الآيات 1 - 7

﴿الم (1) غُلِبَتِ الرُّومُ (2) فِى أَدْنَى الاَْرْضِ وَهُمْ مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (3) فِى بِضْعِ سِنِينَ للهِ الاَْمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ وَيَوْمَئِذ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (4) بِنَصْرِ اللهِ يَنْصُرُ مَن يَشَآءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (5) وَعْدَ اللهِ لاَ يُخْلِفُ اللهُ وَعْدَهُ وَلَـكِنَّ أَكْثِرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ (6) يَعْلَمُونَ ظَـهِراً مِّنَ الْحَيَـوةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الاَْخِرَةِ هُمْ غَـفِلُونَ (7) ﴾

سبب النزول

يتفق المفسّرون الكبار على أن الآيات الأُولى من هذه السورة نزلت في أعقاب الحرب التي دارت بين الروم والفُرس، وانتصر الفرس على الروم، وكان النّبي حينئذ في مكّة، والمؤمنون يمثلون الأقلية.

فاعتبر المشركون هذا الإنتصار للفرس فألا حسناً، وعدّوه دليلا على حقانية المشركين و"الشرك"، وقالوا: إن الفرس مجوسٌ مشركون، وأمّا الروم فهم مسيحيون "نصارى" ومن أهل الكتاب.. فكما أن الفرس غلبوا "الروم" فإنالغلبة النهائية للشرك أيضاً، وستنطوي صفحة الإسلام بسرعة ويكون النصر حليفنا.

وبالرغم من أن مثل هذا الإستنتاج عار من أي أساس، إلاّ أنّه لم يكن خالياً من التأثير في ذلك الجوّ والمحيط للتبليغ بين الناس الجهلة، لذلك كان هذا الأمر عسيراً على المسلمين.

فنزلت الآيات الآنفة وقالتْ بشكل قاطع: لئن غلب الفرس الروم ليأتينّ النصر والغلبة للروم خلال فترة قصيرة.

وقد حدّدت الفترة لانتصار الروم على الفرس في (بضع سنين).

وهذا الكلام السابق لأوانه، هو من جهة دليل على إعجاز القرآن، هذا الكتاب السماوي الذي يستند علمه إلى الخالق غير المحدود، ومن جهة أُخرى كان فألا حسناً للمسلمين في مقابل فأل المشركين، حتى أن بعض المسلمين عقدوا مع المشركين رهاناً على هذه المسألة المهمّة، ولم يكن في ذلك الحين قد نزل الحكم بتحريم مثل هذا الشرط(1).

التّفسير

تنبؤ عجيب!

هذه السورة ضمن مجموع تسع وعشرين سورة تبدأ بالحروف المقطعة (ألم).

وقد بحثنا مراراً في تفسير هذه الحروف المقطعة "وخاصةً في بداية سورة البقرة وآل عمران والأعراف".

والفارق الوحيد الذي نلاحظه هنا عن بقية السور، ويلفت النظر، هو أنّه خلافاً لكثير من السور التي تبدأ بالحروف المقطعة، التي يأتي الحديث بعدها على عظمة القرآن الكريم، بل بحثاً عن اندحار الروم وانتصارهم في المستقبل، ولكن مع التدقيق يتّضح أن هذا البحث يتحدث عن عظمة القرآن الكريم أيضاً... لأنّ هذا الخبر الغيبي المرتبط بالمستقبل هو من دلائل إعجاز القرآن، وعظمة هذا الكتاب السماوي!.

يقول القرآن بعد الحروف المقطعة (غلبت الروم في أدنى الأرض) وهم قريب منكم يا أهل مكّة، إذ أنّهم في شمال جزيرة العرب، في أراضي الشام في منطقة بين "بصرى" و"أذرعات".

ومن هنا يعلم بأنّ المراد من الروم هنا هم الروم الشرقيون، لا الروم الغربيون.

ويرى بعض المفسّرين كالشيخ الطوسي في تفسير "التبيان" - أن من المحتمل أن يكون المراد بأدنى الأرض المكان القريب من بلاد فارس، أي إن المعركة وقعت في أقرب نقطة بين الفرس والروم.

