الآيات 41 - 45
﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِى الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِىْ النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِى عَمِلُواْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (41) قُلْ سِيرُواْ فِى الاَْرْضِ فَانْظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَـقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلُ كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُّشْرِكِينَ (42) فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينَ الْقَيِّمِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِىَ يَوْمٌ لاَّمَرَدَّ لَهُ مِنَ اللهِ يَوْمَئِذ يَصَّدَّعُونَ (43) مَن كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَمَنْ عَمِلَ صَـلِحاً فَلاَِنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ (44) لِيَجْزِىَ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُواْ الصَّـلِحَـتِ مِن فَضْلِهِ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْكَـفِرِينَ (45) ﴾
التفسير
أساس الفساد ومصدره أعمال الناس أنفسهم:
كان الكلام في الآيات االسابقة عن الشرك، ونعلم أنّ أساس جميع المفاسد هو الغفلة عن أصل التوحيد والتوجه نحو الشرك، لذلك فإنّ القرآن - في هذه الآيات محل البحث - يتحدث عن ظهور الفساد في الأرض بسبب أعمال الناس أنفسهم، فيقول: (ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس).
والله يريد أن يريهم ما قدموه و(ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهميرجعون).
والآية الآنفة الذكر تبيّن المعنى الواسع حول ارتباط الفساد بالذنب، الذي لا يختصّ بأرض "مكّة" والحجاز، ولا بعصر النّبي(ص)، بل هو من قبيل القضية الحقيقية التي تبيّن العلاقة بين الموضوع والمحمول!
وبعبارة أُخرى: حيثما ظهر الفساد فهو انعكاس لأعمال الناس وفيه - ضمناً - هدف تربوي، ليذوق الناس "طعم العلقم" نتيجة أعمالهم، لعلهم ينتهون ويثوبون إلى رشدهم!
ويقول بعضهم: إنّ هذه الآية ناظرة إلى القحط و "الجدب" الذي أصاب المشركين بسبب دعاء النّبي(ص) على مشركي مكّة!... فانقطعت المُزن ويبست الصحاري، وصار من الصعب عليهم الصيد من البحر الأحمر أيضاً.
وعلى فرض أن يكون هذا الكلام صحيحاً تاريخياً، إلاّ أنّه بيان لأحد المصاديق ولا يحدد معنى الآية في مسألة ارتباط الفساد بالذنب، فهي ليست محدّدة بذلك الزمان والمكان، ولا بالجدب وانقطاع "الغيث".
وممّا ذكرناه آنفاً يتّضح جيداً أنّ كثيراً من التّفاسير المحدودة والضيقة التي نقلها بعض المفسّرين في ذيل الآية غير مقبولة بأي وجه.
كما فسّروا الفساد في الأرض بأنّه قتل "هابيل" على يد "قابيل"، أو أن المراد بالفساد في البحر هو غصب السفن في عصر موسى، والخضر(ع).
أو أنّ المراد من الفساد في البر والبحر هو ظهور الحكّام المتسلطين الفاسدين الذين يشيعون الفساد في جميع هذه المناطق!.
وبالطبع فإنّ الممكن أن تكون مصاديق الآية مثل هؤلاء الأفراد الذين يتسلطون على الناس نتيجة الدنيا والمجاملة وجرّ الناس للذل، ولكن من المسلّم به أن هذا المصداق لا يعني تخصيص مفهوم الآية!.
كما أنّ جماعة من المفسّرين بحثوا في معنى الفساد في البحر أيضاً، فقالبعضهم: المراد بالبحر هو المدن التي إلى جانب البحر، وقال بعضهم: إنّ المراد بالبحر هو "المناطق المخصبة ذات البساتين والأثمار".
ولا نجد دليلا على هذه التمحّلات، لأنّ البحر معناه معروف، والفساد فيه لعله قلّة المواهب البحرية، أو عدم الأمن فيه، أو الحروب البحرية.
ونقرأ حديثاً عن الإمام الصادق(ع) في هذا الصدد "حياة دواب البحر بالمطر، فإذا كفّ المطر ظهر الفساد في البحر والبرّ، وذلك إذا كثرت الذنوب والمعاصي" (1).
