الآيات 47 - 48

﴿إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ وَمَا تَخْرُجُ مِن ثَمَرَت مِّنْ أَكْمَامِهَا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلاَ تَضَعُ إِلاَّ بِعِلْمِهِ وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ أَيْنَ شُرَكَآءِى قَالُوآْ ءَاذَنَّـكَ مَا مِنَّا مِن شَهِيد( 47 ) وَضَلَّ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَدْعُونَ مِن قَبْلُ وَظَنُّواْ مَا لَهُم مِّن مَّحِيص( 48 )﴾

التّفسير

الله العالمُ بكلِّ شيء:

الآية الأخيرة - في المجموعة السابقة - تحدثت عن قانون تحمّل الإنسان لمسؤولية أعماله خيراً كانت أم شراً، وعودة آثار أعماله على نفسه، وهي إشارة ضمنية لقضية الثواب والعقاب في يوم القيامة.

وهنا يطرح المشركون هذا السؤال: متى تكون هذه القيامة التي تتحدّث عنها؟ الآيتان اللتان نبحثهما تجيبان أولا عن هذا السؤال، إذ يقول القرآن: إنّ الله وحده يختص بعلم قيام الساعة: (إليه يرد علم الساعة).

فلا يعلم بذلك نبيّ مرسل ولا ملك مقرّب، ويجب أن يكون الأمر كذلك لأغراض تربوية يكون فيها المكلّف على استعداد دائم للمحاسبة في أي ساعة.

ثم تضيف الآية: ليس علم الساعة لوحدها من مختصات العلم الإلهي فحسب، بل يندرج معها أشياء اُخرى مثل أسرار هذا العالم، وما يختص بالكائنات الظاهرة والمخفية: (وماتخرج من ثمرات من أكمامها وماتحمل من أنثى ولا تضع إلاّ بعلمه)(1). إنّ النباتات لا تنمو، والحيوانات لا تتكاثر، ولا يضع الإنسان نطفة إلاّ بأمر الخالق العظيم، وبمقتضى علمه وحكمته.

"أكمام" جمع "كم" على وزن "جم" وتعني الغلاف الذي يغطّي الفاكهة و"كم" على وزن "قُم" تعني الجزء من الرداء الذي يغطّي اليد. أمّا "كمة" على وزن "قبة" فهي القلنسوة على الرأس(2).

قال العلاّمة الطبرسي في مجمع البيان: تكمم الرجل في ثوبة، أي غطّى الشخص نفسه بلباسة.

أمّا الفخر الرازي فيفسّر "الأكمام" بمعنى القشرة التي تغطي الفاكهة.

وهناك من المفسّرين من فسروها بأنّها: "وعاء الثمرة"(3).

ويبدو أنّ جميع هذه الآراء تعود إلى معنى واحد، ولأنّ أدق المراحل في عالم الكائن الحي هي مرحلة النمو في الرحم والولادة، لذلك أكّد القرآن على هاتين القضيتين، سواء في عالم الإنسان والحيوان، أم في عالم النبات.

فالله هو الذي يعلم بالنطف وزمان انعقادها في الأرحام ولحظة ولادتها، ويعلم متى تتشكل الثمار وتنمو، ومتى تخرج من أغلفتها.

ثم يضيف السياق القرآني: إنّ هذه المجموعة التي تنكر القيامة وتستهزىء بها، ستتعرض إلى مشهد يقال لهم فيه: (ويوم يناديهم أين شركائي قالوا آذناك ما منّا من شهيد)(4).

فما كنّا نقوله هو كلام باطل كان كلاماً نابعاً من الجهل والعناد والتقليد الأعمى، واليوم عرفنا مدى بطلان ادعاءاتنا الواهية.

وهؤلاء في نفس الوقت الذي يسجلون اعترافهم السابق، فهم أيضاً لا يشاهدون أثراً للمعبودات التي كانوا يعبدونها من دون الله من قبل: (وضلّ عنهم ما كانوا يدعون من قبل).

إنّ مشهد القيامة مشهد موحش مهول بحيث يأخذ منهم الألباب، فينسون خواطر تلك الأصنام والمعبودات التي كانوا يعبدونها ويسجدون لها ويذبحون لها القرابين; بل وكانوا أحياناً يضحون بأرواحهم في سبيلها، وكانوا يظنون أنّها تحل لهم مشكلاتهم وتنفعهم يوم الحاجة... إنّ كلّ ذلك أصبح وهماً كالسراب.

ففي ذلك اليوم سيعلمون: (وظنوا ما لهم من محيص).

"محيص" من "حيص" على وزن "حيف" وتعني العدول والتنازل عن شيء، ولأنّ (محيص) اسم مكان، فهي تعني هنا الملجأ والمفر.

"ظنوا" من "ظنَّ" ولها في اللغة معنىً واسع، فهي أحياناً بمعنى اليقين، وتأتي أيضاً بمعنى الظن. وفي الآية مورد البحث جاءت بمعنى اليقين، إذ أنّهم سيحصل لهم في ذلك اليوم اليقين حيثُ لا مفرَّ ولا نجاة من عذاب الله.

يقول الراغب الأصفهاني في المفردات: "ظن" تعني الاعتقاد الحاصل من الدليل والقرينة، وهذا الاعتقاد قد يكون قوياً في بعض الأحيان ويصل إلى مرحلة اليقين، وأحياناً يكون ضعيفاً لا يتجاوز حدَّ الظن.


1- تفسير الميزان وتفسير المراغي.

2- "آذناك" من "إيذان" بمعنى الإعلان. وجملة "يوم يناديهم" تتعلق بمحذوف. والتقدير: "اذكر يوم يناديهم...".

لقد ذكروا لهذه الجملة تفسيراً آخر هو: لا يوجد بيننا اليوم من يشهد بوجود شريك لك، والكل ينكر وجود الشريك.

3- تفسير الميزان، المجلد 17، صفحة 426.

4- الفخر الرازي في التّفسير الكبير، المجلد 27، صفحة 137; وروح المعاني، المجلد 25، صفحة 4.