(2)

وصحيحٌ أن التّفسير الأوّل معه الألف واللام للعهد - في "الأرض" مناسبٌ أكثر، ولكن ومن جهات متعددة - كما سنذكرها - يبدوا أن التّفسير الثّاني أصحّ من الأول!

ويوجد هنا تفسير ثالث، ولعلّه لا يختلف من حيث النتيجة مع التّفسير الثاني، هو أنّ المراد من هذه الأرض - هي أرض الروم، أي إنّهم غلبوا في أقرب حدودهم مع بلاد فارس، وهذا يشير إلى أهمية هذا الإندحار وعمقه، لأنّ الإندحار في المناطق البعيدة والحدود المترامية البعد ليس له أهمية بالغة، بل المهم أن تندحر دولة في أقرب نقاطها من حدودها مع العدو، إذ هي فيها أقوى وأشدّ من غيرها.

فعلى هذا سيكون ذكر جملة (في أدنى الأرض) إشارة إلى أهمية هذا الإندحار.

وبالطبع فإن التنبؤ عن انتصار البلد المغلوب خلال بضع سنين في المستقبل، له أهمية أكبر، إذ لا يمكن التوقع له إلاّ عن طريق الإعجاز.

ثمّ يضيف القرآن: (وهم من بعد غلبهم سيلغبون) وهم أيّ الروم.

ومع أن جملة "سيغلبون" كافية لبيان المقصود، ولكن جاء التعبير (من بعد غلبهم)بشكل خاص لتتّضح أهمية هذا الإنتصار أكثر، لأنّه لا ينتظر أن تغلب جماعة مغلوبة وفي أقرب حدودها وأقواها في ظرف قصير، لكن القرآن يخبر بصراحة عن هذه الحادثة غير المتوقعة.

ثمّ يبيّن الفترة القصيرة من هذه السنين بهذا التعبير (في بضع سنين) (3)والمعلوم أن "بضع" ما يكون أقله الثلاث وأكثره التسع.

وإذا أخبر الله عن المستقبل، فلأنّه (لله الأمر من قبل ومن بعد).

وبديهيّ أن كون الأشياء جميعها بيد الله - وبأمره وإرادته - لا يمنع من اختيارنا في الإرادة وحريتنا وسعينا وجهادنا في مسير الأهداف المنظورة.

وبتعبير آخر: إن هذه العبارة لا تريد سلب الإختيار من الآخرين، بل تريد أن توضح هذه اللطيفة، وهي أن القادر بالذات والمالك على الإطلاق هوالله، وكل من لديه شيء فهو منه!.

ثمّ يضيف القرآن، أنّه إذا فرح المشركون اليوم بانتصار الفرس على الروم فإنه ستغلب الروم (ويومئذ يفرح المؤمنون).

أجل، يفرحون (بنصر الله... ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم).

ولكن ما المراد من فرح المؤمنون؟!

قال جماعة: المراد منه فرحهم بانتصار الروم، وإن كانوا في صفوف الكفار أيضاً، إلاّ أنّهم لكونهم لديهم كتاب سماوي فانتصارهم على المجوس يعدّ مرحلة من انتصار "التوحيد" على "الشرك".

وأضاف آخرون: إن المؤمنين إنّما فرحوا لأنّهم تفألوا من هذه الحادثة فألا حسناً، وجعلوها دليلا على انتصارهم على المشركين.

أو أن فرحهم كان لأنّ عظمة القرآن وصدق كلامه المسبق القاطع - بنفسه - انتصار معنوي للمسلمين وظهر في ذلك اليوم.

ولا يبعد هذا الإحتمال وهو أن انتصار الروم كان مقارناً مع بعض انتصارات المسلمين على المشركين، وخاصة أن بعض المفسّرين أشار إلى أن هذا الإنتصار كان مقارناً لإنتصار بدر أو مقارناً لصلح الحديبية.

وهو بنفسه يعدّ انتصاراً كبيراً، وخاصة إن التعبير بنصر الله أيضاً يناسب هذا المعنى.

والخلاصة: إنّ المسلمين "المؤمنين" فرحوا في ذلك اليوم لجهات متعددة:

1 - من انتصار أهل الكتاب على المجوس، لأنّه ساحة لإنتصار الموحدين على المشركين.

