سُورَة يس
مكّية وعَدَدُ آيَاتِها ثلاث و ثمانون آية
"سورة يس"
محتوى السورة:
هذه السورة من السور المكّية، لذا فهي من حيث النظرة الإجمالية لها نفس المحتوى العام للسور المكّية، فهي تتحدّث عن التوحيد والمعاد والوحي والقرآن والإنذار والبشارة، ويلاحظ في هذه السورة أربعة أقسام رئيسيّة:
1- تتحدّث السورة أوّلا عن رسالة النّبي الأكرم (ص) والقرآن المجيد والهدف من نزول ذلك الكتاب السماوي العظيم وعن المؤمنين به، وتستمر بذلك حتّى آخر الآية الحادية عشرة.
2- قسم آخر من هذه السورة يتحدّث عن رسالة ثلاثة من أنبياء الله، وكيف كانت دعوتهم للتوحيد، وجهادهم المتواصل المرير ضدّ الشرك، وهذا في الحقيقة نوع من التسلية والمواساة لرسول الإسلام (ص) وتوضيح الطريق أمامه لتبليغ رسالته الكبرى.
3- قسم آخر منها، والذي يبدأ من الآية 33 وحتّى الآية 44، مملوء بالنكات التوحيدية الملفتة للنظر، وهو عرض معبّر عن الآيات والدلائل المشيرة إلى عظمة الله في عالم الوجود، كذلك فإنّ أواخر السورة أيضاً تعود إلى نفس هذا البحث التوحيدي والآيات الإلهية.
4- قسم مهمّ آخر من هذه السورة، يتحدّث حول المواضيع المرتبطة بالمعاد والأدلّة المختلفة عليه، وكيفية الحشر والنشر، والسؤال والجواب في يوم القيامة، ونهاية الدنيا، ثمّ الجنّة والنار، وهذا القسم يتضمّن مطالب مهمّة ودقيقة جدّاً.
وخلال هذه البحوث الأربعة ترد آيات محرّكة ومحفّزة لأجل تنبيه وإنذار الغافلين والجهّال، لها الأثر القوي في القلوب والنفوس.
الخلاصة، أنّ الإنسان يواجه في هذه السورة بمشاهد مختلفة من الخلق والقيامة، الحياة والموت، الإنذار والبشارة، بحيث تشكّل بمجموعها نسخة الشفاء ومجموعة موقظة من الغفلة.
فضيلة سورة "يس":
سورة يس- بشهادة الأحاديث المتعدّدة التي وردت بهذا الخصوص- من أهمّ السور القرآنية، إلى حدّ أنّ الأحاديث لقّبتها بـ "قلب القرآن" ففي حديث عن رسول الإسلام (ص) نقرأ "إنّ لكلّ شيء قلباً، وقلب القرآن يس"(1).
وفي حديث عن أبي بصير عن الإمام الصادق (ع): "إنّ لكلّ شيء قلباً وقلب القرآن يس، فمن قرأ يس في نهاره قبل أن يمسي كان في نهاره من المحفوظين والمرزوقين حتّى يمسي، ومن قرأها في ليلة قبل أن ينام وكّل به ألف ملك يحفظونه من كلّ شيطان رجيم ومن كلّ آفة ..." الحديث(2).
كذلك نقرأ عن الرّسول (ص) أيضاً "سورة يس تدعى في التوراة المعمّة! قيل: وما المعمّة؟ قال: تعمّ صاحبها خير الدنيا والآخرة" الحديث(3).
وهناك روايات اُخرى عديدة بهذا الخصوص، وردت في كتب الفريقين أعرضنا عن ذكرها حذراً من الإطالة.
لذا يجب الإقرار بأنّه ربّما لم تنل سورة من سور القرآن الاُخرى كلّ هذه الفضائل الخاصّة بسورة يس.
وكما أشرنا سابقاً فإنّ هذه الفضيلة والثواب لا ينالهما من يكتفي بقراءة الألفاظ- فقط- مشيحاً عن مفاهيم السورة، بل إنّ عظمة فضيلة هذه السورة إنّما هي لعظمة محتواها .. محتوىً يوقظ من الغفلة ويضخّ في النفس الإيمان، ويولد روح المسؤولية ويدعو إلى التقوى، بحيث أنّ الإنسان إذا تفكّر في هذه الآية وجعل ذلك التفكّر يلقي بظلاله على أعماله، فإنّه يفوز بخير الدنيا والآخرة.
فمثلا، الآية (60) من هذه السورة تتحدّث حول عهد الله في التحذير من عبادة الشيطان (ألم أعهد إليكم يابني آدم ألاّ تعبدوا الشيطان إنّه لكم عدو مبين).
ومن الواضح أنّه حينما ينشغل الإنسان بهذا العهد الإلهي- تماماً مثلما ورد في الأحاديث التي ذكرناها- سيكون في أمان من أي شيطان رجيم، ولكن لو قرئت هذه الآية بلا رويّة، وفي مقام العمل يكون من الأصدقاء المخلصين والأوفياء للشيطان، فإنّه لن ينال ذلك الفخر الذي ذكرناه، وهذا يصدق على آيات هذه السورة آية آية.
1- مجمع البيان، مجلّد 4، صفحة 413.
2- مجمع البيان، مجلّد 4، صفحة 413.
3- المصدر السابق.