعل معرفة ومرآة لها إلا مع قرينة قوية، وليس في الكلام ما يصلح لذلك، وكل ما فرض صالحا له فهو صالح لخلافه فيكون قد أهمل في الدعاء ما هو المقصود بالقصد الأول واشتغل بما وراءه، وكفى به سقوطا للكلام.

قوله تعالى: ﴿يا زكريا إنا نبشرك بغلام اسمه يحيى لم نجعل له من قبل سميا﴾ في الكلام حذف إيجازا، والتقدير: ﴿فاستجبنا له وناديناه يا زكريا إنا نبشرك﴾ إلخ، وقد ورد في سورة الأنبياء في القصة: ﴿فاستجبنا له ووهبنا له يحيى﴾ الأنبياء: 90، وفي سورة آل عمران: ﴿فنادته الملائكة وهو قائم يصلي في المحراب إن الله يبشرك بيحيى﴾ آل عمران: 39.

وتشهد آية آل عمران على أن قوله: ﴿يا زكريا إنا نبشرك﴾ إلخ، كان وحيا بتوسط الملائكة فهو قوله تعالى أدته الملائكة إلى زكريا، وذلك في قوله ثانيا: ﴿قال كذلك قال ربك هو علي هين﴾ إلخ، أظهر.

وفي الآية دلالة على أن الله سبحانه هو الذي سماه يحيى، وهو قوله: ﴿اسمه يحيى﴾ وأنه لم يسم بهذا الاسم قبله أحد، وهو قوله: ﴿لم نجعل له من قبل سميا﴾ أي شريكا في الاسم.

وليس من البعيد أن يراد بالسمي المثل على حد ما سيأتي من قوله تعالى: ﴿فاعبده واصطبر لعبادته هل تعلم له سميا﴾ الآية: 65 من السورة، ويشهد عليه أن الله سبحانه نعته في كلامه بنعوت لم ينعت به أحدا من أنبيائه وأوليائه قبله كقوله فيما سيأتي: ﴿وآتيناه الحكم صبيا﴾ وقوله: ﴿وسيدا وحصورا﴾ آل عمران: 39، وقوله: ﴿وسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا﴾ والمسيح (عليه السلام) وإن شاركه في هذه النعوت وهما ابنا الخالة لكن ولادته بعد ولادة يحيى (عليه السلام).

قوله تعالى: ﴿قال رب أنى يكون لي غلام وكانت امرأتي عاقرا وقد بلغت من الكبر عتيا﴾ قال الراغب: الغلام الطار الشارب يقال: غلام بين الغلومة والغلومية، قال تعالى: ﴿أنى يكون لي غلام﴾.

قال: واغتلم الغلام: إذا بلغ حد الغلمة.

وقال في المجمع، العتي والعسي بمعنى يقال: عتا يعتو عتوا وعتيا وعسا يعسو عسوا وعسيا فهو عات وعاس إذا غيره طول الزمان إلى حال اليبس والجفاف.

وبلوغ العتي كناية عن بطلان شهوة النكاح وانقطاع سبيل الإيلاد.

واستفهامه (عليه السلام) عن كون الغلام مع عقر امرأته وبلوغه العتي مع ذكره الأمرين في ضمن دعائه إذ قال: ﴿رب إني وهن العظم مني﴾ إلخ، مبني على استعجاب البشرى واستفسار خصوصياتها دون الاستبعاد والإنكار فإن من بشر بما لا يتوقعه لتوفر الموانع وفقدان الأسباب تضطرب نفسه بادىء ما يسمعها فيأخذ في السؤال عن خصوصيات ما بشر به ليطمئن قلبه ويسكن اضطراب نفسه وهو مع ذلك على يقين من صدق ما بشر به فإن الخطورات النفسانية ربما لا تنقطع مع وجود العلم والإيمان وقد تقدم نظيره في تفسير قوله تعالى: ﴿وإذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحيي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي﴾ البقرة: 260.

قوله تعالى: ﴿قال كذلك قال ربك هو علي هين وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئا﴾ جواب عما استفهمه واستفسره لتطيب به نفسه، ويسكن جأشه، وضمير قال راجع إليه تعالى، وقوله: ﴿كذلك﴾ مقول القول وهو خبر مبتدإ محذوف والتقدير ﴿هو كذلك﴾ أي الأمر واقع على ما أخبرناك به في البشرى لا ريب فيه.

وقوله: ﴿قال ربك هو علي هين﴾ مقول ثان لقال الأول، وهو بمنزلة التعليل لقوله: ﴿كذلك﴾ يرتفع به أي استعجاب فلا يتخلف عن إرادته مراد وإنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن، فخلق غلام من رجل بالغ في الكبر وامرأة عاقر هين سهل عليه.

وقد وقع التعبير عن هذا الاستفهام والجواب في سرد القصة من سورة آل عمران بقوله: ﴿قال رب أنى يكون لي غلام وقد بلغني الكبر وامرأتي عاقر قال كذلك الله يفعل ما يشاء﴾ آل عمران: 40، فقوله: ﴿قال هو علي هين﴾ هاهنا يحاذي قوله هناك: ﴿الله يفعل ما يشاء﴾ وهو يؤيد ما قدمناه من المعنى، وقوله هاهنا: ﴿وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئا﴾ بيان لبعض مصاديق الخلق الذي يرفع به الاستعجاب.

وفي الآية وجوه أخر تعرضوا لها: منها أن قوله: ﴿كذلك﴾ متعلق بقال الثاني ومجموع الجملة هو الجواب والمراد أمر ربك بذلك وقضى كذلك، وقوله: ﴿هو علي هين﴾ مقول آخر للقول أو أنه جيء به على سبيل الحكاية.

