الصحابة عدالةً

لكنّ دعوى الإجماع باطلة.. والمشهور لا أصل له..

أمّا دعوى الإجماع فيكذّبها نسبة هذا القول إلى الأكقر في كلام جماعة من الأئمة.. قال ابن الحاجب: " الأكثر على عدالة الصحابة، وقيل: كغيرهم، وقيل: إلى حين الفتن فلا يقبل الداخلون، لأنّ الفاسق غير معيّن، وقالت المعتزلة: عدول إلاّ من قاتل عليّاً... "(1).

وقال الغزّالي: " الذي عليه سلف الامّة وجماهير الخلف أنّ عدالتهم معلومة بتعديل الله عزّو جلّ أيّاهم وثنائه عليهم في كتابه، فهو معتقدنا فيه إلاّ أن يثبت بطريق قاطع ارتكاب واحد لفسق مع علمه به، وذلك ممّا لا يثبت، فلا حاجة لهم إلى التعديل.. وقد زعم قوم أنّ حالهم كحال غيرهم في لزوم البحث، وقال قوم: حالهم العدالة في بدائة الأمر إلى ظهور الحرب والخصومات، ثم تغيّر الحال وسفكت الدماء فلابدّ من البحث، وقال جماهير المعتزلة: عائشة وطلحة والزبير وجميع أهل العراق والشام فسّاق بقتال الإمام الحقّ... "(2).

وكذا في (جمع الجوامع) وشرحه حيث قال: " والأكثر على عدالة الصحابة لا يبحث عنها في رواية ولا شهادة... " ثم نقل الأقوال الاخرى(3).

وفي (مسلم الثبوت) وشرحه: " الأكثر قالوا: الأصل في الصحابة العدالة، وقيل... "(4).

بل صرّح جماعة من أكابر القوم من المتقدّمين والمتأخرين كالسعد التفتازاني(5)، والمازري - شارح البرهان -(6)، وابن العماد الحنبلي(7) والشوكاني(8) وأبي ريّة(9)، ومحمد عبدة(10)، ومحمد بن عقيل(11)، ومحمد رشيد رضا(12)، والمقبلي(13)، والرافعي(14)، وطه حسين، وأحمد أمين... وغيرهم بأنّ في الصحابة عدولاً وغير عدول، وهذا هو رأي الشيعة الإثني عشرية(15).

وأمّا أنّه مشهور لا أصل له... فلأنّ هذا القول يناقض القرآن الكريم... الذي تنصّ آيات كثيرة منه على أنّ كثيراً من الأصحاب حول النبي في حياته (صلّى الله عليه وآله وسلم) منافقون فسقة(16) حتى جاءت سورة منه بعنوان " المنافقين ".

ونصّت الآية الكريمة: (... أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم...) (10) على ارتداد كثيرين منهم من بعده...

وجاءت الأحاديث الصحيحة شارحةً هذه الآية المباركة، ومن أشهرها وأصحّها حديث الحوض الوارد في الصحيحين وغيرهما بألفاظ وطرق مختلفة، بل عدّه بعضهم في الأحاديث المتواترة عن النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم، فقد ذكر العلاّمة الزبيدي في كتابه في (الأحاديث المتواترة): " الحديث السبعون حديث الحوض. رواه من الصحابة خمسون نفساً " فذكر أسماءهم.

فالقول المذكور يناقص الكتاب والسنة.. ويناقص السير والتواريخ وأحوال الصحابة.

وبالجملة.. فإنّ الصحابة ما كانوا يرون في أنفسهم لأنفسهم وفيما بينهم ما قيل في حقّهم ووضع في شأنهم.. فلقد تباغضوا وتسابّوا وتضاربوا وتقاتلوا..

وإنّ الآثار المنقولة عنهم الحاكية لارتكابهم الكبائر واقترافهم السيئات من الزنا، وشرب الخمر، والربا... وغير ذلك.. كثيرة لا تحصى(17).