2 - من الإنتصار المعنوي لظهور إعجاز القرآن.

3 - ومن الإنتصار المقارن لذلك الإنتصار، ويحتمل أن يكون صلح الحديبية، أو بعض فتوحات المسلمين الأُخر!.

ولزيادة التأكيد يضيف أيضاً (وعد الله(4) لا يخلف الله وعده ولكن أكثر الناس لا يعلمون) والسبب في عدم علم الناس، هو عدم معرفتهم بالله وقدرته، فهم لم يعرفوا الله حق معرفته، فهم لا يعلمون هذه الحقيقة، وهي أن الله محال عليه أن يتخلف عن وعده، لأنّ التخلف عن الوعد إمّا للجهل، أو لأنّ الأمر كان مكتوماً ثمّ اتضح وصار سبباً لتغيير العقيدة، أو للضعف وعدم القدرة، إذ لم يرجع الذي وعد عن عقيدته لكنّه غير قادر، لكن الله لا يتخلف عن الوعد، لأنّه يعرف عواقب الأمور، وقدرته فوق كل شيء.

ثمّ يضيف القرآن معقباً: (يعلمون ظاهراً من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون).

إنّهم لا يعلمون إلاّ الحياة الدنيا فحسب، بل يعلمون الظاهر منها ويقنعون به! فكلّ ما تمثله نظراتهم ونصيبهم من هذه الحياة هو اللهو واللذة العابرة والنوم والخيال... وما ينطوي في هذا الادران السطحي للحياة من الغفلة والغرور، غير خاف على أحد.

ولو كانوا يعلمون باطن الحياة وواقعها في هذه الدنيا، لكان ذلك كافياً لمعرفة الآخرة! لأنّ التدقيق في هذه الحياة العابرة، يكشف أنّها حلقة من سلسلة طويلة ومرحلة من مسير مديد كبير، كما أن التدقيق في مرحلة تكوين الجنين يكشف عن أن الهدف النهائي ليس هو هذه المرحلة من حياة الجنين فحسب! بل هي مقدمة لحياة أوسع!.

أجل، هم يعلمون ظاهراً من الحياة الدنيا فحسب، ولكنّهم غافلون عن مكنونها ومحتواها ومفاهيمها!.

ومن الطريف هنا أن تكرار الضمير "هم" يشير إلى هذه الحقيقة، وهي أن علة هذه الغفلة وسرّها تعود إليهم "فهم الغفلة وهم الجهلة" وهذا يشبه تماماً قول القائل لك مثلا: لقد أغفلتني عن هذا الأمر، فتجيبه: أنت كنت غافلا عن هذا الأمر، أي إن سبب الغفلة يعود إلى نفسك أنت!.

بحوث

1 - إعجاز القرآن من جهة "علم الغيب"

إن واحداً من طرق إثبات إعجاز القرآن، هو الإخبار بالمغيبات، ومثله الواضح في هذه الآيات - محل البحث - ففي عدّة آيات يخبر بأنواع التأكيدات عن انتصار كبير لجيش منهزم بعد بضع سنين.. ويعدّ ذلك وعداً إلهيّاً غير مكذوب ولا يتخلف أبداً.

فمن جهة يتحدث مخبراً عن أصل الإنتصار والغلب (وهم من بعد غلبهم سيغلبون).

ومن جهة يتحدث عن خبر لإنتصار آخر للمسلمين على الكفار مقترناً لزمان الإنتصار الذي يتحقق للروم (ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله).

ومن جهة ثالثة يصرّح أنّ هذا الأمر سيقع خلال عدّة سنوات (في بضع سنين).

ومن جهة رابعة يسجّل قطعية هذا الوعد الإلهي بتأكيدين بالوعد (وعد الله لا يخلف الله وعده).

ويحدثنا التأريخ أنّه لم تمض تسع سنوات حتى تحققت هاتان الحادثتان... فقد انتصر الروم في حربهم الجديدة على الفرس، واقترن زمان هذا الإنتصار بـ "صلح الحديبية" وطبقاً لرواية أُخرى أنّه كان مقارناً لمعركة بدر، إذ حقق المسلمون انتصاراً ملحوظاً على الكفار.

