الآيات 41 - 43

﴿وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُوْلَـئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِّن سَبِيل( 41 ) إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِى الاَْرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُوْلَـئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ( 42 ) وَلَمَن صَبَرَ وَ غَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الاُْمُورِ( 43 )﴾

التّفسير

الظلم والإنتصار:

تعتبر هذه الآيات - في الحقيقة - تأكيداً وتوضيحاً وتكميلا للآيات السابقة بشأن الإنتصار ومعاقبة الظالم والعفو في المكان المناسب، والهدف من ذلك أن معاقبة الظالم والإنتقام منه من حق المظلوم، ولا يحق لأحد منعه عن حقه، وفي نفس الوقت فإذا صادف أن سيطر المظلوم على الظالم وانتصر عليه، وعند ذلك صبر ولم ينتقم فإن ذلك يعتبر فضيلة كبرى.

فأوّلا تقول الآية: (ولمن انتصر بعد ظلمه فاولئك ما عليهم من سبيل)(1) فلا يحق لأحد أن يمنع هذا العمل، ولا يلوم ذلك الشخص أو يوبخه أو يعاقبه، ولا يتوانى في نصر مثل هذا المظلوم، لأن الإنتصار وطلب العون من الحقوق الطبيعية لأي مظلوم، ونصر المظلومين مسؤولية كلّ إنسان حر ومتيقظ الضمير.

(إنّما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحق). وإضافة إلى عقابهم الدنيوي (اُولئك لهم عذاب أليم) ينتظرهم في الآخرة.

يقول بعض المفسّرين حول الإختلاف بين جملة (يظلمون الناس) وجملة (يبغون في الأرض بغير الحق) أن الجملة الأولى إشارة إلى موضوع (الظلم) والثانية إلى (التكبر)(2).

البعض الآخر اعتبر الأولى إشارة إلى (الظلم) والثانية إشارة إلى (الوقوف بوجه الحكومة الإسلامية).

"بغى" تعني في الأصل الجد والمثابرة والمحاولة للحصول على شيء ما، ولكن كثيراً ما تطلق على المحاولات لغصب حقوق الأُخرين، والتجاوز عن حدود وحقوق الخالق، لذا فإن للظلم مفهوماً خاصاً وللبغي مفهوماً عاماً يشمل أي تعد أو تجاوز للحقوق الإلهية.

عبارة (بغير الحق) تأكيد لهذا المعنى، وعلى هذا الأساس فإنّ الجملة الثانية من باب ذكر العام بعد ذكر الخاص.

أمّا آخر آية فتشير مرّة اُخرى إلى الصبر والعفو، لكي تؤكّد أن الإنتقام والعقاب والقصاص من الظالم لا يمنع المظلوم من العفو، حيثت تقول: (ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور)(3).

"العزم" في الأصل يعني (التصميم لإنجاز عمل معين)، ويطلق على الإرادة القوية، وقد تكون عبارة (عزم الأمور) إشارة إلى أن هذا العمل من الأعمال التي أمر الله بها ولا يمكن أن تنسخ، أو أنّه من الأعمال التي يجب أن يشد الإنسان العزم لها، وأياً كان من المعنيين فهو يدل على أهمية هذا العمل.

والملفت للنظر ذكر (الصبر) قبل (الغفران)، لأنّه مع عدم وجود الصبر لا يمكن أن يحصل العفو والغفران، حيث يفقد الإنسان السيطرة على نفسه ويحاول الإنتقام مهماكان.

ومرة اُخرى نذكّر بهذه الحقيقة، وهي أن العفو والغفران مطلوبان في حال القوة والإقتدار، وأن يستفيد الطرف المقابل من ذلك بأفضل شكل أيضاً، وقد تكون عبارة "من عزم الأمور" لتأكيد هذا المعنى أيضاً، لأنّ التصميم بخصوص شيء معين يحدث عندما يكون الإنسان قادر على إنجاز ذلك الشيء، على أية حال فإن العفو الذي يكون مفروضاً من قبل الظالم، أو يشجعه في عمله ويجرئه على ذلك، غير مطلوب.

بعض الرّوايات فسّرت الآيات أعلاه بثورة الإمام المهدي(عج) وانتقامه وانتصاره على الظالمين والمفسدين في الآرض. وكما قلنا عدّة مرات سابقاً فإن مثل هذه التفاسير من قبيل بيان المصداق الواضح ولا تمنع من عمومية مفهوم الآية وشموليته(4).


1- اللام في (لمن صبر) هي لام القسم وفي (لمن عزم الأمور) للتأكيد، والإثنان يوضحان أهمية هذا الأمر الإلهي أي (العفو).

2- تفسير نور الثقلين، المجلد الرابع، ص585.

3- هناك شرح مفصل في هذا الخصوص في نهاية الآية (36) من سورة الزمر، حيث أوضحنا جميع جوانب هذا الوضوع.

4- "طرف" "بتسكين الراء" مصدر وتعني دوران العين، وطرفة العين تعني حركة واحدة للعين. والضمير في (عليها) يعود إلى العذاب، صحيح أن العذاب مذكر لكنّه يعني هنا النّار وجهنم وضمير المؤنث يعود إليها.