ومنها أن الخطاب في قوله: ﴿قال ربك﴾ للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لا لزكريا (عليه السلام) وتلك وجوه لا يساعد عليها السياق.

قوله تعالى: ﴿قال رب اجعل لي آية قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاث ليال سويا﴾ قد تقدم في القصة من سورة آل عمران أن إلقاء البشرى إلى زكريا كان بتوسط الملائكة ﴿فنادته الملائكة وهو قائم يصلي في المحراب إن الله يبشرك بيحيى﴾ وهو (عليه السلام) إنما سأل الآية ليتميز به الحق من الباطل فتدله على أن ما سمعه من النداء وحي ملكي لا إلقاء شيطاني ولذلك أجيب بآية إلهية لا سبيل للشيطان إليها وهو أن لا ينطلق لسانه ثلاثة أيام إلا بذكر الله سبحانه فإن الأنبياء معصومون بعصمة إلهية ليس للشيطان أن يتصرف في نفوسهم.

فقوله: ﴿قال رب اجعل لي آية﴾ سؤال لآية مميزة، وقوله: ﴿قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاث ليال سويا﴾ إجابة ما سأل، وهو أن يعتقل لسانه ثلاثة أيام من غير ذكر الله وهو سوي أي صحيح سليم من غير مرض وآفة.

فالمراد بعدم تكليم الناس عدم القدرة على تكليمهم، من قبيل إطلاق اللازم وإرادة الملزوم كناية، والمراد بثلاث ليال ثلاث ليال بأيامها وهو شائع في الاستعمال فكان (عليه السلام) يذكر الله بفنون الذكر ولا يقدر على تكليم الناس إلا رمزا وإشارة، والدليل على ذلك كله قوله تعالى في القصة من سورة آل عمران: ﴿قال رب اجعل لي آية قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزا واذكر ربك كثيرا وسبح بالعشي والإبكار﴾ آل عمران: 41.

قوله تعالى: ﴿فخرج على قومه من المحراب فأوحى إليهم أن سبحوا بكرة وعشيا﴾ قال في المجمع،: وسمي المحراب محرابا لأن المتوجه إليه في صلاته كالمحارب للشيطان على صلاته، والأصل فيه مجلس الأشراف الذي يحارب دونه ذبا عن أهله.

وقال: الإيحاء إلقاء المعنى إلى النفس في خفية بسرعة، وأصله من قولهم: الوحى الوحى أي الإسراع الإسراع.

انتهى ومعنى الآية ظاهر.

قوله تعالى: ﴿يا يحيى خذ الكتاب بقوة﴾ قد تكرر في كلامه تعالى ذكر أخذ الكتاب بقوة والأمر به كقوله: ﴿فخذها بقوة وأمر قومك يأخذوا بأحسنها﴾ الأعراف: 145، وقوله: ﴿خذوا ما آتيناكم بقوة واذكروا ما فيه﴾ البقرة: 63، وقوله: ﴿خذوا ما آتيناكم بقوة واسمعوا﴾ البقرة: 93 إلى غير ذلك من الآيات، والسابق إلى الذهن من سياقها أن المراد من أخذ الكتاب بقوة التحقق بما فيه من المعارف والعمل بما فيه من الأحكام بالعناية والاهتمام.

وفي الكلام حذف وإيجاز رعاية للاختصار، والتقدير: فلما وهبنا له يحيى قلنا له: يا يحيى خذ الكتاب بقوة في جانبي العلم والعمل، وبهذا المعنى يتأيد أن يكون المراد بالكتاب التوراة أو هي وسائر كتب الأنبياء فإن الكتاب الذي كان يشتمل على الشريعة يومئذ هو التوراة.

قوله تعالى: ﴿وآتيناه الحكم صبيا وحنانا من لدنا وزكاة﴾ فسر الحكم بالفهم وبالعقل وبالحكمة وبمعرفة آداب الخدمة وبالفراسة الصادقة وبالنبوة، لكن المستفاد من مثل قوله تعالى: ﴿ولقد آتينا بني إسرائيل الكتاب والحكم والنبوة﴾ الجاثية: 16، وقوله: ﴿أولئك الذين آتيناهم الكتاب والحكم والنبوة﴾ الأنعام: 89، وغيرهما من الآيات أن الحكم غير النبوة، فتفسير الحكم بالنبوة ليس على ما ينبغي، وكذا تفسيره بمعرفة آداب الخدمة أو بالفراسة الصادقة أو بالعقل إذ لا دليل من جهة اللفظ ولا من جهة المعنى على شيء من ذلك.

نعم ربما يستأنس من مثل قوله: ﴿يتلوا عليهم آياته ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم﴾ البقرة: 129، وقوله: ﴿يتلوا عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة﴾ الجمعة: 2 - والحكمة بناء نوع من الحكم - أن المراد بالحكم العلم بالمعارف الحقة الإلهية وانكشاف ما هو تحت أستار الغيب بالنسبة إلى الأنظار العادية ولعله إليه مرجع تفسير الحكم بالفهم.

وعلى هذا يكون المعنى إنا أعطيناه العلم بالمعارف الحقيقية وهو صبي لم يبلغ الحلم بعد.

وقوله: ﴿وحنانا من لدنا﴾ معطوف على الحكم أي وأعطيناه حنانا من لدنا والحنان: العطف والإشفاق، قال الراغب: ولكون الإشفاق لا ينفك من الرحمة عبر عن الرحمة بالحنان في قوله تعالى: ﴿وحنانا من لدنا﴾ ومنه قيل: الحنان المنان وحنانيك إشفاقا بعد إشفاق.