والآن ينقدح هذا السؤال، وهو: هل يستطيع إنسان أن يخبر بعلم عادي بسيط، عن مثل هذه الحادثة المهمة بضرس قاطع؟.. حتى لو فرضنا أن الأمر كان مع تكهّن سياسي - ولم يكن - فينبغي أن يذكر هذا الأمر بقيد "الإحتياط" والإحتمال، لا بمثل هذه الصراحة والقطع، إذ لو ظهر خلافه لكان أحسن دليلوسند على إبطال دعوى النبوة بيد الأعداء!.

والحقيقة هي أنّ مسائل من قبيل توقّع انتصار دولة كبيرة كالروم، أو مسألة المباهلة، تدل بصورة جيدة على أنّ نبيّ الإسلام(ص) كان قلبه متعلقاً بمكان آخر، وكان له سند قوي، وإلاّ فلا يمكن لأي أحد - في مثل هذه الظروف - أن يجرؤ على مثل هذا الأمر!.

وخاصة، إنّ مطالعة سيرة النّبي(ص) تكشف أنّه لم يكن إنساناً يتصيد بالماء العكر، بل كانت أعماله محسوبة... فمثل هذا الإدعاء من مثل هذا الشخص يدل على أنّه كان يعتمد على ما وراء الطبيعة، وعلى وحي الله وعلمه المطلق.

وسنتحدث عن تطبيق هذا التنبؤ التاريخي في القريب العاجل إن شاء الله.

2 - السطحيّون "أصحاب الظاهر"

تختلف نظرة الإنسان المؤمن الإلهي أساساً مع نظرة الفرد المادي المشرك، اختلافاً كبيراً.

فالأوّل طبقاً لعقيدة التوحيد - يرى أن العالم مخلوق لربّ عليم حكيم، وجميع أفعاله وفق حساب وخطة مدروسة، وعلى هذا فهو يعتقد أن العالم مجموعة أسرار ورموز دقيقة، ولا شيء في هذا العالم بسيط واعتيادي، وجميع كلمات هذا الكتاب "التكويني" ذات محتوى ومعنى كبير.

هذه النظرة التوحيدية تقول لصاحبها: لا تمرّ على أية حادثة وأي موضوع ببساطة، إذ يمكن أن يكون أبسط المسائل أعقدها.. فهو ينظر دائماً إلى عمق هذا العالم ولا يقنع بظواهره، قرأ الدرس في مدرسة التوحيد، ويرى للعالم هدفاً كبيراً، وما من شيء إلاّ يراه في دائرة هذا الهدف غير خارج عنها.

في حين أن الإنسان المادي غير المؤمن يعدّ الدنيا مجموعة من الحوادثالعُمي والصمّ التي لا هدف لها، ولا يفكر بغير ظاهرها، ولا يرى لها باطناً وعمقاً أساساً.

ترى هل يعقل أن يكون لكتاب رسم طفل على صفحاته خطوطاً عشوائية، أهمية تذكر؟! وكما يقول بعض العلماء الكبار في علوم الطبيعة: إن جميع علماء البشر من أية فئة كانوا وأية طبقة، حين نهضوا للتفكير في نظام هذا العالم، كانوا ينطلقون من تفكير ديني "فتأملوا بدقّة".

"أنشتاين" العالم المعاصر يقول: من الصعب العثور بين المفكرين في العالم شخص لا يحس بدين خاص... وهذا الدين يختلف مع دين الإنسان العامي، إنّه يدعو هذا العالم إلى التحيّر من هذا النظام العجيب والدقيق للكائنات، إذ تكشف عن وجهها أسراراً لا تقاس مع جميع تلك الجهود والأفكار المنظمة للبشر(5)!.

ويقول في مكان آخر: إن الشيء الذي دعا العلماء والمفكرين والمكتشفين - في جميع القرون والأعصار - أن يفكروا في أسرار العالم الدقيقة، هو اعتقادهم الديني(6).

ومن جهة أُخرى كيف يمكن أن يساوى بين من يعتبر هذه الدنيا مرحلة نهائية وهدفاً أصليّاً، ومن يعدّها مزرعة وميداناً للإمتحان للحياة الخالدة التي تعقب هذه الحياة الدنيا، فالأوّل لا يرى أكثر من ظاهر هذه الحياة، والآخر يفكر في أعماقها!.

