سورة سَبأ
مَكّيّة وعددُ آياتِها أربعَ وخَمسُونَ آية
"سورة سبأ"
محتوى سورة سبأ:
سمّيت السورة بهذا الاسم (سبأ) لذكرها قصّة قوم سبأ، وهي من السور المكيّة، التي تشتمل عادةً على بحوث المعارف الإسلامية واُصول الإعتقادات، خصوصاً "المبدأ" و "المعاد" و "النبوّة".
فأغلب بحوثها تحوم حول تلكم الموضوعات، لحاجة المسلمين لبلورة اُمور العقيدة في مكّة، وإعدادهم للإنتقال إلى فروع الدين، وتشكيل الحكومة، وتطبيق كافّة البرامج الإسلامية.
وبشكل إجمالي يمكن القول بأنّ محتوى هذه السورة يندرج في خمسة مواضيع:
1- "التوحيد"، وبعض الآثار الدالّة عليه في عالم الوجود، وبعض صفات الله المقدّسة كالوحدانية، والربوبية، والاُلوهية.
2- قضيّة المعاد التي نالت النصيب الأوفى من العرض في هذه السورة، باستعراضها ضمن بحوث منوّعة ومن زوايا مختلفة.
3- نبوّة الأنبياء السابقين وبالأخص رسول الإسلام الأكرم (ص) والردّ على تخرصات أعدائه حوله، وذكر جانب من معجزات من سبقه من الأنبياء.
4- التعرّض لذكر بعض النعم الإلهية العظيمة، ومصير الشاكرين والجاحدين من خلال إستعراض جانب من حياة النّبي سليمان (ع) وحياة قوم سبأ.
5- الدعوة إلى التفكّر والتأمّل والإيمان والعمل الصالح، وبيان تأثير هذه العوامل في سعادة وموفقية البشر.
وعلى كلّ حال، فانّها تشكّل برنامجاً تربوياً شاملا لتربية الباحثين عن الحقّ.
فضيلة هذه السورة:
يلاحظ في الروايات تعبيرات ملفتة حول أهميّة هذه السورة وأهميّة قراءتها.
من جملتها ما ورد في حديث عن الرّسول (ص) أنّه قال: "من قرأ سورة سبأ لم يبق نبيّ ولا رسول إلاّ كان له يوم القيامة رفيقاً ومصافحاً"(1).
وفي حديث آخر عن الإمام الصادق (ع) أنّه قال: "من قرأ الحمدين جميعاً، سبأ وفاطر، في ليلة لم يزل ليلته في حفظ الله تعالى وكلاءته، فإن قرأهما في نهاره لم يصبه في نهاره مكروه، واُعطي من خير الدنيا وخير الآخرة ما لم يخطر على قلبه ولم يبلغ مناه"(2).
ونذكّر - كما في بداية كلّ سورة - بأنّ من الطبيعي أنّ هذا الثواب العظيم لا يكون نصيب من يكتفي من قراءته بلقلقة اللسان وحسب، بل يجب أن تكون القراءة مقدّمة للتفكير الذي يكون بدوره باعثاً على العمل الصالح.
فإنّ من يقرأ هذه السورة مثلا، سيعلم بأنّ الدمار الذي حلّ بقوم سبأ وجعل من مصرعهم عبرة للعالمين، ومصيرهم مضرباً للأمثال، إنّما كان لكفرانهم النعم الإلهية الوافرة. (3)
ومن يطّلع على ذلك فسيؤدّي شكر النعمة بطريقة عملية.
والشاكر بنعمة الله سيكون في حفظه وأمانه تعالى.
وقد ذكرنا شرحاً أوفى حول هذا الموضوع في أوّل تفسيرنا لسورة النور.
1- اتّضح ممّا قلناه في تفسير الآية أن لا حاجة مطلقاً إلى أن نقدر شيئاً في الآية، كما قال ذلك جمع من المفسّرين، ففسّروا الآية بأنّ المراد من عرض أمانة الله على السماء والأرض والجبال هو عرضها على أهلها، أي الملائكة! ولذلك قالوا بأنّ اُولئك الذين أبوا أن يحملوها قد أدّوها، واُولئك الذين حملوها خانوها.
إنّ هذا التّفسير ليس مخالفاً لظاهر الآية من ناحية الإحتياج إلى التقدير وحسب، بل يمكن أن يناقش ويورد على إعتقاده بأنّ على الملائكة نوع تكليف، وأنّها حاملة لجزء من هذه الأمانة. وبغضّ النظر عن كلّ ذلك فإنّ تفسير أهل الجبال بالملائكة لا يخلو من غرابة، دقّقوا ذلك.
2- مجمع البيان، بداية سورة سبأ، المجلّد 8، صفحة 375.
3- المصدر السابق.