الآيات 79 - 81
﴿اللهُ الَّذِى جَعَلَ لَكُمُ الاَْنْعَـمَ لِتَرْكَبُواْ مِنْهَا وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ ( 79 )وَلَكُمْ فِيهَا مَنَـفِعُ وَلِتَبْلُغُواْ عَلَيْهَا حَاجَةً فِى صُدُورِكُمْ وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ( 80 ) وَيُرِيكُمْ ءَايَـتِهِ فَأَىَّ ءَايَـتِ اللهِ تُنكِرُونَ( 81 )﴾
التّفسير
منافع الأنعام المختلفة:
تعود الآيات التي بين أيدينا للحديث مرّة اُخرى عن علائم قدرة الخالق (جلّ وعلا) ومواهبه العظيمة لبني البشر، وتشرح جانباً منها كي تزيد من وعي الإنسان ومعرفته بالله تعالى، وليندفع نحو الثناء والشكر فيزداد معرفة بخالقه.
يقول تعالى: (الله الذي جعل لكم الأنعام لتركبوا منها ومنها تأكلون).
فبعضها يختص بالغذاء كالأغنام، وبعضها للركوب والغذاء كالجمال التي تعتبر بحق سُفن الصحاري.
"أنعام" جمع "نعم"على وزن "قلم" وتطلق في الأصل على الجمال، لكنّها توسعت فيما بعد لتشمل الجمال والبقر والأغنام، والمصطلح مشتق من "النعمة"
بسبب أنّ أحد أكبر النعم على الإنسان هي هذه الأنعام. وفي يومنا هذا - بالرغم من تقدم التكنولوجيا في مجال النقل البري والجويـ إلاّ أنّ الإنسان ما زال يستفيد من الأنعام، خصوصاً في الأماكن الصحراوية الرملية، التي يصعب فيها استخدام وسائل النقل الأُخرى. ويتمّ استخدام الأنعام والحيوانات في بعض المضائق والمناطق الجبلية، حيث يتعذر استخدام غيرها من وسائل النقل الحديث.
لقد خلق الله الأنعام بأشكال مختلفة، وبروح تستسلم للإنسان وتنصاع إليه وتخضع لأوامره وتلبي له احتياجاته، في حين أنّ بعضها أقوى من أقوى الناس، وهذا الإنصياع في حدّ ذاته دليل من أدلة الخالق العظيم الذي سخّر لعباده هذه الأنعام.
إنّ من الحيوانات الصغيرة ما يكون خطره مميتاً للإنسان، في حين أن قافلة من الجمال يكفي صبي واحد لقيادها!
إضافة لما سبق تقول الآية التي بعدها: إنّ هناك منافع اُخرى: (ولكم فها منافع).
الانسان يستفيد من لبنها وصوفها وجلدها وسائر أجزائها الأُخرى، بل يستفيد حتى من فضلاتها في تسميد الأرض وإخصاب الزرع. وخلاصة القول: إنّه لا يوجد شيء غير نافع في وجود هذه الأنعام، فكل جزء منها مفيد ونافع، حتى أنّ الإنسان بدأ يستخلص بعض الأدوية من امصال هذه الحيوانات، و الملفت أن "منافع" جاءت نكرة في الآية لتبيّن أهمية ذلك).
ثم تضيف الآية: (ولتبلغوا عليها حاجةً في صدوركم).
احتمل بعض المفسّرين أن معنى الآية ينصرف إلى حمل الأثقال الذي يتمّ بواسطة الأنعام، لكن يحتمل أن يكون المقصود بقوله تعالى: (حاجة في صدوركم)الإشارة إلى بعض المقاصد والأهداف والرغبات الشخصية، إذ يستفاد من الإنعام
في الترفيه والهجرة والسياحة والتسابق والتفاخر، وما إلى ذلك من رغبات تنطوي عليها نفس الإنسان.
ولأنّ الأنعام تعتبر وسيلة سفر على اليابسة، لذلك تقول الآية في نهايتها: (وعليها وعلى الفلك تحملون) هناك بحث عن منافع الحيوانات يمكن مراجعته أثناء الحديث عن الآية الخامسة من سورة النحل).
لقد جاء التعبير القرآني "عليها" (أي الأنعام) بالرغم من الإشارة المباشرة إليها سابقاً، ليكون مقدمة لذكر (الفلك). والمعنى أنّ الله جلّ وعلا سخّر لكم الوسائل في البر والبحر للإنتقال ولحمل الأثقال كي تستطيعوا أن تبلغوا مقاصدكم بسهولة.
لقد جعلت للسفينة صفة خاصة بحيث تستطيع أن تبقى على سطح الماء بالرغم من الأثقال والأوزان الكبيرة التي عليها، وجعل الله تعالى الحركة في الريح بحيث تستطيع الفلك الإستفادة منها لتحديد وجهة سفر الإنسان ومقصده.
الآية الأخيرة هي قوله تعالى: (ويريكم آياته فأيّ آيات الله تنكرون) هل تستطيعون إنكار آياته في الآفاق وفي أنفسكم؟ أم هل تنكرون آياته في خلقكم من تراب وتحويلكم عبر مراحل الخلق إلى ما أنتم عليه، أم أنّكم تنكرون آياته في الحياة والموت والمبدأ والمعاد؟ وهل يمكنكم إنكار آياته في خلق السماء والأرض أو الليل والنهار، أو خلقه لأُمور تساعد في استمرار حياتكم كالأنعام وغيرها؟
أينما تنظر وتمد البصر فثمة آيات الله وآثار العظمة في خلقه سبحانه وتعالى: "عميت عين لا تراك".
يقول المفسّر الكبير العلاّمة "الطبرسي" في تفسيره "مجمع البيان" في جوابه على هذا السؤال: ما هو سبب مثل هذا الإنكار مع وضوح الدلائل والعلامات ؟
يقول: إنّ ذلك يمكن أن يعود إلى ثلاثة أسباب هي:
1 - عبادة الأهواء والإنقياد إليها، لأنّ ذلك يؤدي إلى حجب الإنسان عن رؤية الحق، (وينساق وراء غرائزه، لأنّ الحق يحدّد هذه الغرائز من خلال فرض التكاليف والوظائف الربانية. لذلك يعمد هؤلاء إلى إنكار الحق برغم دلائله الواضحة).
2 - التقليد الأعمى للآخرين - خصوصاً السابقين - وهذا أمر يحجب الإنسان عن الحق.
3 - الأحكام والإعتقادات الباطلة المترسخة في وعي الإنسان، فيذعن لها وتحجبه عن دراسة الحق والأنفتاح على آيات الله تبارك وتعالى.