وهذا الإختلاف في النظر يؤثر في حياتهم بأجمعها، فالذي يعيش حياة سطحية وظاهرية يعتبر الإنفاق سبباً للخسران والضرر، في حين أن هذا "الموحد" يعدّها تجارة رابحة لن تبور.

وذلك المادي يعتبر "أكل الربا" سبباً للزيادة ووفرة المال.

وأمّا الموحد فيعده وبالا وشقاءً وضرراً.

وذلك يعتبر الجهاد ضنىً وشقاءً ويعتبر الشهادة فناءً وانعداماً، وأمّا الموحد فيعد الجهاد رمزاً للرفعة، والشهادة حياة خالدة!

أجل، إن غير المؤمنين لا يعرفون إلاّ الظواهر من الدنيا، وهم في غفلة عن الحياة الأُخرى (يعلمون ظاهراً من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون).

3 - المطابقة التاريخية

لكي نعرف المقطع التاريخي الذي حدثت فيه المعارك بين الروم والفرس، يكفي أن نعرف في ذلك التاريخ أن حرباً طويلة حدثت في عهد "خسرو پرويز" ملك الفرس مع الروم استمرت زهاء أربع وعشرين سنة، حيث دامت من سنة "604 ميلادية إلى سنة 628".

وفي حدود سنة 616 ميلادية هجم قائدان عسكريان في الجيش الفارسي هما: (شهربراز" و (شاهين) على الحدود الشرقية للروم، فهزما الروم هزيمة نكراء، وسيطرا على منطقة الشامات ومصر وآسيا الصغرى، فواجهت الروم الشرقية بسبب هذه الهزيمة حالة الإنقراض تقريباً، واستولى الفرس على جميع ما كان تحت يد الروم من آسيا ومصر.

وكان ذلك في حدود السنة السابعة للبعثة!

غير أنّ ملك الروم "هرقل" بدأ هجومه على بلاد فارس سنة 622 ميلادية وألحق هزائم متتابعة بالجيش الفارسي، واستمرت هذه المعارك حتى سنة 628 لصالح الروم، وغُلب خسرو پرويز، وانكسر انكساراً مريراً، فخلعه الفرس عن السلطنة وأجلسوا مكانه ابنه "شيرويه".

وبملاحظة أنّ مولد النّبي (ص) كان سنة 571 ميلادية وكانت بعثته سنة 610 ميلادية، فإن هزيمة الروم وقعت في السنة السابعة للبعثة، وكان انتصارهم بينسنتي خمس وست للهجرة النبوية، ومن المعلوم أن السنة الخامسة حدثت فيها معركة الخندق، وتم في السنة السادسة صلح الحديبية، وبطبيعة الحال فإن تنقّل الأخبار عن حرب فارس والروم إلى منطقة الحجاز ومكّة كانت تستوعب عادة فترة من الزمان، وبهذا ينطبق هذا الخبر القرآني على هذه الفترة التاريخية بوضوح "فلاحظوا بدقة".


1- مجمع البيان، بداية سورة الروم.

2- جاء سبب النّزول هذا في كتب التفاسير المختلفة بشيء من الإختلاف البسيط في التعابير، فراجع مجمع البيان والميزان ونور الثقلين وتفسير الفخر الرازي وأبو الفتوح الرازي، وتفسير الآلوسي وفي ظلال القرآن والتفاسير الأخرى.

3- تفسير التبيان، ج 8، ص 206.

4- توجد احتمالات كثيرة في معنى "بضع" فقيل: إنّها تتراوح بين ثلاث وعشر، أو أنّها تتراوح بين واحدة وتسع، وقيل: أقلّها ست وأكثرها تسع. إلاّ أن ما ذكرناه في المتن هو المشهور.

5- نصب "وعد الله" على أنّه مفعول مطلق وعامله محذوف، ويعلم من الجملة التي قبله أي "سيغلبون" التي هي مصداق الوعد الإلهي، ويكون تقديره: وعد الله ذلك وعداً!.

6- نقلا عن كتاب "الدنيا التي أراها".