وفسر الحنان في الآية بالرحمة ولعل المراد بها النبوة أو الولاية كقول نوح (عليه السلام): ﴿وآتاني رحمة من عنده﴾ هود: 28، وقول صالح: ﴿وآتاني منه رحمة﴾ هود: 63.

وفسر بالمحبة ولعل المراد بها محبة الناس له على حد قوله: ﴿وألقيت عليك محبة مني﴾ طه: 39، أي كان لا يراه أحد إلا أحبه.

و فسر بتعطفه على الناس ورحمته ورقته عليهم فكان رءوفا بهم ناصحا لهم يهديهم إلى الله ويأمرهم بالتوبة ولذا سمي في العهد الجديد بيوحنا المعمد.

وفسر بحنان الله عليه كان إذا نادى ربه لباه الله سبحانه على ما في الخبر فيدل على أنه كان لله سبحانه حنان خاص به على ما يفيده تنكير الكلمة.

والذي يعطيه السياق وخاصة بالنظر إلى تقييد الحنان بقوله: ﴿من لدنا﴾ - والكلمة إنما تستعمل فيما لا مجرى فيه للأسباب الطبيعية العادية أو لا نظر فيه إليها - أن المراد به نوع عطف وانجذاب خاص إلهي بينه وبين ربه غير مألوف، وبذلك يسقط التفسير الثاني والثالث ثم تعقبه بقوله: ﴿زكاة﴾ والأصل في معناه النمو الصالح، وهو لا يلائم المعنى الأول كثير ملائمة فالمراد به إما حنان من الله سبحانه إليه بتولي أمره والعناية بشأنه وهو ينمو عليه، وإما حنان وانجذاب منه إلى ربه فكان ينمو عليه، والنمو نمو الروح.

ومن هنا يظهر وهن ما قيل: إن المراد بالزكاة البركة ومعناها كونه مباركا نفاعا معلما للخير، وما قيل: إن المراد به الصدقة، والمعنى وآتيناه الحكم حال كونه صدقة نتصدق به على الناس أو المعنى أنه صدقة من الله على أبويه أو المعنى أن الحكم المؤتى صدقة من الله عليه وما قيل: إن المراد بالزكاة الطهارة من الذنوب.

قوله تعالى: ﴿وكان تقيا وبرا بوالديه ولم يكن جبارا عصيا﴾ التقي صفة مشبهة من التقوى مثال واوي وهو الورع عن محارم الله والتجنب عن اقتراف المناهي المؤدي إلى عذاب الله، والبر بفتح الباء صفة مشبهة من البر بكسر الباء وهو الإحسان، والجبار قال في المجمع،: الذي لا يرى لأحد عليه حقا وفيه جبرية وجبروت، والجبار من النخل ما فات اليد.

فيئول معناه إلى أنه المستكبر المستعلي الذي يحمل الناس ما أراد ولا يتحمل عنهم، ويؤيده تعقيبه بالعصي فإنه صفة مشبهة من العصيان والأصل في معناه الامتناع.

ومن هنا يظهر أن الجمل الثلاث مسوقة لبيان جوامع أحواله بالنسبة إلى الخالق والمخلوق، فقوله: ﴿وكان تقيا﴾ حاله بالنسبة إلى ربه، وقوله: ﴿وبرا بوالديه﴾ حاله بالنسبة إلى والديه، وقوله: ﴿ولم يكن جبارا عصيا﴾ حاله بالنسبة إلى سائر الناس، فكان رءوفا رحيما بهم ناصحا متواضعا لهم يعين ضعفاءهم ويهدي المسترشدين منهم، وبه يظهر أيضا أن تفسير بعضهم لقوله: ﴿عصيا﴾ بقوله: أي عاصيا لربه ليس على ما ينبغي.

قوله تعالى: ﴿وسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا﴾ السلام قريب المعنى من الأمن، والذي يظهر من موارد استعمالها في الفرق بينهما أن الأمن خلو المحل مما يكرهه الإنسان ويخاف منه والسلام كون المحل بحيث كل ما يلقاه الإنسان فيه فهو يلائمه من غير أن يكرهه ويخاف منه.

وتنكير السلام لإفادة التفخيم أي سلام فخيم عليه مما يكرهه في هذه الأيام الثلاثة التي كل واحد منها مفتتح عالم من العوالم التي يدخلها الإنسان ويعيش فيها فسلام عليه يوم ولد فلا يمسه مكروه في الدنيا يزاحم سعادته، وسلام عليه يوم يموت، فسيعيش في البرزخ عيشة نعيمة، وسلام عليه يوم يبعث حيا فيحيى فيها بحقيقة الحياة ولا نصب ولا تعب.

وقيل: إن تقييد البعث بقوله: ﴿حيا﴾ للدلالة على أنه سيقتل شهيدا لقوله تعالى في الشهداء: ﴿بل أحياء عند ربهم يرزقون﴾ آل عمران: 169.

واختلاف التعبير في قوله: ﴿ولد﴾ ﴿يموت﴾ ﴿يبعث﴾ لتمثيل أن التسليم في حال حياته (عليه السلام).

بحث روائي:

في المجمع، وروي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): أنه قال في دعائه: أسألك يا كهيعص وفي المعاني، بإسناده عن سفيان بن سعيد الثوري عن الصادق (عليه السلام) في حديث قال: وكهيعص معناه أنا الكافي الهادي الولي العالم الصادق الوعد.

أقول: وروى فيه أيضا ما يقرب منه عن محمد بن عمارة عنه (عليه السلام).

