سورة المؤمن

مَكيَّة وَ عَدَدُ آيَاتِهَا خَمسٌ وَ ثمانُون آية

نظرة مُختصرة في محتوى السورة:

سورة المؤمن هي طليعة الحواميم، والحواميم في القرآن الكريم سبع سور متتالية يلي بعضها بعضاً، نزلت جميعاً في مكّة، وهي بتدأ بـ "حم".

هذه السورة كسائر السور المكّية، تثير في محتواها قضايا العقيدة، وتتحدث عن أصول الدين الإسلامي ومبانيه وفي ذلك تلبي حاجة المسلمين في تلك المرحلة إلى تشييد وإقامة قواعد الدين الجديد.

ومحتوى هذه السورة يضم بين دفتيه الشدة واللطف، ويجمع في نسيجه بين الإنذار والبشارة... السورة - إذاً - مواجهة منطقية حادّة مع الطواغيت والمستكبرين، كما هي نداء لطف ورحمة ومحبة بالمؤمنين وأهل الحق.

وتمتاز هذه السورة أيضاً بخصوصية تنفرد بها دون سور القرآن الأُخرى، إذ تتحدّث عن "مؤمن آل فرعون" وهو مقطع من قصة موسى (ع)، وقصة مؤمن آل فرعون لم ترد في كتاب الله سوى في سورة "المؤمن".

إنّ قصة "مؤمن آل فرعون" هي قصة ذلك الرجل المؤمن المخلص الذي كان يتحلى بالذكاء والمعرفة في الوقت الذي هو من بطانة فرعون، ومحسوب - ظاهراً - من حاشيته. لقد كان هذا الرجل مؤمناً بما جاء به موسى(ع)، وقد احتل وهو يعمل في حاشية فرعون - موقعاً حساساً مميزاً في الدفاع عن موسى(ع) وعن دينه، حتى أنّه - في الوقت الذي تعرضت فيه حياة موسى(ع) للخطر - تحرّك من موقعه بسلوك فطن وذكي وحكيم لكي يخلّص موسى من الموت المحقق الذي كان قد أحاط به.

إنّ اختصاص السورة باسم "المؤمن" يعود إلى قصة هذا الرجل الذي تحدّثت عشرون آية منها عن جهاده، أي ما يقارب ربع السورة.

يكشف الأفق العام أنّ حديث السورة عن "مؤمن آل فرعون" ينطوي على أبعاد تربوية لمجتمع المسلمين في مكّة، فقد كان بعض المسلمين ممّن آمن بالاسلام يحافظ على علاقات طيبة مع بعض المشركين والمعاندين، وفي نفس الوقت فإن إسلامه وانقياده لرسول الله(ص) ليس عليهما غبار.

لقد كان الهدف من هذه العلاقة مع المشركين هو توظيفها في أيّام الخطر لحماية الرسالة الجديدة ودفع الضر عن أتباعها، وفي هذا الإطار يذكر التاريخ أنّ أبا طالب(ع) عمّ رسول الله(ص) كان من جملة هؤلاء، كما يستفاد ذلك من بعض الرّوايات الإسلامية المروية عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(ع)(1).

وبشكل عام يمكن النظر إلى محتوى السورة في إطار ما تثيره النقاط والأقسام الآتية:

القسم الأوّل: وهو يضم طليعة آيات السورة التي تتحدث عن بعض من أسماء الله الحسنى، خصوصاً تلك التي ترتبط ببعث معاني الخوف والرجاء في القلوب، مثل قوله تعالى: (غافر الذنب) و (شديد العقاب).

القسم الثّاني: تهديد الكفّار والطواغيت بعذاب هذه الدنيا الذي سبق وأن نال أقواماً اُخرى في ماضي التأريخ، بالإضافة إلى التعرّض لعذاب الآخرة، وتتناول بعض الصور والمشاهد التفصيلية فيه.

القسم الثّالث: بعد أن وقفت السورة على قصة موسى وفرعون، بدأت بالحديث - بشكل واسع - عن قصة ذلك الرجل المؤمن الواعي الشجاع الذي

اصطلح عليه بـ "مؤمن آل فرعون" وكيف واجه البطانة الفرعونية وخلّص موسى(ع) من كيدها.

القسم الرّابع: تعود السورة مرّة اُخرى للحديث عن مشاهد القيامة، لتبعث في القلوب الغافلة الروح واليقظة.