وبالطبع فإنّ ما ورد في هذه الرواية هو مصداق واضح للفساد وما ورد في شأن نزول المطر "وحياة دواب البحر به" فهو موضوع دقيق، تؤكّد عليه التجربة، فكلما قلّ ماء السماء "المطر" قل السمك في البحر، حتى أنّنا سمعنا ممن يقطنون ساحل البحر يقولون: إن فائدة الغيث للبحر أكثر من فائدته للصحراء!.
وفي الآية التالية يأمر الله الناس بالسير في الأرض ليروا شواهد كثيرة "حيّة" من مسألة ظهور الفساد في الأرض بسبب المعاصي والذنوب من قبل الناس.
ويوصي نبيّه(ص) أن يأمرهم بذلك، فيقول: (قل سيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة الذين من قبل).
انظروا قصور "الظالمين" المتهدمة، وأبراجها المتداعية والخزائن المطموسة، وجماعاتهم المتفرقة، ثمّ انظروا إلى قبورهم المدروسة وعظامهم النخرة!
وانظروا عاقبة أمر الظلم والشرك وما آلا إليه.
أجل (كان أكثرهم مشركين).
والشرك أساس الفساد والإنحراف والضلال!
ممّا يستلفت الإنتباه، أنّه حين كان الكلام في الآيات السابقة عن نعم الله، كانت بدايته حول خلق الإنسان ثمّ رزقه من قبل الله (الله الذي خلقكم ثمّ رزقكم) إلاّ أن الكلام في الآيات محل البحث التي تتحدث عن العقاب يبدأ الكلام فيها أوّلا بالإشارة إلى زوال النعم على أثر المعاصي والذنوب، ثمّ الهلاك على أثر الشرك، لأنّه عند الهبة والعطاء "أوّل الأمر يذكر الخلق ثمّ الرزق".. وعند الإسترجاع، "فأوّل الأمر زوال النعمة ثمّ الهلاك".
والتعبير بـ(كان أكثرهم مشركين) مع الإلتفات إلى أنّ هذه السورة مكّية وكان المسلمون في ذلك الوقت قلّة، فلعل ذلك إشارة إلى أن لا تخافوا من كثرة المشركين، لأنّ الله أهلك من قبلهم من هو أشدّ منهم، واكثر جمعاً، وهو في الوقت ذاته إنذار للطغاة ليسيروا في الأرض فينظروا بأم أعينهم عاقبة الظالمين من قبلهم!.
وحيث أن التصور والوعي والإنتباه، ثمّ العودة والإنابة إلى الله، كل ذلك لا يكون - دائماً - مفيداً ومؤثراً، ففي الآية التالية يوجه القرآن الخطاب للنبيّ الأكرم(ص) قائلاً: (فأقم وجهك للدين القيم من قبل أن يأتي يوم لا مرد له من الله يومئذ يصدّعون) (2) أي يتفرقون "فريق في الجنّة وفريق في السعير".
ووصف الدين بأنه "قيّم" مع ملاحظة أن "القيّم معناه الثابت والقائم" هو إشارة إلى أن هذا التوجه المستمر "أو الإقامة" هي للدين.. أي لأنّ الإسلام دين ثابت ومستقيم وذو نظام قائم في الحياة المادية والمعنوية للناس، فلا تمل عنه أبداً، بل أقم وجهك للدين القيم!
وإنّما وجه الخطاب للنبيّ(ص) ليعرف الآخرون واجبهم ووظيفتهم أيضاً.
والتعبير بـ "يصدعون" من مادة "صدع" معناه في الأصل: كسر الإناء، ثمّ انتقل بالتدريج إلى أي نوع من أنواع التفرق والتشتت.
وهنا إشارة إلى انفصال صفوف أهل الجنان عن صفوف أهل النيران، وكل من هذه الصفوف يتفرق إلى عدة صفوف، وذلك لسلسلة المراتب في الجنان، ودركات النيران "والعياذ بالله".
والآية التالية - بيان لهذا الإنفصال في يوم القيامة، إذ تقول: (من كفر فعليه كفرُه ومن عمل صالحاً فلأنفسهم يمهدون).
