سورة فصّلت

مكيّة وَعددَ آياتِها أربع وخمسون آية

"سورة فصّلت"

نظرة في المحتوى العام للسورة:

سورة "فصلت" من السور المكية، وهي بذلك لا تخرج في مضامينها الأساسية عن مثيلاتها، بل تعكس في محتواها كامل خصائص السور المكّية، من التأكيد على المعارف الإسلامية التي تتصل بالعقيدة وبالحساب والجزاء، والوعيد والإنذار، وبالبشرى للذين آمنوا.

لكن كون السورة مكّية لا يعني عدم اختصاصها بمواضيع معينة قد لا نجدها فيما سواهامن السور القرآنية الأُخرى.

بشكل عام يمكن الحديث عن محتويات السورة من خلال الخطوط العريضة الآتية:

أوّلا: التركيز على موضوع القرآن وما يتصل به من بحوث، كالإشارة الصريحة إلى حاكمية القرآن في جميع الأدوار والعصور، وصيانته من أيّ تحريف، وقوّة منطقه وتماسكه بحيث رأينا أعداء الله يخشون حتى من الإستماع إلى آياته، بل ويمنعون الناس من مجرّد الإنصات إليه.

الآيتان (41) و(42) من السورة تتحدثان عن هذه النقطة بوضوح كامل، إذ يقول تعالى: (وإنّه لكتاب عزيز لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه).

ثانياً: إثارة قضية خلق السماء والأرض، خاصة ما يتعلق ببداية العالم الذي خلق من مادّة (الدخان) ثمّ مراحل نشوء الكرة الأرضية والجبال والنباتات الحيوانات.

ثالثاً: ثمّة في السورة إشارات إلى عاقبة الأقوام المغرورين الأشقياء من الأمم السابقة، مثل قوم عاد وثمود، وهناك إشارة قصيرة إلى قصة موسى(ع).

رابعاً: تتضمّن السورة تهديد المشركين وإنذار الكافرين، مع ذكر آيات القيامة وما يتعلق بشهادة أعضاء جسم الإنسان عليه، وتوبيخ الله تبارك وتعالى لأمثال هؤلاء.

خامساً: تتناول السورة قسماً من أدلة البعث والقيامة وخصوصياتهما.

سادساً: المواعظ والنصائح المختلفة التي تبعث في الروح الحياة من خلال الدعوة إلى الإستقامة في طريق الحق، وتوجيه المؤمن نحو أسلوب التعامل المنطقي مع الأعداء وكيفية هدايتهم نحو الله.

سابعاً: تنتهي السورة ببحث لطيف قصير عن آيات الآفاق والأنفس، وتعود كرةً اُخرى إلى قضية المعاد.

فضيلة تلاوة السورة:

ورد في الحديث الشريف عن رسول الله(ص) قوله: "من قرأ "حم السجدة" أعطي بكل حرف منها عشر حسنات"(1).

وفي حديث آخر حول فضيلة قراءة هذه السورة، قال الإمام الصادق(ع): "من قرأ "حم السجدة" كانت له نوراً يوم القيامة مد بصره وسروراً، وعاش في هذه الدنيا مغبوطاًمحموداً"(2) و في حدث عن "سنن البيهقي" أنّ "خليل بن مرّة" كان يقول: إنّ النّبي لم ينم ليلة من الليالي قبل أن يقرأ سورتي "تبارك" و "حم السجدة"(3).

و طبيعي أنّ هذه السورة المباركة بكل ما تتضمّن في مضامينها العالية من أنوار و معارف و مواعظ إنّما تكون مؤثرة فيما لو تحولت تلاوتها الى نور ينفذ إلى أعماق النفس، فتتحول في حياة الإنسان المسلم إلى دليل من نور يقوده في يوم القيامة نحو الصراط و الخلاص، لأنّ التلاوة مقدمة للتفكير، و التفكير مقدمة للعمل. إنّ تسمية السورة بـ "فصلت" مُشتق من الآية الثّالثة فيها. و إطلاق "حم السجدة" عليها لأنّها تبدأ بـ "حم" و الآية (37) فيها هي آية السجدة.


1- المدثر، الآية 11 ـ 30.

2- بحارالأنوار، المجلد 17، صفحة 211 فما فوق، ويمكن ملاحظة القصة في كتب اُخرى منها: تفسير القرطبي في مطلع حديثه عن السورة. المجلد الثامن، صفحة 5782.

3- "كتاب" خبر بعد الخبر، وبهذا الترتيب فإنّ "تنزيل" خبر لمبتدأ محذوف و "كتاب" خبر بعدالخبر.