وروى في الدر المنثور، عن ابن عباس: في قوله: ﴿كهيعص﴾ قال: كبير هاد أمين عزيز صادق وفي لفظ كاف بدل كبير، وروى عنه أيضا بطرق أخر: كريم هاد حكيم عليم صادق وروي عن ابن مسعود وغيره ذلك، ومحصل الروايات - كما ترى - أن الحروف المقطعة مأخوذة من أوائل الأسماء الحسنى على اختلافها كالكاف من الكافي أو الكبير أو الكريم وهكذا غير أنه لا يتم في الياء فقد أخذ في الروايات من الولي أو الحكيم أو العزيز كما في بعضها، وروي فيه، عن أم هانىء عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): أن معناها كاف هاد عالم صادق، وقد أهمل في الحديث حرف الياء، وقد تقدم في بيان الآية بعض الإشارة.

وفي تفسير القمي، في قوله تعالى: ﴿ولم أكن بدعائك رب شقيا﴾ يقول: لم يكن دعائي خائبا عندك.

وفي المجمع، في قوله: ﴿وإني خفت الموالي﴾ قيل: هم العمومة وبنو العم عن أبي جعفر (عليه السلام)، وقرأ علي بن الحسين ومحمد بن علي الباقر (عليهما السلام): ﴿وإني خفت الموالي﴾ بفتح الخاء وتشديد الفاء وكسر التاء.

أقول: وبه قرأ جمع من الصحابة والتابعين.

وفي الإحتجاج، روى عبد الله بن الحسن بإسناده عن آبائه (عليهم السلام): أنه لما أجمع أبو بكر على منع فاطمة فدك وبلغها ذلك جاءت إليه وقالت له: يا بن أبي قحافة أ في كتاب الله أن ترث أباك ولا أرث أبي؟ لقد جئت شيئا فريا.

أفعلى عمد تركتم كتاب الله ونبذتموه وراء ظهوركم؟ إذ يقول فيما اقتص من خبر يحيى بن زكريا ﴿فهب لي من لدنك وليا يرثني ويرث من آل يعقوب﴾ الحديث.

أقول: مضمون الرواية مروي بطرق من الشيعة وغيرهم، واستدلالها (عليها السلام) مبني على كون المراد بالوراثة في الآية وراثة المال، وقد تقدم الكلام في ذلك في بيان الآية، وقد ورد من طرق أهل السنة بعض ما يدل على ذلك ففي الدر المنثور، عن عدة من أصحاب الجوامع عن الحسن أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: يرحم الله أخي زكريا ما كان عليه من ورثة، ويرحم الله أخي لوطا إن كان يأوي إلى ركن شديد، وروي فيه، أيضا عن الفاريابي عن ابن عباس قال: كان زكريا لا يولد له فسأل ربه فقال: ﴿رب هب لي من لدنك وليا يرثني ويرث من آل يعقوب﴾ قال: يرثني مالي ويرث من آل يعقوب النبوة.

وقال في روح المعاني، مذهب أهل السنة أن الأنبياء (عليهم السلام) لا يرثون مالا ولا يورثون لما صح عندهم من الأخبار، وقد جاء أيضا ذلك من طريق الشيعة فقد روى الكليني في الكافي، عن أبي البختري عن أبي عبد الله جعفر الصادق رضي الله عنه أنه قال: إن العلماء ورثة الأنبياء، وذلك أن الأنبياء لم يورثوا درهما ولا دينارا وإنما ورثوا أحاديث من أحاديثهم فمن أخذ بشيء منها فقد أخذ بحظ وافر، وكلمة إنما مفيدة للحصر قطعا باعتراف الشيعة.

والوراثة في الآية محمولة على ما سمعت، ولا نسلم كونها حقيقة لغوية في وراثة المال بل هي حقيقة فيما يعم وراثة العلم والمنصب والمال، وإنما صارت لغلبة الاستعمال في عرف الفقهاء مختصة بالمال كالمنقولات العرفية.

ولو سلمنا أنها مجاز في ذلك فهو مجاز متعارف مشهور خصوصا في استعمال القرآن المجيد بحيث يساوي الحقيقة، ومن ذلك قوله تعالى: ﴿ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا﴾ وقوله تعالى: ﴿فخلف من بعدهم خلف ورثوا الكتاب﴾ وقوله تعالى: ﴿إن الذين أورثوا الكتاب من بعدهم﴾ وقوله تعالى: ﴿إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده﴾ ﴿ولله ميراث السماوات والأرض﴾.

قولهم: لا داعي إلى الصرف عن الحقيقة.

قلنا: الداعي متحقق وهي صيانة قول المعصوم عن الكذب ودون تأويله خرط القتاد، والآثار الدالة على أنهم يورثون المال لا يعول عليها عند النقاد.

وزعم البعض أنه لا يجوز حمل الوراثة هنا على وراثة النبوة لئلا يلغو قوله: ﴿واجعله رب رضيا﴾ قد قدمنا ما يعلم منه ما فيه، وزعم أن كسبية الشيء تمنع من كونه موروثا ليس بشيء فقد تعلقت الوراثة بما ليس بكسبي في كلام الصادق.

ومن ذلك أيضا ما رواه الكليني في الكافي، عن أبي عبد الله رضي الله عنه قال: إن سليمان ورث داود، وإن محمدا (صلى الله عليه وآله وسلم) ورث سليمان (عليه السلام) فإن وراثة النبي سليمان لا يتصور أن تكون وراثة غير العلم والنبوة ونحوهما.