كلمة "يمهدون" مشتقّة من "المهد" على زنة "عهد" وكما يقول الراغب في مفرداته فإنّ معناه السرير المعدّ للطفل، ثمّ توسعوا في المعنى فصار المهد والمهاد لكل مكان مهيأ ومعد "وفيه منتهى الدعة والراحة" وقد انتخب هذا التعبير لأهل الجنّة والمؤمنين الصالحين، من هذه الجهة.
والخلاصة: لا تحسبوا أن إيمانكم وكفركم وأعمالكم الصالحة والطالحة لها أثر على الله، بل أنتم الذين تفرحون بها أو تساءون (يوم ترونها).
ومن الطريف أنّ القرآن اكتفى في شأن الكفار بالتعبير بـ (ومن كفر فعليه كفره) ولكن بالنسبة للمؤمنين تضيف الآية التالية: أن المؤمنين لا يرون أعمالهم فحسب، بل يوليهم الله من مواهبه وفضله فيقول: (ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات من فضله).
ومن المسلّم به أن هذا الفضل لا يشمل الكفار إذ (إنّه لا يحب الكافرين)... ولا شك أنّ الله يعاملهم وفق عدالته، ويجزيهم ما يستحقون، لا أكثر، لكن لاينالهم منه فضل وموهبة أيضاً.
بحوث
1 - العلاقة بين الذنب والفساد
ممّا لا شك فيه أن كل ذنب يترك أثره في المجتمع، كما يترك أثره في الأفراد عن طريق المجتمع أيضاً... ويسبب نوعاً من الفساد في التنظيم الإجتماعي، فالذنب والعمل القبيح، وتجاوز القانون، مثلها كمثل الغذاءالسيء والمسموم، إذ يترك أثره غير المطلوب والسيء في البدن شئنا أم أبينا، ويقع الإنسان فريسة للآثار الوضعية لذلك الغذاء المسموم.
"الكذب" يسلب الإعتماد.
و"خيانة الأمانة" تحطّم الروابط الإجتماعية.
و"الظلم" يسبب إيذاء الآخرين وظلمهم.
والإفراط في الحرية يجرّ إلى الديكتاتورية، والديكتاتورية تجر إلى الإنفجار.
و"ترك حقوق المحرومين" يورث العداوة والحقد والبغضاء، و"تراكم الأحقاد والعداوات" يزلزل أساس المجتمع!.
والخلاصة، أن كلّ عمل غير صحيح له أثره السيّء سواء كان ذلك في دائرة محدودة أم واسعة، وأحد تفاسير الآية (ظهر الفساد في البرّ والبحر بما كسبت أيدي الناس) هو هذا وهذا يبيّن العلاقة الطبيعية بين الذنب والفساد - "هنا".
إلاّ أنّه يستفاد من الروايات الإسلامية أنّ كثيراً من الذنوب - إضافة لما ذكرنا - تجلب معها سلسلة من الآثار السيئة، وعلاقتها وارتباطها مع تلك الآثار - من الناحية الطبيعية على الأقل - غير معروفة.
فمثلا ورد في الرّوايات الإسلامية أن قطع الرحم يقصر العمر، وأن أكل المال الحرام يورث ظلمة القلب، وأن كثرة الزنا يورث فناء الناس ويقلل الرزق(3).
حتى أنّنا لنقرأ حديثاً عن الإمام الصادق(ع) يقول فيه: "من يموت بالذنوب أكثر ممن يموت بالآجال" (4)
وقد ورد في القرآن نظير هذا المعنى في تعبير آخر، حيث يقول القرآن: (ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون)(5).
إذن فالفساد - في الآية محل البحث - هو الفساد الأعمّ "الذي يشمل المفاسد الإجتماعية، والبلايا، وسلب النعم والبركات".
وممّا يستلفت الإنتباه أن الآية المتقدمة يستفاد منها ضمناً أن واحداً من حكم الآفات والبلايا تأثيرها التربوي على الناس، إذ عليهم أن يروا رد الفعل الناتج من أعمالهم.. ليفيقوا من نومهم وغفلتهم، ويعودوا إلى الطهارة والتقوى!