فهذا هوالقول بعدالة الصحابة أجمعين.. فهو مشهور.. لكن لا أصل له.

نعم.. يستدلّون له بأدلّة.. عمدتها ما رووا بأسانيدهم أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: " أصحابي كالنجوم بأيّهم اقتديتم اهتديتم " لكنّه حديث يعارض الكتاب والسنّة والتاريخ الصحيح.. فلا اعتبار به.. مضافاً إلى أنّ جمعاً كبيراً من أعيان القوم ينصّون على أنّه حديث باطل موضوع، ومنهم:

أحمد بن حنبل(18).

أبو إبراهيم المزني(19).

أبو بكر البزّار(20).

ابن القطّان(21).

الحافظ الدار قطني(22).

الحافظ ابن حزم(23).

الحافظ البيهقي(24).

الحافظ إبن عبدالبرّ(25).

الحافظ إبن عساكر(26).

الحافظ إبن الجوزي(27).

الحافظ إبن دحية(28).

الحافظ أبو حيّان الأندلسي(29).

الحافظ الذهبي(30).

الحافظ إبن القيّم(31).

الحافظ إبن حجر العسقلاني(32).

الحافظ السخاوي(33).

الحافظ السيوطي(34).

الحافظ الشوكاني(35).


1- المختصر في الأصول 2 : 67 .

2- المستصفى 1 : 164 .

3- انظر : النصائح الكافية : 160 .

4- فواتح الرحموت بشرح مسلّم الثبوت 2 : 155 .

5- إحقاق الحقّ - للتستري - 2 : 391 - 392 عن شرح القاصد .

6- الإصابة 1 : 19 ، النصائح الكافية : 161 .

7- النصائح الكافية : 162 عن الآلوسي .

8- إرشاد الفحول : 158 .

9- شيخ المضيرة أبو هريرة : 101 .

10- أضواء على السنّة المحمديّة : 322 .

11- النصائج الكافية : 163 .

12- شيخ المضيرة أبو هريرة : 101 .

13- المصدر نفسه .

14- إعجاز القرآن : 141 .

15- انظر كتاب : « أصحابي كالنجوم « العدد الأول من سلسلة الأحاديث الموضوعة ، تأليف : علي الحسيني الميلاني ، وهو مطبوع أيضاً في كتابنا ( الإمامة ) .

16- انظر الآيات في سورة آل عمران ، سورة التوبة ...

17- آل عمران : 3 | 144 .

18- صحيح البخاري ، باب في الحوض 4 : 87 - 88 .

19- انظر : أصحابي كالنجوم : 73 - 81 .

20- نقل ذلك عنه في : التقرير والتحبير - لابن أمير الحاج - ، المنتخب - لابن قدامة - التيسير في شرح التحرير 3 : 243 ، مسلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة 1 : 79 .

21- الكامل | ترجمة جعفر بن عبد الواحد الهاشمي القاضي وحمزة النصيبي .

22- غرائب مالك ، تخريج أحاديث الكشّاف 2 : 628 .

23- البحر المحيط 5 : 528 ، سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة 1 : 78 ..

24- المدخل ، وعنه في الكافي الشاف في تخريج أحاديث الكشّاف - المطبوع على هامش الكشّاف - 2 :628 .

25- جامع بيان العلم 2 : 90 - 91 .

26- التاريخ ، وعنه في فيض القدير في شرح الجامع الصغير 4 : 76

27- العلل المتناهية في الأحاديث الواهية ، وانظر : فيض القدير 4 : 76 .

28- تعليق تخريج أحاديث منهاج البيضاوي .

29- البحر المحيط 5 : 527 - 528 .

30- ميزان الاعتدال 1 : 413 و 2 : 102 .

31- أعلام الموقّعين 2 : 223 .

32- الكافي الشاف في تخريج أحاديث الكشّاف .

33- المقاصد الحسنة 26 : 27 .

34- الجامع الصغير - بشرح المناوي - 4 : 76 .

35- إرشاد الفحول : 83 .