وللبحث جهة كلامية ترجع إلى أمر فدك وهي من قرى خيبر وقد كانت في يد فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فانتزعها من يدها الخليفة الأول استنادا إلى حديث رواها عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): أن الأنبياء لا يورثون مالا وما تركوه صدقة، وقد طالت المشاجرة فيه بين متكلمي الشيعة وأهل السنة وهو نوع بحث خارج عن غرض هذا الكتاب فلا نتعرض له، وجهة تفسيرية يهمنا التعرض لها لتعلقها بمدلول قوله تعالى: ﴿وإني خفت الموالي من ورائي وكانت امرأتي عاقرا فهب لي من لدنك وليا يرثني ويرث من آل يعقوب واجعله رب رضيا﴾.

أما قوله: وقد جاء ذلك أيضا من طريق الشيعة إلخ، فالرواية في ذلك غير منحصرة فيما نقله عن الصادق (عليه السلام) بل روي ما في مضمونها عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أيضا من طريقهم، ومعناه - على ما يسبق إلى ذهن كل سامع - أن الأنبياء ليس من شأنهم أن يهتموا بجمع المال وتركه لمن خلفهم من الورثة وإنما الذي من شأنهم أن يتركوا لمن خلفهم الحكمة، وهذا معنى سائغ واستعمال شائع لا سبيل إلى دفعه.

وأما قوله: ولا نسلم كونها حقيقة لغوية في وراثة المال إلى آخر ما ذكره فليس الكلام في كونه حقيقة لغوية في شيء أو مجازا مشهورا أو غير مشهور ولا إصرار على شيء من ذلك، وإنما الكلام في أن الوراثة سواء كانت حقيقة في وراثة المال مجازا في مثل العلم والحكمة أو حقيقة مشتركة بين ما يتعلق بالمال وما يتعلق بمثل العلم والحكمة تحتاج في إرادة وراثة العلم والحكمة إلى قرينة صارفة أو معينة وسياق الآية وسائر آيات القصة في سورتي آل عمران والأنبياء والقرائن الحافة بها تأبى إرادة وراثة العلم ونحوه من لفظة يرثني فضلا أن يصرف عنها أو يعينها على ما قدمنا توضيحه في بيان الآية.

نعم لا يصح تعلق الوراثة بالنبوة على ما يتحصل من تعليم القرآن أنها موهبة إلهية لا تقبل الانتقال والتحول، ولا ريب أن الترك والانتقال مأخوذ في مفهوم الوراثة كوراثة المال والملك والمنصب والعلم ونحو ذلك ولذا لم يرد استعمال الوراثة في النبوة والرسالة في كتاب ولا سنة.

وأما قوله: قلنا الداعي متحقق وهي صيانة قول المعصوم عن الكذب ففيه اعتراف بأن لا قرينة على إرادة غير المال من لفظة يرثني من جهة سياق الآيات بل الأمر بالعكس وإنما اضطرهم إلى الحمل المذكور حفظ ظاهر الحديث لصحته عندهم وفيه أنه لا معنى لتوقف كلامه تعالى في الدلالة الاستعمالية على قرينة منفصلة وخاصة من غير كلامه تعالى وخاصة مع احتفاف الكلام بقرائن مخالفة، وهذا غير تخصيص روايات الأحكام وتقييدها لعمومات آيات الأحكام ومطلقاتها، فإن ذلك تصرف في محصل المراد من الخطاب لا في دلالة اللفظ بحسب الاستعمال.

على أنه لا معنى لحجية أخبار الآحاد في غير الأحكام الشرعية التي ينحصر فيها الجعل التشريعي لا سيما مع مخالفة الكتاب وهذه كلها أمور مبينة في علم الأصول.

وأما قوله: ﴿قد قدمنا ما يعلم منه ما فيه﴾ يشير إلى أخذ قوله: ﴿واجعله رب رضيا﴾ تأكيدا لقوله: ﴿وليا يرثني﴾ أي في النبوة أو أخذ قوله: رضيا، بمعنى المرضي عند الناس دفعا للغو الكلام وقد قدمنا في بيان الآية ما يعلم منه ما فيه.

وفي تفسير العياشي، عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن زكريا لما دعا ربه أن يهب له ذكرا فنادته الملائكة بما نادته به أحب أن يعلم أن ذلك الصوت من الله أوحى إليه أن آية ذلك أن يمسك لسانه عن الكلام ثلاثة أيام.

قال: لما أمسك لسانه ولم يتكلم علم أنه لا يقدر على ذلك إلا الله.

وفي تفسير النعماني، بإسناده عن الصادق (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام) حين سألوه عن معنى الوحي فقال: منه وحي النبوة ومنه وحي الإلهام ومنه وحي الإشارة وساقه إلى أن قال وأما وحي الإشارة فقوله عز وجل: ﴿فخرج على قومه من المحراب - فأوحى إليهم أن سبحوا بكرة وعشيا﴾ أي أشار إليهم كقوله تعالى: ﴿لا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزا﴾.

وفي المجمع، عن معمر قال: إن الصبيان قالوا ليحيى: اذهب بنا نلعب قال: ما للعب خلقنا، فأنزل الله تعالى: ﴿وآتيناه الحكم صبيا﴾ وروي ذلك عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام).

أقول: وروي في الدر المنثور، هذا المعنى عن ابن عساكر عن معاذ بن جبل مرفوعا، وروي أيضا ما في معناه عن ابن عباس عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم).

وفي الكافي، بإسناده عن علي بن أسباط قال: رأيت أبا جعفر (عليه السلام) وقد خرج إلي فأجدت النظر إليه وجعلت أنظر إلى رأسه ورجليه لأصف قامته لأصحابنا بمصر فبينا أنا كذلك حتى قعد فقال: يا علي إن الله احتج في الإمامة بمثل ما احتج به في النبوة فقال: ﴿وآتيناه الحكم صبيا﴾ ﴿ولما بلغ أشده وبلغ أربعين سنة﴾ فقد يجوز أن يؤتى الحكمة وهو صبي، ويجوز أن يؤتى الحكمة وهو ابن أربعين سنة.