ولا نقول: إنّ جميع الشرور والآفات هي من هذا القبيل، ولكننا نقول: إن قسماً منها - على الأقل - فيه هذه الحكمة والغاية وبالطبع فإنّ له حكمة أُخرى بحثناها في محلها.
2 - فلسفة السير في الأرض
لقد وردت مسألة "السير في الأرض" ست مرات في القرآن المجيد، (في سورة آل عمران والأنعام والنحل والنمل والعنكبوت والروم) حيث وردت مرّة بقصد التفكر في أسرار الخلق (سورة العنكبوت الآية 20) وخمس مرات بقصد العبرة من العواقب الوخيمة التي نالها الظالمون والجبابرة والطغاة الآثمون!
والقرآن يهتمّ بالمسائل العينية والحسية - التي يمكن لمس آثارها في الأُمور التربوية - اهتماماً خاصاً، ولا سيما أنّه يأمر المسلمين أن ينطلقوا من محيطهم المحدود إلى المدى الأرحب، ويسيروا ويسيحوا في هذا العالم، وليفكروا في أعمال الآخرين وسجاياهم وعواقب أُمورهم، وأن يستوحوا من هذه "الحياة" العابرة "ويدخروا ذخيرة قيمة" من العبرة والإطلاع!
إنّ القوى الشيطانية في العصر الحاضر - من أجل سعة استثمارها في العالم كافة - مشطت وفحصت جميع الدول والبلدان والأمم وطريقة حياتهم وثقافتهم ونقاط القوّة والضعف فيهم بصورة جيدة.
إنّ القرآن يقول: بدلا من هؤلاء المستكبرين سيروا أنتم في أرجاء الأرض وبدلا من خططهم ومؤامراتهم الشيطانية تعلموا دروساً رحمانية.
العبرة والإعتبار من حياة الآخرين أهم من التجارب الشخصية وأكثر قيمة، لأنّ الإنسان ينبغي أن يتحمل خلال تجاربه أضراراً ليتعلم مسائل جديدة إلاّ أن الإنسان عند استلهام العبرة من الآخرين يربح معارف جمة وثمينة دون أن يتحمل ضرراً.
وأمر القرآن بالسير في الأرض ينطبق على أكمل الأساليب والطرق التي حصل عليها البشر في العصر الحاضر، وذلك بأن يأخذوا بأيدي التلاميذ - بعد استيعاب المسائل في الكتب - ويسيروا في الأرض، ويطالعوا الشواهد العينية التي قرأوها في الكتب!
وبالطبع فهناك اليوم نوع آخر من السير في الأرض بعنوان "السياحة" في العالم، وذلك من قبل "الحضارة الشيطانية" لجلب الأموال والثروة "الحرام" التي راجت سوقها، وغالباً ما تكون فيها أهداف منحرفة وتضليلية، كنقل الثقافة السقيمة وإشاعة الهوى والسفاهة والحماقة واللهو هذه هي "السياحة المخربة"!
ولكن الإسلام يؤيد السياحة التي تكون وسيلة لنقل الثقافات الصحيحة والتجارب المتراكمة، واستكناه أسرار الخلق في عالم البشر وعالم الطبيعة، واستلهام دروس العبرة من عواقب المفسدين والظالمين الوخيمة.
ولا بأس بالإشارة إلى أنّ هناك سياحة منعها الإسلام ونقرأ حديثاً يقول: "لا سياحة في الإسلام" (6).
والمراد من هذا الحديث هو في جميع سنوات حياتهم - أو بعضها - منفصلين عن الحياة الإجتماعية تماماً، ودون أن يكون لهم نشاط ملحوظ، فهم يسيحون في الأرض ويعيشون كالرهبان! فيكونون عالة على الآخرين.
وبتعبير آخر: إنّ عمل هؤلاء بمثابة "الرهبانية السيارة" مقابل الرهبان الثابتين المنزوين في الدير والمنعزلين عن المجتمع، وحيث أن الإسلام يخالف هذا الإتجاه والإنزواء الإجتماعي، فهو يعد هذه "السياحة" غير مشروعة أيضاً.
