سُورَة العنكبوت

مكيّة وَعَدَدُ آياتِهَا تسع وسَتُونَ آية"سورة العنكبوت"

محتوى سورة العنكبوت!

المشهور بين جمع من المحققين أنّ جميع آيات هذه السورة نازلة بمكّة، فيكون محتواها منسجماً مع محتوى السور المكية.

إذ ورد فيها الكلام على المبدأ والمعاد، وقيام الأنبياء السابقين العظام، ووقوفهم بوجه المشركين وعبدة الأصنام والجبابرة والظالمين، وانتصارهم وانهزام هذه الجماعة الظالمة! وكذلك تتحدث هذه السورة عن الدعوة إلى الحق والامتحان الالهي للبشر، وذرائع الكفار في مجالات مختلفة.

غير أنّ جماعةً من المفسّرين يرون بأن إحدى عشرة آية منها نازلة بالمدينة، وهي الآيات الأُولى من السورة، ولعلّ ذلك - كما سنرى - ناتج عن سبب نزول بعض الآيات التي تتحدث عن الجهاد، والإشارة إلى موضوع المنافقين، وهذا ما يناسب السور المدنية!.

ولكن سنرى بعدئذ أنّ هذه الأُمور لا تنافي كون السورة مكيّة.

وعلى كل حال، فتسمية السورة هذه بـ "العنكبوت" مأخوذة من الآية (41) من هذه السورة، التي تشبّه عبدة الأوثان من دون الله بالعنكبوت، التي تبني بيتها من نسيجها، وهو أوهن البيوت!!.

وبصورة إجمالية، يمكن أن يقال: إن أبحاث هذه السورة تتلخص في أربعة أقسام:

1 - فالقسم الأوّل من السورة يتحدث عن مسألة "الامتحان"، وموضوع"المنافقين"، وهذان الأمران متلازمان لا يقبلان الإنفكاك!! لأنّ معرفة المنافقين غير ممكنة إلاّ في طوفان الإمتحانات.

2 - والقسم الثّاني من هذه السورة - في الحقيقة - هو لتسلية قلب النّبي(ص)والمؤمنين القلّة الأوائل، عن طريق بيان جوانب من حياة الأنبياء العظام السابقين، أمثال نوح وإبراهيم ولوط وشعيب(ع) وعواقبهم!.

إذ واجهوا أعداءً ألِدّاء أمثال نمرود و طواغيت المال البخلاء.

وقد بيّن هذا القسم من السورة كيفية المواجهة، وعُدّتها، وعاقبتها للمؤمنين لتطمئن قلوبهم، ولتكون هذه الآيات إنذاراً للمشركين وعبدة الأوثان، الذين لهم قلوب كالحجارة أو أشدّ قسوة، والظالمين الذين عاصروا النّبي(ص).

3 - والقسم الثّالث من هذه السورة، وهو ما ورد في نهاية السورة بوجه خاص، يتحدث عن التوحيد ودلائل الله في عالم خلقه، والمواجهة مع المشركين، ويدعوا الفطرة والوجدان إلى الاحتكام والقضاء الحق!.

4 - أمّا القسم الرّابع من هذه السورة، ففيه مباحث متنوعة عن عجز الأصنام المصنوعة التي تعبد من دون الله، وعبادها الذين مثلهم كمثل العنكبوت، وبيان عظمة القرآن، ودلائل حقانية نبيّ الإسلام، ولجاجة المخالفين، كما تتعرض لسلسلة من المسائل التربوية أمثال: الصلاة، والعمل الصالح، والإحسان إلى الوالدين، وأسلوب مناقشة المخالفين، وما إلى ذلك.

فضيلة هذه السورة!

ورد في تفسير مجمع البيان عن الرّسول الأكرم(ص) في فضيلة هذه السورة مايلي: "من قرأ سورة العنكبوت كان له عشر حسنات بعدد كل المؤمنين والمنافقين".

ولتلاوة سورتي العنكبوت والروم في شهر رمضان في الليلة الثّالثةوالعشرين منه فضيلة قصوى، حتى أنّنا نقرأ في هذا الصدد حديثاً للإمام الصادق(ع) يقول: "من قرأ سورة العنكبوت والروم في شهر رمضان ليلة ثلاث وعشرين فهو والله من أهل الجنّة، لا استثنى فيه أبداً... ولا أخاف أن يكتب الله علي في يميني إثماً، وإن لهاتين السورتين من الله مكاناً".(1)

ولا شك أن محتوى هاتين السورتين الغزير، والدروس العملية المهمّة منها في التوحيد، وما إلى ذلك، كلّه كاف لأن يسوق أيّ إنسان ذي لب وفكر وعمل إلى الجنّة والخلود فيها.

بل لو استلهمنا من بداية سورة العنكبوت وآياتها الأُولى العظة فلعلنا نكون مشمولين في قسم الإمام الصادق(ع)... تلك الآية التي تعرض الإمتحان لعامّة الناس دون استثناء ليفتضح المبطلون والكاذبون... فكيف يمكن أن يصدّق الإنسان بهذا الإمتحان العظيم وهو لم يهيء نفسه له!؟.

ولم يكن من أهل التقوى والورع!


1- سورة الجن، الآية 18.