أقول: وفي الرواية تفسير الحكم بالحكمة فتؤيد ما قدمناه.

وفي الدر المنثور، أخرج عبد الرزاق وأحمد في الزهد وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة: في قوله: ﴿ولم يكن جبارا عصيا﴾ قال: كان سعيد بن المسيب يقول: قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): ما من أحد يلقى الله يوم القيامة إلا ذا ذنب إلا يحيى بن زكريا.

قال قتادة: وقال الحسن: قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): ما أذنب يحيى بن زكريا قط ولا هم بامرأة.

وفيه، أخرج أحمد والحكيم الترمذي في نوادر الأصول والحاكم وابن مردويه عن ابن عباس أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: ما من أحد من ولد آدم إلا وقد أخطأ أو هم بخطيئة إلا يحيى بن زكريا لم يهم بخطيئة ولم يعملها.

أقول: وهذا المعنى مروي من طرق أهل السنة بألفاظ مختلفة وينبغي تخصيص الجميع بأهل العصمة من الأنبياء والأئمة وإن كانت آبية عنه ظاهرا لكن الظاهر أن ذلك ناشىء من سوء تعبير الرواة لابتلائهم بالنقل بالمعنى وتوغلهم فيه.

وبالجملة الأخبار في زهد يحيى (عليه السلام) كثيرة فوق الإحصاء، وكان (عليه السلام) - على ما فيها - يأكل العشب ويلبس الليف وبكى من خشية الله حتى اتخذت الدموع مجرى في وجهه.

وفيه، أخرج ابن عساكر عن قرة قال: ما بكت السماء على أحد إلا على يحيى بن زكريا والحسين بن علي، وحمرتها بكاؤها.

أقول: وروى هذا المعنى في المجمع، عن الصادق (عليه السلام)،: وفي آخره: وكان قاتل يحيى ولد زنا وقاتل الحسين ولد زنا.

وفيه، أخرج الحاكم وابن عساكر عن ابن عباس قال: أوحى الله إلى محمد (صلى الله عليه وآله وسلم): إني قتلت بيحيى بن زكريا سبعين ألفا وإني قاتل بابن ابنتك سبعين ألفا وسبعين ألفا.

وفي الكافي، بإسناده عن أبي حمزة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قلت: فما عنى بقوله في يحيى: ﴿وحنانا من لدنا وزكاة﴾ قال تحنن الله.

قلت: فما بلغ من تحنن الله عليه؟ قال: كان إذا قال: يا رب قال الله عز وجل: لبيك يا يحيى.

وفي عيون الأخبار، بإسناده إلى ياسر الخادم قال: سمعت أبا الحسن الرضا (عليه السلام) يقول: إن أوحش ما يكون هذا الخلق في ثلاث مواطن: يوم يولد ويخرج من بطن أمه فيرى الدنيا، ويوم يموت فيعاين الآخرة وأهلها، ويوم يبعث فيرى أحكاما لم يرها في دار الدنيا.

وقد سلم الله عز وجل على يحيى في هذه الثلاثة المواطن وآمن روعته فقال: ﴿وسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا﴾ وقد سلم عيسى بن مريم على نفسه في هذه الثلاثة المواطن فقال: ﴿والسلام علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا﴾.

قصة زكريا في القرآن وصفه (عليه السلام) : وصفه الله سبحانه في كلامه بالنبوة والوحي، ووصفه في أول سورة مريم بالعبودية، وذكره في سورة الأنعام في عداد الأنبياء وعدة من الصالحين ثم من المجتبين - وهم المخلصون - والمهديين.

تاريخ حياته: لم يذكر من أخباره في القرآن إلا دعاؤه لطلب الولد واستجابته وإعطاؤه يحيى (عليه السلام)، وذلك بعد ما رأى من أمر مريم في عبادتها وكرامتها عند الله ما رأى.

فذكر سبحانه أن زكريا تكفل مريم لفقدها أباها عمران ثم لما نشأت اعتزلت عن الناس واشتغلت بالعبادة في محراب لها في المسجد، وكان يدخل عليها زكريا يتفقدها ﴿كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا قال يا مريم أنى لك هذا قالت هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب﴾.

هنالك دعا زكريا ربه وسأله أن يهب له من امرأته ذرية طيبة وكان هو شيخا فانيا وامرأته عاقرا فاستجيب له ونادته الملائكة وهو قائم يصلي في المحراب إن الله يبشرك بغلام اسمه يحيى فسأل ربه آية لتطمئن نفسه أن النداء من جانبه سبحانه فقيل له: إن آيتك أن يعتقل لسانك فلا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزا وكان كذلك وخرج على قومه من المحراب وأشار إليهم أن سبحوا بكرة وعشيا وأصلح الله له زوجه فولدت له يحيى (عليه السلام) آل عمران: 37 - 41 مريم: 2 - 11 الأنبياء: 89 - 90.

ولم يذكر في القرآن مآل أمره (عليه السلام) وكيفية ارتحاله لكن وردت أخبار متكاثرة من طرق العامة والخاصة، أن قومه قتلوه وذلك أن أعداءه قصدوه بالقتل فهرب منهم والتجأ إلى شجرة فانفرجت له فدخل جوفها ثم التأمت فدلهم الشيطان عليه وأمرهم أن ينشروا الشجرة بالمنشار ففعلوا وقطعوه نصفين فقتل (عليه السلام) عند ذلك.