القسم الخامس: تتعرض السورة المباركة فيه إلى قضيتي التوحيد والشرك، بوصفهما دعامتين لوجود الانسان وحياته، وفي ذلك تتناول جانباً من دلائل التوحيد، بالإضافة إلى ما تقف عليه من مناقشة لبعض شبهات المشركين.

القسم السّادس: تنتهي السورة - في محتويات القسم الأخير هذا - بدعوة رسول الله(ص) للتحمل والصبر، ثمّ تختم بالتعرض إلى خلاصات سريعة ممّا تناولته مفصلا من قضايا ترتبط بالمبدأ والمعاد، وكسب العبرة من هلاك الأقوام الماضية، وما تعرضت له من أنواع العذاب الإلهي في هذه الدنيا، ليكون ذلك تهديداً للمشركين. ثمّ تخلص السورة في خاتمتها إلى ذكر بعض النعم الإلهية.

لقد أشرنا فيما مضى إلى أنّ تسمية السورة بـ "المؤمن" يعود إلى اختصاص قسم منها بالحديث عن "مؤمن آل فرعون". أما تسميتها بـ "غافر" فيعود إلى كون هذه الكلمة هي بداية الآية الثّالثة من آيات السورة المباركة.

فضيلة تلاوة السورة:

في سلسلة الرّوايات الإسلامية المروية عن رسول الله(ص) وعن أئمّة أهل البيت(عليهم السلام)، نرى كلاماً واسعاً من فضل تلاوة سور "الحواميم" وبالأخص سورة "غافر" منها.

ففي بعض هذه الأحاديث نقرأ عن رسول الله(ص) قوله: "الحواميم تاج القرآن"(2).

وعن ابن عباس ممّا يحتمل نقله عن رسول الله(ص) أو عن أمير المؤمنين علىّ بن أبي طالب(ع) قال: "لكل شيء لباب ولباب القرآن الحواميم"(3).

وفي حديث عن الإمام الصادق نقرأ قوله(ع): "الحواميم ريحان القرآن، فحمدوا الله واشكروه بحفظها وتلاوتها، وإنّ العبد ليقوم يقرأ الحواميم فيخرج من فيه أطيب من المسك الأذفر والعنبر، وإنّ الله ليرحم تاليها وقارئها، ويرحم جيرانه وأصدقاءه ومعارفه وكلّ حميم أو قريب له، وإنّه في القيامة يستغفر له العرش والكرسي وملائكة الله المقربون"(4).

وفي حديث آخر عن رسول الله(ص): "الحواميم سبع، وأبواب جهنّم سبع، تجيء كلّ "حاميم" منها فتقف على باب من هذه الأبواب تقول: الّلهم لا تُدخل من هذا الباب من كان يؤمن بي ويقرأني"(5).

وفي قسم من حديث مروي عن رسول الله(ص): "من قرأ "حاميم المؤمن" لم يبق روح نبيّ ولا صديق ولا مؤمن إلاّ صلّوا عليه واستغفروا له"(6).

ومن الواضح أنّ هذه الفضائل الجزيلة ترتبط بالمحتوى الثمين للحواميم، هذا المحتوى الذي إذا واظب الإنسان على تطبيقه في حياته والعمل به، والإلتزام بما يستلزمه من مواقف وسلوك، فإنّه سيكون مستحقاً للثواب العظيم والفضائل الكريمة التي قرأناها.

وإذا كانت الرّوايات تتحدث عن فضل التلاوة، فإنّ التلاوة المعنية هي التي تكون مقدمة للإعتقاد الصحيح، فيما يكون الإعتقاد الصحيح مقدمة للعمل الصحيح. إذاً التلاوة المعنية هي تلاوة الإيمان والعمل، وقد رأينا في واحد من الأحاديث - الآنفة الذكرـ المنقولة عن النّبي(ص) تعبير "من كان يؤمن بي ويقرأني".


1- المصدر السابق .

2- مجمع البيان أثناء تفسير السورة .

3- البيهقي طبقاً لما نقله عنه الآلوسي في روح المعاني، المجلد 24، صفحة 36.

4- مجمع البيان في مقدمة تفسير السورة.

5- يلاحظ "معاني الأخبار" للشيخ الصدوق، صفحة 22، باب معنى الحروف المقطعة في أوائل السور.

6- تفسير القرطبي أثناء تفسير الآية.