3 - الدين القيّم
كان الخطاب في الآيات المتقدمة للنّبي(ص) أن يجعل تمام توجهه نحو الدين المستقيم والثابت، الذي ليس فيه إعوجاج ولا إنحراف ولا تزلزل في قواعده أبداً.
ومن الطريف أن تعبيرات أُخرى في آيات القرآن المتعددة جاءت بصدد هذا الدين، ففي الآية (105) من سورة يونس جاء التعبير عنه بالحنيف (فأقم وجهك للدين حنيفاً).
وفي الآية (رقم 3) من سورة الزمر وصف بالخالص (ألا لله الدين الخالص).
وفي الآية (52) من سورة النحل، وصف بأنّه واصب، أي لا يتغير (وله الدين واصباً).
وفي الآية (78) من سورة الحج وصف بأنه خال من الحرج والشدة (وما جعل عليكم في الدين من حرج)!
ونظائر هذه الآيات كثيرة في القرآن!
وكل واحد من هذه الأُمور يمثل بعداً من أبعاد الدين الإسلامي، وهو في الوقت ذاته من باب اللازم والملزوم.
أجل ينبغي أن ينتخب مثل هذا الدين، وأن يسعى في معرفته، وأن يحفظ حتى آخر رمق!
4 - لا عودة في يوم القيامة!
قرأنا في الآيات المتقدمة عن يوم القيامة قوله تعالى: (يوم لا مرد له من الله) ولا طريق للعودة إلى الدنيا!
ويلاحظ في آيات القرآن الأخر ما يشبه هذا التعبير، ومن ذلك الآية (44) من سورة الشورى - حين يرى الظالمون العذاب يقولون: (فهل إلى مردّ من سبل).
كماوصف يوم القيامة في الآية (47) من سورة الشورى - أيضاً - بقوله تعالى: (يوم لا مرد له من الله).
والحقيقة أن عالم الوجود له مراحل لا عودة فيها إلى مرحلة سابقة، وهذه سنة الله التي لا تتبدل ولا تتحول!
ترى، هل يرجع الطفل - سواء ولد كاملا أو ناقصاً - جنيناً مرّة أُخرى إلى رحم أمه؟!
وهل ترجع الثمرة المقطوفة من الشجرة - ناضجة كانت أم لا - إلى أغصانها؟!
فانتقال الإنسان من هذا العالم إلى العالم الآخر على هذه الشاكلة، أي لا طريق للعودة أبداً... وهذه حقيقة تخيف الإنسان وتهزّه وتنذره ليكون يقظاً!.
1- تفسير القمي: طبقاً لنقل تفسير الميزان، ج 16، ص 210.
2- كلمة "مردّ" في جملة "لا مرد له من الله" مصدر ميمي وهو هنا بمعنى اسم الفاعل فيكون معنى الجملة: لا رادّ له من الله. والضمير في "له" يعود إلى "يوم" ويكون المفهوم العام للجملة. لا يستطيع أي كان أن يعيد ذلك اليوم من الله، أي يقف بوجه القضاء والمحاكمة بتأخير ذلك اليوم و"تعطيله".
والخلاصة: إنّه لا يخلف الله وعده ليعيد ذلك اليوم، وليس لأحد سواه القدرة على ذلك; فوقوع ذلك اليوم لابدّ منه وهو يوم محتوم" فلاحظوا بدقة.
3- في حديث عن رسول الله(صلى الله عليه وآله) أنّه قال: "للزنا عقوبات ثلاث منها في الدنيا وثلاث في الآخرة، فأمّا العقوبات في الدنيا فإنه يسلب النور من الإنسان، ويبتله بموت الفجأة، ويقطع الرزق. وأمّا التي في الآخرة فهو على سوء الحساب وغضب الله والخلود في نار جهنم" (سفينة البحار - مادة زنى).
4- سفينة البحار (مادة ذنب).
5- الأعراف، الآية 96.
6- مجمع البحرين مادة "سيح"، وفي حديث آخر عن النّبي العظيم(صلى الله عليه وآله) في هذا الكتاب نفسه نقرأ قوله(صلى الله عليه وآله)"سياحة أمتي الغزو والجهاد".