وقد ورد في بعض الأخبار أن السبب في قتله أنهم اتهموه في أمر مريم وحبلها بالمسيح وقالوا: هو وحده كان المتردد إليها الداخل عليها، وقيل غير ذلك.

قصة يحيى (عليه السلام) في القرآن:

1 - الثناء عليه: ذكره الله في بضعة مواضع من كلامه وأثنى عليه ثناء جميلا فوصفه بأنه كان مصدقا بكلمة من الله وهو تصديقه بنبوة المسيح، وأنه كان سيدا يسود قومه، وأنه كان حصورا لا يأتي النساء، وكان نبيا ومن الصالحين سورة آل عمران: 39 ومن المجتبين وهم المخلصون - ومن المهديين الأنعام: 85 - 87، وأن الله هو سماه بيحيى ولم يجعل له من قبل سميا، وأمره بأخذ الكتاب بقوة وآتاه الحكم صبيا، وسلم عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا مريم: 2 - 15 ومدح بيت زكريا بقوله: ﴿إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغبا ورهبا وكانوا لنا خاشعين﴾ الأنبياء: 90 وهم يحيى وأبوه وأمه.

2 - تاريخ حياته: ولد (عليه السلام) لأبويه على خرق العادة فقد كان أبوه شيخا فانيا وأمه عاقرا فرزقهما الله يحيى وهما آيسان من الولد، وأخذ بالرشد والعبادة والزهد في صغره وآتاه الله الحكم صبيا، وقد تجرد للتنسك والزهد والانقطاع فلم يتزوج قط ولا ألهاه شيء من ملاذ الدنيا.

وكان معاصرا لعيسى بن مريم (عليهما السلام) وصدق نبوته، وكان سيدا في قومه تحن إليه القلوب وتميل إليه النفوس ويجتمع إليه الناس فيعظهم ويدعوهم إلى التوبة ويأمرهم بالتقوى حتى استشهد (عليه السلام).

ولم يرد في القرآن مقتله (عليه السلام)، والذي ورد في الأخبار أنه كان السبب في قتله أن امرأة بغيا افتتن بها ملك بني إسرائيل وكان يأتيها فنهاه يحيى ووبخه على ذلك - وكان مكرما عند الملك يطيع أمره ويسمع قوله - فأضمرت المرأة عداوته وطلبت من الملك رأس يحيى وألحت عليه فأمر به فذبح وأهدي إليها رأسه.

وفي بعض الأخبار أن التي طلبت منه رأس يحيى كانت ابنة أخي الملك وكان يريد أن يتزوج بها فنهاه يحيى عن ذلك فزينتها أمها بما يأخذ بمجامع قلب الملك وأرسلتها إليه ولقنتها إذا منح الملك عليها بسؤال حاجة أن تسأله رأس يحيى ففعلت فذبح (عليه السلام) ووضع رأسه في طست من ذهب وأهدي إليها.

وفي الروايات نوادر كثيرة من زهده وتنسكه وبكائه من خشية الله ومواعظه وحكمه.

3 - قصة زكريا ويحيى في الإنجيل: قال: كان في أيام هيردوس ملك اليهودية كاهن اسمه زكريا من فرقة أبيا وامرأته من بنات هارون واسمها إليصابات وكان كلاهما بارين أمام الله سالكين في جميع وصايا الرب وأحكامه بلا لوم.

ولم يكن لهما ولد إذ كانت إليصابات عاقرا وكانا كلاهما متقدمين في أيامهما.

فبينما هو يكهن في نوبة فرقته أمام الله.

حسب عادة الكهنوت، أصابته القرعة أن يدخل إلى هيكل الرب ويبخر.

وكان كل جمهور الشعب يصلون خارجا وقت البخور.

فظهر له ملاك الرب واقفا عن يمين مذبح البخور.

فلما رآه زكريا اضطرب ووقع عليه خوف.

فقال له الملاك لا تخف يا زكريا لأن طلبتك قد سمعت وامرأتك إليصابات ستلد ابنا وتسميه يوحنا.

ويكون لك فرج وابتهاج وكثيرون سيفرحون بولادته.

لأنه يكون عظيما أمام الرب وخمرا ومسكرا لا يشرب ومن بطن أمه يمتلىء من الروح القدس.

ويرد كثيرين من بني إسرائيل إلى الرب إلههم.

ويتقدم أمامه بروح إيليا وقوته ليرد قلوب الآباء إلى الأبناء والعصاة إلى فكر الأبرار لكي يهيىء للرب شعبا مستعدا.

فقال زكريا للملاك كيف أعلم هذا لأني أنا شيخ وامرأتي متقدمة في أيامها فأجاب الملاك وقال أنا جبريل الواقف قدام الله وأرسلت لأكلمك وأبشرك بهذا وها أنت تكون صامتا ولا تقدر أن تتكلم إلى اليوم الذي يكون فيه هذا لأنك لم تصدق كلامي الذي سيتم في وقته.

وكان الشعب منتظرين زكريا ومتعجبين من إبطائه في الهيكل.

فلما خرج لم يستطع أن يكلمهم ففهموا أنه قد رأى رؤيا في الهيكل فكان يومىء إليهم وبقي صامتا ولما كملت أيام خدمته مضى إلى بيته.

وبعد تلك الأيام حبلت إليصابات امرأته وأخفت نفسها خمسة أشهر قائلة: هكذا قد فعل بي الرب في الأيام التي فيها نظر إلي لينزع عاري بين الناس.

إلى أن قال: وأما إليصابات فتم زمانها لتلد فولدت ابنا وسمع جيرانها وأقرباؤها أن الرب عظم رحمته لها ففرحوا معها.

