المرائي لا يهتم للآخرة

وبعد، فإنك إنّما تنشدُّ إلى محبوبك، لأنك تعرفه، وتعرف مزاياه، وتجد فيه ما يشدُّك إليه إما غريزياً أو عاطفياً، أو عقلانياً، وغير ذلك. والمرائي لا يرى للآخرة دوراً في هذه الحياة، أو لا يجد لدورها قيمة تستحق أن يسعى إليها. فينتهي به الأمر إلى التكذيب بالآخرة، أو إلى الاستهتار بها، وبالقيم التي تشد وتدفع إليها.

وحتى لو كانت لديه درجة من القناعة بالآخرة في مرحلة التعقّل، فإن ذلك لن يكون له تأثيره في مجال الفعل والممارسة، لأن الإيمان شيء وأن يستسلم العقل للدليل شيء آخر. وقد قال تعالى: ﴿وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ﴾ (النمل/14).

إن الإيمان هو: أن يشعر الإنسان بالأمن، وبالطمأنينة، والسكينة إلى جانب ما يؤمن به، ثم أن يحتضن هذا الأمر في قلبه، ويحس بالحنان وبالعطف على ما يحتضن فيحدب عليه وينجذب إليه، ويحنو عليه بمشاعره. إلاّ فإن مجرّد القهر العقلي من خلال عجز العقل عن مواجهة الأدلة والمعادلات ليس هو الإيمان الذي نتحدّث عنه. إن الإيمان فوق العقل، والعقل من خدّامه، يعمل على تسهيل الطريق له، وتيسير الوصول إليه، والحصول عليه.