وفي اليوم جاءوا ليختنوا الصبي وسموه باسم أبيه زكريا فأجابت أمه وقالت لا بل يسمى يوحنا.

فقالوا لها ليس أحد في عشيرتك يسمى بهذا الاسم.

ثم أومئوا إلى أبيه ما ذا يريد أن يسمى.

فطلب لوحا وكتب قائلا اسمه يوحنا فتعجب الجميع.

وفي الحال انفتح فمه ولسانه وتكلم وبارك الله.

فوقع خوف على كل جيرانهم وتحدث بهذه الأمور جميعها في كل جبال اليهودية.

فأودعها جميع السامعين في قلوبهم قائلين أ ترى ما ذا يكون هذا الصبي وكانت يد الرب معه.

وامتلأ زكريا أبوه من الروح القدس وتنبأ.

وفيه، وفي السنة الخامسة عشرة من سلطنة طيباريوس قيصر إذ كان بيلاطس النبطي واليا على اليهودية، وهيرودس رئيس ربع على الجليل، وفيلبس أخوه رئيس ربع على إيطورية وكورة تراخوتينس، وليسانيوس رئيس ربع على الأبلية في أيام رئيس الكهنة حنان وقيافا كانت كلمة الله على يوحنا بن زكريا في البرية.

فجاء إلى جميع الكورة المحيطة بالأردن يكرز بمعمودية التوبة لمغفرة الخطايا.

كما هو مكتوب في سفر أقوال أشعيا النبي القائل ﴿صوت خارج في البرية أعدوا طريق الرب اصنعوا سبله مستقيمة، كل واد يمتلىء وكل جبل وأكمة ينخفض وتصير المعوجات مستقيمة والشعاب طرقا سهلة ويبصر كل بشر خلاص الله.

وكان يقول للجموع الذين خرجوا ليعمدوا منه يا أولاد الأفاعي من أراكم أن تهربوا من الغضب الآتي فاصنعوا أثمارا تليق بالتوبة ولا تبتدءوا تقولون في أنفسكم لنا إبراهيم أبا لأني أقول لكم إن الله قادر على أن يقيم من هذه الحجارة أولادا لإبراهيم والآن قد وضعت الفأس على أصل الشجر فكل شجرة لا تصنع ثمرا جيدا تقطع وتلقى في النار.

وسأله الجموع قائلين فما ذا نفعل.

فأجاب وقال لهم من له ثوبان فليعط من ليس له ومن له طعام فليفعل هكذا.

وجاء عشارون أيضا ليعمدوا فقالوا له يا معلم ما ذا نفعل فقال لهم لا تستوفوا أكثر مما فرض لكم.

وسأله جنديون أيضا قائلين وما ذا نفعل نحن، فقال لهم لا تظلموا أحدا ولا تشوا بأحد واكتفوا بعلائفكم.

وإذ كان الشعب ينتظر والجميع يفكرون في قلوبهم عن يوحنا لعله المسيح أجاب يوحنا الجميع قائلا أنا أعمدكم بماء ولكن يأتي من هو أقوى مني الذي لست أهلا أن أحل سيور حذائه هو سيعمدكم بروح القدس ونار الذي رفشه في يده وسينقي بيدره ويجمع القمح إلى مخزنه وأما التبن فيحرقه بنار لا تطفأ وبأشياء أخر كثيرة كان يعظ الشعب ويبشرهم.

أما هيردوس رئيس الربع فإذا توبخ منه لسبب هيروديا امرأة فيلبس أخيه ولسبب جميع الشرور التي كان هيرودس يفعلها زاد هذا أيضا على الجميع أنه حبس يوحنا في السجن.

ولما اعتمد جميع الشعب اعتمد يسوع أيضا.

وفيه، أن هيرودس نفسه كان قد أرسل وأمسك يوحنا وأوثقه في السجن من أجل هيروديا امرأة فيلبس أخيه إذ كان قد تزوج بها.

لأن يوحنا كان يقول لهيرودس لا يحل أن تكون لك امرأة أخيك.

فحنقت هيروديا عليه وأرادت أن تقتله ولم تقدر.

لأن هيرودس كان يهاب يوحنا عالما أنه رجل بار وقديس وكان يحفظه.

وإذ سمعه فعل كثيرا وسمعه بسرور.

وإذ كان يوم موافق لما صنع هيرودس في مولده عشاء لعظمائه وقواد الألوف ووجوه الجليل.

دخلت ابنة هيروديا ورقصت، فسرت هيرودس والمتكئين معه.

فقال الملك للصبية مهما أردت اطلبي مني فأعطيك.

وأقسم لها أن مهما طلبت مني لأعطينك حتى نصف مملكتي.

فخرجت وقالت لأمها ما ذا أطلب.

فقالت رأس يوحنا المعمدان.

فدخلت للوقت بسرعة إلى الملك وطلبت قائلة أريد أن تعطيني حالا رأس يوحنا المعمدان على طبق.

فحزن الملك جدا ولأجل الإقسام والمتكئين لم يرد أن يردها.

فللوقت أرسل الملك سيافا وأمر أن يؤتى برأسه فمضى وقطع رأسه في السجن وأتى برأسه على طبق وأعطاه للصبية والصبية أعطته لأمها.

ولما سمع تلاميذه جاءوا ورفعوا جثته ووضعوها في قبر.

وليحيى (عليه السلام) أخبار أخر متفرقة في الأناجيل لا تتعدى حدود ما أوردناه وللمتدبر الناقد أن يطبق ما نقلناه من الأناجيل على ما تقدم حتى يحصل على موارد الاختلاف.